مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 509

جلسة 3 إبريل سنة 1939

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

(371)
القضية رقم 366 سنة 9 القضائية

نقض وإبرام:
( أ ) حكم بتعويض واجب التنفيذ. أداء المحكوم عليه مبلغ التعويض إلى المحضر. لا يعتبر قبولاً للحكم يمنعه من الطعن فيه بطريق النقض.
(ب) عدم ختم الحكم في الميعاد. أثره. مهلة. مبدأ حسابها.
(المادة 231 تحقيق)
(حـ) اختلاس. مرتهن. رهنه للشيء المرهون لديه. أحكامه.
(المادة 12 من لائحة البيوت المالية للتسليف على رهونات)
1 - إن مجرّد أداء مبلغ التعويض إلى المحضر وقت مباشرته تنفيذ الحكم الواجب التنفيذ لا يفيد قبول المحكوم عليه لهذا الحكم قبولاً يمنعه من الطعن فيه بطريق النقض. وعلى الأخص إذا كان المحكوم عليه قد قرّر بالطعن في الحكم قبل ذلك.
2 - إن عدم ختم الحكم في الميعاد المقرّر يسوّغ لمن قرّر بالطعن فيه في الميعاد القانوني أن يقدّم أسباب طعنه في مدى عشرة أيام محسوبة من يوم علمه رسمياً بإيداع الحكم في قلم الكتاب بعد ختمه.
3 - إن التصرف في الشيء المنقول برهنه رهن حيازة لا يجوز إلا من مالك هذا الشيء. فليس إذاً للدائن المرتهن لمنقول أن يرهنه باسمه ضماناً لدين عليه، فإن فعل فلا يحتج بالعقد على المالك الحقيقي. غير أنه إذا كان هذا المرتهن الأخير حسن النية وقت العقد، أي معتقداً صحة ملكية من تعاقد معه، ففي هذه الحالة يكون على المالك الذي يطالب بردّ ملكه أن يوفي هذا المرتهن بكل المستحق له من الدين المضمون بالرهن. وأما إذا كان سيئ النية فإن الرهن لا يكسبه من الحقوق قبل مالك الشيء المرهون أكثر مما لمدينه الذي تعاقد معه، فلا يلزم المالك إلا بأن يؤدّي له قيمة الدين المطلوب منه لدائنه هو والذي يخوّل للمرتهن حبس المرهون حتى السداد. ولم يعين القانون طريقة خاصة لإثبات سوء نية المرتهن المتعاقد مع غير مالك، بل ترك ذلك للقواعد العامة التي تبيح في هذه الحالة الإثبات بكافة طرق الإثبات القانونية. تلك هي الأحكام التي تمليها القواعد القانونية العامة بشأن رهن المرتهن للشيء المرهون لديه والتي تضمنتها المادة 12 من لائحة البيوت المالية للتسليف على رهونات.


المحكمة

من حيث إن المدّعي بالحق المدني دفع أمام هذه المحكمة (أوّلاً) بعدم قبول الطعن المقدّم من الطاعن الأوّل لأنه قام بدفع المبلغ المحكوم عليه به في يوم 6 أغسطس سنة 1938 للمحضر عند الشروع في التنفيذ عليه بغير أن يحفظ لنفسه الحق في الطعن بطريق النقض في الحكم. (ثانياً) بأن الطاعنين لم يقدًما أسباباً لطعنيهما في الميعاد القانوني، بل اقتصرا على القول بأن الحكم لم يختم في الميعاد المحدّد لختمه، وطلبا من محكمة النقض أن تمنحهما أجلاً لتقديم أوجه طعنهما عليه مع أن الواجب قانوناً أن تقدّم جميع أوجه الطعن في الميعاد الوارد في القانون وأن لا تقبل الأسباب التي تقدّم بعده.
وحيث إنه إزاء ما دفع به الطاعن الأوّل من أنه لم يصدر منه ما يفيد رضاءه بالحكم المطعون فيه، وإزاء الثابت من أن دفع المبلغ المحكوم به لم يحصل إلا بعد أن قرّر هذا الطاعن فعلاً بالطعن في الحكم، وكان ذلك إلى المحضر وقت مباشرته تنفيذ الحكم الواجب النفاذ - إزاء كل ذلك يتعين القول بانعدام كل دليل أو قرينة تدل على رضاء الطاعن بالحكم رضاء يسقط معه حقه في الطعن مما يتعين معه رفض الدفع الأوّل. أما الدفع الثاني فمردود بأن قضاء محكمة النقض قد استقرّ على أن عدم ختم الحكم في الميعاد القانوني لا يترتب عليه بطلان الحكم وإنما يسوغ تقديم أسباب الطعن في مدى العشرة أيام التالية لثبوت علم الطاعن رسمياً بإيداع الحكم في قلم الكتاب بعد ختمه.
وحيث إنه لذلك يتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بوجهي الطعن المقدّم منهما على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون خطأ يعيبه ويوجب نقضه، لأنه أسس مسئوليتهما على عدم جواز ارتهان الشيء المنقول إذا كان المرتهن يعلم أنه غير مملوك لمن تقدّم برهنه، مستنداً في ذلك إلى المادة 12 من لائحة بيوت التسليف على رهونات مع أن هذه المادة قد أباحت هذا الرهن، وأجازت للمالك بعد أن يثبت ملكيته في الشيء المرهون أن يستردّه على شرط دفعه المبلغ كاملاً من رأس مال وفوائد ما لم يكن قد أنذر المسلف وقت التسليف بأنه يتعامل مع غير مالك. والحكم لم يعرض لهذه الشروط ومدى علاقة المدّعى بها. والثابت أن المدّعي المدني لم يعرض سوى قيمة دينه هو لا الدين الجديد المطلوب للطاعنين ممن باشر الرهن لهما، كما أنه لم ينذر المسلف أو يبلغه وقت الرهن بأنه يتعامل مع غير مالك. ويضيف الطاعنان إلى ذلك أنه إذا فرض جدلاً أن القانون لا يجيز ارتهان الشيء من الدائن المرتهن بأكثر مما دفع هذا الدائن للمالك عند الرهن الأوّل، فكان يجب على المحكمة أن تدلل على علم الطاعنين بقيمة الرهن الأوّل - الأمر الذي لم تفعله، واكتفت بإثبات علم الطاعنين بأن من باشر الرهن لهما لم يكن مالكاً لما رهنه. وهذا قصور يعيب الحكم ويوجب نقضه أيضاً.
وحيث إن التصرف في الشيء المنقول برهنه رهن حيازة لا يجوز إلا من مالك هذا الشيء. فليس إذاً للدائن المرتهن لمنقول أن يرهنه باسمه ضماناً لدين عليه، وإن فعل فلا يحتج بالعقد على المالك الحقيقي للشيء المرهون. غير أنه إذا كان الدائن الحائز حسن النية وقت العقد معتقداً صحة ملكية من تعاقد معه، ففي هذه الحالة يجب على المالك الذي يطالب برد ملكه أن يوفي هذا الدائن بكل المستحق له من الدين المضمون بالرهن. وأما إذا كان الدائن سيء النية فإن الرهن لا يكسبه من الحقوق قبل مالك الشيء المرهون أكثر مما لمدينه الذي تعاقد معه - الأمر الذي لا يوجب على المالك سوى القيام بسداد الدين الأول المطلوب منه هو لدائنه، ذلك الدين الذي عقد الرهن صحيحاً فيما يختص به والذي يخوّل وحده للمرتهن حبس المرهون حتى السداد. ولم يحدّد القانون لإثبات سوء نية المرتهن المتعاقد مع غير مالك طريقاً خاصاً، بل ترك ذلك للقواعد العامة التي تبيح في هذه الحالة الإثبات بكافة طرق الإثبات القانونية. تلك هي الأحكام التي تمليها القواعد القانونية العامة بشأن رهن المرتهن للشيء المرهون لديه والتي تضمنتها المادة 12 من لائحة البيوت المالية للتسليف على رهونات.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أورد واقعة الدعوى فقال: إن المدّعي المدني سبق أن رهن مصاغاً إلى صائغ يدير محلاً للتسليف على رهونات يدعى لبيب يعقوب، وهذا الرهن مقابل مبلغ 11 جنيهاً. وقد اتهم لبيب هذا بتبديد المصاغ مع مصوغات أخرى لآخرين كانت سلمت إليه أيضاً على سبيل الرهن ولم يردّها لأصحابها وقد حكم عليه نهائياً بالعقوبة. وظهر من التحقيق أنه تصرف في الأشياء التي كانت مرهونة عنده بأن رهنها من باطنه لآخرين هما المستأنفان (الطاعنان). وقد رفع المدّعي المدني جنحة مباشرة ضدّهما على اعتبار أنهما شريكان في التبديد للبيب يعقوب. وبعد ذلك قال الحكم إن حق المدّعي بالحق المدني في طلب رد مصاغه الذي تحت يد المستأنفين بطريق الرهن أو طلب التعويض منهما عند امتناعهما عن ردّه إليه يتحقق متى تبين أن المستأنفين قد ارتهنا المصاغ من شخص يعلمان أنه لا يملكه ولا يملك حق رهنه. وهذا وفقاً لما تقضي به المبادئ العامة وما تؤيده المادة 12 من قانون بيوت التسليف على رهونات. ثم أخذ الحكم يدلل على أن الطاعنين كانا يعلمان وقت أن أخذا المصوغات على سبيل الرهن من لبيب يعقوب المرتهن لها بأن هذه المصوغات لم تكن مملوكة له بل لأشخاص رهنوها عنده على مبالغ أقل مما رهنها هو عليها عندهما. وانتهى الحكم إلى القول باقتناع المحكمة من الأدلة التي أوردها بأن الطاعنين قد ارتهنا المصاغ وهما يعلمان أنه غير مملوك لمن رهنه لهما، وبنى على ذلك قضاءه بإلزام الطاعنين برد الفرق بين قيمة الرهن الأصلي أي الدين المطلوب من المدّعي للبيب يعقوب والمضمون بالرهن أصلاً وبين القيمة المقدّرة للمصاغ المرهون الذي امتنعا عن تسليمه لمالكه، وكذا مبلغ 6 جنيهات على سبيل التعويض.
وحيث إنه يتضح من البيان المتقدّم أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام الطاعنين بقيمة المصاغ المرهون لهما والذي عجزاً عن ردّه لصاحبه اعتماداً على أنهما وقت أن ارتهناه كانا يعلمان أن من رهنه لهما لا يملك الحق في ذلك - إذ قضى الحكم بهذا وأوجب في الوقت نفسه أن يخصم من القيمة المقدّرة للمصاغ المرهون قيمة الدين الأصلي الذي كان المصاغ مرهوناً من مالكه ضماناً له قد أصاب الحقيقة ولم يخطئ في شيء. أما ما يدعيه الطاعنان من إلزام المالك الحقيقي للشيء المرهون في مثل هذه الحالة بأن يدفع قيمة الرهن الباقي لأنه لم ينذر المسلف وقت العقد بأنه يتعامل مع غير مالك. فمردود بأن القانون لا يحتم هذا الإنذار لإثبات علم المسلف بأن من باشر الرهن له لا يملك الشيء المرهون، كما أنه لا يحتم أن يكون علم المسلف قد جاء عن طريق المالك نفسه، ويكفي أن يثبت هذا العلم لدى المسلف من أي دليل وعن أي طريق. وهذا قد عرض له الحكم وأورد الأدلة المؤيدة للنظر الذي ذهب إليه. وأما ما يثيره الطاعنان من أن الحكم لم يدلل على علمهما بقيمة الرهن الأوّل أي الرهن الصحيح فلا أساس له، لأنهما، وقد تعاملا مع غير مالك، لا يحق لها أن يسببا بعملهما هذا أي ضرر للمالك الحقيقي، بل يجب قانوناً أن يتحملا نتائج ما أقدما عليه وهما يعلمان حقيقة الأمر فيه. أما ما ذكره الدفاع عن الطاعن بجلسة المرافعة أمام هذه المحكمة من أن المصاغ المرهون ردّ إلى لبيب يعقوب الأمر الذي أنكره عليه خصمه فلا يلتفت إليه ما دام لم يتخذ ذلك سبباً في أوجه الطعن التي قدّمها.