مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 530

جلسة 17 إبريل سنة 1939

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

(377)
القضية رقم 892 سنة 9 القضائية

( أ ) إثبات. اقتناع المحاكم الجنائية. أساسه. التحقيق الشفهي بالجلسة. محاضر التحقيق الأولية. تقديرها. محاضر المخالفات. حجيتها. ضابط بوليس. تفتيشه منزلاً. إثباته رضاء رب المنزل بالتفتيش في محضره. حرية القاضي في الأخذ به.
(المادة 139 تحقيق)
(ب) تفتيش. رضا صاحب المنزل بتفتيش منزله. شروط صحته.
(حـ) تفتيش. جريمة تلبس. سلطة مأمور الضبطية القضائية في تفتيش منزل كل متهم فيها. فاعل أصلي. شريك. متلبس أو غير متلبس.
(المواد 5 و8 و15 و18 تحقيق)
1 - إن أساس المحاكمة الجنائية حرية القاضي في تكوين عقيدته من التحقيق الشفهي الذي يجريه بنفسه والذي يديره ويوجهه الوجهة التي يراها موصلة للحقيقة. أما التحقيقات الأولية السابقة على المحاكمة فليست إلا تمهيداً لذلك التحقيق الشفهي. وهي بهذا الاعتبار لا تخرج عن كونها من عناصر الدعوى المعروضة على القاضي فيأخذ بها إذا اطمأن إليها ويطرحها إذا لم يصدّقها، غير مقيد في ذلك بما يثبته المحققون من اعترافات تنسب للمتهمين وتقريرات تنسب للشهود. ولا يستثنى من ذلك إلا ما نص عليه القانون وجعل له حجية خاصة، كما جاء في المادة 139 من قانون تحقيق الجنايات من وجوب اعتماد المحاضر التي يحررها المأمورون المختصون في مواد المخالفات إلا إذا ثبت ما يخالفها. فإذا أثبت ضابط البوليس في محضره أنه دخل منزلاً لتفتيشه للبحث عن مخدّر، وأن رب المنزل قبل إجراء هذا التفتيش فلا يكون القاضي ملزماً قانوناً بالأخذ بما أثبته الضابط من رضا صاحب المنزل بالتفتيش، بل له إذا لم يطمئن إليه ألا يعوّل عليه.
2 - يجب في الرضا الحاصل من صاحب المنزل بدخول رجل البوليس منزله لتفتيشه أن يكون حراً حاصلاً قبل الدخول وبعد العلم بظروف التفتيش وبأن من يريد إجراءه لا يملك ذلك قانوناً.
3 - يجوز قانوناً لمأمور الضبطية القضائية عند مشاهدته جريمة ينطبق عليها وصف التلبس أن يفتش منزل كل متهم فيها بغير إذن من النيابة، وذلك سواء أكان فاعلاً أصلياً أم شريكاً، وسواء أشوهد متلبساً بهذه الجريمة أم لم يشاهد.


المحكمة

ومن حيث إن ملخص الوجهين الأوّل والثاني من أوجه الطعن هو أن قضاء محكمة النقض جرى على أن كل تفتيش يجريه رجل الضبطية القضائية بدون إذن النيابة يكون باطلاً والحكم الذي يبنى عليه يكون باطلاً كذلك. وهذا القضاء الثابت لا يصح التحايل للفرار من آثاره بإثبات عبارات في المحاضر الباطلة تفيد الرضا بدخول المنزل الذي حصل تفتيشه. فلا يكفي أن تعتمد المحكمة في صحة التفتيش على أن ضابط البوليس أثبت في محضره أن زوجة المتهم رضيت بتفتيش المنزل خصوصاً وأن الزوجة المسلمة لا تملك السماح بتفتيش منزل زوجها.
ومن حيث إن أساس المحاكمة الجنائية حرية القاضي في تكوين اعتقاده، وعدم تقيده إلا بما يقوم بوجدانه من التحقيق الشفهي الذي يجريه بنفسه والذي يديره ويوجهه الوجهة التي يراها موصلة للحقيقة. أما التحقيقات الأوّلية السابقة على المحاكمة فليست إلا تمهيداً لذلك التحقيق الشفهي، وهي بهذه المثابة لا تخرج عن كونها من عناصر الدعوى المعروضة على القاضي، فيأخذ بها إذا اطمأن إليها، ويطرحها إذا لم يصدّقها، غير مقيد في ذلك بما يثبته المحققون من اعترافات تنسب للمتهمين وتقريرات تنسب للشهود. ولا يستثنى من ذلك إلا ما نص عليه القانون وجعل له حجية خاصة، كما جاء في المادة 139 من قانون تحقيق الجنايات من وجوب اعتماد المحاضر التي يحرّرها المأمورون المختصون في مواد المخالفات، إلا إذا ثبت ما يخالفها. فإذا أثبت ضابط البوليس في محضره أنه دخل منزلاً لتفتيشه للبحث عن مخدّر، وأن رب المنزل قبل إجراء هذا التفتيش فلا يكون القاضي ملزماً قانونا بالأخذ بما أثبته الضابط من رضا صاحب المنزل بالتفتيش، وله - إذا لم يطمئن إليه - أن لا يصدّقه وأن لا يعوّل عليه.
ومن حيث إنه يجب للأخذ برضا صاحب المنزل بدخول رجل البوليس منزله لتفتيشه أن يكون هذا الرضا حراً، حاصلاً قبل الدخول، وبعد العلم بظروف التفتيش، وأن من يريد التفتيش لا يملك قانوناً حق إجرائه.
ومن حيث إنه يجوز قانوناً لمأمور الضبطية القضائية عند مشاهدة جريمة في حالة من حالات التلبس أن يفتش بغير إذن من النيابة منزل كل متهم فيها، سواء أكان فاعلاً أصلياً، أم شريكاً، وسواء شوهد متلبساً بالجريمة أو لم يشاهد.
ومن حيث إن واقعة الحال في هذه الدعوى - حسب الثابت من الحكمين الابتدائي والاستئنافي - أن البوليس ضبط أحمد نور عبد الواحد متلبساً بجريمة إحراز مادة مخدّرة (هيروين) بقصد الاتجار فيها بدون ترخيص أو مسوّغ قانوني، وأنه ذكر للضابط في أقواله أن خليل إبراهيم عوف (الطعن) هو الذي يسرحه بالمخدّر مقابل أجر يومي، فذهب الضابط وفتش منزل الطاعن فوجد فيه ثلاث تذاكر كلوريدرات الهروين قالت عنها زوجته إنها دواء أعطي لها في عيادة الأوقاف. فرفعت النيابة الدعوى العمومية على المتهم الذي ضبط متلبساً وعلى الطاعن وزوجته لإحرازهم مادة مخدّرة بقصد الاتجار فيها بدون ترخيص ولا مسوغ قانوني. فدفع الطاعن وزوجته ببطلان التفتيش الحاصل في منزلها لأنه أجرى بدون إذن من النيابة. فقبلت محكمة أوّل درجة هذا الدفع وقضت ببراءتهما لبطلان هذا التفتيش وعللت ذلك بقولها: "إنه لا نزاع في أن التفتيش حصل بدون إذن ولا تلبس بالنسبة للمتهمين الثاني (الطاعن) والثالثة إذ أن التلبس قاصر على المتهم الأوّل الذي ضبط محرزاً. أما قوله بالنسبة للمتهم الثاني (الطاعن) فلا يوجد حالة تلبس كما أنه لم يكن له أثر بالنسبة لإبراهيم صالح الشخص الذي ذكر اسمه المتهم الأوّل على أنه مصدر المادة التي وجدت في منزله فلم يفتش ولم يسأل عن ذلك. ولا عبرة بما جاء في المحضر من أن المتهمة الثالثة سمحت بالتفتيش فهذه العبارة غير كافية لمحو البطلان، إذ لو فرض وصدرت من المتهمة فهي لا تعلم أن لها حق رفض التفتيش، وأن التفتيش يجب أن يكون بإذن قضائي فهو قبول إن صدر فهو باطل في الواقع مبطل لما تتبعه من إجراءات إذ ثبت أن لا تلبس". وقد ألغى الحكم الاستئنافي المطعون فيه الحكم الابتدائي فيما قضى به من براءة الطاعن، وأدانه في الجريمة المنسوبة إليه، وبيّن أسباب هذه الإدانة إذ قال إنه عن المتهمين الثاني (الطاعن) والثالثة فإنه ثابت في ديباجة المحضر أن المحقق قصد منزل المتهم الثاني وهناك وجد زوجته المتهمة الثالثة وطلب منها تفتيش المنزل فسمحت وفتش المنزل فعثر على سلطانية صغيرة بها مادة بيضاء وعثر بغرفة النوم على ورقتين شفافتين بكل منهما مادة بيضاء، وإن ما أثبته المحقق بشأن التفتيش يؤخذ منه أنه كان عن قبول صريح من زوجة المتهم الثاني، وهي بصفتها هذه تملك هذا الحق، وقد شهد البوليس السري عبد العظيم محمد أمام محكمة أوّل درجة بصدور هذا الإذن من المتهمة الثالثة، وإن هذه المتهمة لم تنكر وجود المضبوطات بالمنزل وعللت وجودها بأنها دواء حصلت عليه، وقرر المتهم الثاني (الطاعن) أوّلاً أنه لا يعرف شيئاً عنها ثم قال أمام النيابة ما يتفق ورواية زوجته. وقد ثبت من التحليل أن المادة التي بالورقتين هروين.
ومن حيث إنه يبين مما تقدّم أن المحكمة الاستئنافية أجازت التفتيش على أساس رضا زوجة الطاعن به وصدقت الضابط فيما أثبته بمحضره من قبولها إياه. وهي (أي المحكمة) صاحبة الحق في ذلك ما دامت قد اطمأنت إليه ووثقت بأن الرضا كان حراً وحاصلاً قبل دخول الضابط في المنزل. ولكن الرضاء الذي يجيز التفتيش يجب فوق ذلك أن يكون حاصلاً بعد العلم بظروف التفتيش وبأن من يريد التفتيش لا يملك قانوناً حق إجرائه. وليس في عبارة الحكم ما يفيد أن زوجة الطاعن كانت تعلم بظروف التفتيش، وأن النيابة لم تأذن به، وأن الضابط الذي خاطبها لم يكن ليملك حق التفتيش، وأن رضاءها وحده هو الذي يجيز له هذا الحق. وهذا النقص في البيان كان يستدعي نقض الحكم المطعون فيه، خصوصاً وأنه لم يرد على الحكم الابتدائي بشأن عدم كفاية قبول الزوجة لصحة التفتيش للأسباب التي ذكرها، إلا أنه نظراً إلى أن الواقعة الثابتة في الحكم تفيد أن ضابط البوليس شاهد الجريمة في حالة تلبس عندما ضبط المتهم الأوّل متلبساً بها، فكان له قانوناً أن يفتش بغير إذن من النيابة منزل كل متهم فيها، سواء أكان فاعلاً أصلياً أم شريكاً، وسواء أشوهد متلبساً بالجريمة أم لم يشاهد. ومن ثم كان له الحق أن يفتش منزل الطاعن الذي دل عليه المتهم الأول كشريك له في الجريمة بغير إذن من النيابة وبغير حاجة إلى رضاء الطاعن أو زوجته بالتفتيش. وعلى هذا الأساس وحده يصح التفتيش ويستقيم الحكم.
ومن حيث إن محصل الوجه الثالث أن النيابة قصرت أسباب استئنافها الحكم الابتدائي على ما سمته اعترافاً صادراً من الطاعن وأقرت محكمة الدرجة الأولى على ما رأته من بطلان التفتيش.
ومن حيث إن استئناف النيابة يجعل المحكمة الاستئنافية تتصل بالموضوع المستأنف حكمه وتنظر فيه من جميع نواحيه، غير مقيدة بطلبات النيابة بالجلسة أو بما تضعه من القيود في تقرير الاستئناف، فلا تأثير إذاً لما يثيره الطاعن في وجه الطعن من قبول النيابة وجهة نظر محكمة الدرجة الأولى بشأن بطلان التفتيش بفرض صحته.