مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 567

جلسة 5 يونيه سنة 1939

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وأحمد مختار بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

(402)
القضية رقم 893 سنة 9 القضائية

سرقة. شروع فيها. دخول المتهم حوش المنزل الموجودة فيه الماشية. عمل تنفيذي في جريمة السرقة.
(المادتان 45 و46 ع والمادة 273 ع = 316)
إن فتح المتهم باب المنزل لسرقة ماشية فيه ودخوله في الحوش الموجودة فيه الماشية يعتبر بدءاً في تنفيذ جريمة السرقة لأنه يؤدّي فوراً ومباشرة إلى إتمامها [(1)].


المحكمة

وحيث إن الوجه الأوّل من أوجه الطعن يتحصل في أن محكمة الجنايات أخطأت في تطبيق القانون باعتبارها الواقعة قتلاً عمداً بينما هي قتل خطأ. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم أثبت في محصل الوقائع التي انتهى إليها أن إطلاق العيارين على المجني عليه من الطاعن كان وقت تماسكهما. واستندت المحكمة في ذلك إلى أقوال المجني عليه بمحضر البوليس قبل وفاته، وهذه الأقوال تؤدّى إلى أن المجني عليه عندما استيقظ عند دخول الطاعن لمنزله أمسك به من تحت إبطه فضربه الطاعن بعيار لم يصبه أعقبه بآخر أصابه حالة أن فوهة البندقية كانت مقابلة لبطنه. فهذه الأقوال تؤدي إلى أن خروج العيار كان نتيجة للتماسك، وأن الطاعن لم تتوافر لديه نية القتل، وكان من نتيجة التجاذب أن أخطأه العيار الأوّل وأصابه الثاني. ويؤيد هذا ما ذكره الحكم نفسه من أن الطاعن ذهب ليسرق لا ليقتل، وما أثبته أيضاً من اشتعال ملابس المجني عليه وهو نتيجة لازمة للتماسك.
وحيث إن الحكم المطعون فيه لخص الواقعة في "أن المجني عليه محمد أبو رحاب أحمد كان نائماً بمنزله ومعه زوجه على مصطبة الحوش بالقرب من الباب وفتح المتهم (الطاعن) الباب ودخله وكان معه شخصان آخران وقفاً خارج المنزل، واستيقظ المجني عليه على حركة فتح الباب فقام وأمسك بالمتهم فأطلق المتهم عليه عيارين ناريين أصابه أحدهما في صدره، وضربه أحد الشخصين الآخرين بعصا على رأسه، ثم هربوا جميعاً ولم يتمكنوا من سرقة الأغنام التي كانت بحوش المنزل والتي قصدوا سرقتها". ثم أشارت المحكمة إلى ما يثبت صحة هذه الوقائع مما قرّره المجني عليه قبل وفاته في محضر البوليس وما شهدت به زوجه مما تضمن "أن المتهم تخلص من المجني عليه وأطلق عليه عيارين ناريين ثم هرب". ولما عرضت المحكمة لنية القتل قالت إنها ثابتة قبل الطاعن "من استعماله سلاحاً نارياً قاتلاً (بندقية) وتصويبه نحو المجني عليه وإطلاقه عليه عيارين ناريين أصابه أحدهما في صدره وأحدث به إصابة تسبب عنها وفاته".
وحيث إنه يبين مما تقدّم أن محكمة الجنايات أوردت وقائع الدعوى واستخلصت منها استخلاصاً سائغاً أن الطاعن صوّب العيارين عمداً على المجني عليه بقصد قتله، وأن أحد العيارين أصاب مقتلاً منه وأدّى إلى وفاته. ومن هذا يتضح أن ما جاء بوجه الطعن ليس إلا نقاشاً في نقطة موضوعية بتت فيها محكمة الموضوع. ومثل هذا الحوار لا يتسع له المجال لدى محكمة النقض إذ هو لا يمت إلى القانون بصلة، ورأي قاضي الموضوع فيه هو القول الفصل الذي لا معقب عليه.
وحيث إن الوجه الثاني يتحصل في أن محكمة الجنايات لم تبين وقائع الشروع في جريمة السرقة، بل ما جاء في الحكم من أن الطاعن فتح الباب ودخل المنزل بقصد السرقة فأمسكه المجني عليه بالقرب من عتبة الباب ثم أفلت منه وهرب - هذه الوقائع لا تدل على أسوأ الفروض إلا على أن الطاعن دخل المنزل لارتكاب جريمة، وهذا الفعل جنحة لا جناية. ولذا تكون المحكمة أخطأت في تطبيق القانون إذ اعتبرت الجريمة التي تقدّمت القتل جناية.
وحيث إن وقائع الدعوى التي سبق إيرادها نقلاً عن الحكم المطعون فيه تتضمن أن المجني عليه كان نائماً على مصطبة بحوش المنزل بالقرب من الباب، وأنه استيقظ عندما فتح الطاعن الباب ودخل الحوش حيث كانت الأغنام التي استظهر الحكم أن الطاعن كان يبغى سلبها، فأمسكه المجني عليه وحال بذلك دون تحقيق مقصده. ومؤدى ذلك أن الطاعن دخل فعلاً الحوش حيث توجد الأغنام التي أراد سرقتها. وهذا الفعل عمل تنفيذي من أعمال السرقة مما يعدّ ارتكابه شروعاً فيها لأنه يؤدى فوراً ومباشرة إلى إتمام الجريمة.
وحيث إن الوجه الثالث يتحصل في أن المحكمة أخلت بحق الدفاع فقد تمسك الطاعن أمامها بأن التحقيق أثبت أن المصاب كان راقداً أمام المنزل، فلم تعن بالرد عليه ولم تشر إليه بكلمة مع ما له من أهمية جوهرية. كما تمسك بأن أقوال شاهد الإثبات الأوّل أحمد عثمان تفيد أن الذي ضرب المجني عليه لصوص ولم يذكر اسم الطاعن، لكن المحكمة أغفلت هذا الدفاع فلم ترد عليه كذلك.
ومن حيث إن محكمة الموضوع ليست ملزمة بالرد على كل جزئية من جزئيات الدفاع، ويكفي أن يكون في حكمها ما يفيد الرد على هذا الدفاع في جملته. وقد أثبت الحكم المطعون فيه أن المجني عليه كان نائماً داخل المنزل، وأن الطاعن دخل فيه وارتكب الجريمتين المنسوبتين إليه، وفي ذلك الرد الكافي على دفاع الطاعن في هذا الشأن، كما أنه لا جناح على محكمة الموضوع إذا هي أطرحت أقوال شاهد وأخذت بأقوال غيره دون حاجة لأن تعرض صراحة لما حدا بها إلى هذا الترجيح، إذ في أخذها بأدلة الثبوت التي أوردتها في حكمها ما يفيد أنها لم تثق بما يناقضها من الأقوال.


[(1)] واقعة الحال في هذه الدعوى أن أشخاصاً اتفقوا على سرقة ماشية للمجني عليه وذهبوا ليلاً ومعهم أسلحة نارية بقصد تنفيذ ما اتفقوا عليه وفتح أحدهم باب المنزل بطريقة إيلاج يده خلف الباب حتى توصل إلى فتحه من الداخل، ثم دخل المنزل وضبط في الحوش الذي فيه الماشية المقصودة سرقتها قبل أن تصل يده إليها. ويلوح أن في قضاء محكمة النقض باعتبار الدخول في المنزل - على الصورة المذكورة يغير تسلق أو كسر من الخارج - بدءاً في تنفيذ السرقة جنوحاً إلى الأخذ بما يسمى المذهب الشخصي في الشروع. وفي الحق أن دخول اللص المنزل، ووصوله إلى المكان المعدّ للماشية بحيث لم يبق باقي بينه وبين وضع يده على ما أراد سرقته، ليس فيه من الغموض ما يبعده عن القصد المصمم عليه بل فيه ما يكفي لاعتباره موجهاً إلى أمر معين هو السرقة المقصودة. ولم يعرض الحكم - حسب الظاهر منه - لصورة دخول المنزل بغير كسر أو تسلق بقصد السرقة إذا ضبط المتهم قبل أن يصل إلى ذات المكان الموجودة فيه الأشياء التي أراد سرقتها.