مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1936 لغاية 30 أكتوبر سنة 1939) - صـ 571

جلسة 5 يونيه سنة 1939

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وأحمد مختار بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

(404)
القضية رقم 1233 سنة 9 القضائية

قوّة الشيء المحكوم فيه. حكم بالبراءة. متى يستفيد منه غير المحكوم لهم فيه؟ حكم ينفي وقوع الواقعة مادياً ويقضي ببراءة المتهم فيها. اتهام غيره في ذات الواقعة. فاعلون أصليون. شركاء. تقديمهم معه أو متعاقبين. استفادتهم من حكم البراءة.
أحكام البراءة المبنية على أسباب غير شخصية بالنسبة للمحكوم لهم تعتبر عنواناً للحقيقة سواء بالنسبة لهؤلاء المتهمين أو لغيرهم متى كان ذلك في مصلحة أولئك الغير ولا يفوّت عليهم أي حق مقرّر لهم بالقانون. فالحكم النهائي الذي ينفي وقوع الواقعة المرفوعة بها الدعوى مادياً، ويبنى على ذلك براءة متهم فيها، يجب قانوناً أن يستفيد منه كل من يتهمون في ذات الواقعة باعتبارهم فاعلين أصليين أو شركاء سواء أقدموا للمحاكمة معاً أم قدموا على التعاقب بإجراءات مستقلة. وذلك على أساس وحدة الواقعة الجنائية ارتباط الأفعال المنسوبة لكل من عزى إليه المساهمة فيها فاعلاً أصلياً أو شريكاً ارتباطاً لا يقبل بطبيعته أية تجزئة ويجعل بالضرورة صوالحهم المستمدّة من العامل المشترك بينهم، وهو الواقعة التي اتهموا فيها، متحدة اتحاداً يقتضي أن يستفيد كل متهم من كل دفاع مشترك.


المحكمة

وحيث إنه مما ينعاه الطاعن في تقرير أوجه الطعن على الحكم المطعون فيه أن الدعوى رفعت عليه مع متهمين آخرين بسرقة البقرة والشروع في سرقة الجاموسة فحكم فيها ابتدائياً في 12 مايو سنة 1937 غيابياً على الطاعن وحضورياً للباقين بالعقوبة، فعارض الطاعن في هذا الحكم واستأنف الباقون، ونظر الاستئناف قبل المعارضة فقضى فيه بتاريخ 3 أكتوبر سنة 1937 ببراءة المستأنفين استناداً إلى أن واقعة السرقة ذاتها مشكوك فيها. ولما نظرت المعارضة المرفوعة من الطاعن أخذت المحكمة بهذا الحكم الاستئنافي وحكمت بالبراءة، ولكن النيابة استأنفت الحكم ومحكمة الاستئناف حكمت خطأ وعلى خلاف الحكم الذي أصدرته بالنسبة لباقي المتهمين بإدانة الطاعن مع أن التهمة واحدة والأدلة واحدة بالنسبة لهم جميعاً.
وحيث إن واقعة الحال في الدعوى كما يتضح من الاطلاع على الأحكام الصادرة فيها تتحصل في أن الطاعن قدّم مع آخرين للمحاكمة بتهمة سرقة بقرة والشروع في سرقة جاموسة فقضى ابتدائياً في 12 مايو سنة 1937 غيابياً بالنسبة للطاعن وحضورياً للباقين بإدانة الطاعن واثنين ممن قدّموا معه للمحاكمة، فعارض الطاعن فقضى في معارضته بتاريخ 23 مارس سنة 1938 ببراءته مما نسب إليه اعتماداً على أن الواقعة لا تخرج عن كونها مشاجرة عادية أثير في خلالها الادعاء بالسرقة وألقى الاتهام على المتهمين فيها جزافاً بقصد الانتقام. ثم استؤنف هذا الحكم وحكم على الطاعن غيابياً في 14 نوفمبر سنة 1938 بالإدانة، فعارض الطاعن في هذا الحكم وذكر الدفاع عنه بجلسة المعارضة أن المواشي تسربت وأن المتهمين بالسرقة برئوا منها. وقد قضت المحكمة في المعارضة بتاريخ 13 فبراير سنة 1939 بتأييد الحكم المعارض فيه.
وحيث إنه يتضح مما تقدّم صحة ما جاء بوجه الطعن من أن الدعوى العمومية رفعت على الطاعن وآخرين بتهمة سرقة مواشٍ وشروع فيها فحكم على الطاعن غيابياً أمام محكمة الدرجة الأولى فعارض، وقبل الفصل في معارضته صدر حكم نهائي من المحكمة الاستئنافية بناء على استئناف زملائه ببراءتهم لأن الواقعة التي اتهموا فيها مشكوك في صحتها. ثم قضى في المعارضة للطاعن بالبراءة لقيام هذا الشك، ولكن المحكمة الاستئنافية لم تأخذ بوجهة النظر التي أوردها الحكم الاستئنافي النهائي بالنسبة لمن اتهموا مع الطاعن بنفس التهمة وأدانته على أساس أنها لم تجد محلاً للشك في صحة وقوع الحادثة.
وحيث إن الواقعة التي أدين فيها الطاعن هي بعينها الواقعة التي حكم فيها استئنافياً - على أساس وجود الشك في وقوعها - بالبراءة لمن كانوا متهمين معه باعتبارهم فاعلين أصليين مثله فيها.
وحيث إن الطاعن وإن لم يكن طرفاً في هذا الاستئناف إلا أن الحكم النهائي الذي ينفي وقوع الواقعة المرفوعة بها الدعوى مادياً ويبنى على ذلك براءة متهم فيها يجب قانوناً أن يستفيد منه كل من اتهموا في ذات الواقعة باعتبارهم فاعلين أصليين أو شركاء سواء أقدموا للمحاكمة معاً أم قدّموا على التعاقب بإجراءات مستقلة. وذلك على أساس وحدة الواقعة الجنائية وارتباط الأفعال المنسوبة لكل من عزى إليه المساهمة فيها فاعلاً أصلياً أو شريكاً ارتباطاً لا يقبل بطبيعته أية تجزئة ويجعل بالضرورة صوالحهم المستمدّة من العامل المشترك بينهم، وهو الواقعة التي اتهموا فيها، متحدة اتحاداً يقتضي أن يستفيد كل منهم من كل دفاع مشترك. وهذا هو ما تمليه المصلحة العامة، فإنه لا شك في أن هذه المصلحة تضار دائماً بتناقض الأحكام الجنائية. كما أن ذلك هو النتيجة المنطقية من وجود النيابة العامة ممثلة للمجتمع في الدعاوى الجنائية تدافع عن صالحه وترعى حقوقه. فإذا كانت النيابة طرفاً في الدعوى السابقة التي انتهت بحكم البراءة لانتفاء حصول الواقعة، فإن في طلبها محاكمة متهم آخر عن ذات الواقعة وفيما قد يجرّ إليه هذا الطلب من التناقض بين الحكمين إهداراً للمصلحة العامة المنوطة رعايتها بها ولمصلحة المتهم المطلوب محاكمته في وقت واحد. وفضلاً عن ذلك فإن الشارع قد أعدّ المحاكم الجنائية لتحقيق أغراض اجتماعية عامة تتصل بصميم شئون الجماعة، فسنّ لها نظاماً خاصاً يختلف عن المحاكم المدنية لتحرّي الحقيقة المجرّدة بغض النظر عن أشخاص الخصوم في الدعوى وطلباتهم. وكل ذلك يسوغ القول باعتبار الأحكام الجنائية المبنية على أسباب غير شخصية بالنسبة للمتهمين فيها عنواناً للحقيقة، سواء بالنسبة لهؤلاء المتهمين أو لغيرهم متى كان ذلك في مصلحة أولئك الغير ولا يفوت عليهم أي حق مقرّر لهم بالقانون كما هو الحال بالنسبة للطاعن.
وحيث إنه لما تقدّم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإدانة الطاعن رغم ما أثبته من صدور حكم نهائي سابق ناف لحصول الواقعة التي أدانه فيها وصادر في مواجهة أشخاص اتهموا بارتكاب نفس الفعل المكوّن لذات الواقعة مع الطاعن - إذ قضى بذلك يكون قد أخطأ خطأً يعيبه ويوجب نقضه. ويتعين إذاً قبول الطعن ونقض هذا الحكم وإلغاء الحكم المعارض فيه والقضاء بانقضاء الدعوى العمومية لصدور الحكم النهائي السابق، وذلك من غير حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.