أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الأول - السنة 34 - صـ 392

جلسة 17 من مارس سنة 1983

برئاسة السيد المستشار/ الدكتور إبراهيم علي صالح نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: أحمد أبو زيد، محمد نجيب صالح، عوض جادو ومصطفى طاهر.

(79)
الطعن رقم 5590 لسنة 52 القضائية

قتل خطأ. إثبات "بوجه عام". قرائن. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". إجراءات "إجراءات المحاكمة". نقض "حالات الطعن. بطلان الإجراءات".
عدم جواز إدخال القاضي في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام عليها قضاءه أو بعدم صحتها. حكماً لسواه.
التحريات وحدها لا تصلح أن تكون دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة.
إقامة الحكم قضاءه على مجرد رأي محرر محضر الضبط. يعيبه.
لما كان من المقرر أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته صادراً في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من التحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ولا يصح في القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام قضاءه عليها أو بعدم صحتها حكماً لسواه. وأنه وإن كان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة طالما أنها كانت مطروحة على بساط البحث، إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون قرينة معينة أو دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة. ولما كان الثابت من الاطلاع على محضر جلسة محكمة أول درجة أن ضابط المباحث شهد بأن تحرياته دلت على أن الطاعن مرتكب الحادث على الصورة التي أوردها في أقواله بياناً للواقعة ولم يبين للمحكمة مصدر تحرياته لمعرفة ما إذا كان من شأنها أن تؤدي إلى صحة ما انتهى إليه من أن الطاعن هو مرتكب الحادث فإنها بهذه المثابة لا تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها تخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلى أن يعرف مصدره ويتحدد كنهه ويتحقق القضاء منه بنفسه حتى يستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ويقدر قيمته من حيث صحته أو فساده وإنتاجه في الدعوى أو عدم إنتاجه ولا يجزئ في ذلك ما قاله الحكم بما لم يقل به الضابط أن تحرياته قد استقاها "من ألسنة الناس المتواترة على الصدق" إذ هو قول مرسل على إطلاقه لا يكشف عن دليل بعينه تحققت المحكمة منه بنفسها، وإذ كانت المحكمة قد جعلت أساس اقتناعها رأي محرر محضر التحريات فإن حكمها يكون قد بني على عقيدة حصلها الشاهد من تحريه لا على عقيدة استقلت المحكمة بتحصيلها بنفسها فإن ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه بما يتعين معه نقضه والإحالة بغير حاجة إلى بحث باقي ما يثيره الطاعن في طعنه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه (1) تسبب خطأ في وفاة...... وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احترازه بأن قاد جراراً بحالة ينجم عنها الخطر.. (2) وهو قائد جرار وقع منه حادث وتسبب عنه إصابة المجني عليه ولم يهتم بأمر المصاب.. (3) قاد جراراً بحالة ينجم عنها الخطر. وطلبت عقابه بالمادة 238/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1، 2، 3، 4، 74، 80 من القانون رقم 66 لسنة 1973.
وادعى..... (والد المجني عليه) مدنياً قبل المتهم بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت.
ومحكمة جنح إمبابة قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بتغريم المتهم عشرين جنيهاً وبإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحقوق المدنية مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت.
استأنف المحكوم عليه. ومحكمة الجيزة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم القتل الخطأ وعدم الاهتمام بأمر المصاب وقيادة جرار بحالة ينجم عنها الخطر قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ذلك بأنه ركن في التدليل على أن الطاعن هو مرتكب الحادث على تحريات الشرطة فحسب رغم أن الضابط لم يبين مصدر تحرياته ودون أن تكون معززة بدليل آخر مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه بعد أن حصل دفاع الطاعن بأنه أنكر التهمة ولم يرتكب الحادث استند في تصويره للواقعة وفي قضائه بالإدانة إلى تحريات ضابط المباحث التي رددها بالجلسة بأن الطاعن هو مرتكب الحادث على النحو الذي أورده الحكم في قوله "إن المحكمة قد عولت على تحريات المباحث وما شهد به مجريها وهو المختص بذلك والمنوط به هذه المهام وما شهد به من الأمور التي يستقيها من ألسنة الناس المتواترة على الصدق فإن هذا يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع". لما كان ذلك وكان من المقرر أن الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع منها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته صادراً في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من التحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ولا يصح في القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام قضاءه عليها أو بعدم صحتها حكماً لسواه. وأنه وإن كان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة طالما أنها كانت مطروحة على بساط البحث، إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون قرينة معينة أو دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة. ولما كان الثابت من الاطلاع على محضر جلسة محكمة أول درجة أن ضابط المباحث شهد بأن تحرياته دلت على أن الطاعن مرتكب الحادث على الصورة التي أوردها في أقواله بياناً للواقعة ولم يبين للمحكمة مصدر تحرياته لمعرفة ما إذا كان من شأنها أن تؤدي إلى صحة ما انتهى إليه من أن الطاعن هو مرتكب الحادث فإنها بهذه المثابة لا تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها تخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلى أن يعرف مصدره ويتحدد كنهه ويتحقق القضاء منه بنفسه حتى يستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ويقدر قيمته من حيث صحته أو فساده وإنتاجه في الدعوى أو عدم إنتاجه ولا يجزئ في ذلك ما قاله الحكم بما لم يقل به الضابط أن تحرياته قد استقاها "من ألسنة الناس المتواترة على الصدق" إذ هو قول مرسل على إطلاقه لا يكشف عن دليل بعينه تحققت المحكمة منه بنفسها، وإذ كانت المحكمة قد جعلت أساس اقتناعها رأي محرر محضر التحريات فإن حكمها يكون قد بني على عقيدة حصلها الشاهد من تحريه لا على عقيدة استقلت المحكمة بتحصيلها بنفسها فإن ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه بما يتعين معه نقضه والإحالة بغير حاجة إلى بحث باقي ما يثيره الطاعن في طعنه.