أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الأول - السنة 34 - صـ 432

جلسة 24 من مارس سنة 1983

برئاسة السيد المستشار/ حسن جمعه نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: أحمد أبو زيد، محمد نجيب صالح، عوض جادو ومصطفى طاهر.

(88)
الطعن رقم 6533 لسنة 52 القضائية

(1) هتك عرض. تعذيب. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير قيام حالة الارتباط". عقوبة "تقديرها" "العقوبة المبررة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". طعن "المصلحة في الطعن".
اتهام الطاعن بعدة جرائم. مؤاخذته عنها بعقوبة تدخل في الحدود المقررة لإحداها - لم تكن محل طعن - إعمالاً للمادة 32 عقوبات. عدم قبول نعيه عن باقي الجرائم.
(2) مسئولية جنائية. أسباب الإباحة وموانع العقاب "موانع العقاب" "حالة الضرورة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حالة الضرورة هي التي تحيط بالشخص وتدفعه إلى الجريمة وقاية لنفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس وشيك الوقوع. شريطة أن تكون الجريمة هي الوسيلة الوحيدة لدفع ذلك الخطر.
(3) هتك عرض. تعذيب. موانع العقاب "حالة الضرورة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
طاعة الرئيس لا تمتد بأي حال إلى ارتكاب الجرائم.
(4) إجراءات "إجراءات المحاكمة" استجواب. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الاستجواب المحظور عملاً بالمادة 274/ 1 إجراءات جنائية هو مناقشة المتهم تفصيلاً في أدلة الدعوى إثباتاً أو نفياً. متى يجوز؟ وما لا يعد استجواباً.
(5) محضر الجلسة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها" حكم "بطلان الحكم". بطلان.
خلو محضر الجلسة من إثبات الدفاع كاملاً. لا يعيب الحكم. طالما لم يتمسك بإثباته في محضر الجلسة.
1 - لما كانت محكمة الجنايات قد قضت بحكمها المطعون فيه بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة عشر سنوات عن التهم المسندة إليه وهي تعذيب للمتهمين لحملهم على الاعتراف وهتك عرض أحدهم بالقوة ممن لهم السلطة عليه. لما كان ذلك وكانت المحكمة قد أثبتت في حكمها وقوع هذه الجريمة الأخيرة من الطاعن ولم توقع عليه سوى عقوبة واحدة عن الجرائم التي دانته بها تطبيقاً للمادة 32 من قانون العقوبات وكانت العقوبة المقضى بها وهي الأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة هتك العرض المنصوص عليها في المادة 268/ 1، 2 من قانون العقوبات ولم تكن في ذاتها محل طعن من الطاعن فإنه لا تكون له مصلحة فيما ينعاه على الحكم في خصوص عدم انطباق المادة 126 من القانون المشار إليه.
2 - من المقرر أن حالة الضرورة التي تسقط المسئولية هي التي تحيط بشخص وتدفعه إلى الجريمة ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله. ويشترط في حالة الضرورة التي تسقط المسئولية الجنائية أن تكون الجريمة التي ارتكبها المتهم هي الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر الحال به.
3 - لما كان من المقرر أن طاعة الرئيس لا تمتد بأي حال إلى ارتكاب الجرائم وأنه ليس على المرؤوس أن يطيع الأمر الصادر إليه من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه. فإن الحكم المطعون فيه إذ أطرح دفاع الطاعن المؤسس على قيام حالة الضرورة استناداً إلى أنه ارتكب الواقعة صدوعاً لأمر رئيسه يكون بريئاً من قالة الخطأ في تطبيق القانون.
4 - لما كان من المقرر أن الاستجواب المحظور في طور المحاكمة طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 274 من قانون الإجراءات الجنائية هو مناقشة المتهم على وجه مفصل في الأدلة القائمة في الدعوى إثباتاً ونفياً في أثناء نظرها سواء أكان ذلك من المحكمة أم من الخصوم أو من المدافعين عنهم لما له من خطورة ظاهرة وهو لا يصح إلا بناء على طلب المتهم نفسه يبديه في الجلسة بعد تقديره لموقفه وما تقتضيه مصلحته - وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن مناقشة المحكمة للطاعن اقتصرت على سؤاله عن التهمة المسندة إليه فأنكرها - ثم أدلى هو - الطاعن - من تلقاء نفسه أثناء سماع أقوال المجني عليهما ودون سؤاله أنه ضرب الأول بالكرباج وأمسك بالفلقة التي شد وثاق الثاني إليها أثناء ضربه بالكرابيج - فإن ما يثيره في هذا الصدد من قالة الإخلال بحق الدفاع يكون غير مقبول ومع ذلك فإن هذا الحظر إنما قصد به مصلحة المتهم وحده فله أن ينزل عن هذا الحق صراحة أو ضمناً بعدم اعتراضه هو أو المدافع عنه على الاستجواب وبالإجابة على الأسئلة التي توجه إليه. ولما كان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن أياً منهما لم يعترض على هذا الإجراء، فإن ذلك يدل على أن مصلحة الطاعن - في تقديره - لم تضار بهذا الذي أسماه استجواباً ولا يجوز له بعدئذ أن يدعي البطلان في الإجراءات.
5 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم خلو محضر الجلسة من إثبات دفاع الخصم كاملاً إذ كان عليه إن كان يهمه تدوينه أن يطلب صراحة إثباته في المحضر كما أن عليه إن ادعى أن المحكمة صادرت حقه في الدفاع قبل قفل باب المرافعة، وحجز الدعوى للحكم فيها أن يقدم الدليل على ذلك، وأن يسجل عليها هذه المخالفة في طلب مكتوب قبل صدور الحكم وإلا لم تجز المحاجة من بعد أمام محكمة النقض على أساس من تقصيره فيما كان عليه تسجيله. ومن ثم يكون هذا النعي غير سديد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه (أولاً) بصفته موظفاً عمومياً (صف ضابط بالقوات المسلحة) قام وآخرون بتعذيب العقيد..... بأمر ممن يرأسهم بأن شدوا وثاقه إلى الخلف وانهالوا عليه ضرباً بالسياط والأيدي على النحو المبين بالتحقيقات فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وكان ذلك بقصد حمله على الاعتراف بالانضمام إلى فتنة بالقوات المسلحة ومحاولة القيام بانقلاب عسكري (ثانياً): بصفته سالفة الذكر قام وآخرون بالقوات المسلحة بتعذيب العقيد.... بأمر ممن يرأسهم - بأن شدوا وثاقه إلى الخلف وانهالوا عليه ضرباً بالسياط واضطروه إلى العدو تحت ضربات السياط وذلك على النحو المبين بالتحقيقات وأحدثوا به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي وكان ذلك جميعه بقصد حمله على الاعتراف بالانضمام إلى فتنة بالقوات المسلحة ومحاولة القيام بانقلاب عسكري. (ثالثاً): بصفته سالفة الذكر قام وآخرون بتعذيب..... بأمر ممن يرأسهم بأن شدوا وثاقه إلى الخلف وانهالوا عليه ضرباً بالسياط على النحو المبين بالتحقيقات واضطروه إلى العدو حول نافورة بالسجن الحربي قبل عرضه على لجنة التحقيق وانهالوا عليه أثناء ذلك ضرباً بالسياط على النحو المبين بالتحقيقات فأحدث به هذا التعذيب الإصابات المبينة بالتحقيقات وبالتقرير الطبي الشرعي وكان ذلك جميعه بقصد حمله على الاعتراف بالانضمام إلى فتنة بالقوات المسلحة ومحاولة القيام بانقلاب عسكري. (رابعاً): بصفته سالفة الذكر قام وآخرون بتعذيب الرائد..... - بأمر ممن يرأسهم - بأن شدوا وثاقه إلى الخلف ووضعوا قطعة من اللحم المتساقط من قدميه في فمه فأحدثوا به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي وكان ذلك بقصد حمله على الاعتراف بارتكاب جريمة العلم بوجود تصميم على إحداث الفتنة بالقوات المسلحة والتقاعس عن الإبلاغ عنها، كما قاموا بهتك عرض المجني عليه ذاته بالقوة حالة كونه معتقلاً ولهم سلطة عليه بأن اقتحموا الزنزانة التي كان محبوساً بها بالسجن الحربي وأكرهوه تحت تأثير ضربه بالسياط على خلع ملابسه وكشف عورته وأبقوه عارياً على مرأى منهم وواصلوا ضربه بعد ذلك بالسياط وهو عاري الجسم، وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام فقرر ذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 126، 268/ 1، 2 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 32/ 2 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات عما أسند إليه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتي تعذيب متهمين لحملهم على الاعتراف. وهتك عرض أحدهم بالقوة قد انطوى على خطأ في تطبيق القانون وشابه إخلال بحق الدفاع ذلك بأنه دان الطاعن بمقتضى المادة 126 من قانون العقوبات رغم انتفاء صفة الموظف أو المستخدم العام في حقه إذ كان وقت وقوع الحادث مجنداً بالقوات المسلحة. هذا وقد أثار الطاعن ضمن دفاعه أنه كان في حالة ضرورة ألجأته إلى ارتكاب ما أسند إليه من جرائم إذ كان يأتمر بأمر رئيسه بيد أن الحكم رد على هذا الدفاع بما لا يصلح رداً. كما استجوبت المحكمة الطاعن دون موافقة الدفاع عنه وخلا محضر الجلسة من اعتراضه على هذا الإجراء - كل ذلك مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
حيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما يجمل أن الطاعن وآخرين من الضباط وصف الضباط والجنود بالقوات المسلحة بصفتهم موظفين عموميين قاموا بتعذيب كل من العقداء..... و..... و....... والرائد..... مأمورين ممن يرأسهم بأن شدوا وثاق كل منهم إلى خلفه وانهالوا عليه ضرباً بالسياط فأحدثوا بهم الإصابات المبينة بالتقارير الطبية الشرعية كما قاموا بهتك عرض المجني عليه الأخير حالة كونه معتقلاً ولهم سلطة عليه بأن اقتحموا عليه زنزانته التي كان محبوساً بها بالسجن الحربي وأكرهوه تحت تأثير الضرب بالسياط والأيدي على خلع ملابسه وكشف عورته وواصلوا ضربهم له وهو عاري الجسد حاملاً الإناء المخصص لقضاء حاجته على رأسه وكان ذلك كله بقصد حمل العقداء الثلاثة الأول على الاعتراف بالانضمام إلى فتنة بالقوات المسلحة ومحاولة القيام بانقلاب عسكري وحمل الرائد..... على الاعتراف بما نسبوه إليه من علمه بوجود تصميم على إحداث فتنة بالقوات المسلحة والتقاعس عن الإبلاغ عنها - وقد قضت محكمة الجنايات بحكمها المطعون فيه بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة عشر سنوات عن التهم المسندة إليه وهي تعذيب المتهمين لحملهم على الاعتراف وهتك عرض أحدهم بالقوة ممن لهم السلطة عليه. لما كان ذلك وكانت المحكمة قد أثبتت في حكمها وقوع هذه الجريمة الأخيرة من الطاعن ولم توقع عليه سوى عقوبة واحدة عن الجرائم التي دانته بها تطبيقاً للمادة 32 من قانون العقوبات وكانت العقوبة المقضى بها وهي الأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة هتك العرض المنصوص عليها في المادة 268/ 1، 2 من قانون العقوبات ولم تكن في ذاتها محل طعن من الطاعن فإنه لا تكون له مصلحة فيما ينعاه على الحكم في خصوص عدم انطباق المادة 126 من القانون المشار إليه، لما كان ذلك وكان من المقرر أن حالة الضرورة التي تسقط المسئولية هي التي تحيط بشخص وتدفعه إلى الجريمة ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله. ويشترط في حالة الضرورة التي تسقط المسئولية الجنائية أن تكون الجريمة التي ارتكبها المتهم هي الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر الحال به، كما أنه من المقرر أن طاعة الرئيس لا تمتد بأي حال إلى ارتكاب الجرائم وأنه ليس على المرؤوس أن يطيع الأمر الصادر إليه من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب عليه. فإن الحكم المطعون فيه إذ أطرح دفاع الطاعن المؤسس على قيام حالة الضرورة استناداً إلى أنه ارتكب الواقعة صدوعاً لأمر رئيسه يكون بريئاً من قالة الخطأ في تطبيق القانون، لما كان ذلك وكان من المقرر أن الاستجواب المحظور قانوناً في طور المحاكمة طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 274 من قانون الإجراءات الجنائية هو مناقشة المتهم على وجه مفصل في الأدلة القائمة في الدعوى إثباتاً ونفياً في أثناء نظرها سواء أكان ذلك من المحكمة أم من الخصوم أو من المدافعين عنهم لما له من خطورة ظاهرة وهو لا يصح إلا بناء على طلب المتهم نفسه يبديه في الجلسة بعد تقديره لموقفه وما تقتضيه مصلحته - وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن مناقشة المحكمة للطاعن اقتصرت على سؤاله عن التهمة المسندة إليه فأنكرها - ثم أدلى هو - الطاعن - من تلقاء نفسه أثناء سماع أقوال المجني عليهما...... و..... ودون سؤاله أنه ضرب الأول بالكرباج وأمسك بالفلقة التي شد وثاق الثاني إليها أثناء ضربه بالكرابيج - فإن ما يثيره في هذا الصدد من قالة الإخلال بحق الدفاع يكون غير مقبول, ومع ذلك فإن هذا الحظر إنما قصد به مصلحة المتهم وحده فله أن ينزل عن هذا الحق صراحة أو ضمناً بعدم اعتراضه هو أو المدافع عنه على الاستجواب وبالإجابة على الأسئلة التي توجه إليه. ولما كان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن أياً منهما لم يعترض على هذا الإجراء، فإن ذلك يدل على أن مصلحة الطاعن - في تقديره - لم تضار بهذا الذي أسماه استجواباً ولا يجوز له بعدئذ أن يدعي البطلان في الإجراءات. أما ما يثيره الطاعن من أن المحكمة رفضت إثبات اعتراضه فمردود بما هو مقرر من أنه لا يعيب الحكم خلو محضر الجلسة من إثبات دفاع الخصم كاملاً إذ كان عليه إن كان يهمه تدوينه أن يطلب صراحة إثباته في المحضر كما أن عليه إن ادعى أن المحكمة صادرت حقه في الدفاع قبل قفل باب المرافعة، وحجز الدعوى للحكم فيها أن يقدم الدليل على ذلك، وأن يسجل عليها هذه المخالفة في طلب مكتوب قبل صدور الحكم وإلا لم تجز المحاجة من بعد أمام محكمة النقض على أساس من تقصيره فيما كان عليه تسجيله. ومن ثم يكون هذا النعي غير سديد. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعين الرفض موضوعاً.