أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الأول - السنة 34 - صـ 460

جلسة 30 من مارس سنة 1983

برئاسة السيد المستشار/ محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم حسين رضوان، حسين كامل حنفي، محمد رفيق البسطويسي ومحمود بهي الدين.

(94)
الطعن رقم 1637 لسنة 52 القضائية

(1) حكم "بيانات التسبيب" "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها". دعوى جنائية "نظرها والحكم فيها". تزوير "أوراق عرفية".
اكتفاء الحكم في دعوى تزوير سند قضي مدنياً برده وبطلانه بسرد وقائع الدعوى المدنية. قصور. أساس ذلك؟
(2) تزوير "أوراق عرفية" "استعمال الأوراق المزورة". فاعل أصلي. اشتراك. قصد جنائي. إثبات "بوجه عام" حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
مجرد تمسك المتهم بالمحرر المزور وكونه صاحب المصلحة فيه والعلم به. عدم كفايته لثبوت ارتكابه التزوير ما دام ينكر ارتكابه له وخلا تقرير المضاهاة من أنه محرر بخطه ولم يشهد عليه شاهدي المدعين بالحقوق المدنية.
1 - لما كان من المقرر أنه إذا قضت المحكمة المدنية برد وبطلان سند لتزويره ثم رفعت دعوى التزوير إلى المحكمة الجنائية - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - فعلى هذه المحكمة أن تقوم ببحث جميع الأدلة التي تبني عليها عقيدتها فيها، أما إذا هي اكتفت بسرد وقائع الدعوى المدنية وبنت حكمها على ذلك، دون أن تتحرى بنفسها أوجه الإدانة فإن ذلك يجعل حكمها غير مسبب لما هو مقرر وفقاً للمادة 457 من قانون الإجراءات الجنائية، من أن الأحكام الصادرة من المحاكم المدنية لا تكون لها قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها، ذلك بأن المحكمة الجنائية تختص بموجب المادة 221 من ذلك القانون بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية المرفوعة أمامها، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. وهي في محاكمة المتهمين عن الجرائم التي تعرض عليها لا تتقيد بأي حكم صادر من أية جهة أخرى مهما كانت. لما كان ذلك وكان الحكم المستأنف قد استعرض وقائع الدعوى المدنية وما انتهى إليه الحكم فيها من قضاء برد وبطلان المحرر المطعون فيه بالتزوير, وعول في إثبات الاتهام - ضمن ما عول عليه - على هذا الحكم، فإنه يعد قاصراً في استظهار أركان جريمتي التزوير في المحرر واستعماله مع العلم بتزويره.
2 - لما كان من المقرر أن مجرد تمسك المتهم بالمحرر المزور، وكونه صاحب المصلحة في التزوير، لا يكفي بذاته في ثبوت اقترافه التزوير، أو اشتراكه فيه والعلم به, ما دام ينكر ارتكابه له - كالحال في هذه الدعوى - وخلا تقرير المضاهاة من أنه محرر بخطه، وإذ كان ذلك، وكانت تقارير الخبراء المنتدبين في الدعوى المدنية سالفة الذكر، قد خلت جميعها مما يفيد أن التوقيع المقول بتزويره قد حرر بخط المتهم. وخلت من ذلك أيضاً أقوال شاهدي المدعين بالحقوق المدنية، فإن الاتهام المسند إلى المتهم يكون غير مدلول عليه بدليل تطمئن إليه المحكمة لإدانته وإلزامه بالتعويض المطلوب، مما يتعين معه، القضاء بإلغاء الحكم المستأنف, وببراءة المتهم مما أسند إليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أولاً: ارتكب تزويراً في محرر عرفي هو عقد البيع المؤرخ..... وذلك بأن وقع عليه بإمضاء نسبه زوراً إلى.... ثانياً: استعمل المحرر المزور سالف الذكر بأن قدمه إلى محكمة شبين الكوم الابتدائية للاحتجاج به قبل آخرين مع علمه بتزويره. وطلبت عقابه بالمادتين 211، 215 من قانون العقوبات. وادعى كل من...... و...... و..... مدنياً قبل المتهم بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح شبين الكوم الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام بحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة خمسين جنيهاً لإيقاف التنفيذ وإلزامه بأن يدفع للمدعين بالحقوق المدنية مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. فاستأنف المحكوم عليه. ومحكمة شبين الكوم الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض. ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة شبين الكوم الابتدائية لتفصل فيها من جديد بهيئة من قضاة آخرين.
والمحكمة الأخيرة - بهيئة استئنافية أخرى قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من يوم الحكم بالنسبة لعقوبة الحبس.
فطعن الأستاذ..... المحامي عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض - للمرة الثانية.
وقضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بنقض الحكم المطعون فيه وحددت جلسة لنظر الموضوع.


المحكمة

من حيث إن وقائع الدعوى حسبما يبين من الاطلاع على الأوراق، تتحصل في أن..... أقام الدعوى رقم 232 لسنة 1961 مدني كلي شبين الكوم ضد.... وآخرين طالباً الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع العرفي المؤرخ في..... بدعوى أنه صادر من مورث المدعى عليهم، وبتاريخ..... طعن..... على العقد سالف الذكر بالتزوير استناداً إلى أن التوقيع المنسوب إلى مورثه بوصفه بائعاً، مزور عليه، وقد حكمت المحكمة المدنية برفض الادعاء بالتزوير وبصحة ونفاذ عقد البيع المذكور أخذاً بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير أن التوقيع المنسوب إلى البائع صحيح وصادر منه. وإذا لم يرتض المدعى عليهم في الدعوى المذكورة بالحكم. فقد طعنوا فيه بالاستئناف وقيد استئنافهم برقم... لسنة...... طنطا. وبعد أن ندبت محكمة الاستئناف مدير قسم أبحاث التزييف والتزوير لإعادة إجراء عملية المضاهاة. وقدم الخبير تقريره الذي انتهى فيه إلى أن التوقيع المنسوب إلى مورث المستأنفين، لم يصدر منه وأنه مزور عليه بطريق التقليد النظري، عادت وحكمت بتاريخ 13 من فبراير سنة 1969 بإلغاء الحكم المستأنف وبرد وبطلان عقد البيع معولة في ذلك على تقرير الخبير، وما قرره الشاهدان..... و..... من فقدان مورث المستأنفين القدرة على الحركة والفطنة والإدراك وقت تحرير العقد. طعن المستأنف ضده في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنه برقم 200 لسنة 39 ق. وبجلسة 7 من إبريل سنة 1975 قضت غرفة المشورة بمحكمة النقض بعدم قبول الطعن.
ومن حيث إن النيابة العامة رفعت الدعوى الجنائية ضد...... (الطاعن) بوصف أنه بدائرة شبين الكوم بمحافظة المنوفية: أولاً - ارتكب تزويراً في محرر عرفي هو عقد البيع المؤرخ في..... وذلك بأن وقع عليه بإمضاء نسبه زوراً إلى...... ثانياً - استعمل المحرر سالف الذكر بأن قدمه إلى محكمة شبين الكوم الابتدائية للاحتجاج به قبل آخرين مع علمه بتزويره. وطلبت عقابه بالمادتين 211، 215 من قانون العقوبات، وادعى كل من..... و..... و...... مدنياً قبل المتهم بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح شبين الكوم قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام بحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة خمسين جنيهاً لإيقاف التنفيذ وإلزامه بأن يدفع للمدعين بالحقوق المدنية مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. فاستأنف المحكوم عليه، ومحكمة شبين الكوم بهيئة استئنافية قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. طعن المحكوم عليه في الحكم بطريق النقض، حيث قضي في طعنه بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والإعادة ومحكمة شبين الكوم الابتدائية بوصفها محكمة الإعادة قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات من يوم الحكم. طعن المحكوم عليه بطريق النقض, في الحكم للمرة الثانية، وقضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وألزمت المطعون ضدهم المصاريف المدنية وعشرين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة وحددت جلسة لنظر الموضوع.
ومن حيث إن المتهم حضر بالجلسة المحددة لنظر استئنافه، وأنكر الاتهام المسند إليه، كما حضر وكيل المدعين بالحقوق المدنية المطعون ضدهم في الدعوى المدنية التابعة، وقدم مذكرة بدفاعهم طلب فيها تأييد الحكم المستأنف فيما قضي به في الدعويين الجنائية والمدنية؛ كما قدم حافظة مستندات طويت على صور رسمية من الحكم في الاستئناف رقم.... لسنة... طنطا وحكم النقض في الطعن رقم... لسنة.... وصورة من تقرير مدير عام قسم أبحاث التزييف والتزوير وصورة من العقد المشهر برقم 2776 شبين الكوم، وكشف رسمي مستخرج من مأمورية الضرائب العقارية بمنوف عن الملك رقم.....؛ وكشف رسمي من ذات المأمورية عن الملك رقم......, وشهادة طبية من الطبيب المعالج لمورث المدعين بالحقوق المدنية، وصورة رسمية من محضر جلسة.... في القضية..... لسنة...... مدني كلي شبين الكوم وصورة رسمية من الصفحتين الأولى والثانية من المذكرة المودعة ملف الدعوى رقم... لسنة...... مدني كلي شبين.
ومن حيث إن الحكم المستأنف استند في قضائه بالإدانة والإلزام بالتعويض على سند من ثبوت الاتهام قبل الطاعن، من الحكم في الدعوى رقم..... لسنة..... م طنطا المقيد برقم 32 لسنة (1) مأمورية شبين الكوم الذي انتهى إلى تزوير العقد المؤرخ...... ورده وبطلانه، ومن أن المتهم هو صاحب المصلحة في التزوير بصرف النظر عما إذا كان التزوير قد وقع بخطه أو بخط غيره. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه إذا قضت المحكمة المدنية برد وبطلان سند لتزويره, ثم رفعت دعوى التزوير إلى المحكمة الجنائية - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - فعلى هذه المحكمة أن تقوم ببحث جميع الأدلة التي تبني عليها عقيدتها فيها. أما إذا هي اكتفت بسرد وقائع الدعوى المدنية وبنت حكمها على ذلك، دون أن تتحرى بنفسها أوجه الإدانة فإن ذلك يجعل حكمها غير مسبب, لما هو مقرر وفقاً للمادة 457 من قانون الإجراءات الجنائية من أن الأحكام الصادرة من المحاكم المدنية لا تكون لها قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية, فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها، ذلك بأن المحكمة الجنائية تختص بموجب المادة 221 من ذلك القانون بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية المرفوعة أمامها، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. وهي في محاكمة المتهمين عن الجرائم التي تعرض عليها لا تتقيد بأي حكم صادر من أية جهة أخرى مهما كانت. لما كان ذلك وكان الحكم المستأنف قد استعرض وقائع الدعوى المدنية وما انتهى إليه الحكم فيها من قضاء برد وبطلان المحرر المطعون فيه بالتزوير, وعول في إثبات الاتهام - ضمن ما عول عليه - على هذا الحكم، فإنه يعد قاصراً في استظهار أركان جريمتي التزوير في المحرر واستعماله مع العلم بتزويره. لما كان ذلك، وكان لا محاجة للحكم الصادر في الدعوى المدنية برد وبطلان العقد المرفوعة الدعوى الجنائية بتزويره واستعماله. وكان من المقرر أن مجرد تمسك المتهم بالمحرر المزور؛ وكونه صاحب المصلحة في التزوير، لا يكفي بذاته في ثبوت اقترافه التزوير، أو اشتراكه فيه والعلم به, ما دام ينكر ارتكابه له - كالحال في هذه الدعوى - وخلا تقرير المضاهاة من أنه محرر بخطه، وإذ كان ذلك، وكانت تقارير الخبراء المنتدبين في الدعوى المدنية سالفة الذكر؛ قد خلت جميعها مما يفيد أن التوقيع المقول بتزويره قد حرر بخط المتهم, وخلت من ذلك أيضاً أقوال شاهدي المدعين بالحقوق المدنية فإن الاتهام المسند إلى المتهم يكون غير مدلول عليه بدليل تطمئن إليه المحكمة لإدانته وإلزامه بالتعويض المطلوب، مما يتعين معه، القضاء بإلغاء الحكم المستأنف, وببراءة المتهم مما أسند إليه عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية، وبرفض الدعوى المدنية قبله وإلزام المدعين بالحقوق المدنية المصاريف عن الدرجتين عملاً بالمادة 321/ 2 من ذلك القانون.