أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 23 - صـ 76

جلسة 20 من يناير سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، وعثمان زكريا، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.

(13)
الطعن رقم 267 لسنة 36 القضائية

( أ ) قضاة. "ولاية القاضي".
ندب أحد مستشاري محاكم الاستئناف للعمل في محكمة استئناف غير المحكمة الملحق بها لا يترتب عليه زوال ولايته بمحكمته. حقه في الاشتراك في الأحكام الصادرة في الدعاوى التي سمع فيها المرافعة، الندب مشروط بأن يكون لمدة لا تجاوز ستة أشهر قابلة للتجديد.
(ب) عقد. "تفسير العقد". محكمة الموضوع. "سلطتها في تفسير العقد". نقض. "سلطة محكمة النقض".
سلطة محكمة الموضوع في تفسير صيغ العقود والشروط المختلف عليها بما تراه أوفى بمقصود المتعاقدين. لا سلطان لمحكمة النقض عليها ما دامت الصيغ والشروط تحتمل المعنى الذي حصلته.
(ج) حكم. "تسبيب الحكم". "الأسباب الزائدة".
لا يعيب الحكم استطراده لتأييد وجهة نظره متى كان هذا الاستطراد زائداً عن حاجة الدعوى، ويستقيم الحكم بدونه.
(د) إثبات. "طرق الإثبات". "الإقرار". تسجيل. "تسجيل التصرفات المقررة". شهر عقاري. ملكية.
انتهاء الحكم إلى اعتراف مالك الأرض المقامة عليها الثلاجة بحق الخصم في ملكية نصف الثلاجة والانتفاع بهذه الأرض والمباني في أغراض إدارتها إلى حين انتهاء عملها وبيع آلاتها. هذا الاعتراف هو إخبار بملكية سابقة ليس هو سندها بل دليلها. لا ضرورة لتسجيله للاحتجاج به على المقر.
(هـ) حكم. "عيوب التدليل". "ما لا يعد تناقضاً". بيع. "نقل الملكية". "دعوى صحة التعاقد".
تحديد الحكم في أسبابه حق البائع بملكية نصف الثلاجة وبالانتفاع بالأرض والمباني في حدود أغراضها. قضاؤه في المنطوق بصحة ونفاذ البيع الصادر منه إلى المشتري في نطاق الحق الذي حدده. لا تناقض.
(و) أموال. "العقار بالتخصيص". نقض. "أسباب الطعن". شيوع. شرط تخصيص المنقول للعقار أن يكون رصداً على خدمته أو استغلاله وأن يكون مالكها واحداً. الثلاجة المملوكة للخصم مع آخرين. وضعها في أرض ومبان مملوكة لهذين الآخرين ضمن أطيان أخرى على الشيوع لا يجعلها عقاراً بالتخصيص لحسابهما دون باقي الشركاء. انتهاء الحكم إلى ملكية الخصم لنصف الثلاجة. النعي عليه بمخالفة الثابت بتقرير الخبير في خصوص رصدها لخدمة أطيان الطاعنين. غير منتج.
1 - قرار وزير العدل بندب أحد مستشاري محاكم الاستئناف للعمل في محكمة استئناف غير المحكمة الملحق بها في حالة الضرورة وفقاً لنص المادة 61 من القانون رقم 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية لا يترتب عليه انتفاء صفة القاضي أو زوال ولايته، وإنما يضيف إليه ولاية العمل بالمحكمة الأخرى فلا يحول دون اشتراكه في الأحكام الصادرة في الدعاوى التي سمع فيها المرافعة لعدم انقطاع صلته بمحكمته الأصلية، واحتفاظه بصفته، وعلاوة على ذلك فإن الندب مشروط بالنص على أن يكون "لمدة لا تجاوز ستة أشهر قابلة للتجديد لمدة أخرى". ومؤدى ذلك أن الندب لا يكون إلا لفترة محددة. وأنه بمجرد انقضائها تزول جميع الآثار المترتبة عليه ما لم تجدد لمدة أخرى، ولا يوجد في القانون ما يمنع من تحديدها بأقل من ستة أشهر حسبما تقتضيه الضرورة.
2 - لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير صيغ العقود والشروط المختلف عليها بما تراه هي أوفى بمقصود المتعاقدين، وفي استخلاص ما يمكن استخلاصه منها، ولا سلطان لمحكمة النقض عليها ما دامت تلك الصيغ والشروط تحتمل المعنى الذي حصلته.
3 - لا يعيب الحكم استطراده لتأييد وجهة نظره، متى كان هذا الاستطراد زائداً عن حاجة الدعوى، ويستقيم الحكم بدونه.
4 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اعتراف الملاك السابقين واللاحقين للأرض المقامة عليها الثلاجة بحق المطعون عليه الثاني في ملكية نصف الثلاجة والانتفاع بهذه الأرض والمباني في أغراض إدارة الثلاجة واستغلالها إلى حين انتهاء عملها وبيع آلاتها وأدواتها، وكان هذا الاعتراف إنما هو إخبار بملكية سابقة - ليس هو سندها بل دليلها - فإنه يعتبر تصرفاً إقرارياً ويكون حجة على المقر دون حاجة إلى تسجيل وفقاً لحكم المادة العاشرة من القانون رقم 114 لسنة 1946 الخاص بالشهر العقاري.
5 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد حدد في أسبابه حق المطعون عليه الثاني بملكية نصف الثلاجة وبالانتفاع بالأرض والمباني في حدود أغراضها، ورتب على ذلك قضاءه بصحة ونفاذ البيع الصادر منه إلى المطعون عليه الأول في نطاق الحق الذي حدده، وكان الحكم قد أفصح عن تحديد هذا النطاق في أسبابه وأحال إليه في منطوقه، فإن النعي عليه بالتناقض بين الأسباب والمنطوق يكون على غير أساس.
6 - لا يكفي لتخصيص المنقول للعقار أن يكون رصداً على خدمة هذا العقار أو استغلاله، وإنما يشترط إلى جانب ذلك أن يكون مالكهما واحداً بحكم الفقرة الثانية من المادة 82 من التقنين المدني. وإذ كان الثابت في الدعوى أن الثلاجة التي وضعت في الأرض والمباني كانت مملوكة للمطعون عليه الثاني مع أولاد.... الذين كانوا يملكون الأرض والمباني ضمن أطيان أخرى على الشيوع، فإن وضع الثلاجة في الأرض والمباني التي اختص بها الأخوان..... لا يجعلها عقاراً بالتخصيص لحسابهما دون باقي الشركاء، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى ملكية المطعون عليه الثاني لنصف الثلاجة، فإن النعي عليه بمخالفة الثابت بتقرير الخبير في خصوص رصدها لخدمة أطيان الطاعنين وبفرض صحته هو نعي غير منتج ولا جدوى منه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه الأول أقام الدعوى رقم 319 سنة 1963 كلي دمنهور ضد الطاعنين وباقي المطعون عليهم يطلب فيها الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع العرفي المؤرخ 28/ 6/ 1962 الصادر له من المطعون عليه الثاني بترو اسمانويلو ببيع نصف الثلاجة الموضحة المعالم والأوصاف بالعقد وصحيفة الدعوى وتسليمه هذه الحصة في مواجهة باقي المدعى عليهم، وقال بياناً للدعوى إنه بمقتضى عقد مؤرخ 28/ 6/ 1972 اشترى من المطعون عليه الثاني النصف على الشيوع في ثلاجة معدة لتخزين البطاطس بكافة محتوياتها من آلات ومباني مقامة على قطعة الأرض المبينة بصحيفة الدعوى وذلك مقابل ثمن قدره 3000 جنيه قبضه البائع، إلا أنه امتنع عن التوقيع على العقد النهائي، وأنه اختصم الطاعنين في الدعوى باعتبارهم شركاء للبائع بالثلث في الثلاجة، كما اختصم المطعون عليه الأخير بصفته حارساً قضائياً عليها، وانتهى من ذلك إلى طلب الحكم بطلباته. ودفع الطاعنون بأن البائع للمدعي لا يملك شيئاً في الأرض المقامة عليها الثلاجة أو في مبانيها، وهي عقار بالتخصيص وبالالتصاق وليس للبائع إلا حق الانتفاع بنصف الآلات، وليس له أو للمشتري منه إلا النصف في ثمن هذه الآلات. وبتاريخ 26/ 1/ 1965 حكمت المحكمة برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة، واستأنف المدعي هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية طالباً إلغاءه والحكم له بطلباته، وقيد الاستئناف برقم 154 لسنة 21 قضائية، وبتاريخ 18 إبريل سنة 1966 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبإثبات صحة ونفاذ عقد البيع العرفي المؤرخ 28/ 6/ 1962 الصادر من المستأنف عليه الأول للمستأنف والمتضمن بيعه له نصف الثلاجة الموضحة الحدود والمعالم والأوصاف بالعقد سالف الذكر وصحيفة الدعوى وأسباب هذا الحكم وتسليمها له، وذلك في مواجهة المستأنف عليهم من الثاني للأخير، وألزمت المستأنف عليهم من الثالث للخامس بالمصروفات ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير، وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعنون على طلب نقض الحكم، ولم يحضر المطعون عليهم ولم يبدوا دفاعاً، وصممت النيابة العامة على رأيها الذي أبدته في مذكرتها بطلب رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه قد شابه البطلان، ذلك أن الأستاذ محمد أسعد محمود كان أحد المستشارين في الهيئة التي سمعت المرافعة وأثناء حجز القضية للحكم صدر قرار بندبه إلى محكمة استئناف القاهرة واستلم عمله بها من أول مارس سنة 1966 قبل انقضاء المواعيد المحددة لتقديم المذكرات من طرفي الخصومة، إلا أن الهيئة الجديدة للمحكمة أصدرت الحكم المطعون فيه وقد ذكر في نهايته أن المستشار محمد أسعد محمود حضر المداولة ووقع مسودة الحكم، ولما كان الندب يستتبع زوال ولاية القاضي وهو مانع قانوني، ولا يعتبر في حكم المادة 342 مرافعات من الموانع المادية التي تجيز للقاضي الاستغناء عن حضور تلاوة الحكم اكتفاءً بالتوقيع على مسودته، فإن اشتراكه في الحكم بعد زوال ولايته يكون مبطلاً له.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن قرار وزير العدل بندب أحد مستشاري محاكم الاستئناف للعمل في محكمة استئناف غير المحكمة الملحق بها في حالة الضرورة وفقاً لنص المادة 61 من القانون رقم 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية لا يترتب عليه انتفاء صفة القاضي أو زوال ولايته، وإنما يضيف إليه ولاية العمل بالمحكمة الأخرى، فلا يحول دون اشتراكه في الأحكام الصادرة في الدعاوى التي سمع فيها المرافعة لعدم انقطاع صلته بمحكمته الأصلية واحتفاظه بصفته، وعلاوة على ذلك فإن الندب مشروط بالنص على أن يكون "لمدة لا تجاوز ستة أشهر قابلة للتجديد لمدة أخرى" ومؤدى ذلك أن الندب لا يكون إلا لفترة محددة وأنه بمجرد انقضائها تزول جميع الآثار المترتبة عليه ما لم تجدد لمدة أخرى، ولا يوجد في القانون ما يمنع من تحديدها بأقل من ستة أشهر حسبما تقتضيه الضرورة. إذ كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن محكمة الاستئناف قررت بجلسة 21/ 2/ 1966 حجز القضية للحكم بجلسة 18/ 4/ 1966 وأن المستشار محمد أسعد محمود الذي سمع المرافعة لم يتمكن من حضور تلاوة الحكم في هذه الجلسة وأنه اشترك في المداولة ووقع على مسودة الحكم، وكانت الأوراق خالية مما يفيد ندبه للعمل بمحكمة أخرى المدة التي حجزت فيها القضية للحكم، وأن حضور جلسة 3/ 3/ 1966 بمحكمة استئناف القاهرة الثابت بصورة محضر هذه الجلسة المقدمة من الطاعنين لا يستفاد منه أن قرار الندب كان محدداً بمدة استغرقت فترة حجز القضية للحكم، فإن النعي بالبطلان لاشتراكه في الحكم المطعون فيه رغم الندب الذي منعه من حضور تلاوته يكون عارياً عن الدليل.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه قضى بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر من المطعون عليه الثاني إلى المطعون عليه الأول عن نصف الثلاجة موضوع النزاع، مستنداً في ذلك إلى أن نصوص عقد الإيجار الصادر من إخوان فلييدس إلى بترو اسمانويلو المطعون عليه الثاني تفيد أن هذا البائع كان يملك النصف في الثلاجة كمنشأة للاستغلال مستقلة، له نصف الآلات والأشياء المركبة فيها، وهو من الحكم خطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال، ذلك أن عقد الإيجار الصادر من ورثة فلييدس إلى بترو اسمانويلو بتاريخ 24/ 11/ 1953 ليس حجة على الطاعنين، وأن عبارة البند الثالث من العقد في أصلها الفرنسي وفي ترجمتها إلى العربية صريحة في أن المقصود بملكية بترو اسمانويلو للنصف الآخر من الثلاجة هو الحق في استعمال النصف، وأن الأرض والمنشآت ملك لإخوان فلييدس إلا أن الحكم المطعون فيه مسخ هذا الواقع الثابت في الأوراق بأن جعل حق الاستعمال الموصوف صراحة في العقد حق ملكية لنصف الثلاجة كمنشأة للاستغلال مستقلة نتيجة فهمه الخاطئ لعبارة البيع المشار إليها في هذا البند إذ صرفها إلى حالة بيع الثلاجة، في حين أن مقصود العاقدين هو أنه في حالة بيع الأطيان المقامة عليها يعوض بترو عن حرمانه من حقه في استعمال الثلاجة بنصف قيمة الآلات والأدوات المركبة فيها، لأن حقه في نصف الثمن لا يحتاج إلى نص وهو أثر لازم لملكيته المقول بها، هذا إلى أن عقد الإيجار الذي استند إليه الحكم قد أشر عليه طرفاه بإلغائه، فلا يجوز الاحتجاج به على المشترين، ولا بعد إقرار الطرفين بحق المشتري بصفته في استلام الإيجار حجة عليهم، وليس لهم توقيع على صيغة إلغائه، كما أخطأ الحكم في الاستدلال بعبارة "الثلاجة المشتركة" الواردة في العقد المؤرخ أول نوفمبر سنة 1960 والمبرم بين بتريدس وعبد الله عبد ربه عثمان بوصفهما مستأجرين للأطيان المقامة عليها وفي محضر الصلح المحرر بينهما في 13 مارس سنة 1960، لأن هذا الوصف ورد في خصوص علاقة المستأجرين فلا يصلح دليلاً على ملكية بترو لنصف الثلاجة، وهو لم يكن طرفاً في عقد الإيجار أو الصلح، ولم يظهر في الأوراق الخاصة بالثلاجة منذ بيع الأطيان المقامة عليها وإنما افتعل عقد البيع الذي أصدره في 28/ 2/ 1962 إلى المطعون عليه الأول، هذا إلى أن الاتفاق مع هذين المستأجرين على فسخ عقد الإيجار في 5/ 9/ 1961 قد خلا من الإشارة إلى الثلاجة موضوع النزاع وتضمن النص على التزامهما بتسليم جميع الأعيان وملحقاتها في آخر شهر أكتوبر سنة 1961 وهو تسليم بحق المؤجرين في أطيانهم وفي الثلاجة المقامة عليها، وإذ اتخذ الحكم من هذه المستندات أدلة اعتمد عليها جملة في تكوين عقيدته، فإن فساد أحد هذه الأدلة يتطرق إلى سائرها ويجعل الحكم معيباً بقصور يبطله.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أنه يبين من الرجوع إلى عقد الإيجار المؤرخ 24/ 11/ 1953 الصادر من إخوان فيليدس إلى بترو اسمانويلو أن البند الثالث ينص على أن "قيمة الإيجار 3750 جنيهاً تشمل الأجرة التي حددتها الحكومة وأجرة نصف الثلاجة، وأن النصف الآخر ملك السيد بترو اسمانويلو - ويقصد بنصف ملكية الثلاجة نصف الحق في الاستعمال - وأن الأرض والمنشآت ملك لإخوان فلييدس، وفي حالة البيع يكون للسيد بترو اسمانويلو الحق في نصف قيمة الماكينات والمكابس وقطع الغيار وكل ما يتعلق بماكينات الثلاجة". وبالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه بعد أن استعرض المستندات المقدمة من الطرفين في الدعوى وأورد النص المشار إليه بالبند الثالث من عقد الإيجار، كما أورد التصرفات المتعلقة ببيع الأطيان المقامة عليها الثلاجة والعقود الصادرة من المشترين في شأن إدارتها أقام قضاءه على قوله "إنه يخلص من استقراء نصوص المستندات سالفة الذكر، وإعمالاً لهذه النصوص وأخذاً بما جاء فيها أن بترو اسمانويلو كان يملك النصف في الثلاجة كمنشأة للاستغلال مستقلة، له نصف الآلات والعدد والأشياء المركبة فيها عدا ما نص صراحة على أنه مملوك له وحده مثل ماسورة الارتوازي التي نص عليها في ملحق عقد الإيجار ليحاسب الطرفان عليها وأن هذه الملكية للنصف تشمل استعمال الأرض المقامة عليها الثلاجة والمباني المركبة فيها وملكية المستأنف عليه الأول لحق الانتفاع بهذه المباني والأرض في أغراض إدارة الثلاجة واستغلالها، مقصورة على ذلك ولا تمس ملكية لرقبة الثابتة للمستأنف عليهم الثلاثة الأخيرين، وينتهي هذا الحق بانتهاء عمل الثلاجة وبيع آلاتها وأدواتها، وعندئذٍ يكون له ثمن نصف هذه الآلات والأدوات المنصوص عليها في عقد الإيجار" وما قرره الحكم من ذلك هو استخلاص مستمد من عقد الإيجار الصادر من إخوان فيليدس إلى بترو اسمانويلو، وعبارته صريحة في أن الإيجار يشمل نصف الثلاجة وأن نصفها الآخر ملك لهذا المستأجر، وإذ كان الحكم قد التزام المعنى الظاهر من هذه العبارة واعتبر حقه منصباً على استعمال النصف في حالة قيام الثلاجة بعملها وعلى نصف قيمة أدواتها وآلاتها في حالة انتهاء عملها وبيعها طبقاً للشرط المقرر بهذا البند، وكان لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير صيغ العقود والشروط المختلف عليها بما تراه هي أوفى بمقصود المتعاقدين وفي استخلاص ما يمكن استخلاصه منها ولا سلطان لمحكمة النقض عليها ما دامت تلك الصيغ والشروط تحتمل المعنى الذي حصلته. إذ كان ذلك، وكان الحكم قد اتخذ من تفسيره لعقد الإيجار الصادر من الملاك الأصليين للأطيان المقامة عليها الثلاجة ونفاذ هذا العقد في حق المشترين وقيام والدهم باعتباره ولياً عليهم بتأجيرها لهذا المستأجر بعقد مؤرخ 17/ 4/ 1956 نص فيه على أن الأجرة تشمل نصيب المؤجر في الثلاجة الموجودة بالعين المؤجرة وقدره 2/ 6 الثلاجة، ونص في نهايته على ملكية كل من المؤجر والمستأجر في المواسير والماكينات. اتخذ الحكم من ذلك كله اعتراف الملاك السابقين واللاحقين للعقار بملكية المطعون عليه الثاني لنصف الثلاجة المقامة عليه، ورتب عليه صحة تصرفه بالبيع للمطعون عليه الأول، فإنه لا يكون قد أخطأ في الإسناد أو شابه فساد في الاستدلال، ولا وجه للتحدي بما ساقه الحكم عن عقد الإيجار اللاحق ومحضر الصلح الخاص به لتأييد وجهة نظره لأنه استطراد زائد عن حاجة الدعوى يستقيم بدونه.
وحيث إن حاصل السببين الثاني والثالث أن الحكم المطعون فيه جعل للمطعون عليه الثاني حق ملكية نصف آلات الثلاجة وأدواتها، وألحق به حق الانتفاع بالمباني والأرض يجوز التصرف فيه بالبيع إلى الغير، واعتبر هذا الحق العقاري حجة على الطاعنين، وهو من الحكم مخالفة للقانون وخطأ في تطبيقه، إذ المقرر قانوناً أن الحقوق العينية العقارية لا تنشأ ولا تنتقل فيما بين المتعاقدين ولا بالنسبة للغير إلا بالتسجيل، وثابت بالأوراق أن الحق الذي أسنده الحكم للمطعون عليه الثاني لم يسجل، فلا يجوز الاحتجاج به على الطاعنين، كما أخطأ الحكم في تطبيق القانون، إذ جعل ملكية الطاعنين مقيدة بهذا الحق لأن ملكيتهم للأرض تشمل بنص المادة 803 من التقنين المدني ما فوقها وما تحتها إلى الحد المفيد في التمتع بها علواً أو عمقاً، ولأن كل ما على الأرض أو تحتها من بناء أو غراس أو منشآت أخرى يعتبر في حكم المادة 922 مدني من عمل صاحب الأرض أقامه على نفقته ويكون مملوكاً له، والثابت بعقد البيع المسجل الصادر من ورثة فلييدس إلى الطاعنين أنه نص صراحة على أن الأطيان المبيعة تشمل ما عليها من المباني والسواقي والمساقي والطرق والأشجار، ويقضي نص المادة 432 مدني بأن التسليم يشمل ملحقات الشيء المبيع وكل ما أعد بصفة دائمة لاستعمال ذلك الشيء، وقد تضمن تقرير الخبير في القضية رقم 48 سنة 1963 كوم حمادة وكان تحت نظر محكمة الاستئناف، أن الثلاجة عند إنشائها كانت مخصصة لأطيان فلييدس، هذا إلى أن الحكم انتهى في أسبابه إلى القضاء بصحة التعاقد في نطاق ما قررته المحكمة في هذه الأسباب، إلا أنه عاد وقضى للمطعون عليه الأول بذات طلباته في المنطوق، وأغفل الإشارة إلى نطاق الحق المبيع، واكتفى بالإحالة إلى أسبابه في خصوص التعريف بالثلاجة موضوع البيع، وهذا التناقض بين المنطوق والأسباب يبطل الحكم.
وحيث إن هذا النعي في جملته مردود بأن الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى اعتراف الملاك السابقين واللاحقين للأرض المقامة عليها الثلاجة بحق المطعون عليه الثاني في ملكية نصف الثلاجة والانتفاع بهذه الأرض والمباني في أغراض إدارة الثلاجة واستغلالها إلى حين انتهاء عملها وبيع آلاتها وأدواتها، وهذا الاعتراف إنما هو إخبار بملكية سابقة ليس هو سندها بل دليلها فيعتبر تصرفاً إقرارياً ويكون حجة على المقر دون حاجة إلى تسجيل وفقاً لحكم المادة العاشرة من القانون رقم 114 سنة 1946 الخاص بالشهر العقاري، ولا وجه بعد ذلك للتحدي بملكيته للمباني المقامة فوق أرضه بنص المادة 803 من التقنين المدني أو المادة 922 منه في صدد حق الانتفاع بالأرض والمباني الوارد في تصرفه لأن هذه الملكية لا تشمل ما فوق الأرض وما تحتها إذا وجد اتفاق على خلاف ذلك كما لا وجه للتحدي بنص المادة 432 مدني، لأن التسليم إنما يشمل ملحقات الشيء المبيع وكل ما أعد بصفة دائمة لاستعمال الشيء في حكم هذا النص متى كان ذلك طبقاً لما تقضي به طبيعة الأشياء وعرف الجهة وقصد المتعاقدين ومؤداه أن التسليم لا يشمل الاستعمال الوارد باتفاق الطرفين. إذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حدد في أسبابه حق المطعون عليه الثاني بملكية نصف الثلاجة وبالانتفاع بالأرض والمباني في حدود أغراضها، ورتب على ذلك قضاءه بصحة ونفاذ البيع الصادر منه إلى المطعون عليه الأول في نطاق الحق الذي حدده، وكان الحكم قد أفصح عن تحديد هذا النطاق في أسبابه وأحال إليه في منطوقه، فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون وبالتناقض بين الأسباب والمنطوق يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الخامس أن الحكم المطعون فيه مسخ الواقع في الدعوى وأخطأ في الإسناد، إذ قرر أن الثابت بتقرير الخبير والمستندات الأخرى أن الثلاجة لم تكن مخصصة لخدمة الأطيان المقامة عليها في حين أن الخبير أثبت في تقريره أن الثلاجة كانت منذ إنشائها مخصصة للأطيان المملوكة لأولاد فلييدس الثلاثة، ولا يغير من ذلك إشارته إلى تخزين بطاطس من أرض الغير نظير أجر، لأن هذا التخزين كان أمراً عارضاً وعلى فترات بعيدة.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه لا يكفي لتخصيص المنقول للعقار أن يكون رصداً على خدمة هذا العقار أو استغلاله، وإنما يشترط إلى جانب ذلك أن يكون مالكهما واحداً بحكم الفقرة الثانية من المادة 82 من التقنين المدني، وإذ كان الثابت أن الثلاجة التي وضعت في الأرض والمباني كانت مملوكة للمطعون عليه الثاني مع أولاد فلييدس الذين كانوا يملكون الأرض والمباني ضمن أطيان أخرى على الشيوع، فإن وضع الثلاجة في الأرض والمباني التي اختص بها الأخوان جان واسطفان فلييدس لا يجعلها عقاراً بالتخصيص لحسابهما دون باقي الشركاء، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى ملكية المطعون عليه الثاني لنصف الثلاجة، فإن النعي عليه بمخالفة الثابت بتقرير الخبير في خصوص رصدها لخدمة أطيان الطاعنين وبفرض صحته هو نعي غير منتج ولا جدوى منه.
وحيث إن حاصل السبب السادس أن الحكم المطعون فيه خالف الثابت بالأوراق وشابه الفساد في الاستدلال، إذ قرر أن الملاك السابقين للأرض قد أذنوا للمطعون عليه الثاني بإقامة الثلاجة واعترفوا هم والملاك اللاحقون بحق المطعون عليه الثاني في الملكية، واستغلوا نصيبهم فيها وتعاملوا فيه مستقلاً عن ملكية الأرض في حين أن الطاعنين الثاني والثالث والرابع الذين آلت إليهم ملكية العقار لم يعترفوا بملكية المطعون عليه الثاني لنصف الثلاجة بل أنكروا هذه الملكية في النزاع الحالي إنكاراً تاماً، وفي حين أن الثابت بعقد الإيجار الصادر له من ورثة فلييدس أن الأرض والمنشآت ملك لهم، ولا يصلح هذا العقد سبباً للملكية ولا يجوز الاحتجاج بالحق العيني العقاري على الطاعنين بغير تسجيله، كما أن الثابت من الأوراق أن الثلاجة قد أجرت دائماً لمستأجر الأطيان الزراعية المقامة عليها، وأن تقرير الخبير في الدعوى رقم 48 سنة 1963 كوم حمادة قد أثبت تخصيصها لهذه الأطيان، فلا يسوغ من بعد ذلك أن يذهب الحكم إلى أن الطاعنين والبائعين استغلوا الثلاجة وتعاملوا فيها استقلالاً عن ملكية الأرض.
وحيث إن هذا النعي مردود بما سبق الرد به من أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بملكية المطعون عليه الثاني لنصف الثلاجة على ما استظهره من المستندات المقدمة في الدعوى من اعتراف الملاك السابقين واللاحقين للأرض والمباني المقامة عليها، بهذه الملكية وبالانتفاع بالأرض والمباني في حدود أغراض الثلاجة مدة عملها، وإذ كان الاعتراف بالملكية حجة على المقر دون حاجة إلى تسجيل وهو يتضمن الموافقة من جانب هؤلاء الملاك على وضع الثلاجة في المباني المقامة على أرضهم لاستغلال ملكيتهم المشتركة بينهم وبين المطعون عليه الثاني، وكان الحكم المطعون فيه قد حدد نطاق الانتفاع بما لا يمس ملكية الرقبة في الأرض والمباني واعتبر الثلاجة منقولاً، ولم يجعلها عقاراً بالتخصيص بتثبيتها بعد وضعها على الأرض أو في المباني المقامة عليها، فإن الحكم إذ قضى بصحة ونفاذ البيع الصادر من المطعون عليه الثاني إلى المطعون عليه الأول في حدود ملكيته لنصف الثلاجة ولم يطبق أحكام الالتصاق في هذا الخصوص، لا يكون قد أخطأ في الاستدلال أو خالف الثابت في الأوراق، ولا وجه من بعد للبحث فيما أورده الحكم بشأن استغلال الثلاجة والتعامل فيها استقلالاً عن ملكية الأرض، لأنه استطراد زائد عن حاجة الدعوى يستقيم بدونه الحكم.