أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الأول - السنة 34 - صـ 590

جلسة 28 من إبريل سنة 1983

برئاسة السيد المستشار/ حسن جمعه نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: أحمد أبو زيد، محمد نجيب صالح، عوض جادو ومصطفى طاهر.

(117)
الطعن رقم 6841 لسنة 52 القضائية

(1) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
- وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
- خصومة الشاهد للمتهم. لا تمنع من الأخذ بشهادته.
- قرابة الشاهد للمجني عليه. لا تمنع من الأخذ بأقواله.
(2) نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
- عدم جواز إثارة الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام النقض.
(3) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "شهود" حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
للمحكمة الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر متى اطمأنت لصحتها.
(4) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "خبرة". قتل عمد.
لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها.
(5) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "بوجه عام". قتل عمد.
- العبرة في تحري حقيقة معنى اللفظ في اللغة هي بسياقه الذي ورد فيه. قد تدل لفظة القتل على مجرد الاعتداء.
(6) إثبات "شهود" "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
- كفاية أن يكون الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
(7) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
- لمحكمة الموضوع الأخذ بقول الشاهد في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة والالتفات عما سواه دون أن تبين العلة في ذلك.
(8) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
- عدم التزام الحكم بأن يورد من أقوال الشهود إلا ما يقيم عليه قضاءه.
(9) إثبات "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
- النعي على المحكمة عدم استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في التقرير المقدم منه. لا محل له ما دام الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب ذلك.
(10) قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
- قصد القتل أمر خفي. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر الخارجية التي تنم عنه. استخلاص توافره. موضوعي.
(11) إثبات "بوجه عام" "شهود". قتل عمد. قصد جنائي.
- لا يقيد المحكمة في استخلاصها. ما ذكر شهود الإثبات بخصوصها.
1 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، ولها أن تأخذ بشهادة الشاهد ولو كانت بينه وبين المتهم خصومة قائمة، كما أن قرابة الشاهد للمجني عليه لا تمنع من الأخذ بأقواله متى اقتنعت المحكمة بصدقها.
2 - لما كان ما يثيره الطاعن من تشكيك في أقوال شاهدي الإثبات الأولين وما ساقه من قرائن تشير إلى تلفيق التهمة لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً من الحكم بل إن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة المحكمة في استنباط معتقدها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
3 - من المقرر أنه ليس في القانون ما يمنع المحكمة من الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر متى رأت أن تلك الأقوال قد صدرت منه حقيقة وكانت تمثل الواقع في الدعوى.
4 - لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها وهي غير ملزمة من بعد بإجابة طلب مناقشة الطبيب الشرعي ما دام أن الواقعة وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء.
5 - لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه حصل أقوال شاهدي الإثبات الأولين بما مؤداه أن المجني عليه حضر إلى والد الطاعن يشكوه إليه فخرج إليه الطاعن حاملاً فرد صناعة محلية مما يطلق الأعيرة الروسية المفردة فحذراه من الاعتداء على المجني عليه غير أنه أطلق عليه عياراً نارياً من سلاحه وهو على مسافة مترين ونصف منه وفي مواجهته ومن مستوى أعلى منه بقليل ويبين من الاطلاع على أقوال الشاهد الثاني بجلسة المحاكمة أنها تتفق وما حصله الحكم منها فإن استخلاص الحكم - في صدد بيانه واقعة الدعوى وفي معرض حديثه عن نية القتل من أقوال هذين الشاهدين أنهما حذرا الطاعن في قتل المجني عليه لا يعيبه لأن العبرة في تحري حقيقة معنى اللفظ في اللغة هي بسياقه الذي ورد فيه فقد تدل لفظة الاعتداء على القتل كما قد تدل لفظة القتل على مجرد الاعتداء فحسب ومن ثم فإن صرف الحكم معنى الاعتداء إلى المقصود من حقيقته وهو القتل لا يعتبر خطأ في الإسناد وإنما هو تأويل صحيح للفظ مما يحمله معناه في سياقه الذي ورد فيه ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون في غير محله.
6 - الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
7 - لمحكمة الموضوع أن تأخذ بقول الشاهد في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة وأن تلتفت عما سواه دون أن تبين العلة في ذلك ما دام له أساس فيها وما دام الطاعن لا ينازع في صحة نسبة هذه الأقوال إليه.
8 - من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بحسب الأصل أن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها ولها أن تجزئ الدليل المقدم لها وأن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود وتطرح ما لا تثق فيه من تلك الأقوال إذ المرجع في هذا الشأن إلى اقتناعها هي وحدها.
9 - متى كان البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن لم يطلب من المحكمة استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في شأن السلاح المستعمل في الحادث فليس للطاعن من بعد النعي عليها قعودها عن إجراء لم يطلبه منها ولم تر هي من جانبها حاجة لاتخاذه ومن ثم فإن كل ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد.
10 - قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
11 - لما كان ما يثيره الطاعن من أن شاهدي الرؤية قررا أنهما لا يعرفان قصد الطاعن من إطلاق النار على المجني عليه - فضلاً عن أن أقوال الشاهد الثاني بجلسة المحاكمة تضمنت أن الطاعن قصد إزهاق روح المجني عليه فإن هذا القول - بفرض صحته - لا يقيد حرية المحكمة في استخلاص قصد القتل من كافة ظروف الدعوى وملابساتها وليس عليها من بعد أن تناقش كل الأدلة الاستنتاجية التي تمسك بها بعد أن اطمأنت إلى أدلة الثبوت التي أوردتها وينحل جدل الطاعن في توافر نية القتل إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستنباط معتقدها منها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: 1 - قتل..... الشهير..... عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً من سلاح كان يحمله قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته 2 - أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً (فرد). 3 - أحرز ذخائر (طلقة) مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له بحيازته أو إحرازه. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. فقرر ذلك. وادعى..... (ابن المجني عليه) مدنياً قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 6، 26/ 2، 4 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 546 لسنة 1954، 75 لسنة 1958 والبند ( أ ) من القسم الأول من الجدول 3 الملحق بالقانون الأول مع إعمال المادة 32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات عما أسند إليه وبإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم القتل العمد وإحراز سلاح ناري مششخن وذخيرة بغير ترخيص قد شابه الفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع ذلك بأنه عول في قضائه على أقوال شاهدي الإثبات الأولين رغم وجود خصومة بينهما وبين والد الطاعن وقرابتهما للمجني عليه وإخفاء الشاهد الثاني الذي كان يرافق المجني عليه إلى المستشفى المقذوف العالق بملابس الأخير ليتعذر تحديد نوعه بقصد تلفيق الاتهام للطاعن، كما استند إلى أقوال الشاهد الثالث بأن المجني عليه أخبره قبل وفاته بأن الطاعن أطلق النار عليه رغم منازعة الطاعن في صدق شهادته وفي قدرة المجني عليه على التكلم بتعقل قبل وفاته بخمس دقائق لسوء حالته وطلب مناقشة الطبيب الشرعي فيما أغفله تقريره عن الفترة التي يمكن أن يتحدث فيها المجني عليه بتعقل عقب إصابته إلا أن الحكم أطرح هذا الطلب بما لا يسوغه، هذا إلى أن أقوال الشاهد الأول اقتصرت على أنه حذر الطاعن من إطلاق النار على المجني عليه وخلت أقوال الشاهد الثاني من ذلك على خلاف ما أسنده الحكم إليهما من تحذيرهما له من قتله كما لم يلتزم الحكم في تحصيله لأقوالهما ما جرت به في التحقيقات بل أتى بها مشوهة مبتورة إذ وقف بتلك الشهادة عند حد إطلاق الطاعن النار على المجني عليه وهو في مواجهته دون ذكر لقولهما بأن المجني عليه انحرف يساراً وقت إطلاق النار عليه فأصابه العيار في جنبه الأيمن بما مؤداه أن يكون اتجاه الإطلاق من اليمين إلى اليسار وأضافا في أقوالهما أن الطاعن كان واقفاً فوق مصطبة في مستوى أعلى من المجني عليه وأطلق النار عليه من فرد صناعة محلية وهو ما يتعارض مع الدليل الفني ومعاينة النيابة لمكان الحادث إذ أثبت تقرير الصفة التشريحية أن العيار الذي أصاب المجني عليه أطلق من سلاح مششخن وباتجاه من الأمام للخلف كما خلت المعاينة من وجود مصطبة في مكان الحادث ودلت على استواء الأرض بمكانه وقد أخذ الحكم بالدليلين القولي والفني معاً دون أن يعني برفع ما بينهما من تناقض والتفت عن طلب مناقشة الطبيب الشرعي لاستجلاء الخلاف بين الدليلين في نوع السلاح المستعمل في الحادث وأخيراً فإن الحكم لم يدلل تدليلاً سائغاً على توافر نية القتل في حق الطاعن رغم انتفائها بدلالة قول شاهدي الإثبات الأولين أنهما لا يعرفان قصد الطاعن من إطلاق النار وانتفاء الباعث على القتل ووقوع الإصابة في غير مقتل - كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شاهدي الرؤية وأقوال نائب مأمور المركز نقلاً عن المجني عليه قبل وفاته ومن تقرير الصفة التشريحية وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها - لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، ولها أن تأخذ بشهادة الشاهد ولو كانت بينه وبين المتهم خصومة قائمة، كما أن قرابة الشاهد للمجني عليه لا تمنع من الأخذ بأقواله متى اقتنعت المحكمة بصدقها، وكان ما يثيره الطاعن من تشكيك في أقوال شاهدي الإثبات الأولين وما ساقه من قرائن تشير إلى تلفيق التهمة لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً من الحكم بل إن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة المحكمة في استنباط معتقدها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، هذا فضلاً عن أن البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع الاتهام المسند إليه أمام محكمة الموضوع بما يثيره في طعنه من أن الشاهد الثاني أخفى المقذوف العالق بملابس المجني عليه بقصد تلفيق التهمة ومن ثم فإنه لا يقبل منه إثارة هذا الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس في القانون ما يمنع المحكمة من الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر متى رأت أن تلك الأقوال قد صدرت منه حقيقة وكانت تمثل الواقع في الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه قد أفصح عن اطمئنانه إلى صحة ما أدلى به المجني عليه الشاهد الثالث وعول على ما نقله عنه من أنه قال إن الطاعن أطلق النار عليه فإن ما يثيره الطاعن حول استدلال الحكم بهذه الأقوال لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت نقلاً عن تقرير الصفة التشريحية بما لا ينازع الطاعن في أن له سنده الصحيح من الأوراق أن إصابات المجني عليه بعيدة عن المراكز العصبية التي قد تؤثر في درجة وعيه وإدراكه قبل الوفاة وليس هناك ما يمنع من أن يكون المجني عليه قد تحدث بتعقل قبل الوفاة أثناء سؤال الرائد..... له بسيارة الإسعاف، ثم عرض لمنازعة الطاعن في قدرة المجني عليه على التحدث للشاهد الثالث في الوقت الذي حدده بأقواله ورد عليه بقوله "وقد أكد تقرير الصفة التشريحية صدق ما شهد به الرائد...... من أنه ليس هناك ما يمنع من أن يكون المجني عليه قد تحدث بتعقل قبل الوفاة للشاهد المذكور شفاهة بسيارة الإسعاف وقد أوضحت مذكرة النيابة العامة للطبيب الشرعي أن وقت هذا التحدث كما حدده هذا الشاهد في نحو الساعة الثانية مساء يوم الواقعة ومن ثم كان دفاع المتهم بغير سند وتطرحه المحكمة جانباً ولا تعول عليه". ولما كان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها وهي غير ملزمة من بعد بإجابة طلب مناقشة الطبيب الشرعي ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما أثبته التقرير الطبي الشرعي المقدم في الدعوى من أن المجني عليه كان في قدرته التكلم بتعقل عقب إصابته، وقبل وفاته أثناء سؤال الشاهد الثالث له وهو بسيارة الإسعاف ورأت التعويل عليه، وكانت النيابة قد طرحت في مذكرتها بصدد الصفة التشريحية الوقت الذي أدلى فيه المجني عليه لهذا الشاهد بأن الطاعن هو الذي أطلق عليه النار فإن هذا يكفي في الرد على منازعة الطاعن في هذا الشأن ولا يقبل منه من بعد النعي عليها أنها قعدت عن تحقيق هذا الدفاع بمناقشة الطبيب الشرعي في تقريره طالما لم تر هي من جانبها محلاً لاتخاذ هذا الإجراء اكتفاء منها بما أثبته الخبير في تقريره المطروح ضمن عناصر الدعوى وما دامت المحكمة قد قررت بغير معقب عليها في ذلك صلاحية الدعوى للفصل فيها بحالتها - لما كان ذلك وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه حصل أقوال شاهدي الإثبات الأولين بما مؤداه أن المجني عليه حضر إلى والد الطاعن يشكوه إليه فخرج إليه الطاعن حاملاً فرد صناعة محلية مما يطلق الأعيرة الروسية المفردة فحذراه من الاعتداء على المجني عليه غير أنه أطلق عليه عيار نارياً من سلاحه وهو على مسافة مترين ونصف منه وفي مواجهته ومن مستوى أعلى منه بقليل ويبين من الاطلاع على أقوال الشاهد الثاني بجلسة المحاكمة أنها تتفق وما حصله الحكم منها فإن استخلاص الحكم - في صدد بيانه واقعة الدعوى وفي معرض حديثه عن نية القتل من أقوال هذين الشاهدين أنهما حذرا الطاعن من قتل المجني عليه لا يعيبه لأن العبرة في تحري حقيقة معنى اللفظ في اللغة هي بسياقه الذي ورد فيه فقد تدل لفظة الاعتداء على القتل كما قد تدل لفظة القتل على مجرد الاعتداء فحسب ومن ثم فإن صرف الحكم معنى الاعتداء إلى المقصود من حقيقته وهو القتل لا يعتبر خطأ في الإسناد وإنما هو تأويل صحيح للفظ مما يحمله معناه في سياقه الذي ورد فيه ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان مؤدى ما حصله الحكم من أقوال شاهدي الإثبات الأولين على المساق المتقدم لا يتعارض مع ما نقله عن تقرير الصفة التشريحية الذي أثبت أن إصابة المجني عليه بالبطن نشأت من إصابته بمقذوف ناري يتعذر تحديد نوعه أو نوع السلاح المطلق له لعدم استقراره أو جزء منه بالبطن وحكماً على شكل الإصابة النارية فإنها تنشأ من مقذوف عيار ناري مفرد كرصاصة وتطلق من سلاح ناري ذي سرعة عالية أو متوسطة وأن إصابة العيار في الوضع الطبيعي المعتدل للجسم كانت باتجاه من الأمام إلى الخلف بميل بسيط من أعلى إلى أسفل وجاوزت مدى الضرب القريب الذي يقدر عادة بنحو نصف متر للأسلحة ذات الماسورة الطويلة وبنحو ربع متر للأسلحة ذات الماسورة القصيرة، وعلى فرض صحة ما يثيره الطاعن من أن هذين الشاهدين قررا في التحقيقات أن المجني عليه كان يقف في مواجهة الطاعن وعندما أطلق الأخير النار عليه انحرف يساراً فأصابه العيار في جنبه الأيمن فإنه لا جناح على الحكم إن كان قد عول على أقوال الشاهد الثاني بالجلسة من أن الطاعن أطلق النار على المجني عليه وهو في مواجهته دون أقواله بالتحقيقات لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بقول للشاهد في أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة وأن تلتفت عما سواه دون أن تبين العلة في ذلك ما دام له أساس فيها وما دام الطاعن لا ينازع في صحة نسبة هذه الأقوال إليه، كما أنه لا تثريب على الحكم إن كان قد عول على شق من أقوال الشاهد الأول بالتحقيقات وهو ما تعلق بإطلاق النار على المجني عليه وهو في مواجهته ولم يعبأ بقالته في الشق الآخر بأن المجني عليه انحرف يساراً فأصابه العيار في جنبه الأيمن ولم يورد هذا الشق الآخر في بيانه مضمون أقواله ولا يعتبر هذا الذي تناهى إليه الحكم افتئاتاً منه على الشهادة أو ما يقوم به التعارض بين الدليلين في هذا الخصوص إذ من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بحسب الأصل أن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها ولها أن تجزئ الدليل المقدم لها وأن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود وتطرح ما لا تثق فيه من تلك الأقوال إذ المرجع في هذا الشأن إلى اقتناعها هي وحدها, وكانت مدونات الحكم فوق ذلك بينة الدلالة على أنه لم يعول في قضائه على معاينة النيابة ولم يورد في أقوال الشاهدين المذكورين أن الطاعن كان يقف على مصطبة بل أورد منها مطلق القول بأنه كان في مستوى أعلى من المجني عليه بقليل وهو ما يتلاءم مع الدليل الفني فيما أثبته من اتجاه الإطلاق بميل بسيط من أعلى إلى أسفل وكان ما عول عليه الحكم من أقوال الشاهدين بأن السلاح المستعمل في الحادث عبارة عن فرد صناعة محلية مما يطلق الأعيرة الروسية المفردة لا يتعارض مع الدليل الفني فيما أورده عن نوع السلاح المستعمل والعيار الذي أطلق منه وأصاب المجني عليه، وكان الحكم قد فند دفاع الطاعن في هذا الصدد بأسباب سائغة، وإذ كان البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن لم يطلب من المحكمة استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في شأن السلاح المستعمل في الحادث فليس للطاعن من بعد النعي عليها قعودها عن إجراء لم يطلبه منها ولم تر هي من جانبها حاجة لاتخاذه ومن ثم فإن كل ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل وأثبت توافرها في حق الطاعن بقوله "وحيث إنه عن نية القتل وهي إزهاق الروح فإنها ثابتة قبل المتهم بما لا يدع مجالاً لأي شك لما يضمره من ضغينة للمجني عليه نتيجة للخلف الذي حدث بينهما في صباح يوم الحادث حول الري وهو الأمر الثابت من أقوال شاهدي الإثبات..... وخروجه من منزله حاملاً فرد صناعة محلية يطلق الأعيرة الروسية محشواً بمقذوف مفرد وصوبه إليه نحو بطنه وهو سلاح قاتل بطبيعته ناهراً إياه لقدومه إلى منزله لشكايته إلى والده على ما بدر منه في الصباح وإقدامه وهو على مقربة من المجني عليه وفي مواجهته على إطلاق العيار الناري عليه قاصداً من ذلك إزهاق روحه رغم تحذير الشاهدين المشار إليهما بأن يشهدا عليه إن هو قتل المجني عليه فأصابه في مقتل بأعلى مقدم يمين البطن واخترق العيار التجويف البطني محدثاً تهتكاً بالكبد والأمعاء والكلى اليمنى وما صاحبها من نزيف دموي وهي الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية التي أودت بحياته كل ذلك يؤكد توافر نية القتل لدى المتهم". فإن هذا حسبه للتدليل على نية القتل حسبما هي معرفة به في القانون، أما ما يثيره الطاعن من أن شاهدي الرؤية قررا أنهما لا يعرفان قصد الطاعن من إطلاق النار على المجني عليه - فضلاً عن أن أقوال الشاهد الثاني بجلسة المحاكمة تضمنت أن الطاعن قصد إزهاق روح المجني عليه - فإن هذا القول - بفرض صحته - لا يقيد حرية المحكمة في استخلاص قصد القتل من كافة ظروف الدعوى وملابساتها وليس عليها من بعد أن تناقش كل الأدلة الاستنتاجية التي تمسك بها الدفاع بعد أن اطمأنت إلى أدلة الثبوت التي أوردتها وينحل جدل الطاعن في توافر نية القتل إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستنباط معتقدها منها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعياً.