أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 23 - صـ 101

جلسة 20 من يناير سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، وعثمان زكريا، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.

(16)
الطعن رقم 139 لسنة 37 القضائية

( أ ) دعوى. "بعض أنواع الدعاوى". "الدعوى غير المباشرة".
وجوب رفع الدعوى غير المباشرة باسم المدين ليكون المحكوم به حقاً له ويدخل في عموم أمواله ضماناً لجميع دائنيه. الدعوى التي ترفع باسم الدائن واستعمالاً لحق مباشرة له. خروجها عن هذا النطاق.
(ب) دعوى. "تكييف الدعوى". محكمة الموضوع. "سلطتها في تكييف الدعوى".
حق محكمة الموضوع في فهم الدعوى على حقيقتها وإعطائها الوصف القانوني الصحيح دون تقيد بتكييف الخصوم.
(ج) عقد. "تفسير العقد". محكمة الموضوع. "سلطتها في تفسير العقد". نقض. "سلطة محكمة النقض".
تفسير العقود والشروط للتعرف على مقصود العاقدين من سلطة محكمة الموضوع. لا رقابة لمحكمة النقض عليها متى كان تفسيرها مما تحتمله عبارات العقد في جملتها.
(د) تأمين. "التأمين من المسئولية عن حوادث السيارات". مسئولية. "مسئولية تقصيرية".
ليس للمضرور قبل العمل بقانون التأمين الإجباري من المسئولية عن حوادث السيارات الرجوع على المؤمن بحق مباشر إلا حيث تتضمن وثيقة التأمين اشتراطاً لمصلحة الغير.
1 - إذ أجاز التقنين المدني في المادة 235 لكل دائن أن يستعمل باسم مدينه جميع حقوق هذا المدين إلا ما كان منها متصلاً بشخصه خاصة أو غير قابل للحجز، فقد أوجب على الدائن الذي يطالب بحق مدينه أن يقيم الدعوى باسم المدين ليكون المحكوم به حقاً لهذا المدين، ويدخل في عموم أمواله ضماناً لجميع دائنيه ويتقاسموه قسمة غرماء، فإذا هو لم يرفعها بوصفه دائناً، وإنما رفعها استعمالاً لحق مباشر له، وطلب الحكم لمصلحته لا لمصلحة مدينه، فإنها تكون دعوى مباشرة أقامها باسمه ولمصلحته.
2 - تكييف الخصوم للدعوى لا يقيد المحكمة، ولا يصح أن يمنعها من فهم الدعوى على حقيقتها، وإعطائها التكييف الصحيح.
3 - تفسير العقود والشروط للتعرف على مقصود العاقدين، من سلطة محكمة الموضوع، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها متى كان تفسيرها مما تحتمله عباراتها ولا خروج فيه على المعنى الظاهر لها، ولا تتقيد المحكمة بما تفيده عبارة معينة منها، وإنما بما تفيده في جملتها.
4 - لم يورد المشرع المصري قبل العمل بالقانون رقم 652 لسنة 1955 بشأن التأمين الإجباري من المسئولية عن حوادث السيارات نصاً خاصاً يقرر أن للمصاب حقاً مباشراً في مطالبة المؤمن بالتعويض الذي يسأل عنه قبل المستأمن، ومن ثم فلا يكون للمضرور قبل العمل بهذا القانون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - الرجوع على المؤمن بحق مباشر إلا حيث تتضمن وثيقة التأمين اشتراطاً لمصلحة الغير.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن ورثة المرحوم ثابت قطب أقاموا الدعوى رقم 2881 سنة 1962 مدني كلي القاهرة ضد شركة التأمينات المصرية وآخرين بطلب الحكم بإلزام الشركة بأن تدفع لهم مبلغ 4100 جنيه والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد والمصروفات والأتعاب، وقالوا بياناً للدعوى إن فؤاد كامل قائد الدراجة البخارية رقم 10220 كان قد صدم بها مورثهم بتاريخ 21/ 3/ 1955 وتسبب في وفاته، وقد اتهمته النيابة العامة بالقتل خطأ في القضية رقم 2230 سنة 1955 جنح الأزبكية، وقضى نهائياً على المتهم بالعقوبة، كما أقاموا من جانبهم الدعوى رقم 959 سنة 1957 مدني الأزبكية بطلب إلزامه بالتعويض وأدخل المدعى عليه شركة التأمين ووجه إليها طلب الضمان، وقد حكم في تلك الدعوى بإلزامه بأن يدفع لهم مبلغ 4000 جنيه على سبيل التعويض والمصروفات وبرفض طلب الضمان، وعدل هذا الحكم في الاستئناف رقم 637 سنة 1959 القاهرة بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض طلب الضمان وبعدم اختصاص محكمة أول درجة نوعياً بنظر الدعوى، وفي الدعوى الأصلية برفض الاستئناف موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف، ولما كان من حق الورثة مطالبة شركة التأمين بالمبلغ المحكوم به على قائد الدراجة البخارية بمقتضى وثيقة التأمين وبالتطبيق لنص المادتين 154 و235 من التقنين المدني، فقد انتهوا إلى طلب الحكم بطلباتهم، وبتاريخ 28 أكتوبر سنة 1963 حكمت المحكمة حضورياً وفي مواجهة المدعى عليه الثاني فؤاد كامل بإلزام شركة التأمينات المصرية بأن تؤدي للمدعين مبلغ أربعة آلاف جنيه مع الفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية في 7/ 5/ 1962 حتى السداد والمصروفات ومبلغ ثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة، استأنفت الشركة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبة إلغاءه والحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة واحتياطاً بسقوط الحق في رفع الدعوى بالتقادم وقيد الاستئناف برقم 1961 سنة 80 ق مدني، وبتاريخ 17 يناير سنة 1967 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة وألزمت المستأنف عليهم عدا الأخير بالمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين، وطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعنون على طلب نقض الحكم، ولم يحضر المطعون عليهما ولم يبديا دفاعاً، وصممت النيابة العامة على رأيها الذي أبدته في مذكرتها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه اعتمد في قضائه بعدم قبول الدعوى قبل شركة التأمين على أن وثيقة التأمين لا تتضمن اشتراطاً لمصلحة الغير ولا تخول الطاعنين الحق في الرجوع بالدعوى المباشرة على هذه الشركة، وهو من الحكم خطأ في تطبيق القانون وقصور في التسبيب، ذلك أن الطاعنين لم يقتصروا على حقهم في الرجوع بالدعوى المباشرة قبل شركة التأمين طبقاً لنص المادة 156 من التقنين المدني، وإنما أسسوا طلباتهم على حقهم في استعمال الدعوى غير المباشرة المقرر لكل دائن بنص المادة 235 من التقنين المدني، وثابت أن المدين لم يبادر برفع الدعوى قبل الشركة وأنه تعذر عليهم استيفاء التعويض المحكوم به لأنه لا يملك شيئاً يمكن التنفيذ عليه إلا أن الحكم المطعون فيه اكتفى ببحث الحق في الرجوع بالدعوى المباشرة مع أنه أساس جوهري في الدعوى.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن التقنين المدني إذ أجاز في المادة 235 لكل دائن أن يستعمل باسم مدينه جميع حقوق هذا المدين إلا ما كان منها متصلاً بشخصه خاصة أو غير قابل للحجز، فقد أوجب على الدائن الذي يطالب بحق مدينه أن يقيم الدعوى باسم المدين ليكون المحكوم به حقاً لهذا المدين ويدخل في عموم أمواله ضماناً لحقوق دائنيه ويتقاسموه قسمة غرماء، فإذا هو لم يرفعها بوصفه دائناً وإنما رفعها استعمالاً لحق مباشر له، وطلب الحكم لمصلحته لا لمصلحة مدينه، فإنها تكون دعوى مباشرة أقامها باسمه ولمصلحته، وإذ كان الثابت أن الطاعنين أقاموا الدعوى بطلب الحكم بإلزام شركة التأمين بدفع مبلغ التعويض المحكوم به على المطعون عليه الثاني مقابل الضرر الناشئ عن تسببه في قتل مورثهم خطأ بالدراجة البخارية المؤمن عليها لدى الشركة، وكان الحكم المطعون فيه قد فصل في الدعوى على أساس أنها دعوى مباشرة، فإنه يكون قد التزم التكييف الصحيح للدعوى ولا يؤثر في ذلك استناد الطاعنين إلى نص المادة 235 مدني لأن تكييف الطاعنين لا يقيد المحكمة ولا يصح أن يمنعها من فهم الدعوى على حقيقتها، إذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أغفل بحث الدعوى غير المباشرة والسند المشار إليه في ادعاء الطاعنين بشأنها، فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون أو شابه قصور في التسبيب.
وحيث إن حاصل السببين الثاني والثالث أن الحكم المطعون فيه قضى بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة مستنداً في ذلك إلى أن البند الرابع من وثيقة التأمين ينص على مسئولية شركة التأمين عن أية إصابة تنجم عن استعمال الدراجة البخارية وتحدث لأي شخص عدا من هم في خدمة المؤمن له، ولا يوجد ما يدل على أن الطرفين قصدا الاشتراط لمصلحة الغير بما يخول المضرور حقاً مباشراً في الرجوع على شركة التأمين، وهو من الحكم فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب وخطأ في تطبيق القانون من وجهين (أولهما) أن الثابت بوثيقة التأمين أن البند الرابع قد ورد تحت عنوان مسئولية الشركة مسئولية مباشرة ورأسا تجاه الجمهور بالتعويض عن الإصابة التي تقع لأي شخص من استعمال الدراجة البخارية، وقد تمسك الطاعنون في دفاعهم أمام محكمة الموضوع بأن نص الوثيقة يجعل لهم حقاً مباشراً بالرجوع على الشركة بموجب الاشتراط لمصلحة الغير وفقاً لنص المادة 156 من التقنين المدني إلا أن الحكم أغفل ذكر العنوان الخاص بالبند الرابع ومسخ عبارته فأخطأ في تفسير العقد ولو تنبه إلى ذلك لتغير وجه الرأي في الدعوى (وثانيهما) أن الحكم الابتدائي أعطى للمضرور الحق في رفع الدعوى المباشرة على أساس أن الغاية من التأمين على المسئولية هي ضمان تغطية الضرر الذي يلحق المستأمن من جراء مسئوليته قبل الغير ولا سبيل لإدراك هذه الغاية إلا بتخصيص التعويض للمضرور والوفاء به من المؤمن بدلاً من المستأمن إلا أن الحكم المطعون فيه أطرح هذا الأساس وألغي الحكم الابتدائي الذي بني عليه دون أن يرد على أسبابه.
وحيث إن هذا النعي مردود في (الوجه الأول) منه بأن تفسير العقود والشروط للتعرف على مقصود العاقدين من سلطة محكمة الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليها متى كان تفسيرها مما تحتمله عباراتها ولا خروج فيها على المعنى الظاهر لها ولا تتقيد المحكمة بما تفيده عبارة معينة منها وإنما بما تفيده في جملتها. إذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد جرى في قضائه على أنه "يبين لهذه المحكمة من الاطلاع على وثيقة التأمين أنها محررة لمصلحة علي عبد النبي وشركاه حيث نصت على تعهد شركة التأمين بدفع التعويض للمؤمن له عن أية خسارة أو تلف أو مسئولية خلال المدة المحددة بالعقد، ونص البند الرابع على مسئولية شركة التأمين عن أية إصابة بدنية سواء كانت مميتة أو غير مميتة تنجم عن استعمال الموتوسيكل تحدث لأي شخص عدا من هم في خدمة المؤمن له دون أن يكون ثمة ما يدل على أن طرفي التأمين قد قصدا اشتراط حق مباشر لمصلحة الغير في الرجوع على شركة التأمين في اقتضاء التعويض" وهو استخلاص سائغ تؤدي إليه عبارات الوثيقة في مجموعها ولا تنقضه العبارة المدعى بورودها في عنوان البند الرابع منها، وكان الحكم قد رتب على ذلك انتفاء حق الطاعنين في الرجوع بالحق المباشر على شركة التأمين بموجب الاشتراط لمصلحة الغير، فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون أو شابه فساد في الاستدلال. والنعي مردود في (الوجه الثاني) بأن المشرع المصري قبل العمل بالقانون رقم 652 لسنة 1955 بشأن التأمين الإجباري، لم يورد نصاً خاصاً يقرر أن للمضرور حقاً مباشراً في مطالبة المؤمن بالتعويض الذي يسأل عنه قبل المستأمن فلا يكون للمضرور قبل العمل بهذا القانون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - الرجوع على المؤمن بحق مباشر إلا حيث تتضمن وثيقة التأمين اشتراطاً لمصلحة الغير، وإذ كان الحق الذي اشترطه المستأمن إنما اشترطه لنفسه ولم تتجه نية الطرفين في وثيقة التأمين إلى اشتراطه لمصلحة الغير، وكان الحكم المطعون فيه قد استبعد حق الطاعنين في الرجوع المباشر بموجب هذا الاشتراط على ما سبق البيان كما استبعد أحكام القانون رقم 652 لسنة 1955 على أساس أن الحادث المؤمن منه قد وقع في 21/ 3/ 1955 قبل العمل بهذا القانون، فإن الحكم وقد التزم مقصود الطرفين على ما استظهره من وثيقة التأمين، ورتب على ذلك قضاءه بإلغاء الحكم الابتدائي الذي خالف هذا النظر وبعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون أو القصور في التسبيب يكون على غير أساس.


[(1)] نقض 18/ 2/ 1965 مجموعة المكتب الفني س 16 ص 172.