أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 23 - صـ 138

جلسة 8 من فبراير سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ بطرس زغلول نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام، وأحمد ضياء الدين حنفي، ومحمود السيد عمر المصري.

(22)
الطعن رقم 329 لسنة 39 القضائية

( أ ) التزام. "مصادر الالتزام". العقد. "أركان العقد. الرضا. عيوب الإرادة. الغش والتدليس".
استعمال حيلة غير مشروعة قانوناً في خدع المتعاقد، شرط في الغش والتدليس م 125 مدني. مثال.
(ب) محكمة الموضوع. سلطة محكمة الموضوع. "في تقدير أثر التدليس في نفس العاقد المخدوع". التزام. مصادر الالتزام. العقد. أركان العقد. الرضا. عيوب الرضا. التدليس.
أثر التدليس في نفس المتعاقد المخدوع. واقع. استقلال قاضي الموضع بتقديره. مثال.
(ج) حكم. تسبيب الحكم. عيوب التدليل. القصور. "ما لا يعد كذلك". "الفساد في الاستدلال". "ما لا يعد كذلك". مخالفة الثابت في الأوراق. "ما لا يعد كذلك". التزام. مصادر الالتزام. العقد. أركان العقد. الرضا. عيوب الإرادة. التدليس. محكمة الموضوع. سلطة محكمة الموضوع. في تقدير دفوع التدليس. دفاع.
نفي الحكم بما له من سلطة تقديرية، وقوع التدليس، استناداً إلى ما كشفت عنه ظروف الدعوى وملابساتها، وله مأخذه الصحيح من الأوراق، وسائغ مؤد إلى النتيجة التي انتهى إليها.
عدم تتبعه لشتى مناحي الطلبات ووجوه الدفاع. لا قصور ولا فساد في الاستدلال أو مخالفة للثابت في الأوراق.
1 - إذا كان من المقرر في قضاء محكمة النقض، أنه يشترط في الغش والتدليس وعلى ما عرفته المادة 125 من القانون المدني، أن يكون ما استعمل في خدع المتعاقد حيلة، وأن تكون هذه الحيلة غير مشروعة قانوناً، وكان الحكم قد فهم واقعة الدعوى، ثم عرض لما طرأ على المتعاقدة بسبب فقد ولدها وأبنائه جميعاً، واستبعد أن يكون ما أولته إياها المتعاقد معها - وهي ابنتها - من عطف، وكذلك عطف شقيقاتها، هو من وسائل الاحتيال، بل هو الأمر الذي يتفق وطبيعة الأمور، وأن ما يغايره هو العقوق، كما استبعد أن تكون التصرفات الصادرة من الأم لبناتها - بعد وفاة ولدها الوحيد - قد قصد بها غرض غير مشروع، فإن الحكم لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
2 - إذا كان تقدير أثر التدليس في نفس العاقد المخدوع، وما إذا كان هو الدافع إلى التعاقد، من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع، وكان يبين من الحكم المطعون فيه، أنه استظهر الظروف الذاتية للمتعاقدة والتي ألمت بها إثر وفاة ولدها الوحيد، وجميع أبنائه في حادث الباخرة دندرة، واستبعد الحكم أن يكون عطف المتعاقدة معها - وهي ابنتها - وكذلك عطف بناتها الأخريات، على والدتهن في محنتها من الوسائل الاحتيالية المعتبرة ركناً في التدليس المفسد للعقود، كما استبعد الحكم ما أثير بشأن وجود ختم للمتعاقدة مع زوج المتعاقدة معها، وأن هذه الأخيرة انتهزت هذه الفرصة، فوقعت بذلك الختم على العقدين موضوع النزاع، وذلك لعدم اتخاذ طريق الطعن بالتزوير على هذين العقدين، واستبعد الحكم أيضاً ما ادعته الطاعنات من وقوع إكراه أدبي على المتصرفة أدى إلى التعاقد، واستخلص ذلك من أن الطاعنات لم تقلن إن المتصرف إليها لجأت إلى تهديد المتصرفة بخطر جسيم، فإن ما قرره الحكم يكفي لحمل قضائه في نفي التدليس والإكراه الأدبي.
3 - إذا كان الحكم قد نفى وقوع تدليس من الابنة المتصرف إليها ضد والدتها المتصرفة لها، وأفصح بما له من سلطة تقديرية، عن أن مشاعر الود التي أبدتها المتصرف إليها نحو أمها، إثر فجيعتها في ولدها تتفق مع طبيعة الأمور، وأنها ليست من قبيل الطرق الاحتيالية التي يقوم بها التدليس، وعن أن أمراً لم يلبس على الأم المتصرفة، بحيث يضللها عن حقيقة ما اتجهت إليه، بالتصرف في بعض ما لها للمتصرف إليها ولباقي بناتها - ومنهن من تطعن على هذا التصرف - وكان هذا الذي أفصح عنه الحكم يقوم على ما تكشف من ظروف الدعوى وملابساتها، وله مأخذه الصحيح من الأوراق وكان سائغاً، ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، فإنه لا يكون عليه إن هو لم يتتبع الطاعنات، في شتى مناحي طلباتهن ووجوه دفاعهن والرد عليها، إذ في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها، الرد الضمني المسقط لكل تلك الأوجه، ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق يكون على غير أساس.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنتين وشقيقتهما........ أقمن الدعوى رقم 5364/ 1961 مدني كلي القاهرة ضد شقيقتهن المطعون عليها (........) وضد والدتهن السيدة...... (الطاعنة الثالثة) وضد والدهن........ وقلن بياناً لها إن المطعون عليها أقامت ضد والدتهن المذكورة - الطاعنة الثالثة - الدعويين رقمي 531 و1502 سنة 62 كلي القاهرة. طلبت في الأولى منهما الحكم بصحة ونفاذ العقد المؤرخ 12 مايو 1961 والمتضمن بيعها لها 7 ف و17 ط بناحية سند بسط مركز زفتى. وفي الثانية الحكم بصحة ونفاذ العقد المؤرخ 12 مايو سنة 1961 المتضمن بيعها لها 4 ط من 24 ط في منزل بمدينة ميت غمر، كما أقامت ضد والدهن المشار إليه الدعوى رقم 1514/ 1962 مدني كلي القاهرة. وطلبت الحكم بصحة ونفاذ العقد المؤرخ 12 مايو سنة 1961 المتضمن بيعه لها 14 ط من 24 ط في نفس المنزل السابق الذكر، وقلن إنه إذ كانت العقود سالفة البيان مزورة كما أن الأطيان موضوع الدعوى رقم 531 سنة 62 مدني كلي القاهرة تدخل ضمن العقد الصادر لهن من والدتهن المتقدمة الذكر - الطاعنة الثالثة - المؤرخ 12 مايو سنة 1960 والمسجل في 16 سبتمبر سنة 1961 والمتضمن بيعها لهن 15 ف و5 ط و11 س، وقد صدرت هذه التصرفات إضراراً بهن، فقد أقمن الدعوى بطلب الحكم بإبطال العقود المشار إليها، وقررت المحكمة ضم الدعاوى سالفة الذكر إلى الدعوى رقم 5364/ 1961 مدني كلي القاهرة ليصدر فيها حكم واحد، وبتاريخ 14 فبراير سنة 1965 قضت المحكمة بصحة ونفاذ العقود الثلاثة موضوع الدعاوى أرقام 531، 1502، 1514/ 1962 المرفوعة من المطعون عليها، ورفض الدعوى رقم 5364/ 1961 مدني كلي القاهرة سالفة البيان. استأنفت الطاعنات وشقيقتهما هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 703/ 82 ق، وأضفن إلى الدفاع الذي تمسكن به أمام محكمة أول درجة قولهن إن التصرفات موضوع الدعاوى أرقام 531، 1502، 1514/ 1962 مدني كلي القاهرة قد تمت لصالح المطعون عليها تحت تأثير التدليس والإكراه، وبتاريخ 15 من إبريل سنة 1969 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنات في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وفي الجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعى الطاعنات في السبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في فهم الواقع في الدعوى والقصور في التسبيب والخطأ في القانون، وفي بيان ذلك يقلن إنهن تمسكن بأن المطعون عليها قد حصلت من والدتهن الطاعنة الثالثة على عقود البيع موضوع النزاع بطريق التدليس وإنهن عددن وسائل هذا التدليس فيما ذكرنه من أن المطعون عليها اغتنمت هي وزوجها فرصة ما أصاب والدتهن المذكورة من عجز واستسلام على إثر وفاة ولدها المرحوم...... غرقاً ومعه جميع أبنائه في حادث الباخرة دندرة فأولياها عطفهما يبغيان به تضليلها إلى أن أمكنهما بذلك ابتزاز أموالها، وإذ كان هذا المسلك منهما هو من مقومات التدليس كما أنه يتصل بوسيلته وباستعمالها، وإذ لم يحصل الحكم المطعون فيه هذا الواقع بل تجاهله، وانتهى به ذلك إلى النظر للعواطف التي أبدتها المطعون عليها نحو والدتها الطاعنة الثالثة مجردة عن الغرض الذي قصدت إلى تحقيقه من إبدائها نحوها، وما إذا كان غرضاً مشروعاً أو غير مشروع، وكانت هذه العواطف هي الدافع إلى التعاقد أم لم تكن، كما لم يلتفت الحكم إلى أن وصف هذه العواطف هو مما يمكن أن يتغير بتغير حالها واستعمالها، فإنه يكون قد أخطأ في فهم الواقع في الدعوى كما يكون معيباً بالقصور، وإذ فسد الحكم نتيجة لذلك في التكييف القانوني لهذا الواقع باعتبار أنه يكون الأساليب الاحتيالية التي أدخلتها المطعون عليها في روع الطاعنة الثالثة وحملتها بذلك على إصدار العقود المشار إليها، وغاب عن الحكم بذلك، البحث فيما إذا كانت هذه الأساليب مشروعة أو غير مشروعة، فإنه يكون معيباً بالخطأ في القانون.
وحيث إنه لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه عرض لدفاع الطاعنات وحصله في أن المطعون عليها وزوجها قد أبديا نحو الطاعنة الثالثة - غداة فجيعتها في ولدها الوحيد وأبنائه جميعاً في حادث الباخرة دندرة - من العواطف والحنو الزائف والرعاية المضللة ما دفع الطاعنة الثالثة وهي في حال من الضعف البدني وخلل التفكير بالإضافة إلى ما كانت تعانيه من حالة نفسية سيئة بسبب حزنها على ولدها أن تتصرف للمطعون عليها بالعقدين موضوع الطعن بالتدليس في العقارات المبنية بهما، ثم رد الحكم على هذا الدفاع بما أورده من أن عطف المطعون عليها على والدتها الطاعنة الثالث في محنتها هو أمر طبيعي وأن نقيضه هو العقوق، وأنه لا يمكن وصف هذا العطف من بنت نحو والدتها بعد فجيعتها في وحيدها بالزيف والغش اللذين لم يقم دليل عليهما، وأنه من ثم لا يمكن اعتبار ذلك العطف طرقاًً احتيالية، وأضاف الحكم أن الطاعنة الثالثة تصرفت في بعض أموالها إلى بناتها الأخريات ومنهن الطاعنتان الأولى والثانية في ذات الظروف ولم ينسب إليهن التدليس والاحتيال، وأن هذه التصرفات جميعهاً لم تكن من الطاعنة الثالثة إلا بدافع الأمومة. ثم رتب الحكم على هذا الذي حصله من واقع الدعوى أن العقود موضوع النزاع لم تتم نتيجة تدليس من المطعون عليها، لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يشترط في الغش والتدليس وعلى ما عرفته المادة 125 من القانون المدني أن يكون ما استعمل في خدع المتعاقد حيلة وأن تكون هذه الحيلة غير مشروعة قانوناً، وكان الحكم - وعلى ما سلف البيان - قد فهم واقعة الدعوى على النحو الذي أوضحته الطاعنات في استئنافهن، وهو ذاته ما أثرنه في سبب الطعن ثم عرض الحكم لما طرأ على الطاعنة الثالثة بسبب فقد ولدها وأبنائه جميعاً. واستبعد أن يكون ما أولته إياها المطعون عليها من عطف، وكذلك عطف الطاعنتين الأولى والثانية وشقيقتهما هو من وسائل الاحتيال، بل هو الأمر الذي يتفق وطبيعة الأمور وأن ما يغايره هو العقوق، كما استبعد أن تكون التصرفات الصادرة من الأم لبناتها ومنهن المطعون عليها - وبعد وفاة ولدها الوحيد - قد قصد بها غرض غير مشروع، فإن النعي على الحكم بسبب الطعن يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنات ينعين على الحكم المطعون فيه بباقي السبب الأول وبالسبب الثاني الخطأ في تطبيق القانون ويقلن في بيان ذلك إنهن تمسكن ببطلان عقدي البيع موضوع النزاع للتدليس الذي قدمن عناصره والأدلة عليه من حيث هو استعمال للحيلة بقصد تضليل الطاعنة الثالثة وابتزاز مالها، وأنه هو الدافع إلى التعاقد، وأن هذه الأخيرة قد فهمت الأمور التي اتصلت بإصدار هذين العقدين للمطعون عليها على خلاف الحقيقة، وانساقت بتأثير من هذا الفهم الخاطئ إلى التعاقد وإنه يتعين أن يؤخذ في تقدير جميع هذه الأمور بمعيار شخصي تراعى فيه حال الطاعنة الثالثة، كما تمسكن بأن العقدين اللذين أصدرتهما الطاعنة الثالثة للمطعون عليها صوريان لانعدام السبب بعدم دفع ثمن الأعيان الواردة بهما، وبأن ختم الطاعنة الثالثة كان مع زوج المطعون عليها مما سهل تحرير هذين العقدين في ظل حالة من الإكراه الأدبي الذي تعرضت له، غير أن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بالمعيار الشخصي في تقدير أثر الطرق الاحتيالية التي اتبعتها المطعون عليها نحو الطاعنة الثالثة مع مراعاة ضعفها بسبب تقدمها في السن ومراعاة سذاجتها وجهلها وما أثقلها به الحزن على ولدها من وهن، وأطرح الحكم دلالة وجود ختم الطاعنة الثالثة لدى زوج المطعون عليها بحجة أن هذا الدفاع ينطوي على ادعاء بالتزوير لم تسلك الطاعنات طريقه القانوني وبذلك لم يسمح الحكم بتحقيق هذا الدفاع بطريق البينة، وذهب إلى أنه لم يستشف من وقائع الدعوى أثراً للإكراه الأدبي، مع أن هذا الإكراه قائم من وجود ختم الطاعنة الثالثة لدى زوج المطعون عليها ومن التسلط الذي وقع عليها من هذه الأخيرة، كما أطرح الحكم ادعاء الطاعنات بالصورية بقوله إن هذا الادعاء لا يسانده دليل، وأن ما تمسكت به الطاعنات من أن ثمناً لم يدفع للأعيان الواردة في العقدين مردود بما أثبت فيهما من أن الثمن قد دفع وأنه بفرض صحة هذا الادعاء فإنه لا يؤدي إلى إبطال العقدين حتى ولو كانا يخفيان هبة، وفات الحكم أن هذه الوقائع يجوز إثباتها بالبينة وأنه يجب في الهبة أن تكون النية فيها متمحضة للتبرع وأنه إذا داخلها التدليس بطلت وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان تقدير أثر التدليس في نفس العاقد المخدوع وما إذا كان هو الدافع إلى التعاقد من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع، وكان يبين من الحكم المطعون فيه وعلى ما سلف البيان في الرد على السبب الأول أنه استظهر الظروف الذاتية للطاعنة الثالثة والتي ألمت بها إثر وفاة ولدها الوحيد وجميع أبنائه في حادث الباخرة دندرة، واستبعد الحكم أن يكون عطف المطعون عليها وبناتها الأخريات ومنهن الطاعنتان الأولى والثانية على والدتهن في محنتها من الوسائل الاحتيالية المعتبرة ركناً في التدليس المفسد للعقود، كما استبعد الحكم ما أثارته الطاعنات بشأن وجود ختم للطاعنة الثالثة مع زوج المطعون عليها وأن هذه الأخيرة انتهزت هذه الفرصة فوقعت بذلك الختم على العقدين موضوع النزاع وذلك لعدم اتخاذ الطاعنات طريق الطعن بالتزوير على هذين العقدين، واستبعد الحكم أيضاًً ما ادعته الطاعنات من وقوع إكراه أدبي على الطاعنة الثالثة أدى إلى التعاقد، واستخلص الحكم ذلك من أن الطاعنات لم يقلن إن المطعون عليها لجأت إلى تهديد الطاعنة الثالثة بخطر جسيم ولما كان هذا الذي قرره الحكم يكفي لحمل قضائه في نفي التدليس والإكراه الأدبي فإن ما تثيره الطاعنات لا يعدو أن يكون مجادلة موضوعية فيما تستقل به محكمة الموضوع، ويكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنات ينعين بالسبب الثالث على الحكم القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقلن إنهن تمسكن بأن الغاية من سلسة البيوع الصادرة من الطاعنة الثالثة والتي أعقبت وفاة ولدها كان تجريدها من مالها لصالح المطعون عليها بعد أن تسلطت هي وزوجها عليها نتيجة لما أصابها من ضعف واستسلام بسبب شيخوختها وحزنها على ولدها، وأنهن طلبن إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات أن البيوع المشار إليها قد صدرت من الطاعنة الثالثة بتأثير من الغش، وأن ثمناً لم يدفع للأعيان موضوع هذه البيوع، وإذ لم يرد الحكم على هذا الدفاع وتجاهل طلبهن إحالة الدعوى إلى التحقيق، واستبعد الزيف عن العواطف التي أبدتها المطعون عليها نحو والدتها مع أن هذا الزيف يمكن أن يكون، وقرر أن بيع الأم لابنتها لا يعد تصرفاً غير مشروع مع أنه يمكن أن يعد كذلك، وإذ لم يسبب الحكم ما ذهب إليه من أن المبالغة في الحنان لا تعد تضليلاً وقرر أن الطاعنات لم يطلبن إحالة الدعوى إلى التحقيق على خلاف ما هو ثابت من أنهن تقدمن بهذا الطلب لإثبات الغش، وإذ لم يرد الحكم على ما تمسكن به للتدليل على التدليس من أن العقد الصادر للمطعون عليها من والدها عن 14 ط من 24 ط في منزل ميت غمر قد تم في نفس الظروف التي تم فيها العقدان الصادران لها من والدتها، وأن هذا الوالد كان قد بلغ من العمر ثمانين عاماً وقت هذا التصرف، فإن الحكم يكون معيباً بالقصور في التسبيب وبالفساد في الاستدلال وبمخالفة الثابت في الأوراق.
وحيث إن هذا النعي بجميع وجوهه مردود، ذلك أنه لما كان يبين مما سبق في الرد على السبب الأول للطعن أن الحكم المطعون فيه قد نفى وقوع تدليس من المطعون عليها ضد والدتها الطاعنة الثالثة، وأفصح بما له من سلطة تقديرية عن أن مشاعر الود التي أبدتها المطعون عليها نحو أمها إثر فجيعتها في ولدها متفقة مع طبيعة الأمور، وأنها ليست من قبيل الطرق الاحتيالية التي يقوم بها التدليس وعن أن أمراً لم يلبس على الطاعنة الثالثة بحيث يضللها عن حقيقة ما اتجهت إليه بالتصرف في بعض مالها للمطعون عليها ولباقي بناتها ومنهن الطاعنتان الأولى والثانية، وكان هذا الذي أفصح عنه الحكم يقوم على ما تكشف من ظروف الدعوى وملابساتها وله مأخذه الصحيح من الأوراق وكان سائغاً ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، فإنه لا يكون عليه إن هو لم يتتبع الطاعنات في شتى مناحي طلباتهن ووجوه دفاعهن والرد عليها، إذ في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها، الرد الضمني المسقط لكل تلك الأوجه، ومن ثم يكون النعي على الحكم بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت في الأوراق بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.