أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الأول - السنة 34 - صـ 674

جلسة 25 من مايو سنة 1983

برئاسة السيد المستشار/ محمد وجدي عبد الصمد: نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم حسين رضوان، وحسين كامل حنفي، محمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسي.

(137)
الطعن رقم 6550 لسنة 52 القضائية

(1) إضرار عمدي. جريمة "أركانها". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". موظفون عموميون. خطأ. غش.
القصد الجنائي في جريمة الإضرار العمدي المنصوص عليها في المادة 116 مكرراً عقوبات؟
قوام الخطأ في جريمة الإهمال المنصوص عليها في المادة 116 مكرراً؟
الخطأ الجسيم والغش. كلاهما يمثل وجهاً للإجرام يختلف عن الآخر. عدم جواز الخلط بينهما في مجال المسئولية الجنائية. أساس ذلك؟
(2) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". وصف التهمة.
كفاية الشك في صحة التهمة سنداً للبراءة. ولو تردى الحكم في خطأ قانوني.
كفاية الشك في صحة التهمة سنداً للبراءة. ولو لم ترد المحكمة الواقعة إلى وصف قانوني بعينه.
(3) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "بوجه عام" "خبرة" حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير.
(4) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "بوجه عام" "خبرة".
سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل. عدم التزامها بالالتجاء إلى أهل الخبرة إلا في المسائل الفنية البحتة.
(5) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لا يقدح في سلامة الحكم القاضي بالبراءة أن تكون إحدى دعاماته معيبة ما دام قد أقيم على دعامات أخرى تكفي وحدها لحمله.
(6) حكم "إصداره" "بياناته. بيانات الديباجة". بطلان.
- الأصل في الإجراءات الصحة. اشتمال الحكم على ما يفيد بيان المحكمة التي أصدرته. كفايته بياناً لمكان انعقادها.
بيان مكان انعقاد المحكمة. غير جوهري.
(7) نيابة عامة. نقض "المصلحة في الطعن". طعن "المصلحة في الطعن".
حق النيابة العامة في الطعن. مشروط بتوافر المصلحة. علة ذلك؟
(8) حكم "إصداره. بياناته". بطلان. محكمة أمن الدولة.
عنونة الحكم باسم محكمة جنايات أمن الدولة العليا. لا يخرج عن مضمون التسمية التي وردت بقانون إنشاء محاكم أمن الدولة رقم 105 لسنة 1980.
1 - لما كان القصد الجنائي في جريمة الإضرار العمدي المنصوص عليها في المادة 116 مكرراً من قانون العقوبات والتي أصبحت برقم 116 مكرراً بعد تعديلها بالقانون رقم 63 لسنة 1975، هو اتجاه إرادة الموظف الجاني إلى الإضرار بالأموال أو المصالح المعهودة إليه، فلا تقع الجريمة إذا حصل الضرر بسبب الإهمال والخطأ في جريمة الإهمال - المنصوص عليها في المادة 116 مكرراً (ب) من قانون العقوبات - والتي أصبح رقمها 116 مكرراً ( أ ) بعد تعديلها بالقانون رقم 63 لسنة 1975 - قوامه تصرف إرادي خاطئ يؤدي إلى نتيجة ضارة توقعها الفاعل أو كان عليه أن يتوقعها ولكنه لم يقصد إحداثها ولم يقبل وقوعها، والخطأ الجسيم والغش كلاً منهما يمثل وجهاً للإجرام يختلف عن الآخر اختلافاً تاماً ويناقضه، فالخطأ هو جوهر الإهمال والغش هو محور العمد، وإن جاز اعتبارهما صنوين في مجال المسئولية المدنية أو المهنية، إلا أن التفرقة بينهما واجبة في المسئولية الجنائية يؤكد ذلك أن الشارع أدخل بالمادة 116 مكرراً عقوبات جريمة الإضرار العمد في ذات التعديل الذي استحدث به جريمة الإهمال الجسيم فاستلزم الغش ركناً معنوياً في الجريمة الأولى واكتفى بالخطأ الجسيم ركناً في الجريمة الثانية. وإذا كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر، فإنه يكون قد اقترن بالصواب فيما أورده عن الركن المعنوي لجريمة الإضرار العمدي ولم يخطئ في شيء.
2 - لما كان الحكم قد قضى ببراءة المطعون ضدهم تأسيساً على عدم ثبوت الاتهامات المسندة إليهم فإنه لا يجدي النيابة الطاعنة النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون فيما أورده من ذلك لأنه استند في قضائه بالبراءة على أسباب أخرى مبناها التشكك في صحة إسناد التهمة إلى المتهمين وعدم اطمئنان المحكمة إلى أدلة الثبوت في الدعوى بعد أن ألم بها ولم يطمئن وجدانه إلى صحتها، كما لا يجديها أيضاً النعي عليه أن المحكمة لم تستعمل حقها في رد الواقعة إلى وصف قانوني بعينه، لأنه يكفي للقضاء بالبراءة - تحت أي وصف - أن تتشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم.
3 - لما كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير، شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة.
4 - تقدير الأدلة من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بلا معقب من محكمة النقض، ولا تلتزم بالالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها.
5 - لما كان الحكم المطعون فيه - على السياق المتقدم - قد أقام قضاءه ببراءة المطعون ضدهم من العاشر للأخير من تهمة الاشتراك في التزوير على أن التحقيقات التي تمت لم تسفر عن دليل قاطع على أنهم أزالوا وغيروا في الأرقام الحقيقية لشاسيهات السيارات موضوع الاتهام، وأورد على ذلك تدليلاً سائغاً مستقى من أوراق الدعوى ومن شأنه أن يؤدي إلى ما رتبه عليه الحكم في هذا الصدد, فإنه لا يجدي الطاعنة النعي على الحكم بالتناقض بشأن حدوث تزوير في أرقام الشاسيهات من عدمه، لأن تعيب الحكم في ذلك على فرض صحته يكون غير منتج طالما أنه قد تساند إلى دعامة أخرى صحيحة تكفي لحمله، إذ من المقرر أنه لا يقدح في سلامته الحكم القاضي بالبراءة أن تكون إحدى دعاماته معيبة ما دام الثابت أن الحكم قد أقيم على دعامات أخرى تكفي وحدها لحمله.
6 - لما كانت المادة الرابعة من القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة قد نصت على أن محاكم أمن الدولة العليا تنعقد في كل مدينة بها محكمة ابتدائية وتشمل دائرة اختصاصها ما تشمله دائرة المحكمة الابتدائية. ولما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه قد صدر من محكمة أمن الدولة العليا ببور سعيد، وكانت الطاعنة لا تدعي أن المحكمة انعقدت في جهة أخرى على خلاف ما نصت عليه المادة المذكورة وكان من المقرر أن الأصل في إجراءات المحاكمة أنها قد روعيت، فإن ما تثيره الطاعنة بشأن إغفال بيان مكان انعقاد المحكمة التي أصدرت الحكم يكون غير سديد. هذا فضلاً عن أن هذا البيان ليس من البيانات الجوهرية التي ترتب على إغفالها بطلان الحكم ما دام قد ذكر فيه اسم المحكمة التي أصدرته.
7 - من المقرر أن الأصل أن النيابة العامة في مجال المصلحة أو الصفة في الطعن هي خصم عادل تختص بمركز قانوني خاص، إذ تمثل الصالح العام وتسعى في تحقيق موجبات القانون، إلا أنها تتقيد في ذلك بقيد المصلحة بحيث إذا لم يكن لها كسلطة اتهام ولا للمحكوم عليهم مصلحة في الطعن، فإن طعنها لا يقبل عملاً بالمبادئ العامة المتفق عليها من أن المصلحة أساس الدعوى.
8 - لما كانت محكمة أمن الدولة العليا تختص بنظر الجنايات المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون رقم 105 لسنة 1980، وكانت النيابة العامة لا تنازع في صدور الحكم من محكمة مختصة طبقاً للقانون المذكور، وكانت عنونة الحكم باسم محكمة جنايات أمن الدولة العليا لا يخرج عن مضمون التسمية التي وردت بقانون إنشاء محاكم أمن الدولة سالف الذكر، فإن ما تثيره النيابة العامة في هذا الشأن لا يكون له محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم بأنهم أولاً: - المتهمون من الأول إلى التاسعة: - (1) بصفاتهم موظفين عموميين "مأموري تعريفة بجمرك بور سعيد" أضروا عمداً بأموال الجهة التي يعملون بها وأموال وزارة التجارة التي يتصلون بها بحكم وظائفهم وذلك بأن فوتوا عمداً على الجهتين سالفتي الذكر تحصيل الغرامات المقررة لحسابهما لدى الإفراج الجمركي عن السيارات النقل المستعملة المستوردة بالمخالفة للقرارات الوزارية لحساب المتهمين من العاشر إلى الواحد والثلاثين، عن طريق تزوير بياناتها في شهادات الإجراءات الجمركية "الاستمارة رقم 11 ك. م سيارات" لإدراجها في سنوات إنتاج حديثة لها على غير الحقيقة فأسقطوا الغرامات المقررة عليها والبالغة فيما تمت معاينته منها مبلغ 1880094.220 مليمجـ "مليون وثمانمائة وثمانون ألف وأربعة وتسعون جنيهاً ومائتان وعشرين مليماً" لحساب وزارة التجارة فضلاً عن الغرامات المقررة لحساب مصلحة الجمارك. (2) بصفاتهم سالفة الذكر ارتكبوا تزويراً في أوراق رسمية حال تحريرها المختص بوظائفهم بجعلهم وقائع مزورة في صورة وقائع صحيحة مع علمهم بتزويرها، وذلك بأن أثبتوا في شهادات الإجراءات الجمركية المحررة على نماذج مصلحة الجمارك "استمارة 11 ك. م سيارات" والمبينة بالتحقيقات، وبتقرير اللجنة النهائي، بيانات مزورة عن أرقام شاسيهات السيارات المحرر عنها محاضر معاينتهم وأثبتوا لها سنوات إنتاج غير حقيقية مع علمهم بتزوير هذه البيانات. (3) بصفاتهم سالفة الذكر، ارتكبوا تزويراً في محررات رسمية، حال تحريرها المختص بوظائفهم بجعلهم واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمهم بتزويرها، وذلك بأن أثبتوا في شهادات الإجراءات الجمركية المحررة على نماذج مصلحة الجمارك استمارات "11 ك. م سيارات" والمبينة بالتحقيقات بيانات شهادات تسيير دانمركية منسوبة زوراً إلى السيارات موضوع المعاينة، مع علمهم بتزوير نسبتها إليها. (4) استعملوا المحررات المزورة سالفة البيان مع علمهم بتزويرها بأن اعتدوا بالبيانات المثبتة فيها لاتخاذ إجراءات الإفراج عن السيارات الصادرة بشأنها. (5) بصفاتهم سالفة الذكر، قبلوا وأخذوا عطية للإخلال بواجبات وظائفهم، وذلك بأن قبلوا وأخذوا من المتهمين العاشر والثالث والثلاثين "...... و......" مبالغ بمعدل خمسمائة جنيه - على سبيل الرشوة عن كل من السيارات البالغ عددها أربعمائة وخمسة عشر سيارة نابا عن أصحابها المتهمين الحادي عشر والثاني عشر ومن الرابع عشر إلى الثامن عشر في إجراءاتها الجمركية مقابل إسقاط الغرامات المقررة عليها دون حق. ثانياً: المتهمون من العاشر إلى الأخير: (1) اشتركوا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهمين من الأول إلى التاسعة في ارتكاب جناية الإضرار العمدي بالأموال العامة موضوع التهمة الأولى المسندة إلى المتهمين المذكورين وذلك بأن اتفقوا معهم على عدم تحصيل الغرامات المقررة على السيارات النقل المستعملة التي استوردها الواحد والعشرون الأول منهم والتي ناب باقيهم عنهم في إجراءات الإفراج الجمركي بشأنها وساعدوهم على ارتكابها عن طريق تغيير بعض معالمها الدالة على سنوات الإنتاج، فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. (2) اشتركوا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهمين من الأول إلى التاسعة في ارتكاب جنايات التزوير في المحررات الرسمية واستعمالها مع علمهم بتزويرها وذلك بأن اتفقوا معهم على تزوير بيانات الشهادات الجمركية المبينة بالبنود الثاني والثالث والرابع سالفة الذكر، وساعدوهم في ذلك بأن أزالوا وغيروا في الأرقام الحقيقية لشاسيهات السيارات المبينة بالأوراق، فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة.
ثالثاً: المتهمون من الحادي عشر إلى الثامن عشر عدا الثالث عشر: قدموا عطية لموظفين عموميين للإخلال بواجبات وظائفهم، وذلك بأن قدموا للمتهمين من الأول إلى التاسعة مبالغ بمعدل خمسمائة جنيه عن كل سيارة أفرجوا عنها.
رابعاً: المتهمان العاشر والثالث والثلاثين: توسطا في ارتكاب جناية الرشوة سالفة البيان، وذلك بأن اتفقا مع المتهمين التسعة الأول على تقديمها إليهم من المتهمين الراشين سالفي الذكر، مقابل إسقاط الغرامات المقررة على السيارات المستعملة التي نابا عن أصحابها في مباشرة إجراءاتها. خامساً: المتهمون الرابع عشر والخامس عشر والسابع عشر والثالث والثلاثين: اشتركوا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهمين من الأول إلى التاسعة في ارتكاب جناية التزوير في الأوراق الرسمية موضوع التهمة الثالثة المسندة إلى المتهمين المذكورين وذلك بأن اتفقوا معهم على ارتكابها وساعدوهم على ذلك بأن تقدموا إليهم بشهادات تسيير دانماركية مغايرة لحقيقة السيارات المقدمة عنها، وذلك للأخذ ببياناتها غير الحقيقية، فأثبتوها في شهادات الإجراءات الجمركية مع علمهم بتزويرها فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. وأحالتهم إلى محكمة جنايات أمن الدولة العليا لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. ومحكمة جنايات أمن الدولة ببور سعيد قضت غيابياً بالنسبة للمتهمين الثامن عشر والعشرين وحضورياً بالنسبة للباقين عملاً بالمادة 14 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة للمتهم الثلاثين والمواد 304/ 1، 384، 386 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة للمتهمين الثامن عشر والعشرين والمواد 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة لباقي المتهمين أولاً: بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم...... بوفاته. ثانياً: ببراءة باقي المتهمين من التهم المسندة إليهم.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضدهم التسعة الأول من جرائم الإضرار العمدي بأموال الجهة التي يعملون بها وأموال وزارة التجارة التي يتصلون بها بحكم وظائفهم والتزوير في أوراق رسمية واستعمالها والرشوة وببراءة باقي المطعون ضدهم من الاشتراك في جرائم الإضرار العمدي والتزوير والاستعمال ومن جرائم تقديم الرشوة والوساطة فيها، قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه التناقض والقصور في التسبيب وانطوى على البطلان، ذلك بأنه اعتنق تفسيراً خاطئاً لمفهوم نص المادة 116 مكرراً من قانون العقوبات حين استلزم في جريمة الإضرار العمدي توافر قصد الغش واعتد في قضائه بأحكام القانون رقم 63 لسنة 1975 رغم أن وقائع الدعوى بدأت قبل صدوره وهو لا يعتبر قانوناً أصلح ورتب على القول بعدم تعمد الفاعلين الأصليين ارتكاب جرائم التزوير والاستعمال والإضرار العمدي عدم توافر الاشتراك في تلك الجرائم في حق الشركاء أصحاب المصلحة في التزوير مع أن تبرئة أولئك لا يقتضي بالضرورة تبرئة هؤلاء، وقضى ببراءة المطعون ضدهم رغم أن الواقعة تنطوي على أوصاف أخرى مؤثمة بقانوني الجمارك والاستيراد، وأطرح الحكم كافة التقارير الفنية وقضى في مسائل ما كان يجوز للمحكمة أن تحل نفسها محل الخبير فيها، وبعد أن استبعد جميع هذه التقارير عاد واعتد بما انتهت إليها من نتائج بالنسبة للشهادة رقم 7222 وبالنسبة لشهادات التسيير الدانماركية برغم تعارض التقارير في هذا الشأن، وبعد أن رجح وقوع التغيير في أرقام شاسيهات السيارات بالخارج عاد ونفى وقوع أي تغيير فيها كما أنه بعد أن انتهى في أسبابه إلى براءة المتهمين جميعاً عاد وقضى في المنطوق بانقضاء الدعوى بالنسبة للمتهم الثلاثين وخلا الحكم ومحضر الجلسة كلاهما من بيان مكان انعقاد المحكمة، كما خلت الأوراق مما يفيد إعلان المطعون ضدهما الثامن عشر والعشرين الغائبين بمكان انعقاد المحكمة الجديد بمجمع المحاكم ببور سعيد ولم يعلن أمر الإحالة المعدل بالجلسة لمن تخلف من المتهمين عن حضورها، وجاء الحكم خلواً في مدوناته من هذا التعديل، وأخيراً فقد صدر الحكم معنوناً باسم محكمة جنايات أمن الدولة العليا مع أن القانون رقم 105 لسنة 1980 لا يعرف هذه التسمية، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى كما صورها الاتهام وأورد أدلة الثبوت التي قام عليها خلص إلى أن التهم الموجهة إلى المطعون ضدهم محل شك للأسباب التي أوردها والتي أفصح بها عن عدم اطمئنان المحكمة لأدلة الاتهام. لما كان ذلك، وكان القصد الجنائي في جريمة الإضرار العمدي المنصوص عليها في المادة 116 مكرراً من قانون العقوبات والتي أصبحت برقم 116 مكرراً بعد تعديلها بالقانون رقم 63 لسنة 1975 هو اتجاه إرادة الموظف الجاني إلى الإضرار بالأموال أو المصالح المعهودة إليه، فلا تقع الجريمة إذا حصل الضرر بسبب الإهمال والخطأ في جريمة الإهمال - المنصوص عليها في المادة 116 مكرراً (ب) من قانون العقوبات - والتي أصبح رقمها 116 مكرراً ( أ ) بعد تعديلها بالقانون رقم 63 لسنة 1975 - قوامه تصرف إرادي خاطئ يؤدي إلى نتيجة ضارة توقعها الفاعل أو كان عليه أن يتوقعها ولكنه لم يقصد إحداثها ولم يقبل وقوعها، والخطأ الجسيم والغش كلاً منهما يمثل وجهاً للإجرام يختلف عن الآخر اختلافاً تاماً ويناقضه، فالخطأ هو جوهر الإهمال والغش هو محور العمد، وإن جاز اعتبارهما صنوين في مجال المسئولية المدنية أو المهنية، إلا أن التفرقة بينهما واجبة في المسئولية الجنائية. يؤكد ذلك أن الشارع أدخل بالمادة 116 مكرراً عقوبات جريمة الإضرار العمد في ذات التعديل الذي استحدث به جريمة الإهمال الجسيم, فاستلزم الغش ركناً معنوياً في الجريمة الأولى واكتفى بالخطأ الجسيم ركناً في الجريمة الثانية. وإذا كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر، فإنه يكون قد اقترن بالصواب فيما أورده عن الركن المعنوي لجريمة الإضرار العمدي ولم يخطئ في شيء هذا فضلاً عن أنه لما كان الحكم قد قضى ببراءة المطعون ضدهم تأسيساً على عدم ثبوت الاتهامات المسندة إليهم فإنه لا يجدي النيابة الطاعنة النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون فيما أورده من ذلك لأنه استند في قضائه بالبراءة على أسباب أخرى مبناها التشكك في صحة إسناد التهمة إلى المتهمين وعدم اطمئنان المحكمة إلى أدلة الثبوت في الدعوى بعد أن ألم بها ولم يطمئن وجدانه إلى صحتها، كما لا يجديها أيضاً النعي عليه أن المحكمة لم تستعمل حقها في رد الواقعة إلى وصف قانوني بعينه، لأنه يكفي للقضاء بالبراءة - تحت أي وصف - أن تتشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة, لما كان ذلك، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه أسس قضاءه ببراءة المطعون ضدهم من العاشر إلى الأخير من تهم اشتراك في التزوير والاستعمال والإضرار العمدي، على عدم قيام اتفاق بينهم وبين المطعون ضدهم التسعة الأول على ارتكاب هذه الجرائم، وعدم وجود دليل يقيني على أنهم أزالوا وغيروا في الأرقام الحقيقية لشاسيهات السيارات، أو أن شهادات التسيير الدانماركية المقدمة مغايرة لحقيقة السيارات المقدمة عنها، وعلى انتفاء علمهم بالتزوير فإن ما تثيره الطاعن من أن الحكم قضى ببراءة الشركاء في هذه الجرائم على أساس عدم تعمد الفاعلين الأصليين ارتكابها يكون على غير سند. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير، شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة وكانت المحكمة قد أطرحت تقارير اللجان الفنية للأسباب السائغة التي أوردتها وخلصت - في حدود سلطتها التقديرية - إلى أن أوراق الدعوى خالية من دليل على أن تزويراً قد حدث في أرقام الشاسيهات، وأن التحقيقات التي تمت لم تسفر عن دليل قاطع على أن المطعون ضدهم من العاشر إلى الأخير قد أزالوا وغيروا في الأرقام الحقيقية لشاسيهات السيارات موضوع الاتهام، وكان تقدير الأدلة من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بلا معقب من محكمة النقض، ولا تلتزم بالالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها، فإن ما تنعاه الطاعنة على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل، لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم أن المحكمة خلصت إلى النتيجة التي انتهت إليها بالنسبة إلى الشهادة رقم 7222 وشهادات التسيير الدنماركية من اطلاعها على الأوراق والتحقيقات، ولم تركن في ذلك إلى التقارير الفنية التي استبعدتها فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد يكون على غير سند. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه - على السياق المتقدم - قد أقام قضاءه ببراءة المطعون ضدهم من العاشر للأخير من تهمة الاشتراك في التزوير على أن التحقيقات التي تمت لم تسفر عن دليل قاطع على أنهم أزالوا وغيروا في الأرقام الحقيقية لشاسيهات السيارات موضوع الاتهام، وأورد على ذلك تدليلاً سائغاً مستقى من أوراق الدعوى ومن شأنه أن يؤدي إلى ما رتبه عليه الحكم في هذا الصدد, فإنه لا يجدي الطاعنة النعي على الحكم بالتناقض بشأن حدوث تزوير في أرقام الشاسيهات من عدمه لأن تعيب الحكم في ذلك على فرض صحته يكون غير منتج طالما أنه قد تساند إلى دعامة أخرى صحيحة تكفي لحمله، إذ من المقرر أنه لا يقدح في سلامة الحكم القاضي بالبراءة أن تكون إحدى دعاماته معيبة ما دام الثابت أن الحكم قد أقيم على دعامات أخرى تكفي وحدها لحمله. هذا فضلاً عن أنه ليس ثمة تناقض بين ما قرره الحكم - في موضع منه من انتفاء الدليل على صحة ما ورد بتحريات الرقابة الإدارية من حدوث التغيير في أرقام الشاسيهات بواسطة أصحاب الشأن والمساعدين لهم داخل جمرك بور سعيد بالاتفاق مع موظفي الجمرك للأسباب السائغة التي أوردها، وبين ما قرره في موضوع لاحق من خلو الأوراق من دليل على أن تزويراً قد حدث في أرقام الشاسيهات أصلاً, لأن كلا التقريرين ينفي حدوث التغيير، سواء في داخل الجمرك أو خارجه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد في أسبابه أن المتهم الثلاثين توفى إلى رحمه الله ويتعين لذلك الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة له لوفاته عملاً بنص المادة 14 من قانون الإجراءات الجنائية، ثم انتهى في المنطوق إلى الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة له لوفاته، فإنه يكون قد التزم صحيح القانون، ويكون ما تثيره الطاعنة في هذا الشأن في غير محله. لما كان ذلك، وكانت المادة الرابعة من القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة قد نصت على أن محاكم أمن الدولة العليا تنعقد في كل مدينة بها محكمة ابتدائية وتشمل دائرة اختصاصها ما تشمله دائرة المحكمة الابتدائية. ولما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه قد صدر من محكمة أمن الدولة العليا ببور سعيد، وكانت الطاعنة لا تدعي أن المحكمة انعقدت في جهة أخرى على خلاف ما نصت عليه المادة المذكورة وكان من المقرر أن الأصل في إجراءات المحاكمة أنها قد روعيت، فإن ما تثيره الطاعنة بشأن إغفال بيان مكان انعقاد المحكمة التي أصدرت الحكم يكون غير سديد. هذا فضلاً عن أن هذا البيان ليس من البيانات الجوهرية التي ترتب على إغفالها بطلان الحكم ما دام قد ذكر فيه اسم المحكمة التي أصدرته، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأصل أن النيابة العامة في مجال المصلحة أو الصفة في الطعن هي خصم عادل تختص بمركز قانوني خاص، إذ تمثل الصالح العام وتسعى في تحقيق موجبات القانون، إلا أنها تتقيد في ذلك بقيد المصلحة بحيث إذا لم يكن لها كسلطة اتهام ولا للمحكوم عليهم مصلحة في الطعن، فإن طعنها لا يقبل عملاً بالمبادئ العامة المتفق عليها من أن المصلحة أساس الدعوى. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى ببراءة المتهمين، فإنه لا يكون للنيابة العامة مصلحة في الطعن على الحكم لعدم إعلان المتهمين الغائبين بمقر المحكمة الجديد، أو بتعديل أمر الإحالة. لما كان ذلك، وكانت محكمة أمن الدولة العليا تختص بنظر الجنايات المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون رقم 105 لسنة 1980، وكانت النيابة العامة لا تنازع في صدور الحكم من محكمة مختصة طبقاً للقانون المذكور، وكانت عنونة الحكم باسم محكمة جنايات أمن الدولة العليا لا يخرج عن مضمون التسمية التي وردت بقانون إنشاء محاكم أمن الدولة سالف الذكر، فإن ما تثيره النيابة العامة في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.