أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 23 - صـ 227

جلسة 23 من فبراير سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد أسعد محمود، وجودة أحمد غيث، وحامد وصفي، وإبراهيم السعيد ذكري.

(36)
الطعن رقم 38 لسنة 33 القضائية

( أ ) ضرائب. "دعوى الضرائب". دعوى. "التدخل في الدعوى". نيابة عامة.
وجوب تمثيل النيابة العامة في المنازعات الضريبية. عدم وجوب إبدائها للرأي فيها.
(ب) عمل "عقد العمل". عقد. "تكييف العقد". محكمة الموضوع.
عقد العمل. وجوب توافر عنصر التبعية فيه. لا عبرة بما تتضمنه المستندات من أوصاف وعبارات تخالف حقيقة الأمر. نفي المحكمة - في حدود سلطتها الموضوعية - علاقة العمل بين الطرفين للأسباب السائغة التي أوردتها. صحيح.
(ج) حكم. "تسبيب الحكم".
لا تلتزم المحكمة بتعقب كل حجة للخصوم طالما أن الحقيقة التي استخلصتها فيها الرد الضمني لكل حجة تخالفها.
1 - إنه وإن كانت المادة 88 من القانون رقم 14 لسنة 1939 قد أوجبت تمثيل النيابة العامة في المنازعات الضريبية الناشئة عن تطبيق أحكامه وإلا ترتب على إغفال هذا الإجراء بطلان الأحكام الصادرة فيها، إلا أن هذه المادة لا توجب على النيابة العامة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - إبداء الرأي فيها، وإذ كان البين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أثبت في ديباجته اسم عضو النيابة الذي مثل في الدعوى، فذلك حسبه، ويكون النعي عليه بالبطلان على غير أساس.
2 - المناط في تكييف عقد العمل وتمييزه عن غيره من العقود - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(2)] - هو توافر عنصر التبعية التي تتمثل في خضوع العامل لرب العمل وإشرافه ورقابته، وهو ما قررته المادة 674 من التقنين المدني، والمادة الأولى من قانون عقد العمل الفردي رقم 317 لسنة 1952. وإذ يبين مما أورده الحكم أن المحكمة استخلصت من الوقائع المطروحة عليها - في حدود سلطتها الموضوعية - عدم توافر علاقة العمل بين الطاعن (طبيب) والجهات سالفة الذكر (شركات ومستشفى ومدرسة) لعدم خضوعه في تنفيذ عمله لإشرافها ورقابتها، ولم تعتد بما تضمنته المستندات المقدمة من أوصاف وعبارات تخالف حقيقة وضع الطاعن، واستندت في ذلك إلى أسباب سائغة تكفي لحمل الحكم، فإنها تكون قد طبقت القانون تطبيقاً صحيحاً.
3 - لا تلتزم المحكمة بأن تتعقب كل حجة للطاعن وترد عليها استقلالاً، لأن قيام الحقيقة الواقعة التي استخلصتها فيه الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن مأمورية ضرائب التوفيقية قدرت صافي أرباح الطاعن الخاضعة للضريبة على المهن غير التجارية باعتباره طبيب عيون عن السنوات من 1951 حتى 1954 بالمبالغ الآتية على التوالي: 3140 ج، 2800 ج، و2586 ج و100 م، 2575 ج، 540 م، واتخذت أرباح السنة الأخيرة أساساً للربط في سنتي 1955، 1956 تطبيقاً لأحكام القانون رقم 642 سنة 1955. اعترض الطاعن على هذه التقديرات أمام لجنة الطعن استناداً إلى أن إيراده الناتج من مباشرة مهنته في عيادته الخاصة هو الذي يخضع دون غيره للضريبة على المهن غير التجارية، أما المبالغ التي يتقاضاها من الجهات التي يعمل بها وهي شركات ترام القاهرة والتعدين الأهلية واليونيون للتأمين والتأمين الأهلية والمستشفى الإسرائيلي والمدرسة الإسرائيلية فتخضع للضريبة على المرتبات والأجور لأنه تربطه بها علاقة عمل، وإذ أصدرت لجنة الطعن بتاريخ 16 من نوفمبر سنة 1961 قراراً بإخضاع المبالغ المشار إليها للضريبة على المهن غير التجارية، فقد أقام الدعوى رقم 1215 لسنة 1960 تجاري أمام محكمة القاهرة الابتدائية ضد مصلحة الضرائب - المطعون عليها - بالطعن في هذا القرار، طالباً إلغاءه فيما تضمنه من إخضاع كافة إيراداته لضريبة المهن غير التجارية، والحكم بأحقيته في التمييز بين إيراداته الناتجة عن عيادته الخاصة والتي تخضع لضريبة المهن غير التجارية وبين إيراداته الناتجة عن مرتباته بالشركات والهيئات التي تخضع للضريبة على المرتبات والأجور بالنسبة لجميع سني الخلاف، وبتاريخ 27 من ديسمبر سنة 1961 حكمت المحكمة بتأييد قرار اللجنة. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 213 سنة 71 ق تجاري القاهرة، ومحكمة الاستئناف حكمت في 27 من نوفمبر سنة 1963 بتأييد الحكم المستأنف. قرر الطاعن بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الأول منها بطلان الحكم المطعون فيه، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم خلا من بيان اسم عضو النيابة الذي أبدى الرأي في القضية على خلاف ما تقضي به المادة 88 من القانون رقم 14 لسنة 1939 التي توجب تمثيل النيابة العامة في الدعاوى الناشئة عن تطبيق هذا القانون وإبداء الرأي فيها، وهو ما يترتب عليه بطلان الحكم طبقاً للمادة 349 من قانون المرافعات السابق.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك وأنه وإن كانت المادة 88 من القانون رقم 14 لسنة 1939 قد أوجبت تمثيل النيابة العامة في المنازعات الضريبية الناشئة عن تطبيق أحكامه وإلا ترتب على إغفال هذا الإجراء بطلان الأحكام الصادرة فيها، إلا أن هذه المادة لا توجب على النيابة العامة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إبداء الرأي فيها، وإذ كان البين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أثبت في ديباجته اسم عضو النيابة الذي مثل في الدعوى فذلك حسبه، ويكون النعي عليه بالبطلان على غير أساس.
وحيث إن حاصل السببين الثاني والثالث أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن محكمة الاستئناف انتهت إلى إخضاع إيرادات الطاعن من المنشآت التي يعمل بها للضريبة على المهن الحرة لعدم وجود علاقة عمل تربطه بهذه المنشآت واستندت في ذلك إلى أنه مع التسليم بوجود إشراف من هذه المنشآت عليه في عمله وتمتعه بنظام الإجازات المتبع فيها، إلا أن ذلك ليس من شأنه توافر عنصر التبعية والخضوع المميز لعقد العمل، إذ أن هذا الإشراف لا يعدو أن يكون صورة من صور التنظيم الإداري بهذه المنشآت، وأنه مما يؤيد ذلك أن للطاعن عيادة خاصة لمزاولة نشاطه، في حين أن مفاد المادة 674 من القانون المدني والمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 أن الاستقلال الفني لأصحاب المهن الحرة - ومن بينهم الأطباء - عند قيامهم بالعمل لدى الغير لا يتعارض مع وجود علاقة تبعية تنظيمية تتمثل في تلقي التوجيهات، ويكفي فيها تحديد مكان العمل ومواعيده ومدته، ولا ينفي هذه العلاقة مباشرة الطاعن مهنته في عيادته الخاصة في غير أوقات العمل التي حددتها الشركات: وأضاف الطاعن أنه قدم أمام محكمة الاستئناف المستندات التي تثبت أنه كان خاضعاً للوائح وأنظمة المنشآت التي تعاقد معها طبقاً لأحكام قانون العمل وأنه صدرت قرارات بتعيينه موظفاً فيها، وأصبح مشتركاً بمؤسسة التأمين والادخار باعتباره عاملاً بها، وكانت تقتطع من المبالغ التي يتقاضاها ضريبة المرتبات والأجور، غير أن الحكم المطعون فيه لم يرد على جميع المستندات، وقرر أن الشهادات التي قدمها الطاعن لا تفيد قيام علاقة العمل فضلاً عن أنها صدرت بناءً على طلبه وأن بعضها لاحق في تاريخه على سنوات النزاع دون أن يبين الحكم العنصر الذي تخلف في هذه المستندات للقول بأن علاقة العمل لم تتوافر، كما أن صدور الشهادات بناءً على طلبه لا يهدر قيمتها في الإثبات وحداثة تاريخ بعضها لا يبرر إهدار الباقي، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه إذ نفى صفة الأجر عن إيراد الطاعن من المؤسسات والهيئات وقضى بخضوعها للضريبة على المهن غير التجارية استناداً إلى أنه ليس في الشهادات التي قدمها الطاعن ما يفيد وجود عقود استخدام، وأن كل ما يمكن تحصيله منها أن هذه الجهات تدفع له مبالغ شهرية نظير قيامه بعلاج عمالها ويرجع ذلك إلى أن الطاعن له عيادة خاصة لمزاولة نشاطه كطبيب فلا يتسنى له أن يكون بجانب ذلك موظفاً في هذه المنشآت جميعها يأتمر بأوامرها ويخضع للوائحها وأنه لم يقدم الدليل على أنه يخضع للأنظمة واللوائح الخاصة بالإجازات في هذه المنشآت، وأنها تصدر إليه تعليمات بالنسبة لمنح الإجازات المرضية لعمالها أو بالنسبة لصرف الأدوية، وأن ما يحصل عليه الطاعن لا يخرج عن كونه أجراً بنظام الأبونيه أو الاشتراك، وأضاف الحكم المطعون فيه إلى ذلك أنه لا يعول على ما جاء بالشهادات التي يستند إليها الطاعن من أنه كان موظفاً بهذه المؤسسات والهيئات يتقاضى مرتباً ثابتاً لأنه يخالف حقيقة وضع الطاعن، ولا يدل على وجود علاقة عمل، هذا إلى أن الشهادات المذكورة صدرت بناءً على طلبه وبعضها لاحق في التاريخ على سنوات النزاع، وأنه لا محل للاستناد إلى مذكرة مؤسسة النقل لأنه جاء بها أن الطاعن أسندت إليه مهمة الكشف على المرشحين للعمل بشركة الترام نظير مبلغ معين عدا الأتعاب الأخرى فيما يتعلق بإجراء العمليات، وهو أمر لا يتضح منه أنه كان موظفاً بهذه الشركة وأن ما جاء بكتاب شركة اليونيون للتأمين المؤرخ 27 من إبريل 1951 من أن مرتب الطاعن يشمل كافة أنواع العلاج بما في ذلك تكاليف الغيار باستثناء العمليات التي تجرى بالمستشفى والتي ستحدد لها أتعاب مستقلة لكل حالة لا يتفق واعتبار الطاعن موظفاً، لأنه لو كان كذلك ما التزم بمصاريف العلاج وتكاليف الغيار من جيبه الخاص، وأنه جاء بكتاب لجنة مدارس الجالية الإسرائيلية المؤرخ 4 من نوفمبر سنة 1949 أن الطاعن هو الذي عرض خدماته لعلاج الطلبة وأن مجلس إدارة المدرسة وافق على أن تشمل خدماته ثلاث جلسات في الأسبوع وأن أتعابه ستكون عشرة جنيهات في الشهر فضلاً عن مبلغ خمسة وعشرين قرشاً عن كل فحص عيون تطلبه منه المدرسة، وهذا لا يفيد أن الطاعن عين موظفاً وإنما تعهد بمباشرة مهنته في المدرسة بشروط محددة وأن قيام بعض هذه المنشآت بخصم ضريبة كسب العمل من الطاعن لا يدل بذاته على أنه كان موظفاً إذ قد يكون هذا الخصم خطأ منها أو أنها أجرته على سبيل الاحتياط حتى لا تتعرض لمطالبتها بالضريبة من مصلحة الضرائب. ولما كان المناط في تكييف عقد العمل وتمييزه عن غيره من العقود - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو توافر عنصر التبعية التي تتمثل في خضوع العامل لرب العمل وإشرافه ورقابته وهو ما قررته المادة 674 من التقنين المدني والمادة الأولى من قانون عقد العمل الفردي رقم 317 سنة 1952، وكان يبين من هذا الذي أورده الحكم أن المحكمة استخلصت من الوقائع المطروحة عليها - في حدود سلطتها الموضوعية - عدم توافر علاقة العمل بين الطاعن والجهات سالفة الذكر خضوعه في تنفيذ عمله لإشرافها ورقابتها ولم تعتد بما تضمنته المستندات المقدمة من أوصاف وعبارات تخالف حقيقة وضع الطاعن، واستندت في ذلك ألي أسباب سائغة تكفي لحمل الحكم، فإنها تكون قد طبقت القانون تطبيقاً صحيحاً ولا تكون من بعد ملزمة بأن تتعقب كل حجة للطاعن وترد عليها استقلالاً، لأن قيام الحقيقة الواقعة التي استخلصتها فيه الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها، لما كان ذلك، وكان لا يؤثر في سلامة الحكم ما استطرد إليه على سبيل الفرض من أن الإشراف الإداري لتلك الجهات لا صلة له بتوافر علاقة التبعية إذ هو تزيد يستقيم الحكم بدونه، وإذ رتب الحكم المطعون فيه على ما تقدم أن إيرادات الطاعن من المؤسسات والهيئات المشار إليها تخضع لضريبة المهن الحرة، فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب يكون على غير أساس.


[(1)] نقض 28/ 2/ 1968 مجموعة المكتب الفني س 19 ص 390.
[(2)] نقض 29/ 3/ 1967 مجموعة المكتب الفني س 18 ص 688.
نقض 12/ 2/ 1963 مجموعة المكتب الفني س 14 ص 239.