مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) - صـ 48

جلسة 18 ديسمبر سنة 1939

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: محمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك ونجيب مرقس بك المستشارين.

(31)
القضية رقم 54 سنة 10 القضائية

( أ ) إقراض نقود بفوائد ربوية. من جرائم العادة. ركن العادة. متى يعتبر متوافراً؟ الحكم الصادر بالإدانة. البيانات الواجب ذكرها فيه. تواريخ القروض. تواريخ التجديد.

(المادة 294 المكررة ع = 339)

( ب ) تزوير. بيان طريقته. وجوبه.

(المادة 183 ع = 215)

1 - إنه لما كان الإقراض بالربا الفاحش من جرائم العادة، وكانت هذه الجرائم لا يثبت فيها ركن الاعتياد إلا بوقائع لم يمضِ بين كل واحدة منها والتي تليها، وكذلك بين أخر واحدة وتاريخ البدء في إجراءات التحقيق أو الدعوى، مدة الثلاث السنوات المقررة قانونياً لسقوط الحق في إقامة الدعوى في مواد الجنح، فإنه يجب أن يكون الحكم الصادر بالإدانة في هذه الجريمة صريحاً في توافر ركن العادة على هذا الوجه. فإذا اكتفى الحكم بذكر التواريخ التي بدأت فيها القروض، وكانت هذه التواريخ ترجع إلى أكثر من ثلاث سنين قبل ما دوّن فيه من التواريخ الخاصة بإجراءات التحقيق والدعوى، ثم بالقول بأن الديون صارت بعد هذه التواريخ تجدد بفوائد باهظة، ولم يعنِ بذكر التاريخ الذي حصل فيه كل تجديد من التجديدات التي قال بها تاركاً هذه التجديدات مجهولة تجهيلاً لا يمكن معه الوقوف على المدّة التي مضت بين كل تجديد وآخر ولا على وقت حصول أخر تجديد بالنسبة لتاريخ إجراءات التحقيق التي تمت في الدعوى، فإن هذا الحكم يكون متعيناً نقضه لقصوره في البيانات التي تتمكن بها محكمة النقض من مراقبة تطبيق القانون على الوجه الصحيح.
2 - إنه لما كان القانون قد أورد على سبيل الحصر الطرق التي تقع بها جريمة التزوير بحيث لا يصح توقيع عقاب فيها على أي تغيير للحقيقة بغير هذه الطرق فإنه يجب أن يبين الحكم بجلاء الطريقة التي ارتكب بها التزوير الذي قال به. فإذا هو لم يعنِ ببيان هذه الطريقة أكانت تغييراً مادياً أحدث في أوراق كانت صحيحة في الأصل، أم توقيعاً بإمضاءات أو أختام مزورة على أصحابها، أم غير ذلك، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.


المحكمة

وحيث إن مما ينعاه الطاعن بأوجه الطعن المقدمة منه على الحكم المطعون فيه أنه أدانه ولم يبين الواقعة بياناً كافياً، لأنه لم يعين القروض وتاريخ كل اتفاق حصل بشأنها حتى كان يمكن القول بتوافر ركن الاعتياد على الإقراض كما يتطلبه القانون، بل كانت الإدانة استناداً إلى اتفاقات عن قروض ربوية مختلفة لم تمضِ عليها ولا بينها المدّة القانونية التي تسقط بها الدعوى العمومية. وأما التواريخ التي عنى بإيرادها فكانت كلها سابقة على بدء التحقيق بما يزيد على ثلاث سنين. كذلك لم يبين الحكم في صدد تهمة التزوير نوع التزوير إن كان معنوياً أو مادياً، وهل حصل في الورقة كلها أو في جزء منها أو في التوقيعات عليها. وفضلاً عن ذلك فإن الطاعن قد لفت نظر المحكمة إلى أن الجمع بين الادعاء بالربا الفاحش والتزوير غير ممكن لأنه جمع بين نقيضين لأن الشاكين قالوا إن الطاعن أقرضهم نقوداً بفوائد باهظة ثم زور عليهم في سندات القروض أو أنه حررها بمبالغ تربو المتفق عليه بكثير، ولكن المحكمة أغفلت ذلك، وقضت باعتبار الواقعة الواحدة مكوّنة في وقت واحد لتهمتي الإقراض بفوائد ربوية والتزوير.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أدان الطاعن في جريمتي التزوير والاعتياد على الإقراض بالربا الفاحش، وأوقع عليه عن كل جريمة عقوبة خاصة بها بعد أن كان محكوماً عليه ابتدائياً بعقوبة واحدة عن الجريمتين، ولم يذكر تبريراً للنظر الذي ذهب إليه في هذا الصدد إلا ما قاله من أن تطبيق محكمة أوّل درجة المادة 32 من قانون العقوبات في غير محله لأن التهمة الأولى منفصلة عن التهمة الثانية، إذ التزوير خلاف الربا الفاحش، ولا ارتباط بينهما. وعند تدليل الحكم على ثبوت إدانة الطاعن في كل من الجريمتين اللتين أدانه من أجلهما عني في جريمة الإقراض بالربا بإثبات أن الطاعن قد اتفق على قروض عدّة، واشترط فيها فوائد يحرّم القانون الاتفاق على مقدارها، وذكر التواريخ التي بدأت فيها هذه القروض بما يرجع إلى أكثر من ثلاث سنين قبل ما دوّن فيه من التواريخ الخاصة بإجراءات التحقيق والدعوى. ثم اكتفى بالقول بأن الديون المذكورة صارت بعد هذه التواريخ تجدّد بفوائد باهظة من غير أن يعني بذكر التاريخ الذي حصل فيه كل تجديد من التجديدات التي قال بأن الاتفاق تم عليها، فترك بذلك هذه التجديدات التي تحدّث عنها مجهولة تجهيلاً لا يمكن منه الوقوف على المدّة التي مضت بين كل تجديد وآخر ولا على وقت حصول أخر تجديد بالنسبة لتاريخ إجراءات التحقيق التي تمت في الدعوى وكذلك بالنسبة للتزوير، فإنه اقتصر على ذكر مؤدّى ما قاله الشهود ممن كانوا يفترضون من الطاعن بما لا يخرج عن أنه زوّر كمبيالات وسندات اثبت فيها على غير الحقيقة مبالغ عليهم له، وانتهى من ذلك إلى إثبات جريمة التزوير عليه من غير أن يعنى ببيان الطريقة التي حصل بها التزوير الذي قال به إن كانت تغييراً مادياً أحدث في أوراق كانت صحيحة في الأصل أو توقيعاً بإمضاءات أو أختام مزوّرة على أصحابها أو غير ذلك.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة الاستئنافية أن مما قاله الدفاع عن الطاعن أن الاتفاق مثلاً "على أن المبلغ الذي تحرّرت به الكمبيالة 60 جنيهاً مع أن المقبوض 30 جنيهاً فقط لا يعتبر تزويراً ولم يقدّم أي دليل على التزوير، وأن الاتهام سيق جزاءاً ممن ادعوا بالتزوير بدون أن تبين طريقته، وأن الكمبيالات يرجع تاريخها إلى سنة 1913 وبغض الشاكين بقيت مستنداتهم من تلك السنة لغاية الآن بدون إجراء".
وحيث إن جنحة الإقراض بالربا الفاحش من الجرائم ذات العادة التي يجب أن لا يعتد في توافر ركن الاعتياد فيها إلا بالوقائع التي لم يمضِ بين كل واحدة منها والتي تليها وكذلك بين آخر واحدة وتاريخ البدء في إجراءات التحقيق أو الدعوى مدّة الثلاث السنوات المقرّرة قانوناً لسقوط الحق في إقامة الدعوى في مواد الجنح. ولذلك يجب أن يكون الحكم الصادر بالإدانة في هذه الجريمة صريحاً في توافر ركن العادة على هذه الصورة، فإذا أغفل بيان التواريخ كما فعل الحكم المطعون فيه أعجز محكمة النقض عن أداء المهمة الموكولة إليها من مراقبة تطبيق القانون على الوجه الصحيح لعدم استطاعتها معرفة مقدار المدة التي مضت بين كل قرض وآخر والتي تخللت أخر القروض حتى بدئ في إجراءات التحقيق أو الدعوى، وصح وصف الحكم بالقصور المعيب المستوجب لنقضه.
وحيث إنه لما كان القانون قد أورد على سبيل الحصر الطرق المختلفة التي تقع بها جريمة التزوير بحيث لا يصح توقيع عقاب فيها على أي تغيير للحقيقة يقع بغير هذه الطرق، فإنه يجب في الحكم الصادر بالإدانة في هذه الجريمة أن يبين بجلاء الطريقة التي ارتكب بها التزوير الذي قال به، فإذا هو قصر في ذلك على نحو ما فعل الحكم المطعون فيه كان معيباً أيضاً عيباً يستوجب نقضه.