أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 23 - صـ 255

جلسة 26 من فبراير سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ محمد صادق الرشيدي، وعضوية السادة المستشارين: محمد شبل عبد المقصود، وأديب قصبجي، ومحمد فاضل المرجوشي، وحافظ الوكيل.

(40)
الطعن رقم 44 لسنة 36 القضائية

( أ ) حكم. "بيانات الحكم". تحكيم. "حكم المحكمين". عمل.
إثبات حلف عضوي هيئة التحكيم لليمين. ليس من البيانات الواجب تضمينها الحكم.
(ب، ج) حكم. "حجية الحكم الجنائي". قوة الأمر المقضي. عمل. "إثبات علاقة العمل". تأمينات اجتماعية.
(ب) حجية الحكم الصادر في الدعوى الجنائية أمام المحكمة المدنية. شرطه. فصله فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين، وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله.
(ج) إدانة مدير الشركة لعدم التأمين على عدد من عمالها. مقتضاه. أنهم عمال لديها.
1 - نصت المادة 349 من قانون المرافعات السابق على البيانات التي يجب أن يتضمنها الحكم على سبيل الحصر، وليس من بين هذه البيانات إثبات حلف عضوي هيئة التحكيم اليمين المنصوص عليها في المادتين 198، 201 من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959.
2 - مفاد المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية، والمادة 406 من القانون المدني أن الحكم الصادر في الدعوى الجنائية تكون له حجية في الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية كلما كان قد فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية، وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله. فإذا فصلت المحكمة الجنائية في هذه الأمور فإنه يمتنع على المحاكم المدنية أن تعيد بحثها، ويتعين عليها أن تعتبرها وتلتزمها في بحث الحقوق المدنية المتصلة بها لكي لا يكون حكمها مخالفاً للحكم الجنائي السابق له.
3 - إذا كان الثابت من الحكم الجنائي رقم 5800 لسنة 1962 قصر النيل أنه قضى بإدانة مدير الشركة المطعون عليها لعدم التأمين على ثلاثة وعشرين من عمالها وببراءة الطاعن الأول تأسيساً على أنه عامل بالشركة وليس مقاولاً من الباطن، كما أن الثابت من الحكم الجنائي رقم 5802 لسنة 1962 قصر النيل أنه قضى بإدانة مدير الشركة المذكورة كذلك لعدم التأمين على تسعة من عمالها. فإن مقتضى ذلك بطريق اللزوم أن العمال الذين لم تقم الشركة بالتأمين عليهم في مؤسسة التأمينات الاجتماعية هم عمال لديها تربطهم بها علاقة عمل. وإذ كان أساس طلب العمال في النزاع أمام هيئة التحكيم أن الطالبين تربطهم بالشركة المطعون ضدها علاقة عمل وليست مقاولة، وهي ذات المسألة التي سبق عرضها على المحكمة الجنائية، فإن الحكمين الجنائيين سالفي الذكر بقضائهما السابق يكونان قد فصلا فصلاً لازماً في الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية ويحوزان قوة الشيء المحكوم فيه أمام المحاكم المدنية، وإذ قضى القرار المطعون فيه برفض الطلب على أساس أن طالبي التحكيم ليسوا عمالاً لدى الشركة، فإنه يكون قد خالف حجية الحكمين الجنائيين السابقين.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من القرار المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن عمال مصنع شركة محلات اسكندر أفيرينو تقدموا بشكوى إلى مكتب عمل جنوب القاهرة ضد الشركة المذكورة طلبوا فيها (أولاً) عدم الاعتداد بعقود المقاولة المحررة بين الشركة وبين الشاكين صالح حزين وعبد الله عبد الحميد وشعبان عبد الله لبطلانها لأنها صورية وغير مطابقة للواقع (ثانياً) اعتبار الطالبين جميعاً ضمن عمال الشركة كل حسب تاريخ التحاقه بالعمل وبنفس الأجر الذي يتناوله فعلاً حسب الكشف المرفق ما يترتب على ذلك من آثار خاصة فيما يتعلق بالمزايا والحمايات المقررة في القانون رقم 91 لسنة 1959 الخاص بعقد العمل والقانون رقم 92 لسنة 1959 الخاص بالتأمينات الاجتماعية وكافة القرارات الوزارية المكملة لهذين القانونين، وقال الشاكون إنهم فوضوا من بينهم صالح حزين وعبد الله عبد الحميد وسعد محمود لتمثيلهم أمام لجنة التوفيق وهيئة التحكيم وقد أحال مكتب العمل الطلب إلى لجنة التوفيق التي أحالته إلى هيئة التحكيم بمحكمة استئناف القاهرة، وقيد بجدولها برقم 9 سنة 1962. دفعت الشركة المطعون ضدها بعدم اختصاص هيئة التحكيم بنظر النزاع وبعدم قبوله لرفعه من غير ذي صفة، وبتاريخ 30/ 12/ 1964 أصدرت الهيئة قرارها برفض الدفعين، وقالت في أسبابه إن هؤلاء العمال لا ينتمون إلى نقابة وعددهم أربعة وخمسون فيكون لأغلبيتهم الحق في تقديم الطلب مع ندب ثلاثة منهم لتمثيلهم أمام لجنة التوفيق وهيئة التحكيم عملاً بالمواد 188، 189، و190 من القانون رقم 91 لسنة 1959، وقام دفاع الشركة المطعون ضدها في الموضوع على أن الطالبين الأربعة الأول صالح حزين وعبد الله عبد الحميد وشعبان عبد الله وسعد محمود مقاولون من الباطن وأن باقي الطالبين هم عمال لديهم ولا صلة للشركة بهم، فقررت الهيئة بتاريخ 24/ 2/ 1965 "ندب مكتب خبراء وزارة العدل بالقاهرة، ليعهد إلى أحد خبرائه المحاسبين مأمورية الانتقال إلى مقر الشركة للاطلاع على السجلات والأوراق ودفتر الأجور وكشوفها لبيان العلاقة بين الشركة وبين الطالبين الأربعة الأول صالح حزين وعبد الله عبد الحميد وشعبان عبد الله وسعد محمود أهي علاقة مقاولة أم علاقة عمل لبيان ما إذا كان العمال الذين يعملون مع كل من هؤلاء الأربعة يتبعون كلاً منهم كمقاول أم يتبعون الشركة كعمال لديها....." وبعد أن باشر الخبير مأموريته وقدم تقريره قررت الهيئة بتاريخ 24/ 11/ 1965 رفض الطلب. طعن الطاعنان في هذا القرار بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض القرار، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن القرار المطعون فيه شابه البطلان لأن هيئة التحكيم أغفلت الإجراء الذي نصت عليه المادتان 198، 201 من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959 بخصوص حلف عضوي الهيئة (مندوبي وزارتي الشئون الاجتماعية والصناعية)، وإذ خلا القرار من بيان حلفهما فإنه يكون باطلاً طبقاً للمادة 349 من قانون المرافعات.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح ذلك أن البيانات التي أوجب القانون أن يتضمنها الحكم نصت عليها على سبيل الحصر المادة 349 من قانون المرافعات وليس من بينها إثبات هذا الإجراء.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنان على القرار المطعون فيه بالسبب الثالث من أسباب الطعن أنه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقولان إنهما قدما لهيئة التحكيم صورة طبق الأصل من الحكم الصادر بتاريخ 3/ 2/ 1964 من محكمة جنح قصر النيل في قضية النيابة العامة رقم 5800 سنة 1962 جنح قصر النيل وصورة شمسية من الحكم الصادر بتاريخ 22/ 4/ 1962 من تلك المحكمة في قضية النيابة العامة رقم 5802 سنة 1962 جنح قصر النيل وقد قضى كل منهما بتغريم مدير محلات أفرينو لعدم قيامه بالتأمين على العمال، وتمسك الطاعنان بحجية هذين الحكمين الجنائيين، إلا أن القرار المطعون فيه لم يعتد بحجيتهما، وقال إنه لا تأثير للحكمين الجنائيين على عقدي المقاولة المبرمين بين الشركة والطاعنين لأن كلاً من الحكمين ارتكن في أسبابه على محضر مفتش العمل دون بحث لهذين العقدين، فجاء القرار على هذا النحو مخالفاً لحكم المادتين 406 من القانون المدني و456 من قانون الإجراءات الجنائية.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه لما كانت المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن " يكون للحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية في موضوع الدعوى الجنائية بالبراءة أو بالإدانة قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم المدنية في الدعاوى التي لم يكن قد فصل فيها نهائياً فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها، ويكون للحكم بالبراءة هذه القوة سواء بني على انتفاء التهمة أو على عدم كفاية الأدلة، ولا تكون له هذه القوة إذا كان مبنياً على أن الفعل لا يعاقب عليه القانون" وكانت المادة 406 من القانون المدني تنص على أن "لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا لحكم وكان فصله فيها ضرورياً". فإن مفاد ذلك أن الحكم الصادر في المواد الجنائية تكون له حجية في الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية كلما كان قد فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله، فإذا فصلت المحكمة الجنائية في هذه الأمور فإنه يمتنع على المحاكم المدنية أن تعيد بحثها ويتعين عليها أن تعتبرها وتلتزمها في بحث الحقوق المدنية المتصلة بها لكي لا يكون حكمها مخالفاً للحكم الجنائي السابق له، ولما كان الثابت من الحكم الصادر في الجنحة رقم 5800 سنة 1962 قصر النيل أن الدعوى الجنائية أقيمت على صالح حزين أبو الحسن "الطاعن الأول" وسيف الدين مسعود "مدير الشركة المطعون ضدها" لأنهما في يوم 28/ 10/ 1962 بدائرة قسم قصر النيل لم يقوما بالتأمين على 23 عاملاً من عمالهما في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وطلبت النيابة عقابهما بالمواد 1 و2 و18 و108 و111 من القانون رقم 91 لسنة 1959، وقضت محكمة الجنح بتغريم المتهم الثاني ألف قرش عن كل عامل وببراءة المتهم الأول، وذلك استناداً إلى ما ثبت للمحكمة من تحقيقات الدعوى ومستنداتها من أن المتهم الأول - الطاعن الأول - عامل بالشركة المطعون ضدها وليس مقاولاً من الباطن وأن المتهم الثاني باعتباره مدير الشركة هو المسئول عن عدم التأمين على عمال الشركة لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية، إذ لم يتأيد دفاعه من أن هؤلاء العمال تبع المقاولين من الباطن بأي دليل، وكان الثابت من الحكم الصادر في الجنحة رقم 5802 سنة 1962 قصر النيل أن الدعوى الجنائية أقيمت على سيف الدين مسعود مدير الشركة المطعون ضدها لأنه في يوم 8/ 10/ 1962 بدائرة قسم قصر النيل لم يقم بالتأمين في مؤسسة التأمينات الاجتماعية على عماله، وقضت المحكمة بتغريم المتهم مائة قرش عن كل عامل من عماله البالغ عددهم تسعة، وذلك تأسيساً على ما ذكره الحكم في أسبابه من أن المحكمة لا تعول على دفاع المتهم من أن هؤلاء العمال لا يخضعون للشركة وأن مقاولي الإنتاج هم المسئولون عنهم لأنه لم يقدم المستندات الدالة على ذلك، وأنه بصفته مديراً للشركة يكون مسئولاً عن عدم التأمين على عمالها. لما كان ذلك، وكان الثابت من الحكم الجنائي الأول أنه قطع في أن الطاعن الأول صالح حزين أبو الحسن عامل بالشركة المطعون ضدها، كما أن الثابت من الحكمين الجنائيين أنهما بقضائهما على مدير الشركة سيف الدين مسعود لثبوت التهمة ضده، فإن مقتضى ذلك بطريق اللزوم أن العمال الذين لم تقم الشركة بالتأمين عليهم في مؤسسة التأمينات الاجتماعية هم عمال لديها تربطهم بها علاقة عمل، وكان أساس طلب العمال في النزاع أمام هيئة التحكيم أن الطالبين تربطهم بالشركة المطعون ضدها علاقة عمل وليست مقاولة وهي ذات المسألة التي سبق عرضها على المحكمة الجنائية، فإن الحكمين الجنائيين بقضائهما السابق يكونان قد فصلا فصلاً لازماً في الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية ويحوزان قوة الشيء المحكوم فيه أمام المحاكم المدنية. وإذ قضى القرار المطعون فيه برفض الطلب على أساس أن طالبي التحكيم ليسوا عمالاً لدى الشركة، فإنه يكون قد خالف حجية الحكمين الجنائيين السابقين، وقد حجبه ذلك عن بحث مدى هذه الحجية بالنسبة للطالبين، ومن ثم يكون قد خالف القانون بما يستوجب نقضه دون حاجة إلى بحث باقي الأسباب.