مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) - صـ 89

جلسة 29 يناير سنة 1940

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك ونجيب مرقس بك المستشارين.

(57)
القضية رقم 422 سنة 10 القضائية

( أ ) نقض وإبرام. الدفع بقيام مسألة فرعية وطلب وقف الدعوى إلى حين الفصل فيها. من طرق الدفاع. وجوب التمسك به أمام محكمة الموضوع. شرط قبوله. التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض. لا يجوز.
(ب) تزوير دفتر المواليد. بيانات لا تتصل بنسب المولود مما أعد الدفتر لإثباتها. تغيير الحقيقة فيها. تزوير معاقب عليه بصرف النظر عن حقيقة نسب الطفل.

(المادة 181 ع = 213)

1 - إن الدفع بقيام مسألة فرعية وطلب الإيقاف إلى حين الفصل فيها من طرق الدفاع الواجب التمسك بها أمام محكمة الموضوع. ويشترط في هذا الدفع أن يكون جدّياً غير مقصود به مجرد المطاولة والتسويف، وأن تكون المسئولية الجنائية متوقفة على نتيجة الفصل في المسألة المدعى بها. فإذا كان المتهم لم يطلب إلى المحكمة أن تقف الدعوى إلى أن يفصل في مسألة فرعية بل سكت حتى فصلت المحكمة في الدعوى فليس له أن يتمسك بهذه المسألة لأول مرة أمام محكمة النقض. وإذا كان قد طلب ورأت المحكمة أن طلبه غير جدّي أو أن المسئولية الجنائية قائمة على كل حال فلا محل للإيقاف.
2 - إن دفتر المواليد معدّ لبيان اسم المبلغ ويوم الولادة ويوم الولادة وساعتها ومحلها ونوع الطفل ذكراً كان أم أنثى والاسم واللقب اللذين وضعا له واسم الوالد واسم الوالدة ولقب كل منهما وصناعته وجنسيته وديانته ومحل إقامته. فإذا حصل تغيير الحقيقة في أحد هذه البيانات حق العقاب على المتهم متى توافرت باقي عناصر جريمة التزوير. ومن ثم فإذا عمد شخص إلى تغيير الحقيقة في دفتر المواليد في بيان لا يتصل بنسب المولود فإنه - بصرف النظر عن حقيقة نسب الطفل - يعاقب على جريمة التزوير ما دام البيان الذي غيرت الحقيقة فيه مما أعدّ الدفتر لإثباته.


المحكمة

ومن حيث إن محصل الطعن أن الواقعة المنسوبة للطاعنة تقوم على صحة نسب الطفل لوالده أو عدم صحته، وهذا الأمر خارج عن ولاية القضاء الأهلي طبقاً للمادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية، لأن النسب تتعلق به حقوق المولود شرعاً، والنظر فيه من شأن المحاكم الشرعية. ولما كان الولد شرعاً للفراش، وكان من المعترف به أن الزوجية كانت قائمة بين المدّعي المدني والطاعنة إلى ما بعد التحقيق في هذه الدعوى، فإن نسبة الولد للزوج مفروضة شرعاً إلى أن يقول القضاء الشرعي كلمته في صحة النسب وعدمه. ولا يغير من هذا أن الطعن قام على دفاتر المواليد، لأن التزوير ليس تزويراً مادياً بل هو تزوير معنوي على اعتبار أن المولود ليس ابن المدعي بالحق المدني في حين أنه نتيجة لعقد شرعي صحيح. ولا يعترض بأن الطاعنة لم تقدم هذا الدفاع لدى محكمة الموضوع إذ مسألة الأنساب من النظام العام. فما دام الطريق الشرعي لم يتخذ فإن الاعتماد على أقوال الزوج كأداة إثبات لدعوى التزوير فيه مخالفة للقاعدة الشرعية؛ وقوله عديم الأثر، فإذا استبعد قوله إنه لم يعاشر زوجته منذ سنة 1932 وإن المولود ليس ابنه فإن الباقي بعد ذلك من الحكم يكون قائماً. على أن الطاعنة لم تقدم الدليل القاطع على صحة نسب الطفل لوالده. وقد قرر الشاهد خربش أنه لا يمكنه الجزم بما إذا كانت المتهمة هي التي حضرت إلى المستوصف. وكذلك شهادة ماري وعلي مساعد فإنها لا تؤثر في الاتهام لأنها انصبت على عملها في أمر القيد بالدفتر. أما الجزء الذي أخذ من التقرير الطبي فإنه لا يمكن كذلك أن يكون أداة إثبات لدعوى النيابة بل هو على أسوأ الفروض معناه أن الطاعنة عجزت عن إثبات صحة النسب بطريق قاطع. ولما كانت القاعدة هي أن المتهم لا يكلف بالنفي إلا إذا أثبتت النيابة دعواها، وكان الحكم خالياً من سبب صحيح يثبت الدعوى، وكل ما هو وارد فيه إنما يدل على أن الطاعنة لم تقدم دليلاً قاطعاً على صحة نسبة المولود، فإن هذا قلب لعبء الإثبات يخالف القاعدة العامة التي تلزم المدعي أولاً بإثبات دعواه.
وحيث إن الدفع بقيام مسألة فرعية وطلب الإيقاف إلى حين الفصل فيها هو طريق من طرق الدفاع يجب أن يتمسك به صاحب الشأن أمام محكمة الموضوع، ويشترط لقبوله أن يكون جدياً لا يقصد به مجرد المطاولة والتسويف، وأن يكون قيام المسئولية الجنائية متوقفاً على نتيجة الفصل في المسألة الفرعية المدعي بها. فإذا لم يطلب المتهم من المحكمة الإيقاف إلى أن يفصل في تلك المسألة وسكت حتى فصلت في الدعوى الجنائية فليس له أن يتقدم بهذا الطلب لأول مرة أمام محكمة النقض. وإذا كان قد تمسك به ورأت المحكمة أنه غير جدي، أو أن المسئولية الجنائية قائمة على كل حال، فلا محل للإيقاف.
ومن حيث إن دفتر المواليد معدّ لبيان اسم المبلغ ويوم الولادة وساعتها ومحلها ونوع الطفل ذكراً كان أو أنثى والاسم واللقب اللذين وضعا له واسم ولقب وصناعة وجنسية وديانة ومحل إقامة الوالد والوالدة. فإذا حصل تغيير الحقيقة في أحد هذه البيانات قامت المسئولية الجنائية قبل من أقدم على هذا التغيير متى توافرت باقي عناصر جريمة التزوير. ومن ثم إذا عمد شخص إلى تغيير الحقيقة في دفتر المواليد في البيانات التي لا تتصل بنسب المولود حق عليه عقاب جريمة التزوير في هذا الدفتر، بصرف النظر عن حقيقة نسب الطفل.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين الواقعة التي أدان الطاعنة فيها وهي أنها في يوم 2 أكتوبر سنة 1934 بدائرة قسم بولاق اشتركت بطريق الاتفاق والتحريض مع أخرى مجهولة ومع ماري إسكندر المولدة وكاتب صحة قسم بولاق الحسني النية في تزوير ورقة رسمية وهي دفتر مواليد صحة بولاق. وذلك بجعلها واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمها بتزويرها بأن اتفقت مع المجهولة التي انتحلت شخصيتها ووضعت طفلا نسبته للمتهمة زورا من زوجها محمد عرابي، وكلفت المولودة ماري إسكندر بالتبليغ عن ميلاده وقيده بهذه الصفة باسم محمد عزت عرابي بدفتر الصحة فوقعت الجريمة بناءً على هذا الاتفاق. ثم أورد الحكم الأدلة التي أخذ بها في وقوع الجريمة من الطاعنة فقال إن التهمة ثابتة على المتهمة من شهادة محمد أفندي راشد الذي شهد بأن المتهمة (الطاعنة) استحضرت طفلاً وادعت أنها أنجبته من زوجها محمد أفندي عرابي ثم قيدته بتاريخ 2 أكتوبر سنة 1934 بقسم بولاق باسم محمد عزت عرابي، ومن شهادة محمد عرابي الذكر أنكر هذا الطفل وشهد بأنه لم يعاشر المتهمة من سنة 1932، ومن شهادة أكتيموس خربش الذي زعم مراوغاته في الشهادة لم يجزم بأن المتهمة هي التي ذهبت إلى المستوصف. وقد تأيدت هذه الأقوال بالكشف الطبي الشرعي الذي أثبت أن حالة المتهمة وسنها ينقطع معهما الحمل والولادة. وأورد الحكم التقرير الطبي الشرعي الذي وقع على المتهمة (الطاعنة) فأثبت أنه يبين منه أنه نظراً إلى شكل عنق الرحم وصلابته وضمور الرحم وعدم وجود تغييرات في هالة الثديين، وعدم وجود لبن فيهما، ونظرا لكبر سنها، يستبعد أن تكون قد وضعت في التاريخ الذي زعمت الولادة فيه. ومن رأي الطبيب أن المتهمة قد تجاوزت الخمسين من العمر، وفي العادة أن من بلغت هذه السن ينقطع حملها وولادتها.
ومن حيث إن الطاعنة لمن تطلب من محكمة الموضوع الإيقاف إلى حين الفصل في صحة نسب الطفل، ولم تتمسك بقيام مسألة فرعية، فليس لها أن تتقدم بهذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض.
ومن حيث إن الواقعة الثابتة في الحكم هي أن الطاعنة غيّرت الحقيقة عمداً في دفتر المواليد بأن أثبتت فيه كذباً بالاتفاق مع مجهولة أنها وضعت الطفل في المستوصف بناحية بولاق في يوم 2 أكتوبر سنة 1934 مع أنها لم تضع في هذا المستوصف ولم تضع في هذا اليوم. ومع ثبوت هذه الواقعة تتوافر جميع أركان الجريمة التي أدينت فيها الطاعنة، وتكون مسئوليتها الجنائية قائمة على كل حال بصرف النظر عن ثبوت نسب المولود وبصرف النظر عما وقع من تغيير للحقيقة في البيانات التي قد يكون لها اتصال بهذا النسب. ومن ثم يكون ما تنعاه على الحكم من عدم الإيقاف إلى حين البت في هذا النسب لا أساس له.