مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) - صـ 116

جلسة 26 فبراير سنة 1940

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك المستشارين.

(69)
القضية رقم 357 سنة 10 القضائية

( أ ) قذف وسب بطريق النشر، متى تتوافر العلانية؟ التوزيع بغير تمييز على عدد من الناس. البيع أو العرض للبيع. بلوغ التوزيع أو البيع حداً معيناً. لا يشترط. مجرّد حصول التوزيع أو البيع. اقترانه بنية الإذاعة. يكفي. ثبوت نية الإذاعة.

(المادة 148 ع المعدّلة بالمرسوم بقانون رقم 97 لسنة 1931 = 171)

(ب) مستورد وطابع. بائع وموزع وملصق. تعاقبهم بترتيب هذه الفئات في المسئولية الجنائية. محله. عقابهم بصفتهم فاعلين أصليين. معاقبتهم بصفاتهم شركاء. محله. لا دخل للتعاقب فيه.

(المادة 166/ 3 ع = 196)

1 - إن قانون العقوبات بنصه في المادة 171 على أن الكتابة والرسم وغير ذلك من طرق التمثيل تعتبر علنية إذا وزعت بغير تمييز على عدد من الناس، أو إذا بيعت أو عرضت للبيع في أي مكان، لم يشترط أن يكون التوزيع أو البيع بالغاً حداً معيناً، بل يتحقق غرضه بمجرّد حصول التوزيع أو البيع بالغاً ما بلغ متى كان مقترناً بنية الإذاعة التي يستوي في ثبوتها أن يكون عن طريق تعدّد ما وزع أو بيع أو عن أي طريق آخر مثل طبع ما هو مكتوب أو ما هو مرسوم.
2 - إن القانون إذ نص في المادة 196 عقوبات على عقاب المستوردين والطابعين، ثم البائعين والموزعين والملصقين، ما لم يظهر من ظروف الدعوى أنه لم يكن في وسعهم معرفة مشتملات الكتابة والرسوم وغيرها مما استعمل في ارتكاب الجريمة إذا كانت الكتابة ونحوها قد نشرت في الخارج أو كان غير ممكن معرفة مرتكب الجريمة، فإن نصه هذا محله فقط - حسبما هو واضح به - معاقبة واحد أو أكثر من هؤلاء على أساس اعتباره فاعلاً أصلياً في الجريمة. ولا علاقة له بعقاب من منهم - كائنة ما كانت مرتبته - يكون قد ساهم في الجريمة بارتكابه الفعل الذي اتخذ منه وصفه مستورداً أو طابعاً أو بائعاً أو موزعاً أو ملصقاً متى كان عالماً بما حوته الورقة التي تحمل الجريمة، فإن ما يقع منه على هذا النحو مستوجب لعقابه لا على أساس أنه فاعل أصلي بل على أساس أنه شريك بطريق المساعدة في الجريمة التي قصد إليها والتي وقعت بناءً على فعله.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى بأوجه الطعن المقدّمة منه على الحكم المطعون فيه أنه أدانه في جريمة التعدّي علناً على الدين الإسلامي ولم يعنِ عناية كافية ببيان ركن العلانية إذ كل ما أثبته عن ذلك هو قوله بأن العلانية متوافرة بما هو ثابت من توزيع الرواية ونشرها على كثير من الناس بطريق البريد. وهذا الذي ذكره الحكم لا يتصل بالطاعن بالذات لأنه إثبات لركن الجريمة أياً كان مرتكبها. وفضلاً عن ذلك فإن الحكم لم يورد أي تفضيل عن إرسال الرواية سواء بالبريد أو بغيره، ولا عن طريقة ثبوت هذا الأمر. وأما ما قالته المحكمة من أن العلانية ثابتة من اعتراف المتهم نفسه بأنه أرسل نسخاً من الرواية إلى بعض من طلبها ففيه قصور معيب من جانبها لأنها لم تشر إلى من طلبوها من المتهم، ولا إلى عدد النسخ التي وزعت عن هذا الطريق. وكذلك الحال فيما أشار إليه الحكم من التوقيع بكليشيه الطاعن على بعض النسخ، فإنه لم يثبت علمه باستعمال هذا الكليشيه أو أنه كان راضياً عن هذا الاستعمال. ويضيف الطاعن إلى ذلك أن نظرة عامة لوقائع الدعوى يتبين منها أن الرواية موضوع المحاكمة هي من عمل مطبعة النيل التابعة للإرسالية الإنجليزية التي تقوم بالتبشير، وأن الطاعن لم يكن إلا موظفاً فيها، والرواية قد طبعت من قبل ثلاث مرات من غير احتجاج ولا اعتراض من أحد. وفي الصفحة الأخيرة منها دعاء للقرّاء لمخابرة المطبعة فيما يشكل عليهم فهمه. وهذا قاطع في أن نية الجريمة لم تتوفر لأن الكاتب كان مركز الفكر في بحث علمي بحت.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت على الطاعن بأنه تعدّى بطريق النشر على الدين الإسلامي والعقائد الإسلامية بأن نشر ووزع رواية أسماها "زهرة الغابة" تتضمن أن عاهراً اسمها "زهرة الغابة" سكنت سنين طويلة في ميدان باب على "بؤرة الساقطات" وأن اسمها الأصلي "فاطمة زهرة"، وأن سور القرآن ليس فيها وعد بالخلاص والسلام، وأن محمداً في ساعة رحيله من الدنيا أوصى علياً وفاطمة أن يعملا لنفسيهما، وأن أقوال أبي بكر وعمر الفاروق في الساعة الأخيرة لهما في هذه الدنيا لا تبعث على الرجاء، وأن أبا بكر الصديق كان يعرف أنه إذا مات فإنه يموت إلى الأبد... ومحكمة الجنايات نظرت الدعوى ثم أدانت الطاعن في هذه الجريمة طبقاً للمواد 160 و161 و171 و198/ 2 من قانون العقوبات، وبينت في حكمها واقعة الدعوى، ثم فصلت ما حوته الرواية موضوع المحاكمة من العبارات التي عدّتها مطاعن على الدين الإسلامي. وبعد ذلك عرضت للقصد الجنائي فقالت في صدد ثبوته على الطاعن إنه "ثابت مما توافر مما سبق إيراده وكله قاطع في أن الكاتب قد تعمد أن يحشو روايته بالمطاعن في الإسلام". ثم قالت في هذا الصدد أيضاً "إنه لا عبرة بما يقوله الدفاع بأن الناشر إنما أراد بما نشره أن يدعو إلى الدين المسيحي ويروّج له، فإن نفس العبارات التي سجلها بقلمه في روايته ناطقة بأنه أراد أن يحط من قدر الإسلام، وأن يخفض من شأنه. تشهد بذلك العبارات الكثيرة المتناثرة في الرواية. وهذا يدل على أن غرضه اللازم هو أن يطعن في الإسلام ويحط من قدره. على أنه إن صدق أن الكاتب أراد أن يدعو إلى المسيحية فإن ما أراده من هذا لا ينفي عنه أنه طعن في الإسلام في ذات الوقت بل هذا - مضافاً إلى ما ضاع به روايته - يؤكد تعمده وعمله على الحط من الإسلام لينفض الناس عنه، وعلى إعلاء المسيحية ليولوا وجوههم قبلها. والغرض الذي يرمي إليه في النهاية لا يمكن بحال أن تكون وسيلته ارتكاب التعدّي على الدين الإسلامي". ثم تحدّثت عن العلانية فقالت إنها "متوافرة بما هو ثابت من توزيع هذه الرواية ونشرها على كثير من الناس بطريق البريد، ومن اعتراف المتهم نفسه بأنه أرسل نسخاً منها إلى بعض من طلبها. ولا يؤثر في قيام العلانية ما يدّعيه المتهم من أنه إنما كان يرسل الرواية لمن يطلبها، فإنه لا فرق بين أن يتولى التوزيع من تلقاء نفسه أو بناءً على طلب. وفضلاً عن ذلك فإنه مما يقطع في توافر العلانية التنبيه المكتوب بخط اليد الموقع بكليشيه المتهم وعنوانه وهذا نصه: "المرجو توزيع الخطابات الموجودة داخل هذا الكتاب على المسلمين، ولا تنس الرد علينا لتعرّفنا فكرك بخصوص مطبوعاتنا ولكم الشكر... المخلص...". والإعلان المطبوع في أخر الرواية وهذا نصه: "هل لبيت نداء هذا الكتاب وهل لديك مانع يحول دون ذلك أم هل لك عليه كلمة استفهام أو انتقاد؟ المرجو التعبير عن فكرك بكلمة ترسل إلى سكرتير المطالعة صندوق بريد رقم 460 مصر".
وحيث إن قانون العقوبات بنصه في المادة 171 منه على أن الكتابة والرسم وغير ذلك من طرق التمثيل تعتبر علنية إذا وزعت بغير تمييز على عدد من الناس أو إذا بيعت أو عرضت للبيع في أي مكان لا يشترط أن يكون التوزيع أو البيع بالغاً حداً معيناً، بل يتحقق غرضه بمجرّد حصول التوزيع أو البيع بالغاً ما بلغ متى كان مقترناً بنية الإذاعة التي يستوي في ثبوتها أن يكون ذلك عن طريق تعدّد ما وزع أو بيع أو عن أي طريق آخر مثل طبع ما هو مكتوب أو ما هو مرسوم.
وحيث إن القانون إذ نص في المادة 196 عقوبات على عقاب المستوردين والطابعين ثم البائعين والموزعين والملصقين ما لم يظهر من ظروف الدعوى أنه لم يكن في وسعهم معرفة مشتملات الكتابة والرسوم وغيرها التي استعملت في ارتكاب الجريمة، وذلك إذا كانت الكتابة ونحوها قد نشرت في الخارج، أو إذا كان غير ممكن معرفة مرتكب الجريمة، فإن هذا النص محله - حسبما هو واضح به - معاقبة أحد أو أكثر من هؤلاء على أساس اعتباره فاعلاً أصلياً في الجريمة، ولكنه لا يمنع من عقاب مَن مِن هؤلاء، كائنة ما كانت مرتبته، يكون قد ساهم في الجريمة بارتكابه الفعل الذي اتخذ منه وصفه مستورداً أو طابعاً أو بائعاً أو موزعاً أو ملصقاً متى ثبت علمه بما حوته الورقة التي تحمل الجريمة، فإن ما وقع منه على هذا النحو يستوجب العقاب لا على أساس أنه فاعل أصلي، بل على أساس أنه شريك بطريق المساعدة في الجريمة التي قصد إليها والتي وقعت بناءً على فعله.
وحيث إنه إذا كان الحكم المطعون فيه قد أثبت توافر العلانية في حق الطاعن باعترافه أنه كان يرسل نسخاً من الرواية إلى بعض من طلبها موقعاً عليها بكليشيه له بعنوانه بطلب توزيع الخطابات الموجودة داخلها على المسلمين، واستطلاع فكر القارئ في المطبوع المرسل، فإن ذلك يكفي قانوناً لبيان توافر ركن العلانية قبل الطاعن في الجريمة التي أدين فيها، إذ فيه ما يدل على أن النسخ التي أرسلها الطاعن باعترافه إلى من طلبوها منه إنما أرسلت بالفعل إليهم، وكان ذلك منه - على حسب ما استخلصته المحكمة من الكليشيه الذي أضافه من عنده إلى الرواية - بقصد إذاعة المطاعن التي حوتها على الناس. وأما ما يدّعيه الطاعن من أن الحكم لم يفصل طريقة إرسال الرواية إلى من طلبوها، ودليل ثبوت هذا الأمر، ولا أسماء من طلبوا الرواية، ولا عدد النسخ التي أرسلت، فمردود بأن عدم تحدّث الحكم عن كل ذلك لا يعيبه ما دام قد دلل على توافر ركن العلانية كما عرفه القانون، وأورد مؤدّى الأدلة التي اعتمد عليها في ذلك حسبما تقدّم بيانه. وأما ما يتمسك به خاصاً بمسألة الكليشيه فإنه لا يعدو أن يكون مناقشة في موضوع الدعوى ومجادلة فيما استخلصته المحكمة من الوقائع التي كانت معروضة عليها وقدّرتها التقدير الذي رأته بما لها من سلطة في ذلك. فإذا كانت هي قد استندت في قضائها على الطاعن إلى الكليشيه الموقع به على الرواية باسمه وعنوانه فإن ذلك بذاته يفيد أنها اقتنعت أن هذا الكليشيه إنما وضعه هو بنفسه أو أنه وقع به بعلمه.
وحيث إن ما يثيره الطاعن في الشق الأخير من طعنه بشأن حسن نيته هو وكاتب الرواية الذي لم يكتبها للطعن وإنما كتبها لمجرّد البحث، وما يثيره من أن الرواية لم تكن من عمله بل عملها غيره، وطبعتها أكثر من مرة - بغير اعتراض - إرسالية تقوم بالتبشير للمسيحية، وأن الطاعن لم يكن إلا موظفاً في هذه الإرسالية - ذلك لا يجديه إذ الرواية قد حوت مطاعن صريحة في الدين الإسلامي فصلها الحكم تفصيلاً تقرّه عليه هذه المحكمة، وفيها الدلالة على أن الكاتب قد قصد بها فيما قصد الطعن في الإسلام، ولأن هذه الرواية إذا كان قد تكرر طبعها ونشرها دون اعتراض من أحد، فإن ذلك لا يصح اتخاذه مبرراً أو عذراً يستند إليه في الإفلات من المسئولية ما دام في نشرها جريمة يعاقب عليها القانون كما مر القول، ولأن الطاعن إذا كان - بمقتضى المادة 196 عقوبات - لا يستحق العقاب على أساس أنه فاعل أصلي في الجريمة كما ذهب إليه الحكم فإنه يستحقه بمقتضى القواعد العامة على أساس أنه شريك فيها، فإن فيما أثبته الحكم ما يدل على أنه حين وزع نسخاً من الرواية كان يعلم بما فيها من مطاعن، خصوصاً وأنه هو نفسه لم يدّع - لا أمام المحكمة ولا في وجه الطعن - أنه كان يجهل حقيقة أمرها بل ركز دفاعه وطعنه في تبريرها حوته من المطاعن. ولذلك فمع التسليم بمعرفة كاتب الرواية وناشرها يحق على الطاعن العقاب في ذات الجريمة التي أدين فيها على أساس أنه شريك فيها. وإذا كان الحكم قد عاقبه على أساس أنه فاعل أصلي فذلك لا يقتضي نقضه لانتفاء مصلحة الطاعن من ذلك.