مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) - صـ 147

جلسة 25 مارس سنة 1940

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك المستشارين.

(82)
القضية رقم 700 سنة 10 القضائية

هتك عرض:
( أ ) ركن القوّة. متى يتوافر؟ استعمال القوّة أو التهديد. المباغتة. انتهاز فرصة فقدان المجني عليه شعوره. سكوت المجني عليه متغاضياً عن أفعال هتك العرض مع إحساسه بارتكابها على جسمه. رضا.
(ب) البدء في تنفيذه بالقوّة. مصادفة ذلك قبولاً من المجني عليه. انتفاء ركن القوّة. العبرة ليست بالقوّة لذاتها.

(المادتان 231 و232 ع = 268 و269)

(جـ) وصف التهمة. واقعة هتك عرض. تقديمها إلى قاضي الإحالة على أنها حصلت بإكراه. اعتباره إياها جنحة لانتفاء القوّة. الثابت بالأوراق يجيز اعتبارها جناية (المتهم والمجني عليه خادمان عند شخص واحد). عدم تعرّض أمر الإحالة لبحث هذه المسألة. عدم طلب النيابة من القاضي تعديل الوصف. النعي على القرار لاعتبار الواقعة جنحة. لا يصح.
1 - إنه وإن كان القضاء قد استقرّ على أن ركن القوّة في جناية هتك العرض يكون متوافراً كلما كان الفعل المكوّن لهذه الجناية قد وقع بغير رضا من المجني عليه، سواء باستعمال المتهم في سبيل تنفيذ مقصده وسائل القوّة أو التهديد أو غير ذلك مما يؤثر في المجني عليه فيعدمه الإرادة ويفقده المقاومة، أو بمجرّد مباغتته المجني عليه أو بانتهاز فرصة فقدانه شعوره واختياره إما لجنون أو عاهة في العقل أو لغيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدّرة أو لأي سبب آخر كالاستغراق في النوم، فإن سكوت المجني عليه وتغاضيه عن أفعال هتك العرض، مع شعوره وعلمه بأنها ترتكب على جسمه, لا يمكن أن يتصوّر معه عدم رضائه بها مهما كان الباعث الذي دعاه إلى السكوت وحدا به إلى التغاضي، ما دام هو لم يكن في ذلك إلا راضياً مختاراً.
2 - إن هتك العرض إذا بدئ في تنفيذه بالقوّة فصادف من المجني عليه قبولاً ورضاءً صحيحين فإن ركن القوّة يكون منتفياً فيه. لأن عدم إمكان تجزئة الواقعة المكوّنة له لارتكابها في ظروف وملابسات واحدة بل في وقت واحد وتنفيذاً لقصد واحد لا يمكن معه القول بأن المجني عليه لم يكن راضياً بجزء منها وراضياً بجزء آخر. كما أن العبرة في هذا المقام ليس بالقوّة لذاتها بل بها على تقدير أنها معدمة للرضا. فإذا ما تحقق الرضا، ولم يكن للقوّة أي أثر في تحققه، فإن مساءلة المتهم عنها لا يكون لها أدنى مبرر ولا مسوّغ.
3 - إذا اعتبر قاضي الإحالة واقعة هتك العرض المقدّمة إليه من النيابة على أنها وقعت بالإكراه جنحة لانتفاء القوّة فيها في حين أنه كان له أن يعتبرها جناية على أساس الثابت بالأوراق من أن المتهم والمجني عليه خادمان عند شخص واحد، فلا يحق للنيابة أن تنعى عليه ذلك، ما دام الأمر الذي أصدره لم يتعرّض لهذا الموضوع بالبحث، وما دام التعديل في الوصف من حقه هو يجريه إذا رأى في الدعوى توافر العناصر الواقعية المبررة له، وما دامت النيابة لم تطلب منه هذا التعديل.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن المقدّم من النائب العام على الأمر الصادر من قاضي الإحالة أن هذا الأمر إنما أقيم على خطأ في تفسير القانون وتأويله، إذ أن التكييف القانوني الصحيح للواقعة التي أثبتها هو أن فعل هتك العرض وقع بغير رضاء المجني عليه لاعتراضه ونهره المتهم، ولمحاولة هذا استرضاءه بعرضه خاتماً ذهبياً عليه، ولتبليغ البوليس بالحادثة على الفور. أما تغاضي المجني عليه لحظات حتى تكشفت له نية المتهم فإنه لا يعتبر رضاء منه بما وقع عليه، وخصوصاً فإن أغلب ما ارتكبه المتهم من تقبيل المجني عليه وكشف عورته قد تم مفاجأة قبل أن يفطن له ويدركه، وهذا وحده كافٍ لتكوين جناية هتك العرض بالقوّة. على أنه مع التسليم بأن واقعة هتك العرض تمت بغير قوّة فإن الواقعة تكون جناية أيضاً طبقاً للمادة 269/ 2 من قانون العقوبات لأن الجريمة وقعت من خادم بالأجرة عند من له سلطة على المجني عليه الذي يشتغلان عنده هما الاثنان، وقد كان لقاضي الإحالة السلطة المطلقة في تعديل التهمة على هذه الصورة ما دامت الوقائع قد تناولها التحقيق.
وحيث إنه إذا كان القضاء قد تواضع على أن ركن القوّة في جناية هتك العرض يتوافر كلما كان الفعل المكوّن لها قد وقع بغير رضاء من المجني عليه، سواء أكان ذلك راجعاً إلى استعمال المتهم في سبيل تنفيذ مقصده وسائل القوّة والتهديد وغير ذلك مما يؤثر في المجني عليه فيعدم إرادته ويهدم مقاومته، أو كان راجعاً إلى مجرّد مباغتة المجني عليه أو انتهاز فرصة فقده لشعوره واختياره إما لجنون أو عاهة في العقل أو لغيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدّرة أو لأي سبب آخر كالاستغراق في النوم - إذا كان القضاء قد استقرّ على تفسير القانون على هذا الوجه، فإن سكوت المجني عليه وتغاضيه عن أفعال هتك العرض وهو شاعر وعالم بأنها ترتكب على جسمه لا يمكن بحال أن يتصوّر معه عدم رضائه بها، مهما كان الباعث الذي دعاه إلى السكوت وحمله على التغاضي ما دام هو لم يكن في ذلك إلا طائعاً مختاراً.
وحيث إن هتك العرض إذا ابتدأ الفاعل تنفيذه بالقوّة فصادف من المجني عليه قبولاً ورضاءً صحيحين ينتفي عنه ركن القوّة، لأن عدم إمكان تجزئة الواقعة المكوّنة له لارتكابها في ظروف وملابسات واحدة بل في وقت واحد وتنفيذاً لقصد واحد لا يصح معه القول بأن المجني عليه لم يكن راضياً بجزء منها وأنه كان راضياً بالجزء الآخر. كما أن العبرة في هذا المقام لم تكن بالقوّة لذاتها بل بها على اعتبار أنها معدمة للرضاء. فإذا تحقق الرضاء، ولم يكن لها أي أثر فيه، فإن مساءلة المتهم عنها في واقعة هتك العرض لا يكون لها محل ولا مقتضً.
وحيث إن الأمر الصادر من قاضي الإحالة أثبت أن النيابة العمومية اتهمت المتهم بأنه "هتك عرض سعيد أحمد محمد سعفان بالقوّة بأن قبله وكشف عن دبره ووضع إصبعه فيه كرهاً عنه" ثم بيّن واقعة الدعوى كما دلت عليه التحقيقات التي أجريت فيها فقال: "عن الأدلة تنحصر في شهادة المجني عليه التي تتلخص في أنه والمتهم كانا يعملان معاً في محل واحد، وبعد أن فرغا من عملهما ليلاً دعا المتهم المجني عليه إلى المبيت في غرفته فقبل وذهب إليه في حوالي الساعة الحادية عشرة مساء وخلع المجني عليه ملابسه الخارجية وبقي بالقميص واللباس، ثم اتخذ له مكاناً فوق السرير بجانب الحائط، واستلقى المتهم على السرير بجواره، وبعد أن نام المجني عليه فترة من الوقت استيقظ على حركة في السرير وشاهد المتهم وقد هم من نومه وخلع ملابسه ما عدا جلباباً بقي عليه، فارتاب المجني عليه في الأمر وظل ساكتاً ليرى ماذا هو فاعل، ثم عاد المتهم إلى السرير ودفع المجني عليه بيده ونادى عليه كمن يريد إيقاظه إلا أن هذا الأخير تظاهر بالنوم، ثم اقترب المتهم منه، وقبله على خدّه وأمسك بطرف لباسه وأرخاه إلى ركبتيه ورفع القميص وكشف بذلك عن عورته ووضع يده عليها، ثم بلل إصبعه ووضعه عند فتحة الشرج وأمسك بقضيبه وكان منتعظاً وتأهب لإيلاجه في دبر المجني عليه. وعندئذٍ هب المجني عليه من رقاده وعنف المتهم على فعلته، ثم ترك الغرفة وبلغ عسكري الدرك". وبعد ذلك تحدّث عن حكم القانون على هذه الواقعة فقال: "إنه على فرض التسليم بصحة الوقائع التي أوردها المجني عليه في شهادته فإنه يؤخذ منها أن ركن القوّة - المادة أو الأدبية - معدوم. وذلك لأن جميع الأفعال التي أتاها المتهم قد وقعت في حالة يقظة المجني عليه وسكوته. وبذلك تكون قد ارتكبت برضاه. ولا عبرة إذن بالباعث الذي حمله على هذا السكوت والرضا، كما لا عبرة بما إذا كان المتهم يعلم يقظة المجني عليه أو لا يعلم. وحيث إنه اتضح من الكشف على المجني عليه بمعرفة حضرة الطبيب الشرعي لتقدير سنه أنه يبلغ حوالي السبعة عشر عاماً. وحيث إن الأفعال التي وقعت من المتهم على المجني عليه، وهي تشير إلى محاولة المتهم أن يفسق بهذا الأخير، قد وقعت بدون قوّة على شخص لم يبلغ ثماني عشرة سنة فهي تكوّن الجريمة المنصوص عليها في المادة 269 فقرة أولى عقوبات والتي يعاقب عليها بعقوبة الجنحة.
وحيث إنه لما تقدّم تكون الجريمة المسندة إلى المتهم جنحة لا جناية ويكون الفصل فيها من اختصاص المحكمة الجزئية".
وحيث إنه يتضح مما تقدّم أن الأمر الصادر من قاضي الإحالة قد أصاب الحقيقة ولم يخطئ في شيء. فإن سكوت المجني عليه بعد أن تيقظ من نومه ثم تغاضيه بمحض اختياره عما وقع من المتهم من أفعال هتك العرض عليه مع علمه بحقيقة هذه الأفعال والمقصود منها وما قصده المتهم منها يعدّ رضاء منه بها حتى بالنسبة لما وقع عليه أثناء نومه. وذلك بغض النظر عن الغاية التي كان يرمي إليها في قرارة نفسه من وراء سكوته وتغاضيه. وأما ما تنعاه النيابة على قاضي الإحالة من أنه اعتبر الواقعة جنحة مع أنه كان له أن يعتبرها جناية لأن المتهم والمجني عليه خادمان عند شخص واحد - ما تنعاه من هذا مردود بأنه ما دام الأمر لم يتعرض لهذا الموضوع بالبحث، وما دام التعديل في الوصف من حق قاضي الإحالة يجريه إذا رأى في الدعوى توافر العناصر الواقعية المبررة له، وما دامت النيابة لم تطلب منه هذا التعديل - ما دام كل ذلك فلا يحق للنيابة أن تنعى على قاضي الإحالة أنه أخطأ في القانون على الصورة الواردة بوجه الطعن.