مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) - صـ 157

جلسة 25 مارس سنة 1940

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك المستشارين.

(87)
القضية رقم 885 سنة 10 القضائية

( أ ) إثبات. قواعد الإثبات. لا تتعلق بالنظام العام. الإثبات بالبينة في حالة لا يجوز فيها ذلك. الدفع بذلك يكون أمام محكمة الموضوع. سكوت المدعى عليه. اعتباره متنازلاً عن هذا الدفع. التمسك به أمام محكمة النقض. لا يجوز.
( ب ) قوّة الشيء المحكوم فيه. صدور قرار من النيابة بحفظ شكوى عن واقعة معينة لعدم استطاعة الشاكي إثباتها. اعتبار المحكمة هذه الواقعة صحيحة. أمر الحفظ لا حجية له على المحكمة من هذه الناحية.
1 - إن مراعاة قواعد الإثبات لا تتعلق بالنظام العام. فيجب على من يدعي عدم جواز إثبات الحق المدعى عليه به بالبينة أن يدفع بذلك أمام محكمة الموضوع. فإذا هو سكت فإنه يعتبر متنازلاً عن حقه ولا يجوز له أن يتمسك به بعد ذلك.
2 - إن سبق صدور أمر من النيابة بحفظ شكوى عن واقعة لعدم استطاعة الشاكي إثباتها لا يمنع المحكمة من أن تعتبر الواقعة صحيحة وترتب عليها حكمها ما دامت قد اقتنعت بصحتها من الأدلة التي أوضحتها في حكمها، فإن أمر الحفظ الصادر من النيابة لا حجية له على المحكمة من هذه الناحية.


المحكمة

وحيث إن الوجه الثالث يتلخص في أن المحكمة قضت بقبول الدعوى المدنية من مصطفى أحمد عامر في حين أنه سبق أن تنازل كتابة عنها مستندة في ذلك إلى ما شهد به إبراهيم ناصر من أن المدّعي المدني المذكور لم يتنازل إلا بشرط أن يدفع له عشرون جنيهاً، وأن هذا المبلغ لم يدفع. ويقول الطاعن إن المحكمة فيما ذهبت إليه قد أخطأت في تطبيق القانون إذ لا يصح أن يثبت عكس ما هو مقرّر في المحرّر المكتوب إلا بمحرّر مثله لا بشهادة الشهود.
وحيث إنه من المقرّر أن مراعاة قواعد الإثبات لا تتعلق بالنظام العام. ولذا يجب على من يريد التمسك بالدفع بعدم جواز إثبات الحق المدّعى عليه به بالبينة أن يتقدّم بذلك لمحكمة الموضوع، فإذا ما سكت عنه فلا يجوز له التمسك به بعد ذلك، إذ هذا السكوت يعتبر تنازلاً منه عن الحق في الإثبات بالطريق الخاص، وليس له بعد أن سقط حقه في هذا الدفع بالتنازل عنه أن يعود فيتمسك به أمام محكمة النقض.
وحيث إنه بالرجوع إلى محضر الجلسة يبين أنه في أثناء مرافعة الحاضر عن المدعيين بالحق المدني مصطفى أحمد عامر وحامد فوده صلاح قال المحامي عن الطاعن الأوّل إن المدّعي المدني الأوّل تنازل عن الدعوى المدنية وقدّم عريضة بذلك، فسألت المحكمة هذا الأخير فأجاب بأنه حقيقة وقع على العريضة لوعدهم إياه بإعطائه عشرين جنيهاً، ولكنهم لم يدفعوا شيئاً فهو لم يتنازل عن الدعوى المدنية. وبعد ذلك استمرّ المحامي عن المدعيين بالحق المدني في مرافعته إلى أن قال إن مسألة الورقة المقدّمة من محامي الطاعن الأوّل لا قيمة لها. وعندئذٍ استدعت المحكمة من يدعى إبراهيم ناصر الذي كان موجوداً بالجلسة وعرضت عليه الورقة المقدّمة من المحامي عن الطاعن الأوّل بالتنازل، وسألته عنها فقال إنها ليست الورقة المودعة عنده، أما الموجودة عنده فتتضمن أنه يتنازل عن الدعوى المدنية في مقابل عشرين جنيهاً يدفعونها إليه ولكنهم لم يدفعوا شيئاً. بعد ذلك صمم المحامي عن المدعيين بالحق المدني على طلب التعويض، ثم ترافع المحامي عن الطاعن الأوّل فلم يعترض على سماع المحكمة لشهادة إبراهيم ناصر المشار إليه، ولم يدفع بعدم جواز إثبات عكس ما تدوّن بورقة التنازل المقدّمة منه بالبينة، وكل ما ذكره عن الدعوى المدنية أنه طلب في آخر مرافعته رفضها قبل موكله.
وحيث إنه يؤخذ مما تقدّم أن المحامي عن الطاعن الأوّل لم يدفع بعدم جواز إثبات عكس ما تدوّن بورقة التنازل بالبينة، ولم يعترض على سماع شهادة إبراهيم ناصر في هذا الشأن سواء عند البدء في سؤاله أو أثناء المرافعة حتى صدر الحكم المطعون فيه. فهذا السكوت منه يسقط حقه في هذا الدفع لأنه يكون بذلك قد تنازل ضمناً عنه، فليس له بعد ذلك أن يتقدّم به لمحكمة النقض لأوّل مرة، وتكون محكمة الموضوع إذ قبلت الدعوى المدنية، واعتبرت أن التنازل غير قائم مستندة إلى أقوال إبراهيم ناصر وعدم اعتراض الطاعن عليها لم تخطئ في تطبيق القانون. ولذا يكون هذا الوجه في غير محله.
عن الطاعن الثاني
من حيث إن الوجه الأوّل من أوجه الطعن التي تقدّم بها هذا الطاعن وأوضحها في تقريري الأسباب المقدّمين منه يتلخص في أن المحكمة استندت في إدانته إلى أن ختم ست أبوها كان معه وهو الختم الموقع به على إحدى عريضتي حجز ما للمدين لدى الغير، وعززت ذلك بشهادة ست أبوها المذكورة وزوجها إبراهيم محمد زيدان مع أن ست أبوها هذه سبق أن قدّمت شكوى للنيابة ضدّه بوجود ختمها طرفه فكذبها بالتحقيق من استشهدت بهم، ولذلك أصدر وكيل النيابة قراراً بحفظ الشكوى إدارياً بتاريخ 20 يونيه سنة 1933 لأنها لم تستطع إثبات دعواها. وقد اكتسب هذا القرار قوّة الشيء المقضي فيه نهائياً لمضي المدّة القانونية، ولأن النائب العام وافق عليه. ويقول الطاعن إنه بناء على ذلك تكون واقعة وجود ختم ست أبوها سلامة معه سبق البت في عدم صحتها. ولذا لم يكن للمحكمة أن تستند إليها في إدانته. وفضلاً عن أنه كان لها أن تقضي بذلك من تلقاء نفسها فإن الطاعن تقدّم بهذا الدفاع ولكنها لم تلتفت إليه. ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون باستناده إلى وجود الختم معه مما يوجب نقضه.
وحيث إن سبق صدور أمر من النيابة بحفظ شكوى ست أبوها سلامة بالصفة المتقدّمة لا يمنع المحكمة من اعتبار واقعة وجود ختم ست أبوها المذكورة مع هذا الطاعن صحيحة والاستناد إليها في إدانته، ما دامت قد اقتنعت بصدق هذه الرواية مما استخلصته من الأدلة الجديدة التي أوضحتها بالحكم والتي منها التوقيع بهذا الختم على إحدى العريضتين المزوّرتين، وهي في ذلك لم تخالف القانون في شيء. ولذا يكون هذا الوجه في غير محله.