أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الثاني - السنة 34 - صـ 871

جلسة 27 من أكتوبر سنة 1983

برئاسة السيد المستشار/ حسن جمعه نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: راغب عبد الظاهر، أحمد أبو زيد، حسن عميره وصلاح البرجي.

(174)
الطعن رقم 1914 لسنة 53 القضائية

(1) إثبات "شهود" "خبرة". حكم "تسبيبه تسبيب غير معيب".
إيراد الحكم ما أثاره الدفاع عن الطاعن من وجود تناقض بين الدليلين القولي والفني غير لازم ما دام ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع.
(2) محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". حكم "تسبيبه تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها. ما دام استخلاصها سائغاً.
(3) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع أن تأخذ من أقوال الشاهد بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه. عدم التزامها أن تورد من أقوال الشهود إلا ما يقيم عليه قضاءها.
(4) دفوع "الدفع بتلفيق التهمة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بتلفيق التهمة موضوعي. لا يستأهل رداً صريحاً.
(5) قتل عمد. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
توكيل المتهم أكثر من محام للدفاع عنه. عدم تقسيمهم الدفاع بينهم. حضور البعض دون الآخر. استئجال الدعوى لحضور الغائب. التفات المحكمة عن هذا الطلب. لا إخلال بحق الدفاع. علة ذلك؟
1 - ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع عن الطاعن من وجود تناقض بين الدليلين القولي والفني ما دام أن ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع.
2 - من المقرر أن الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق فإنه لا يكون ثمة محل لتعييب الحكم في صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها.
3 - من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بحسب الأصل بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وأن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها.
4 - لما كان ما ينعاه الطاعن بشأن تلفيق تهمة السلاح مردوداً بأن هذا الدفاع يتعلق بموضوع الدعوى ومن ثم فهو لا يستوجب رداً صريحاً من المحكمة اكتفاء بقضائها بالإدانة للأسباب السائغة التي استندت إليها.
5 - لما كان الطاعن لم يشر بأسباب طعنه إلى أن المحاميين الموكلين عنه اتفقا على المشاركة في الدفاع وتقسيمه بينهما، فإن المحكمة إذ قضت في الدعوى بإدانة الطاعن دون استجابة لطلب التأجيل - على فرض صحة ما يقرره - لا تكون قد أخلت بحقه في الدفاع ما دام أن القانون لا يوجب أن يكون مع كل متهم بجناية أكثر من محام واحد يتولى الدفاع عنه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن في قضية الجناية... بأنه (1) قتل.... عمداً وذلك بأن أطلق عليه عياراً نارياً من سلاحه الناري (فرد صناعة محلية) قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابتين الموصوفتين بتقرير الصفة التشريحية واللتين أودتا بحياته. (2) أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً غير مششخن (فرد صناعة محلية). (3) أحرز ذخيرة (طلقة) مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له في حيازة السلاح أو إحرازه، وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته لمحكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة فقرر ذلك.
وادعت..... عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر مدنياً قبل المتهم بمبلغ 51 جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
ومحكمة جنايات سوهاج بعد أن عدلت في وصف التهمة الأولى إلى أن المتهم في الزمان والمكان سالفي الذكر ضرب..... عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً فأصابه في ساعده الأيسر وأيسر صدره فحدثت به الإصابتين الموصوفتين بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى موته. قضت حضورياً عملاً بالمادة 236 - 1 من قانون العقوبات والمواد 1 - 1، 6، 26 - 1، 4 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 546 لسنة 1954، 75 لسنة 1958 والجدول رقم 2 الملحق به مع إعمال المادتين 30، 32 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم أولاً: بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات عما أسند إليه ومصادرة السلاح الناري المضبوط. ثانياً: إحالة الدعوى المدنية لمحكمة جهينة المدنية الجزئية.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت وإحراز سلاح ناري وذخيرة بدون ترخيص قد شابه قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع وخطأ في الإسناد، ذلك أن الحكم عول على أقوال شهود الإثبات والتقرير الطبي على الرغم مما آثاره الدفاع من تناقض بين الدليلين القولي والفني بصدد عدد الأعيرة التي أطلقت وموقف الجاني من المجني عليه ومسافة الإطلاق ولم يعرض الحكم لهذا الدفاع إيراداً ورداً، كما أنه اعتنق تصويراً للشاهدة...... عن موضع يد المجني عليه وقت إصابته دون أن يشير إلى تصوير آخر لها، كما أن الحكم أسند إليها أنها قررت أن مسافة الإطلاق حوالي "خطوة" مع أنها أشارت للمحقق على مسافة قدرها بمتر ونصف, هذا وقد تمسك المدافع عنه بأن تفتيش المنزل تم بعد انتهاء مدة الإذن وبعد أن تمكن الضابط من تدبير وتلفيق السلاح له والتفتت المحكمة عن ذلك رغم جوهريته، فضلاً عن أن الطاعن حضر معه محام آخر وطلب التأجيل للاطلاع والاستعداد إلا أن المحكمة لم تستجب له. مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله "إن شجاراً نشب بين صغار..... شقيق المجني عليه..... وصغار المتهم.... وذلك قبيل ظهر يوم 28 - 3 - 1977 ببلدة "عنيس" وأثناء مناقشة المجني عليه للمتهم أمام منزل هذا الأخير بشأن هذا الشجار وإفهامه أن ذلك لا يعني أن يقفا ضد بعضهما احتد المتهم وطلب منه الانصراف وإلا ضربه فوقف المجني عليه أمامه - وعلى مسافة نحو خطوة منه واضعاً يده اليسرى على صدره مستفهماً منه ما إذا كان سيضربه بالفعل فأخرج المتهم من ملابسه سلاحاً نارياً غير مششخن "فرد" وأطلق عليه منه عياراً نارياً - فأحدث به جرحين ناريين بساعده الأيسر وبأيسر الصدر وقد أدت هاتان الإصابتان بما أحدثتا من كسور بالأضلاع وتهتك بالرئتين والقلب وبالأنسجة الرخوة بالساعد الأيسر ونزيف دموي أدى إلى وفاة المجني عليه". وساق الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات والتقرير الطبي الشرعي وتقرير فحص السلاح. لما كان ذلك وكان مفاد أقوال الشهود أنه قبل ظهر يوم الحادث حدث شجار بين أطفال المجني عليه وأبناء المتهم حضر بعدها الأخير ووقف أمام منزله فتوجه إليه المجني عليه وناقشه في شأن هذا الشجار فثار عليه المتهم وتوعده بالاعتداء عليه إذا لم يغادر المكان وإذ لم يستجب المجني عليه لطلبه واستوضحه ما سيفعله أخرج المتهم من ملابسه سلاحاً نارياً "فرد خرطوش" وأطلق منه عياراً واحداً أصاب المجني عليه في ساعده الأيسر والجانب الأيسر من صدره وقد نقل الحكم عن تقرير الصفة التشريحية أن المجني عليه أصيب بجرحين ناريين بالساعد الأيسر وبالجانب الأيسر من الصدر نتجتا من إصابته بعيارين ناريين معمر كل منهما بمقذوف مفرد يتعذر تحديد نوعهما أو السلاح المطلق لهما لعدم استقرارهما بالجسم وقد أصابه أحدهما بالساعد الأيسر ميزابياً فأحدث تهتكاً بالأنسجة الرخوة والعضلات والأوعية الدموية واتخذ مساره بظهر منتصف ذلك الساعد وثانيهما أصابه بالجهة اليسرى لصدره محدثاً كسراً شطفياً بالحافة السفلى للضلع الرابع الأيسر وتهتكاً بالرئة اليسرى وبالبطين الأيسر للقلب وبالرئة اليمنى في مساره وأن إصابة الساعة الأيسر يتعذر تحديد اتجاه المقذوف الناري المحدث لها لأن الساعد عضو له مدى حركي واسع ويتخذ أوضاعاً مختلفة بالنسبة للجسم وأن إصابة الصدر النارية كان مقذوفها باتجاه أساس من الأمام واليسار للخلف واليمين مع ميل فوهة السلاح الناري من أعلى لأسفل قليلاً في الوضع القائم المعتدل للجسم ومن الممكن حدوث إصابتي المجني عليه الناريتين من عيار ناري واحد لو أن إصابته الساعد الأيسر كانت في مسار العيار الناري الذي أصاب الصدر وأن مسافة الإطلاق حوالي نصف متر وأن الوفاة نتجت عن إصابتي المجني عليه الناريتين وما أحدثتاه من كسور بالأضلاع وتهتك بالرئتين وبالقلب وبالأنسجة الرخوة بالساعد الأيسر ونزيف دموي - ولما كان الطاعن لا يجادل في صحة ما حصله الحكم من الأدلة التي أقام عليها قضاءه وكان أقوال الشهود كما أوردها الحكم لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن تقرير الصفة التشريحية الذي أثبت إمكان حدوث إصابة المجني عليه من عيار واحد - مما تنتفي معه دعوى قيام التناقض بين الأدلة التي أخذ بها الحكم، وكان ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع عن الطاعن من وجود تناقض بين الدليلين القولي والفني ما دام ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع. إذا المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم. لما كان ذلك، وكان الطاعن يسلم في أسباب طعنه بأن الشاهدة قد قررت في مرحلة من التحقيقات بصورة للواقعة كما حصلها الحكم، وكان من المقرر أن الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق فإنه لا يكون ثمة محل لتعييب الحكم في صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها. لما كان ذلك، وكان لما حصله الحكم من أقوال الشاهدة...... من أن مسافة الإطلاق خطوة له أصله الثابت بمحضر جلسة المحاكمة، وكان من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بحسب الأصل بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وأن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد رد على الدفع ببطلان التفتيش لقيام الضابط به بعد انتهاء مدة الإذن بقوله "وقد تبين من مراجعة إذن التفتيش ومحضر ضبط السلاح أن التفتيش تم تنفيذه خلال الميعاد المحدد له وهو ما لم ينازع الطاعن في أن له معينة من الأوراق - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن من أن الحكم أغفل الرد على دفعه ببطلان التفتيش يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن بشأن تلفيق تهمة السلاح مردوداً بأن هذا الدفاع يتعلق بموضوع الدعوى ومن ثم فهو لا يستوجب رداً صريحاً من المحكمة اكتفاء بقضائها بالإدانة للأسباب السائغة التي استندت إليها. لما كان ذلك وكان يبين من محضر جلسة..... التي صدر فيها الحكم المطعون فيه أنه حضر مع الطاعن الأستاذ.... و.... المحاميان، وسمعت المحكمة شهود الإثبات ومرافعة النيابة العامة ومحامي المدعية بالحق المدني ثم ترافع الأستاذ..... المحامي وكان الأستاذ.... وإن حضر مع الطاعن إلا أنه لم يثر أمام المحكمة شيئاً بشأن طلب التأجيل للاطلاع كما أن زميله الذي ترافع لم يشر إلى أنه بنى خطته في الدفاع عن الطاعن على وجود زميل معه لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يشر بأسباب طعنه إلى أن المحاميين الموكلين عنه اتفقا على المشاركة في الدفاع وتقسيمه بينهما، فإن المحكمة إذ قضت في الدعوى بإدانة الطاعن دون استجابة لطلب التأجيل على فرض صحة ما يقرره - لا تكون قد أخلت بحقه في الدفاع ما دام أن القانون لا يوجب أن يكون مع كل متهم بجناية أكثر من محام واحد يتولى الدفاع عنه. لما كان ما تقدم جميعه فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.