أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الثاني - السنة 34 - صـ 889

جلسة أول نوفمبر سنة 1983

برئاسة السيد المستشار/ عادل برهان نور رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: فوزي أحمد المملوك نائب رئيس المحكمة، حسن غلاب ومحمد أحمد حسن والسيد عبد المجيد العشري.

(177)
الطعن رقم 802 لسنة 53 القضائية

(1) اختصاص. قضاء عسكري. محاكم عسكرية.
القضاء العادي هو الأصل.
مناط اختصاص المحاكم العسكرية؟
عدم وجود نص على إنفراد القضاء العسكري بالاختصاص.
مثال.
(2) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفوع "الدفع بعدم قدرة المجني عليه على الكلام بتعقل".
مثال لتسبب سائغ في إطراح دفاع مبناه عدم قدرة المجني عليه عقب الحادث على الكلام بتعقل وفقدانه لذاكرته.
(3) إثبات "شهود". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود. موضوعي.
(4) إثبات "شهود" "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق. مثال.
(5) إثبات "بوجه عام". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". ضرب "ضرب أحدث عاهة". عاهة مستديمة.
الخطأ في الإسناد الذي يعيب الحكم. ماهيته؟
1 - من المقرر أن القضاء العادي هو الأصل. وأن المحاكم العادية هي المختصة بالنظر في جميع الدعاوى الناشئة عن أفعال مكونة لجريمة وفقاً لقانون العقوبات العام أياً كان شخص مرتكبها حين أن المحاكم العسكرية ليست إلا محاكم خاصة ذات اختصاص استثنائي مناطه إما خصوصية الجرائم التي تنظرها وإما شخص مرتكبها على أساس صفة معينة توافرت فيه, وأنه وإن أجاز قانون الأحكام العسكرية اختصاص القضاء العسكري بنظر جرائم من نوع معين، ومحاكمة فئة خاصة من المتهمين إلا أنه ليس في هذا القانون ولا في أي تشريع آخر نص على انفراد ذلك القضاء بالاختصاص على مستوى كافة مراحل الدعوى ابتداء من تحقيقها حتى الفصل فيها، وكانت الجريمة التي أسندت إلى الطاعن معاقب عليها بالمادة 240 - 1 من قانون العقوبات، وكانت النيابة العامة قد قدمته إلى المحاكمة العادية ولم يقرر القضاء العسكري اختصاصه بمحاكمته، فإن الاختصاص بذلك ينعقد للقضاء الجنائي العادي، ولما كان ذلك، فإنه على فرض صحة ما يذهب إليه الطاعن في سبب الطعن من أنه كان من أفراد القوات المسلحة عند وقوع الحادث فإن نعيه على الحكم بالبطلان لصدوره من محكمة غير مختصة يكون بعيداً عن الصواب.
2 - لما كان الحكم قد رد على دفاع الطاعن بعدم قدرة المجني عليه - عقب الحادث - على الكلام بتعقل وفقدانه لذاكرته وإطراحه بقوله إن الطبيب المعالج "لم يقطع بدوام هذه الحالة فإذا أضيف إلى ذلك أن المجني عليه نفسه عند سؤاله بتحقيقات النيابة بعد أكثر من ثلاثة أشهر ونصف وبعد أن قرر بشفائه من حالة فقدان الذاكرة نتيجة علاجه، ومن عدم ملاحظة شيء عليه يدل على فقدان ذاكرته سواء أمام النيابة لعدم تدوينها ما يدل على ذلك بالتحقيقات أو أمام المحكمة ومن ثم تطرح المحكمة هذا الدفاع" وهذا الذي أورده الحكم سائغ في العقل والمنطق وكاف في الرد على دفاع الطاعن في هذا الشأن، ومن ثم فإن منعاه على الحكم بالفساد في الاستدلال في هذا الصدد يكون في غير محله.
3 - من المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، فإن مجادلة الطاعن بأن الحكم المطعون فيه عول على أقوال المجني عليه مع ما أخذه عليه الطاعن من فقدان للذاكرة يتمخض جدلاً موضوعياً في حق محكمة الموضوع وتقدير الدليل واستنباط معتقدها منه لا يثار لدى محكمة النقض.
4 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود ما جاء في الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق وهو ما توفر للحكم المطعون فيه بما أخذ به من أقوال شاهدي الإثبات من أن الطاعن - وحده - هو الذي اعتدى على المجني عليه مرتين بعصا غليظة وأن الضربة الواحدة يمكن أن تلحق بالمجني عليه أكثر من إصابة من نوع واحد وأن إصابات المجني عليه رضية يمكن أن تحدث من الضرب بعصا وإذ كان ما أورده الحكم عن نوع الآلة والإصابة التي أحدثها وموضعها له صداه في التقرير الطبي الشرعي المرفق بالمفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن ويقيم ملاءمة مقبولة بين ما تساند إليه الحكم من أقوال شاهدي الإثبات وما أخذ به وعول عليه من هذا التقرير. فإن النعي عليه بالخطأ في الإسناد يكون غير صحيح.
5 - من المقرر أن الخطأ في الإسناد والذي يعيب الحكم هو أن تقيم المحكمة قضاءها فيما هو مؤثر في عقيدتها على ما لا سند له في الأوراق، وذلك لما هو مقرر من أنه يتعين على المحكمة ألا تبني حكمها إلا على الوقائع الثابتة في الدعوى وإلا كان معيباً بما يبطله لابتنائه على أساس فاسد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه ضرب..... على رأسه بآلة راضة (عصا) فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد جزء من عظام الجمجمة مساحتها 8 × 7 سم، وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة فقرر ذلك.
وادعى المجني عليه قبل المتهم بمبلغ مائتين وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض.
ومحكمة جنايات قنا قضت حضورياً عملاً بالمادة 240 - 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحق المدني مبلغ مائتين وخمسين جنيهاً تعويضاً عما لحقه من أضرار.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذا دان الطاعن بجريمة إحداث عاهة مستديمة وألزمه بالتعويض المدني المقضى به فقد جاء مشوباً بالبطلان والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال كما قام على خطأ في الإسناد - ذلك بأن الطاعن كان عند وقوع الحادث مجنداً بالقوات المسلحة مما يجعل الاختصاص بمحاكمته منعقداً لجهة القضاء العسكري دون محكمة الجنايات التي نظرت الدعوى خطأ وأصدرت حكمها المطعون فيه وقد رد الحكم بما لا يصلح رداً على دفاع الطاعن بعدم قدرة المجني عليه على الكلام بتعقل عقب إصابته، وعول في قضائه بالإدانة على الدليل المستمد من أقواله التي أدلى بها وهو في حالة من فقدان الذاكرة، كما أطرح بأسباب غير سائغة ما أثاره المدافع عن الطاعن من تناقض بين الدليل القولي المستمد من أقوال للمجني عليه وزوجته والدليل الفني المستمد من التقرير الطبي الشرعي بالنسبة لعدد الإصابات كما جاء الرد مخالفاً للثابت بالأوراق فيما يتصل بموضع تلك الإصابات من جسم المجني عليه كذلك فقد حصل الحكم أقوال شاهدي الإثبات في أن الطاعن بادر المجني عليه بالضرب بعصا على رأسه فور خروجه من مسكنه في حين أن أقوالهما سواء بالتحقيق الابتدائي أو بجلسة المحاكمة اتفقت على أن ثمة شخصاً قيد حركة المجني عليه من الخلف فتمكن الطاعن من ضربه بعصا غليظة من أمام وأصابه، هذا إلى أن الحكم قد نقل عن التقرير الطبي الشرعي أن جميع إصابات المجني عليه رضية مع أن الإصابة الرضية التي بينها التقرير هي إصابة الرأس فحسب, وفي كل ذلك ما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
(1) وحيث إنه من المقرر أن القضاء العادي هو الأصل، وأن المحاكم العادية هي المختصة بالنظر في جميع الدعاوى الناشئة عن أفعال مكونة لجريمة وفقاً لقانون العقوبات العام أياً كان شخص مرتكبها حين أن المحاكم العسكرية ليست إلا محاكم خاصة ذات اختصاص استثنائي مناطه إما خصوصية الجرائم التي تنظرها وإما شخص مرتكبها على أساس صفة معينة توافرت فيه، وأنه وإن أجاز قانون الأحكام العسكرية اختصاص القضاء العسكري بنظر جرائم من نوع معين، ومحاكمة فئة خاصة من المتهمين إلا أنه ليس في هذا القانون ولا في أي تشريع آخر نص على انفراد ذلك القضاء بالاختصاص على مستوى كافة مراحل الدعوى ابتداء من تحقيقها حتى الفصل فيها، ولما كانت الجريمة التي أسندت إلى الطاعن معاقباً عليها بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات، وكانت النيابة العامة قد قدمته إلى المحاكمة العادية ولم يقرر القضاء العسكري اختصاصه بمحاكمته، فإن الاختصاص بذلك ينعقد للقضاء الجنائي العادي. ولما كان ذلك فإنه على فرض صحة ما يذهب إليه الطاعن في سبب الطعن من أنه كان من أفراد القوات المسلحة عند وقوع الحادث فإن نعيه على الحكم بالبطلان لصدوره من محكمة غير مختصة يكون بعيداً عن الصواب. لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على دفاع الطاعن بعدم قدرة المجني عليه - عقب الحادث - على الكلام بتعقل وفقدانه لذاكرته وأطرحه بقوله إن الطبيب المعالج لم يقطع بدوام هذه الحالة فإذا أضيف إلى ذلك أن المجني عليه نفسه عند سؤاله بتحقيقات النيابة بعد أكثر من ثلاثة أشهر ونصف وبعد أن قرر بشفائه من حالة فقدان الذاكرة نتيجة علاجه، ومن عدم ملاحظة شيء, عليه يدل على فقدان ذاكرته سواء أمام النيابة لعدم تدوينها ما يدل على ذلك بالتحقيقات أو أمام المحكمة ومن ثم تطرح المحكمة هذا الدفاع وهذا الذي أورده الحكم سائغ في العقل والمنطق وكاف في الرد على دفاع الطاعن في هذا الشأن، ومن ثم فإن منعاه على الحكم بالفساد في الاستدلال في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن - أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، فإن مجادلة الطاعن بأن الحكم المطعون فيه عول على أقوال المجني عليه مع ما أخذه عليه الطاعن من فقدان للذاكرة يتمخض جدلاً موضوعياً في حق محكمة الموضوع في تقدير الدليل واستنباط معتقدها منه لا يثار لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود ما جاء في الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق وهو ما توفر للحكم المطعون فيه بما أخذ به من أقوال شاهدي الإثبات من أن الطاعن - وحده - هو الذي اعتدى على المجني عليه مرتين بعصا غليظة وأن الضربة الواحدة يمكن أن تلحق بالمجني عليه أكثر من إصابة من نوع واحد, وأن إصابات المجني عليه رضية يمكن أن تحدث من الضرب بعصا وإذ كان ما أورده الحكم عن نوع الآلة والإصابة التي أحدثها وموضعها له صداه في التقرير الطبي الشرعي المرفق بالمفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن ويقيم ملاءمة مقبولة بين ما تساند إليه الحكم من أقوال شاهدي الإثبات وما أخذ به وعول عليه من هذا التقرير فإن النعي عليه بالخطأ في الإسناد يكون غير صحيح لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه حصل صورة الواقعة في أن المجني عليه خرج من مسكنه يوم الحادث يستطلع أمر المشاجرة التي كانت تدور عن كثب وترامى إلى سمعه ضجيجها ففوجئ بالطاعن يعتدي عليه بعصا غليظة فيحدث إصاباته المبينة بالتقارير الطبية والتي خلفت إحداها برأسه عاهة مستديمة، كما حصل أقوال كل من المجني عليه وزوجته بما لا يخرج عن هذا المضمون، ولما كان البين من أقوال هذين الشاهدين بالتحقيق الابتدائي المودع بالمفردات المضمومة وبجلسة المحاكمة، أن ما حصله الحكم منها له صداه فيما أدليا به ولا يخرج في فحواه عن المضمون الذي أورده الحكم وعول عليه في اعتناق صورة الواقعة وفي إقامة الدليل على صحة إسناد التهمة إلى الطاعن وثبوتها في حقه فإن النعي عليه بالخطأ في الإسناد في هذا الشأن أيضاً لا يكون مقبولاً ولا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى استهدافاً لمناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان قاضي الموضوع بالدليل الصحيح. لما كان ذلك، وإذ كان من المقرر أن الخطأ في الإسناد والذي يعيب الحكم هو أن تقيم المحكمة قضاءها فيما هو مؤثر في عقيدتها على ما لا سند له في الأوراق، وذلك لما هو مقرر من أنه يتعين على المحكمة ألا تبني حكمها إلا على الوقائع الثابتة في الدعوى وإلا كان معيباً بما يبطله لابتنائه على أساس فاسد, وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه ألمح إلى التقرير الطبي الشرعي في موضعين منه أولهما في معرض بيان الأدلة التي أخذ بها في حمل قضائه بالإدانة وثانيهما عند إطراحه دفاع الطاعن بقيام تناقض بين الدليلين القولي والفني ويتضح من تمعن صياغة عبارات الحكم في كلا الموضعين أن ما أطلق عليه نقلاً عن التقرير - وصف الإصابات الرضية كان قاصراً على ما ألحقه الطاعن برأس المجني عليه ونجمت عنه العاهة أما الجروح القطعية والكدمات التي أصابته في أنفه وأذنه ووجنتيه فقد اجتزأ الحكم في بيانها على التقرير الطبي الابتدائي فحسب, وإذ كان ذلك، فقد انحسرت عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد فيما نقله عن التقرير الطبي الشرعي بياناً لإصابات المجني عليه بما يضحى معه النعي عليه بما جاء في هذا الوجه في غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون قائماً على غير أساس متعين الرفض موضوعاً.