أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الثاني - السنة 34 - صـ 896

جلسة أول نوفمبر سنة 1983

برئاسة السيد المستشار/ عادل برهان نور رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: فوزي أحمد المملوك، حسن غلاب، محمد أحمد حسن والسيد عبد المجيد العشري.

(178)
الطعن رقم 903 لسنة 53 القضائية

(1) جريمة "أركانها". قصد جنائي. حريق عمد. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مناط تحقق القصد الجنائي في جريمة الحريق العمد المنصوص عليها في المادة 252 عقوبات؟
تقدير قيام أو عدم قيام القصد الجنائي. موضوعي مثال.
(2) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مثال ينتفي فيه الخطأ في الإسناد.
(3) إثبات "شهود".
تقدير شهادة الشهود والاعتداد بها. موضوعي.
جواز الأخذ بأقوال شاهد بينه وبين المتهم خصومة قائمة.
(4) إثبات "بوجه عام" "شهود" "خبرة". حكم "تسبيبه تسبيب غير معيب".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
تدليل الحكم بما لا يتنافر مع الاقتضاء العقلي والمنطقي على مقارفة الطاعن للجريمة. لا محل معه للنعي عليه. تعويله على أقوال الشهود دون تقرير فحص الحرائق. أساس ذلك؟
1 - من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة الحريق العمد المنصوص عليها في المادة 252 من قانون العقوبات التي دين الطاعن بها يتحقق بمجرد وضع الجاني النار عمداً في المكان المسكون أو المعد للسكنى أو في أحد ملحقاته المتصلة به، فمتى ثبت للقاضي أن الجاني تعمد وضع النار على هذا الوجه وجب تطبيق أحكام تلك المادة، وإذ كان تقدير قيام القصد الجنائي أو عدم قيامه من ظروف الدعوى يعد مسألة تتعلق بالوقائع التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه قذف بموقد غاز مشتعل ردهة المسكن مردداً عزمه على إحراقه ومن فيه انتقاماً من أسرته فانسكب البترول على الأرض واشتعلت النار، فإن في ذلك ما يكفي للتدليل على توافر القصد الجنائي في حق الطاعن ويكون منعاه بتخلف الركن المعنوي في الجريمة غير صائب.
2 - لما كان يبين من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن - أن ما أسنده الحكم إلى الطاعن يتفق مع مؤدى ما أدلى به من أقوال في تحقيق النيابة العامة لدى مواجهته بأقوال الشاهد... فإن منعى الطاعن على الحكم بالخطأ في الإسناد لا يكون له محل.
3 - لما كان من المقرر أن العبرة في تقدير شهادة الشهود والاعتداد بها هي بما تقتنع به محكمة الموضوع وبما تطمئن إلى صحته، ومن ثم فلها أن تأخذ بأقوال شاهد ولو كانت بينه وبين المتهم خصومة قائمة متى اطمأنت إلى صحتها.
4 - لما كان الحكم المطعون فيه لم يعول في إدانة الطاعن على تقرير شعبة فحص الحرائق فإنه ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل وذلك لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق كما هو الحال في الطعن الماثل هذا إلى ما هو مقرر من أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ولما كان الطاعن لا ينازع في صحة ما نقله الحكم وعول عليه من أقوال الشهود ومن تقريري الصفة التشريحية والتقارير الطبية وكان ما أورده ودلل به على مقارفة الطاعن للجريمة التي دانه بها كافياً وسائغاً ولا يتنافر مع الاقتضاء العقلي والمنطقي فإن ما يثيره الطاعن من دعوى فساد الحكم في الاستدلال بتعويله على أقوال الشهود دون تقرير فحص الحرائق يكون غير سديد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: وضع النار عمداً في مسكن والده بأن ألقى بداخلة موقداً من الكيروسين المشتعل نتج من ذلك الحريق المبين أثاره بالمحضر وقد اقترنت هذه الجناية بجنايتين أخريين هي أنه في نفس الزمان والمكان سالفي الذكر:
أولاً: قتل عمداً شقيقه..... ووالدته.... بأن ألقى بموقد الكيروسين المشتعل فأمسك لهبه بهما وحدثت إصابتهما الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتهما.
ثانياً: شرع في قتل كل من..... عمداً بأن ألقى بموقد كيروسين مشتعل فأمسك لهبه بهم وحدثت إصابتهم المبينة بالتقارير الطبية المرفقة وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو مداركة المجني عليهم بالعلاج. وأمرت بإحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
ومحكمة جنايات بور سعيد قضت حضورياً عملاً بالمادتين 252 - 1، 257 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة، وذلك على اعتبار أنه وضع عمداً النار في مسكن والده.... بأن قذف بموقد كيروسين مشتعل في ردهة المسكن فاشتعلت النار وشب الحريق وقد نشأ عنه إصابة والدته...... وشقيقه..... بالحروق الموصوفة بتقريري الصفة التشريحية والتي أودت بحياتهما.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة وضع النار عمداً في مكان مسكون مما نشأ عنه موت شخصين، فقد أخطأ في تطبيق القانون وفي الإسناد واعتراه الفساد في الاستدلال ذلك بأن الجريمة على فرض صحة ما اعتنقته المحكمة من أن الحريق والوفاة نشأ عن إلقاء الطاعن بموقد مشتعل إلى ردهة المسكن - تفتقد ركنها المعنوي ولا تعدو أن تكون جريمة خطئية وقد أقام الحكم قضاءه على أن ثمة إقراراً للطاعن في تحقيق النيابة بأنه قذف الموقد المشتعل - الذي نجم عنه الحريق - إلى ردهة المسكن مع أن أقواله التي أدلى بها في التحقيق الابتدائي قد خلت من كل ذلك كذلك فقد عول الحكم في قضائه بالإدانة على أقوال كل من والد الطاعن ومن سئلوا من أفراد أسرته على الرغم من ثبوت خلافهم معه ودون أن يفطن إلى ما جاء من تقرير شعبة فحص الحرائق من أن منشأ الحريق هو سقوط مصباح يضاء بالبترول من يد والدته واندلاع الحريق لهذا السبب وفي ذلك ما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إنه من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة الحريق العمد المنصوص عليها في المادة 252 من قانون العقوبات التي دين الطاعن بها يتحقق بمجرد وضع الجاني النار عمداً في المكان المسكون أو المعد للسكنى أو في أحد ملحقاته المتصلة به، فمتى ثبت للقاضي أن الجاني تعمد وضع النار على هذا الوجه وجب تطبيق أحكام تلك المادة، وإذ كان تقدير قيام القصد الجنائي أو عدم قيامه من ظروف الدعوى يعد مسألة تتعلق بالوقائع التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه قذف بموقد غاز مشتعل في ردهة المسكن مردداً عزمه على إحراقه ومن فيه انتقاماً من أسرته فانسكب البترول على الأرض واشتعلت النار، فإن في ذلك ما يكفي للتدليل على توافر القصد الجنائي في حق الطاعن ويكون منعاه بتخلف الركن المعنوي في الجريمة غير صائب. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد اعتراف الطاعن عند مواجهته بأقوال الشاهد..... محصلاً في أن ثمة خلافاً بينه وبين أسرته لرغبتهم في إخراجه من مسكنهم المشترك حتى يتسنى لشقيقته أن تحل محله من بعد زواجها وأنه توجه إلى والده شاكياً يوم الحادث فنهره وطرده، وإذ تملكته ثورة الغضب وضاق ذرعاً بسوء معاملته فقد قذف بموقد النار مشتعلاً إلى ردهة المنزل فاندلعت النار ولما كان يبين من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن - أن ما أسنده الحكم إلى الطاعن يتفق مع مؤدى ما أدلى به من أقوال في تحقيق النيابة العامة لدى مواجهته بأقوال الشاهد..... فإن منعى الطاعن على الحكم بالخطأ في الإسناد لا يكون له محل... لما كان ذلك وكان من المقرر أن العبرة في تقدير شهادة الشهود والاعتداد بها هي بما تقتنع به محكمة الموضوع وبما تطمئن إلى صحته، ومن ثم فلها أن تأخذ بأقوال شاهد ولو كانت بينه وبين المتهم خصومة قائمة متى اطمأنت إلى صحتها. لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة اقتنعت بأقوال شهود الإثبات من أقارب الطاعن فإن منعاه بوجود خلاف عائلي بينه وبينهم يكون غير مجد إذ هو لا يعدو أن يكون منازعة موضوعية في تقدير الدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال الشهود واعتراف الطاعن بتحقيق النيابة العامة ومن تقريري الصفة التشريحية والتقارير الطبية وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه لم يعول في إدانة الطاعن على تقرير شعبة فحص الحرائق فإنه ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل وذلك لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق كما هو الحال في الطعن الماثل - هذا إلى ما هو مقرر من أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ولما كان الطاعن لا ينازع في صحة ما نقله الحكم وعول عليه من أقوال الشهود ومن تقريري الصفة التشريحية والتقارير الطبية وكان ما أورده ودلل به على مقارفة الطاعن للجريمة التي دان بها كافياً وسائغاً ولا يتنافر مع الاقتضاء العقلي والمنطقي فإن ما يثير الطاعن من دعوى فساد الحكم في الاستدلال بتعويله على أقوال الشهود دون تقرير فحص الحرائق يكون غير سديد. لما كان ذلك فإن الطعن برمته يكون قائماً على غير أساس متعين الرفض موضوعاً.