أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 23 - صـ 339

جلسة 9 من مارس سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، وعثمان زكريا، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.

(54)
الطعنان رقما 411 و416 لسنة 36 القضائية

( أ ) حراسة. "حراسة إدارية". حق. "حق التقاضي". أهلية.
وضع نظام لإدارة أموال الخاضعين للحراسة وفقاً للأمر العسكري رقم 5 لسنة 1956 يغل يدهم من إدارتها والتصرف فيها، فلا يكون لهم تبعاً لذلك حق التقاضي بشأنها. ليس في ذلك نقض في أهلية الخاضع للحراسة. بل حجز على أمواله يقيد من سلطته عليها، فيباشرها نيابة عنه الحارس المعين طبقاً للقانون.
(ب) حراسة. "حراسة إدارية". "رفع الحراسة". حق. "حق التقاضي". نقض. "المصلحة في الطعن".
رفع الحراسة عن أموال وممتلكات الأشخاص الطبيعيين عملاً بالقانون رقم 150 لسنة 1964. أثره. عودة حق التقاضي إليهم. لا يؤثر في ذلك أيلولة ملكية هذه الأموال والممتلكات إلى الدولة مقابل تعويض إجمالي قدره ثلاثون ألف جنيه ما لم تكن أقل قيمة، ولا استنزال جميع الديون من صافي قيمتها. قيام صفة المفروض عليه الحراسة في الدفاع عن حقوقه في أي دعوى بدين عليه حتى لا ينقص التعويض المستحق بإخراج الدين من قيمة التصفية. رفع الحراسة عن الطاعن قبل صدور الحكم المطعون فيه. أثره. قيام الصفة والمصلحة في الطعن. الحراسة المفروضة على الطاعن من جديد لا تمتد إلى الأموال التي خضعت لحراسة الطوارئ وانتهت بحكم القانون.
(ج) حراسة. "حراسة إدارية". "رفع الحراسة". دعوى. "عدم سماع الدعوى". خلف. نظام عام.
الأموال والممتلكات التي وضعت تحت الحراسة بموجب قانون الطوارئ. صيرورتها ملكاً للدولة بقوة القانون من وقت رفع الحراسة. تحديد التعويض عنها بمقدار صافي قيمتها وبحد أقصى قدره ثلاثون ألف جنيه. عدم اعتبار الدولة خلفاً عاماً أو خاصاً لأصحاب هذه الأموال. تخويل المدير العام لإدارة هذه الأموال والممتلكات سلطة الفصل في جدية الديون التي يتقدم بها أصحابها بقرار بقبول أدائها من قيمة الأموال والممتلكات المذكورة أو برفضه. اللجوء إلى القضاء بطلب دين من المدير العام قبل عرضه عليه لإصدار قراره بشأنه. أثره. عدم سماع الدعوى.
(د) نقض. "أثر نقض الحكم".
نقض الحكم المطعون فيه لعدم سماع الدعوى. أثره. صيرورة الطعن الثاني المرفوع عنه ولا محل له.
1 - إذ خول المشرع لرئيس الجمهورية بمقتضى القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ، سلطة اتخاذ تدابير من بينها إصدار الأمر بفرض الحراسة، إنما قصد وضع نظام لإدارة أموال الخاضعين للحراسة على النحو المقرر بالأمر العسكري رقم 5 لسنة 1956 يغل يدهم عن إدارتها أو التصرف فيها، فلا يكون لهم تبعاً لذلك حق التقاضي بشأنها، وليس في ذلك - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - نقص في أهلية الخاضع للحراسة، وإنما هو بمثابة حجز على أمواله، يقيد من سلطته عليها، فيباشرها نيابة عنه الحارس المعين طبقاً للقانون لأسباب تقتضيها المصلحة العامة للدولة.
2 - إذ كان القانون رقم 150 لسنة 1964 قد قضى في المادة الأولى منه برفع الحراسة على أموال وممتلكات الأشخاص الطبيعيين الذين فرضت عليهم طبقاً لأحكام قانون الطوارئ، فإن مقتضى ذلك أن يعود إليهم حق التقاضي يوم العمل به في 24 من مارس سنة 1964، ولا يؤثر في ذلك ما تنص عليه مادته الثانية من أيلولة ملكية هذه الأموال والممتلكات إلى الدولة مقابل التعويض الإجمالي المقدر فيها، ولا ما تقرره المادة الأولى من القرار الجمهوري رقم 1876 لسنة 1964 من استنزال جميع الديون من صافي قيمتها، ذلك أن المادة الثانية من القانون رقم 150 لسنة 1964 إذ تحدد لمن كان خاضعاً للحراسة التعويض عن أمواله وممتلكاته وقت فرضها بمبلغ إجمالي قدره ثلاثون ألف جنيه ما لم تكن أقل قيمة، فإن لازم ذلك قيام صفة الطاعن في الدفاع عن حقوقه فيها حتى لا ينقص التعويض المستحق له بإخراج الدين من قيمة التصفية، وإذ كانت الحراسة التي فرضت على أموال الطاعن وأسرته أثناء نظر النزاع قد انتهت بالقانون رقم 150 لسنة 1964 قبل صدور الحكم المطعون فيه، وكانت الحراسة التي فرضت من جديد تنصب على الأموال التي يتملكها بعد ذلك، ولا تمتد إلى الأموال التي خضعت لحراسة الطوارئ، وانتهت بحكم القانون، فإن صفته في الطعن تكون قائمة. وإذ كان يكفي لتوفر المصلحة في الطعن قيامها وقت صدور الحكم المطعون فيه، فإن الدفع بعدم القبول يكون على غير أساس متعين الرفض.
3 - مفاد نص المادة الثانية من القانون رقم 150 لسنة 1964 والفقرة الرابعة من المادة الأولى من القرار الجمهوري رقم 1876 لسنة 1964 أن المشرع جعل الأموال والممتلكات التي وضعت تحت الحراسة بموجب قانون الطوارئ ملكاً للدولة من وقت رفع الحراسة بحكم القانون، وأراد أن يكون التعويض عنها بمقدار صافي قيمتها وبحد أقصى لا يجاوز المبلغ الإجمالي الذي قدره بثلاثين ألف جنيه. والغرض من ذلك تصفية الحراسة التي فرضت على أصحابها وتجريدهم من أموالهم وممتلكاتهم وحصر مراكزهم المالية في نطاق التعويض الإجمالي لاعتبارات اقتضتها مصلحة الدولة محافظة على نظامها العام وحماية لأهدافها. وإذ كانت أيلولة الملكية إلى الدولة بقوة القانون، ولا تتلقاها بمثابة خلف عام أو خاص عن أصحاب هذه الأموال، فإنها لا تكون مسئولة بحسب الأصل عن ديونهم في الأموال والممتلكات التي كانت في الضمان العام أو الخاص محلاً للوفاء بحقوق الدائنين، إلا أن القرار الجمهوري الذي وضع القواعد الخاصة بالتصفية جعل من اختصاص المدير العام لإدارة هذه الأموال والممتلكات تقدير قيمتها والفصل في جدية الديون التي يتقدم بها أصحابها، وأجاز له استثناءً من هذا الأصل أن يصدر بشأنها قراراً بقبول أداء الدين من قيمتها، فيسدده بعد استنزاله لتكون سندات التعويض ممثلة لناتج التصفية، أو يصدر قراراً برفض الأداء لعدم جدية الدين أو صوريته، أو لأي سبب يقرره القانون، فيستبعده من حساب التعويض، ولا يكون للدائن إلا حق الرجوع على المدين، وإذ كان القانون يجعل للمدير العام سلطة الفصل في جدية الديون، يملك استنزال ما يقبله واستبعاد ما يرفضه من حساب التعويض، ويعتبر قراره في هذا الشأن جزءاً لا يتجزأ من نظام تصفية الحراسة، يتوقف عليه تحديد ناتجها لتحقيق أغراضها المتعلقة بالنظام العام، فإنه لا يجوز للدائن أن يلجأ إلى القضاء بطلب دينه من المدير العام قبل عرضه عليه لإصدار قراره بشأنه، وإذا هو لجأ إلى القضاء دون أن يسلك السبيل الذي رسمه القانون فإن الدعوى لا تكون مسموعة، ويكون لكل ذي مصلحة أن يتمسك بعدم سماعها، وللمحكمة أن تقضي بذلك من تلقاء نفسها ولو كان الدائن قد رفع دعواه على المدين قبل صدور القانون ما دام قد عدل طلباته بتوجيهها إلى المدير العام واختصمه لمواصلة السير فيها، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر، فإنه يكون قد خالف القانون بما يوجب نقضه.
4 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد نقض في الطعن الأول المرفوع عنه لعدم سماع الدعوى، فإن الطعن الثاني المرفوع عن ذات الحكم - من الخصم الآخر - يصبح ولا محل له دون حاجة لبحث أسبابه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقريرين اللذين تلاهما السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن السيد/ سعيد عبد المجيد سرحان والمهندس منصور عبد المجيد سرحان أقاما الدعوى رقم 93 سنة 52 مدني كلي الزقازيق ضد الأستاذ محمد فتحي المسلمي طالبين الحكم بإلزامه بأن يدفع لهما مبلغ 9814 ج و112 م والفوائد بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقالا بياناً للدعوى إنه بمقتضى عقد مقاولة مؤرخ في 11/ 9/ 1949 اتفق معهما المدعى عليه على أن يقيما له عمارة مكونة من عدة طوابق بواقع ثمانية جنيهات للمتر المسطح من كل طابق طبقاً للمواصفات المبينة بالعقد والتعديلات المتفق عليها بالعقود الملحقة به في 22/ 11/ 1949 و7/ 8/ 1950 و24/ 11/ 1950، وقد قاما بتنفيذ المقاولة، واستحق لهما في ذمة المدعى عليه مبلغ 29814 ج و112 م ودفع منه عشرين ألفاً، وإذ امتنع عن سداد المبلغ الباقي رغم تكليفه بالوفاء رسمياً بعد تسليمه العمارة فقد انتهيا إلى طلب الحكم لهما بالطلبات. وكان المدعى عليه قد أقام ضدهما دعوى إثبات الحالة رقم 10 سنة 1952 مستعجل الزقازيق قضى فيها بندب الخبير سمير محمد القباني لمعاينة المبنى وبيان ما فيه من مخالفات، وقدم الخبير تقريراً أورد فيه ما لاحظه من عيوب فنية ونقص في الصناعة والتركيب، كما أقام المدعى عليه دعوى إثبات حالة ثانية برقم 282 سنة 1953 مستعجل الزقازيق قضى فيها بندب الخبير عبد العزيز عياد لمعاينة المبنى وبيان ما فيه من تلف ونقص وشروخ والسبب في حدوثها، وقدم الخبير تقريراً أثبت فيه وجود رشح في الحوائط المجاورة لدورات المياه وتلف وشروخ في بعض الجدران والبلاط مردها عيب في الصناعة والإهمال في الإصلاح وسوء الاستعمال، وانتهى إلى أن هذه العيوب لا تأثير لها على سلامة البناء، وأقام المدعى عليه وبصفته ولياً طبيعياً على أولاده القصر دعوى فرعية، وطلب الحكم بإلزام المدعيين بأن يدفعا له مبلغ خمسة آلاف جنيه من ذلك مبلغ ألف جنيه قيمة إصلاح التلف ومبلغ ألف جنيه مقابل إخلاء السكان، والباقي كتعويض عن الخلل الذي أصاب المبنى من هذا التلف. وبتاريخ 20/ 5/ 1954 حكمت المحكمة بندب خبير هندسي لمعاينة المبنى وبيان ما نفذه المدعيان من شروط عقد المقاولة وملحقاته وما وقع من مخالفات للأصول الفنية وما ترتب على ذلك من تلف وتقدير القيمة عن كل ذلك، وقدم الخبير عبد الفتاح الشال تقريراً انتهى فيه إلى أن الأعمال التي نفذت طبقاً لعقد المقاولة وملحقاته تقدر بمبلغ 26440 ج والأعمال التي نفذت بتصريح من المدعى عليه تقدر بمبلغ 556 ج و627 م والأعمال التي تمت خارج العقد وملحقاته تقدر بمبلغ 1317 ج و575 م وأورد الأعمال المخالفة للأصول الفنية وقدر مبلغ 905 ج لإصلاحها، ولم يستطع الخبير الوصول إلى معرفة من الذي قام من الطرفين بشراء الأدوات الصحية ومشتملاتها، وترك للمحكمة أمر الفصل في ذلك، وبعد أن أقام المدعى عليه الدعوى رقم 85 سنة 1956 مستعجل الزقازيق بطلب الانتقال لمعاينة المنزل وقام القاضي بالمعاينة، وأثبت تسرب المياه إلى أخشاب الأرضيات في بعض الشقق، عادت المحكمة وبتاريخ 30/ 12/ 1957 فحكمت بندب الخبير عبد الفتاح الشال لبيان التلف والعيوب الزائدة وأثرها في سلامة البناء وتقدير قيمتها، وقدم الخبير تقريراً انتهى فيه إلى أن التلفيات نشأت عن تسرب المياه والرطوبة إلى أجزاء المبنى وأنها لم تؤثر في الهيكل المسلح والمباني، وقدر مبلغ 30 ج لإعادة الحالة إلى ما كانت عليه. وبتاريخ 26/ 6/ 1961 حكمت المحكمة بإلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعيين مبلغ 4409 ج و202 م وفوائده بواقع 4% سنوياً اعتباراً من 31/ 1/ 1952 حتى السداد وبرفض دعواه الفرعية، واستأنف المدعى عليه هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة وطلب الحكم له بطلباته وقيد استئنافه برقم 126 سنة 4 قضائية كما استأنفه المدعيان طالبين تعديله والحكم لهما بكل طلباتهما، وقيد هذا الاستئناف برقم 170 سنة 4 قضائية، وبتاريخ 24/ 4/ 1962 حكمت المحكمة في الاستئناف الأول بانقطاع سير الخصومة لفرض الحراسة الإدارية على المستأنف، وبعد أن عجل الحارس الاستئناف قررت المحكمة ضم الاستئنافين، وبتاريخ 5/ 6/ 1963 حكمت بقبول الاستئنافين شكلاً وببطلان الحكم المستأنف وبندب الخبير الهندسي بمكتب الخبراء بوزارة العدل لمعاينة المبنى وأداء المأمورية المبنية بمنطوق حكمها، وبعد أن رفعت الحراسة المفروضة على الأموال وآلت أموال أصحابها وممتلكاتهم إلى الدولة بمقتضى القانون رقم 150 لسنة 1964، وجه المستأنفان طلباتهما في الاستئناف رقم 170 سنة 4 قضائية إلى المستأنف عليه والمدير العام لإدارة الأموال والممتلكات للحكم عليهما متضامنين بهذه الطلبات، وبتاريخ 25/ 5/ 1966 حكمت المحكمة في موضوع الاستئنافين بإلزام المستأنف ضده الأول بصفته مدير إدارة الأموال والممتلكات بأن يدفع للمستأنفين سعيد ومنصور عبد المجيد سرحان مبلغ 4409 ج و202 م والفوائد بواقع 4% سنوياً اعتباراً من تاريخ 31/ 1/ 1952 حتى السداد والمصروفات المناسبة عن الدرجتين ورفضت ما خالف ذلك من الطلبات. وطعن الأستاذ محمد فتحي المسلمي في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير، وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعن على طلب نقض الحكم، ودفع المطعون عليهما الأول والثاني بعدم قبول الطعن، وقدمت النيابة العامة مذكرة وطلبت رفض الطعن، كما طعن المطعون عليهما الأول والثاني في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنهما برقم 416 سنة 36 قضائية، وطلبت النيابة العامة رفضه، وبالجلسة المحددة لنظره قررت المحكمة ضمه للطعن السابق ليصدر فيهما حكم واحد.
وحيث إن مبنى الدفع بعدم قبول الطعن رقم 411 سنة 36 قضائية أن الطاعن لا صفة له في رفعه ولا مصلحة له فيه، ذلك أن الحراسة كانت قد فرضت عليه هو وأسرته بموجب الأمر رقم 138 لسنة 1961، وأنه بعد أن رفعت هذه الحراسة بمقتضى القانون رقم 150 لسنة 1964 وآلت أمواله وممتلكاته إلى الدولة أعيد فرض الحراسة عليه مرة أخرى في يونيه سنة 1969، فلا يجوز له أن يباشر الدعوى بشخصه، ويكون المدير العام لإدارة الأموال والممتلكات هو صاحب الصفة والمصلحة في الدعوى، وقد صدر عليه الحكم فيها لصالح المطعون عليهما الأول والثاني، وهو لم يطعن في الحكم وليس للطاعن مصلحة في الدعوى الفرعية بعد أن آلت أمواله وممتلكاته إلى الدولة.
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أن المشرع إذ خول لرئيس الجمهورية بمقتضى القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ سلطة اتخاذ تدابير من بينها إصدار الأمر بفرض الحراسة، إنما قصد وضع نظام لإدارة أموال الخاضعين للحراسة على النحو المقرر بالأمر العسكري رقم 5 لسنة 1956 يغل يدهم عن إدارتها أو التصرف فيها، فلا يكون لهم تبعاً لذلك حق التقاضي بشأنها وليس في ذلك - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - نقص في أهلية الخاضع للحراسة وإنما هو بمثابة حجز على أمواله يقيد من سلطته عليها فيباشرها نيابة عنه الحارس المعين طبقاً للقانون لأسباب تقتضيها المصلحة العامة للدولة، وإذ كان القانون رقم 150 لسنة 1964 قد قضى في المادة الأولى منه برفع الحراسة على أموال وممتلكات الأشخاص الطبيعيين الذين وضعت عليهم طبقاً لأحكام قانون الطوارئ، فإن مقتضى ذلك أن يعود إليهم حق التقاضي يوم العمل به في 24/ 3/ 1964، ولا يؤثر في ذلك ما تنص عليه مادته الثانية من أيلولة ملكية هذه الأموال والممتلكات إلى الدولة مقابل التعويض الإجمالي المقدر فيها ولا ما تقرره المادة الأولى من القرار الجمهوري رقم 1876 لسنة 1964 من استنزال جميع الديون من صافي قيمتها، ذلك أن المادة الثانية من القانون رقم 150 لسنة 1964 إذ تحدد لمن كان خاضعاً للحراسة التعويض عن أمواله وممتلكاته وقت فرضها بمبلغ إجمالي قدره ثلاثون ألف جنيه ما لم تكن أقل قيمة، فإن لازم ذلك قيام صفة الطاعن في الدفاع عن حقوقه فيها حتى لا ينقص التعويض المستحق له بإخراج الدين من قيمة التصفية، وإذ كانت الحراسة التي فرضت على أموال الطاعن وأسرته أثناء نظر النزاع قد انتهت بالقانون رقم 150 لسنة 1964 قبل صدور الحكم المطعون فيه، وكانت الحراسة التي فرضت من جديد تنصب على الأموال التي يتملكها بعد ذلك ولا تمتد إلى الأموال التي خضعت لحراسة الطوارئ وانتهت بحكم القانون فإن صفته في الطعن تكون قائمة، إذ كان ذلك، وكان يكفي لتوفر المصلحة في الطعن قيامها وقت صدور الحكم المطعون فيه، فإن الدفع بعدم القبول يكون على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدفع بعدم سماع الدعوى والدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظرها مستنداً في ذلك إلى أن نص المادة الرابعة من القرار الجمهوري رقم 1876 سنة 1964 فرض على الدائنين الالتجاء إلى المدير العام لإدارة الأموال والممتلكات التي آلت إلى الدولة قبل المطالبة بديونهم أمام القضاء وخول المدير تقدير جديتها لمنع التواطؤ على المطالبة بديون غير حقيقية، وأن هذا النص ينصرف إلى الديون المطالب بها بعد فرض الحراسة ولا تكون قد طرحت على القضاء من قبل كما هو الشأن في الدين موضوع النزاع الحالي الذي رفعت به الدعوى قبل فرض الحراسة مما يؤكد جديته وينفي الصورية، وهو من الحكم خطأ في تطبيق القانون ذلك أن نص المادة الرابعة من القرار الجمهوري رقم 1876 لسنة 1964 صريح في عرض جميع الديون على المدير العام لإدارة الأموال والممتلكات التي آلت إلى الدولة قبل الالتجاء إلى القضاء، وهو نص مطلق يمنع المحكمة من سماع الدعوى بطلب الدين من المدير العام قبل عرضه عليه ويكون لكل ذي مصلحة أن يتمسك بالدفع بعدم سماع الدعوى وأن يبديه لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أن القانون رقم 150 لسنة 1964 برفع الحراسة عن أموال وممتلكات الأشخاص الذين فرضت عليهم طبقاً لأحكام قانون الطوارئ والنص في مادته الثانية على أن "تؤول إلى الدولة الأموال والممتلكات المشار إليها في المادة السابقة ويعوض عنها صاحبها بتعويض إجمالي قدره 30 ألف جنيه ما لم تكن قيمتها أقل من ذلك فيعوض عنها بمقدار هذه القيمة" والنص في الفقرة الرابعة من المادة الأولى من القرار الجمهوري رقم 1876 لسنة 1964 على أن "الأموال والممتلكات التي تؤول إلى الدولة ويعوض عنها صاحبها وفقاً لأحكام القانون رقم 150 لسنة 1964 المشار إليه هي صافي قيمتها بعد استنزال جميع الديون العقارية والممتازة والعادية بحيث تكون سندات التعويض ممثلة لناتج التصفية، ولا يجوز الرجوع على صاحب هذه السندات بغير الديون التي يرفض المدير العام أداءها بقرار مسبب لعدم جديتها أو صوريتها أو لأي سبب آخر يقرره القانون" يدل على أن المشرع جعل الأموال والممتلكات التي وضعت تحت الحراسة بموجب قانون الطوارئ ملكاً للدولة من وقت رفع الحراسة بحكم القانون، وأراد أن يكون التعويض عنها بمقدار صافي قيمتها وبحد أقصى لا يجاوز المبلغ الإجمالي الذي قدره بثلاثين ألف جنيه، والغرض من ذلك تصفية الحراسة التي فرضت على أصحابها وتجريدهم من أموالهم وممتلكاتهم وحصر مراكزهم المالية في نطاق التعويض الإجمالي لاعتبارات اقتضتها مصلحة الدولة محافظة على نظامها العام وحماية لأهدافها، وإذ كانت أيلولة الملكية إلى الدولة بقوة القانون ولا تتلقاها بمثابة خلف عام أو خاص عن أصحاب هذه الأموال فإنها لا تكون مسئولة بحسب الأصل عن ديونهم في الأموال والممتلكات التي كانت في الضمان العام أو الخاص محلاً للوفاء بحقوق الدائنين، إلا أن القرار الجمهوري الذي وضع القواعد الخاصة بالتصفية جعل من اختصاص المدير العام لإدارة هذه الأموال والممتلكات تقدير قيمتها والفصل في جدية الديون التي يتقدم بها أصحابها، وأجاز له استثناءً من هذا الأصل أن يصدر بشأنها قراراً بقبول أداء الدين من قيمتها فيسدده بعد استنزاله لتكون سندات التعويض ممثله لناتج التصفية أو يصدر قراراً برفض الأداء لعدم جدية الدين أو صوريته أو لأي سبب يقرره القانون فيستبعده من حساب التعويض، ولا يكون للدائن إلا حق الرجوع على المدين، وإذ كان القانون يجعل للمدير العام سلطة الفصل في جدية الديون يملك استنزال ما يقبله واستبعاد ما يرفضه من حساب التعويض، ويعتبر قراره في هذا الشأن جزءاً لا يتجزأ من نظام تصفية الحراسة يتوقف عليه تحديد ناتجها لتحقيق أغراضها المتعلقة بالنظام العام، فإنه لا يجوز للدائن أن يلجأ إلى القضاء بطلب دينه من المدير العام قبل عرضه عليه لإصدار قراره بشأنه، وإذا هو لجأ إلى القضاء دون أن يسلك السبيل الذي رسمه القانون، فإن الدعوى لا تكون مسموعة، ويكون لكل ذي مصلحة أن يتمسك بعدم سماعها وللمحكمة أن تقضي بذلك من تلقاء نفسها ولو كان الدائن قد رفع دعواه على المدين قبل صدور القانون ما دام قد عدل طلباته بتوجهها إلى المدير العام واختصمه لمواصلة السير فيها. إذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وجرى في قضائه برفض الدفع الذي أبداه المدير العام بعدم جواز سماع الدعوى استناداً إلى أن الديون التي طالب بها أصحابها أمام القضاء قبل فرض الحراسة وأيلولة أموالهم إلى ملكية الدولة هي ديون جدية تنتفي فيها الصورية ولا تندرج تحت نص الفقرة الرابعة من المادة الأولى من القرار الجمهوري رقم 1876 لسنة 1964 ورتب الحكم على رفض هذا الدفع قضاءه بإلزام إدارة الأموال والممتلكات بدفع الدين المستحق للمطعون عليهما في ذمة الطاعن، فإنه يكون قد خالف القانون بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي الأسباب.
وحيث إن الموضوع صالح للحكم فيه، ولما تقدم يتعين القضاء بعدم سماع الدعوى.
وحيث إنه عن الطعن رقم 416 سنة 36 قضائية المرفوع من المطعون عليهما في الطعن السابق عن ذات الحكم، فإنه لما كان هذا الحكم قد نقض لعدم سماع الدعوى فإن الطعن الثاني يصبح ولا محل له دون حاجة لبحث أسبابه.


[(1)] نقض 1/ 2/ 1966 مجموعة المكتب الفني. س 17. ص 214.