أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الثاني - السنة 34 - صـ 902

جلسة أول نوفمبر سنة 1983

برئاسة السيد المستشار/ عادل برهان نور رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: فوزي أحمد المملوك، حسن غلاب، محمد أحمد حسن والسيد عبد المجيد العشري.

(179)
الطعن رقم 1544 لسنة 53 القضائية

(1) قانون "تفسيره". إثبات "بوجه عام".
وجوب التحرز في تفسير القوانين الجنائية.
القياس في مجال التأثيم. محظور.
(2) خلو رجل. إيجار أماكن. قانون "تفسيره". عقوبة "تطبيقها".
مناط حظر اقتضاء مبالغ إضافية بسبب تحرير عقد الإيجار أو خارج نطاق زيادة عن التأمين والأجرة المنصوص عليها في العقد؟
قصد الشارع من إعفاء المستأجر أو الوسيط من العقوبة إذا أبلغ أو اعترف بالجريمة؟
عدم انصراف حكم الإعفاء إلى حالة المستأجر الذي يتقاضى خلو الرجل بوصفه مؤجراً من الباطن إلى غيره.
(3) خلو رجل. إيجار أماكن. قانون "تفسيره".
عدم تأثيم ما يتقاضاه المستأجر من المالك من مبالغ تعويضاً عن ترك العين المؤجرة له. أساس ذلك؟
(4) خلو رجل. إيجار أماكن. قانون "تفسيره". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
معاقبة الطاعن عن واقعة اقتضاء مبلغ من النقود من المجني عليه. مالك العين. مقابل إنهاء العلاقة التي كان بمقتضاها يشغل الطاعن العين. خطأ في تأويل القانون. أساس ذلك؟ وأثره؟
(5) نقض "نظر الطعن والحكم فيه".
كون العيب الذي شاب الحكم مقصوراً على الخطأ في تأويل القانون بالنسبة للواقعة كما صار إثباتها فيه. أثره؟ المادة 39 من القانون 57 لسنة 1959.
1 - الأصل أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل وأنه في حالة غموض النص فإن الغموض لا يحول دون تفسير النص على هدي ما يستخلص من قصد المشرع مع مراعاة ما هو مقرر من أن القياس محظور في مجال التأثيم.
2 - الشارع إنما يؤثم - بالإضافة إلى فعل اقتضاء المؤجر من المستأجر مقدم - أن يتقاضى منه أية مبالغ إضافية بسبب تحرير عقد الإيجار أو خارج نطاقه زيادة عن التأمين والأجرة المنصوص عليها في العقد سواء كان ذلك المؤجر مالك العقار أو مستأجره الذي يبتغي تأجيره إلى غيره فتقوم في جانبه حينئذ صفة المؤجر ومناسبة تحرير عقد الإيجار وهما مناط حظر اقتضاء تلك المبالغ الإضافية وذلك بهدف الحيلولة دون استغلال حاجة الطرف المستأجر الملحة إلى شغل المكان المؤجر نتيجة ازدياد أزمة الإسكان مما حمل المشرع على التدخل لتنظيم العلاقة بين مالكي العقارات ومستأجريها بقصد حماية الجمهور من استغلال مالكي العقارات لحاجته إلى المسكن فأرسى الأسس الموضوعية لتحديد أجرة المساكن في المواد 10، 11، 12 من القانون رقم 52 لسنة 1969 وحظر على المؤجرين في المادتين 17، 45 اقتضاء أية مبالغ بالذات أو بالوساطة تزيد على تلك الأجرة والتأمين المنصوص عليهما في العقد ومن ثم فإن هذا الحظر بمقتضيات تأثيمه لا يسرى إلا على المستأجر الذي يقدم على التأجير من الباطن إلى غيره ولا يغير من هذا النظر ما ورد في نص المادة 45 من ذات القانون في شأن إعفاء المستأجر والوسيط من العقوبة إذا أبلغ واعترف بالجريمة، ذلك أن الثابت من المناقشات التي دارت في مجلس الأمة عند نظر مشروع هذا القانون أن الشارع قصد بحكم الإعفاء المستأجر الذي يدفع مبلغ الخلو المحظور إلى المؤجر فيكون قد شارك بفعله هذا في وقوع الجريمة محل العقوبة وكذلك الحال بالنسبة للوسيط فرأى المجلس قصر الإعفاء منها عليهما دون المؤجر - باعتبار أن هذه الوسيلة الناجحة لضبط جرائم خلو الرجل، ومن ثم فإن حكم الإعفاء لا ينصرف إلى حالة المستأجر الذي يتقاضى خلو الرجل بوصفه مؤجراً من الباطن إلى غيره.
3 - يؤكد قصد الشارع إلى عدم تأثيم ما يتقاضاه المستأجر من المالك من مبالغ تعويضاً عن ترك العين المؤجرة له ما نص عليه في المواد 49 وما بعدها من القانون الأخير من إلزام المالك بأن يدفع للمستأجر المبالغ المحددة في هذه المواد على سبيل التعويض في حالات الإخلاء المترتبة على ما استحدثه من أحكام في شأن هدم المباني لإعادة بنائها بشكل أوسع.
4 - أن المستأجر الذي يتقاضى بالذات أو بالوساطة من المؤجر أو المالك أية مبالغ في مقابل إنهاء عقد الإيجار وإخلاء المكان المؤجر يخرج عن دائرة التأثيم ولا يحل عقابه تطبيقاً لأحكام القانون 49 سنة 1977 أو أي قانون آخر فإن الحكم المطعون فيه وقد خالف هذا النظر وقضى بمعاقبة الطاعن عن واقعة اقتضاء مبلغ من النقود من المجني عليه وهو مالك العين مقابل إنهاء العلاقة التي كان بمقتضاها يشغل الطاعن العين يكون قد بني على خطأ في تأويل القانون وكان يتعين على المحكمة القضاء ببراءة المتهم عملاً بالمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية باعتبار أن الواقعة غير معاقب عليها قانوناً.
5 - لما كان العيب الذي شاب الحكم المطعون فيه مقصوراً على الخطأ في تأويل القانون بالنسبة للواقعة كما صار إثباتها في الحكم فإنه يتعين حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 39 من القانون رقم 57 سنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن تحكم المحكمة في الطعن وتحكم بمقتضى القانون ومن ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه والحكم ببراءة الطاعن مما أسند إليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 10 من ديسمبر سنة 1978 تقاضى المبالغ المبينة بالمحضر كخلو رجل، وطلبت عقابه بالمادتين 26، 77 من القانون 49 لسنة 1977. ومحكمة جنح مستعجل الحدائق قضت غيابياً عملاً بمادتي الاتهام بحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة عشرون جنيهاً لوقف التنفيذ وتغريمه مبلغ ألف وثلاثمائة جنيه وإلزامه بأن يرد مبلغ ستمائة وخمسون جنيهاً لـ......
فعارض وقضي في المعارضة بقبولها شكلاً وفي الموضوع بتأييد الحكم المعارض فيه. فاستأنف. ومحكمة جنوب القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة المقضى بها لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ صدور الحكم.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة تقاضي خلو رجل فقد أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن الطاعن لا يعد في أحكام القانون رقم 49 سنة 1977 الذي استند إليه الحكم مستأجراً ولا وسيطاً وإذا اعتبر الحكم تقاضيه مبلغاً من المال من مالك العقار مقابل إخلائه العين التي كان يشغلها كحارس للعقار، وهو أمر غير مؤثم - جريمة معاقباً عليها فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مجمله أن المجني عليه قد اشترى المنزل الذي كان الطاعن يشغل بعض وحداته بحجة أنه وكيل للمالك السابق وأنهما اتفقا على أن يخلي الطاعن هذه الوحدات نظير مبلغ 650 جنيه دفعها له المجني عليه وأنه لذلك تكون جريمة خلو الرجل ثابتة قبله ثبوتاً كافياً وخلص إلى عقابه بالمادتين 26، 77 من القانون 49 سنة 1977. لما كان ذلك وكان الأصل أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل وأنه في حالة غموض النص فإن الغموض لا يحول دون تفسير النص على هدي ما يستخلص من قصد المشرع مع مراعاة ما هو مقرر من أن القياس محظور في مجال التأثيم. لما كان ذلك وكان البين من استقراء التشريعات التي تناولت تنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين أن أحكام القانون 121 سنة 1947 جاءت عند صدوره - خلواً من النص على تأثيم ما قد يتقاضاه المؤجرون من المستأجرين من مبالغ إضافية خارج نطاق عقد الإيجار مما حدا بالمشرع إلى إصدار القانون رقم 11 سنة 1962 بإضافة فقرة جديدة إلى المادة 16 من القانون 121 سنة 1947 تنص على أنه يعاقب بالعقوبة المشار إليها كل مؤجر يتقاضى أي مبلغ إضافي خارج نطاق عقد الإيجار كخلو رجل أو ما يماثله من المستأجر مباشرة أو عن طريق وسيط في الإيجار وفي الحالة الأخيرة تطبق العقوبة ذاتها على الوسيط وأفصح الشارع عن الهدف الذي تغياه من هذا التعديل فيما تضمنته المذكرة الإيضاحية للقانون من أن بعض المؤجرين ما زالوا يحصلون على مبالغ إضافية خارج نطاق الإيجار كخلو رجل تحايلاً منهم على قوانين تخفيض إيجار الأماكن التي قصد منها حماية المستأجر من مغالاة المؤجرين في تقدير الإيجار وأن المادة السادسة من القانون رقم 121 سنة 1947 تنص على التزام المؤجر برد أية مبالغ يحصل عليها من المستأجر خارج نطاق عقد الإيجار سواء حصل عليها مباشرة أو عن طريق وسيط في الإيجار وهذه المبالغ هي ما يعرف اصطلاحاً "بخلو الرجل" أو أية مبالغ أخرى يحصل عليها المؤجر دون سبب مشروع والغرض من تقرير هذا الحكم هو حماية الآثار التي استهدفها المشرع من تحديد الإيجار لصالح المستأجرين إلا أن القانون لم يضع جزاء جنائياً على مخالفة هذه المادة ضمن العقوبات التي نص عليها في المادة 16 منه لذلك يقتضي الأمر إدراج هذه المخالفة ضمن المخالفات الأخرى التي تستوجب الجزاء الجنائي الوارد بهذه المادة وتطبيقها على المؤجر أو وسيط الإيجار في حالة الحصول على هذه المبالغ..... ثم بعد ذلك وإذ صدر القانون رقم 52 سنة 1969 فقد نص في المادة 17 منه على أنه "لا يجوز للمؤجر بالذات أو الوساطة اقتضاء أي مقابل أو أتعاب بسبب تحرير العقد أو أي مبلغ إضافي خارج نطاق عقد الإيجار زيادة عن التأمين والأجرة المنصوص عليها في العقد ويسري هذا الحظر أيضاً على المستأجر. كما لا يجوز بأي صورة من الصور للمؤجر اقتضاء مقدم إيجار" كما نصت المادة 45 من هذا القانون على أنه: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور وبغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف أحكام المادة 17 سواء كان مؤجراً أو مستأجراً أو وسيطاً. ويعفى من العقوبة كل من المستأجر والوسيط إذا أبلغ أو اعترف بالجريمة". وإبان مناقشة هذا القانون في مجلس الأمة أجاب السيد رئيس المجلس على تساؤل أحد الأعضاء "بأن الحكمة من إضافة الفقرة التي تقضي بسريان الحظر على المستأجر إلى المادة 17 هي منع المؤجر من الباطن من أن يقتضي مقدماً من الذي يؤجر له" ولما كان الواضح من استقراء تلك النصوص والأعمال التشريعية التي اقترنت بإصداره أن الشارع إنما يؤثم - بالإضافة إلى فعل اقتضاء المؤجر من المستأجر مقدم إيجار - أن يتقاضى منه أية مبالغ إضافية بسبب تحرير عقد الإيجار أو خارج نطاقه زيادة عن التأمين والأجرة المنصوص عليها في العقد سواء كان ذلك المؤجر مالك العقار أو مستأجره الذي يبتغي تأجيره إلى غيره فتقوم في جانبه حينئذ صفة المؤجر ومناسبة تحرير عقد الإيجار وهما مناط حظر اقتضاء تلك المبالغ الإضافية وذلك بهدف الحيلولة دون استغلال حاجة الطرف المستأجر الملحة إلى شغل المكان المؤجر نتيجة ازدياد أزمة الإسكان مما حمل المشرع على التدخل لتنظيم العلاقة بين مالكي العقارات ومستأجريها بقصد حماية الجمهور من استغلال مالكي العقارات لحاجته إلى المسكن فأرسى الأسس الموضوعية لتحديد أجرة المساكن في المواد 10، 11، 12 من القانون رقم 52 لسنة 1969 وحظر على المؤجرين في المادتين 17، 45 اقتضاء أية مبالغ بالذات أو الوساطة تزيد على تلك الأجرة والتأمين المنصوص عليهما في العقد ومن ثم فإن هذا الحظر بمقتضيات تأثيمه لا يسري إلا على المستأجر الذي يقدم على التأجير من الباطن إلى غيره ولا يغير من هذا النظر ما ورد في نص المادة 45 من ذات القانون في شأن إعفاء المستأجر والوسيط من العقوبة إذا أبلغ أو اعترف بالجريمة، ذلك أن الثابت من المناقشات التي دارت في مجلس الأمة عند نظر مشروع هذا القانون أن الشارع قصد بحكم الإعفاء المستأجر الذي يدفع مبلغ الخلو المحظور إلى المؤجر فيكون قد شارك بفعله هذا في وقوع الجريمة محل العقوبة وكذلك الحال بالنسبة للوسيط فرأى المجلس قصر الإعفاء منها عليهما - دون المؤجر - باعتبار أن هذه هي الوسيلة الناجحة لضبط جرائم خلو الرجل، ومن ثم فإن حكم الإعفاء لا ينصرف إلى حالة المستأجر الذي يتقاضى خلو الرجل بوصفه مؤجراً من الباطن إلى غيره. ومما يزيد وضوحاً في تبيان قصد المشرع في تحديد نطاق التأثيم أنه عند إعادة صياغة حكم الحظر المقرر بالمادة 26 من القانون 49 سنة 1977 الذي حدثت واقعة الطعن في ظله - وهي التي حلت محل المادة 17 من القانون السابق رقم 52 سنة 1969 دون أي تغيير في مضمون القاعدة - أفصح الشارع بجلاء وفي دقة تقطع دابر أي لبس عمن هو مقصود بالحظر المؤثم فنصت تلك المادة على أنه "لا يجوز للمؤجر مالكاً كان أو مستأجراً بالذات أو بالوساطة اقتضاء أي مقابل أو أتعاب بسبب تحرير العقد أو أي مبلغ إضافي خارج نطاق عقد الإيجار زيادة على التأمين والأجرة المنصوص عليهما في العقد كما لا يجوز بأية صورة من الصور للمؤجر أن يتقاضى أي مقدم إيجار" بل إنه مما يؤكد قصد الشارع إلى عدم تأثيم ما يتقاضاه المستأجر من المالك من مبالغ تعويضاً عن ترك العين المؤجرة له ما نص عليه في المواد 49 وما بعدها من القانون الأخير من إلزام المالك بأن يدفع للمستأجر المبالغ المحددة في هذه المواد على سبيل التعويض في حالات الإخلاء المترتبة على ما استحدثه من أحكام في شأن هدم المباني لإعادة بنائها بشكل أوسع. ولما كان مفاد ذلك جميعه أن المستأجر الذي يتقاضى بالذات أو بالوساطة من المؤجر أو المالك أية مبالغ في مقابل إنهاء عقد الإيجار وإخلاء المكان المؤجر يخرج عن دائرة التأثيم ولا يحل عقابه تطبيقاً لأحكام القانون 49 سنة 1977 أو أي قانون آخر فإن الحكم المطعون فيه وقد خالف هذا النظر وقضى بمعاقبة الطاعن عن واقعة اقتضاء مبلغ من النقود من المجني عليه وهو مالك العين مقابل إنهاء العلاقة التي كان بمقتضاها يشغل الطاعن العين يكون قد بني على خطأ في تأويل القانون وكان يتعين على المحكمة القضاء ببراءة المتهم عملاً بالمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية باعتبار أن الواقعة غير معاقب عليها قانوناً لما كان ذلك، وكان العيب الذي شاب الحكم المطعون فيه مقصوراً على الخطأ في تأويل القانون بالنسبة للواقعة كما صار إثباتها في الحكم فإنه يتعين حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 39 من القانون رقم 57 سنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن تحكم المحكمة في الطعن وتحكم بمقتضى القانون ومن ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه والحكم ببراءة الطاعن مما أسند إليه.