أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 23 - صـ 358

جلسة 9 من مارس سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.

(56)
الطعن رقم 80 لسنة 37 القضائية

( أ ) موظفون. "علاقة الموظف بالجهة التابع لها".
موظف بوزارة التربية والتعليم. عدم تبعيته لمحافظة مطروح. مقتضاه عدم قيام رابطة تنظيمية بينه وبين هذه المحافظة.
(ب) عقد. "عقد إداري". اختصاص. "الاختصاص الولائي". نقض. "حالات الطعن".
العقود التي تبرمها الإدارة مع الأفراد. مناط اعتبارها عقوداً إدارية. تفويض محافظة مطروح لمدير مديرية التعليم بها في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأليف كتابين نظير مكافآت تحدد على أساس الفئات التي وضعتها وزارة التربية والتعليم. استعانة المدير ببعض العاملين بالوزارة في تأليف الكتابين. عدم تقديم المحافظة الدليل على أن ما كلف به المدير مما يستلزمه السير العادي للمرفق، وأن اللائحة الخاصة بتحديد فئات المكافآت التي أحال إليها التفويض تتضمن شروطاً استثنائية تخالف المألوف في القانون الخاص. انتهاء الحكم المطعون فيه إلى اعتبار العلاقة بين الطرفين علاقة تعاقدية يحكمها القانون الخاص ويختص بنظرها القضاء المدني. لا خطأ. عدم جواز الطعن في هذا الحكم بالنقض لصدوره من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية.
1 - متى كان الثابت في الدعوى أن المطعون عليهم عدا الأول - وهم من موظفي وزارة التربية والتعليم ومنطقة الإسكندرية التعليمية - لا يتبعون الجهة الإدارية التي يرأسها الطاعن - محافظ مطروح - فإنه لا يمكن القول بقيام رابطة تنظيمية بينهم وبين هذه الجهة، وذلك لانقطاع صلتهم الوظيفية بها.
2 - العقد الإداري - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - هو العقد الذي يبرمه شخص معنوي من أشخاص القانون العام بقصد إدارة مرفق عام أو بمناسبة تسييره ويظهر فيه نيته في الأخذ بأحكام القانون العام، وذلك بتضمينه شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص، أو يحيل فيه إلى اللوائح القائمة وإذ كان الثابت في الدعوى أن الطاعن - محافظ مطروح - أصدر تفويضاً للمطعون عليه الأول - مدير مديرية التعليم بالمحافظة - خوله فيه اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأليف كتابين للتربية الأساسية ومحو الأمية أحدهما للقراءة والثاني للحساب نظير مكافآت تحدد على أساس الفئات التي وضعتها وزارة التربية والتعليم، وتنفيذاً لهذا التفويض استعان المطعون عليه الأول بباقي المطعون عليهم، وهم من العاملين بوزارة التربية والتعليم بمنطقة الإسكندرية التعليمية في تأليف هذين الكتابين، وكان الطاعن لم يقدم لمحكمة الموضوع ما يدل على أن العمل الذي كلف به المطعون عليه الأول هو مما يستلزمه السير العادي للمرفق وفقاً للائحته الداخلية أو طبقاً لعرف جرى العمل به، كما أنه لم يقدم لذات المحكمة الدليل على أن اللائحة الخاصة بتحديد فئات المكافآت التي أحال إليها التفويض الصادر منه للمطعون عليه الأول تتضمن أي شرط استثنائي يخالف المألوف في القانون الخاص، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى وصف العلاقة القائمة بين الطرفين بأنها علاقة تعاقدية يحكمها القانون الخاص، ويختص بنظرها القضاء المدني، لا يكون قد خالف قواعد الاختصاص الولائي أو أخطأ في تطبيقها. وإذ كان هذا الحكم صادراً من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية، فإن الطعن عليه بطريق النقض يكون غير جائز.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن فهمي يوسف الباز وآخرين أقاموا الدعوى رقم 510 لسنة 1965 مدني المنشية ضد محافظ الصحراء الغربية بصفته يطلبون الحكم بإلزامه بأن يدفع لكل من المدعيين الأول والثاني مبلغ 200 ج ولكل من الباقين مبلغ 100 ج والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة مع النفاذ المعجل بغير كفالة، وقالوا شرحاً للدعوى إن المدعى عليه أصدر بتاريخ 1/ 8/ 1965 تفويضاً للمدعي الأول الذي كان مديراً لمديرية التعليم بمحافظة مطروح، خوله فيه اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأليف كتابين للتربية الأساسية ومحو الأمية أحدهما للقراءة والثاني للحساب نظير مكافآت تحدد على أساس الفئات التي وضعتها وزارة التربية والتعليم، وتنفيذاً لهذا التفويض استعان المدعي الأول بباقي المدعين وهم من العاملين بوزارة التربية والتعليم ومنطقة الإسكندرية التعليمية، واشترك المدعيان الأول والثاني مع المدعيين الثالث والرابع في تأليف كتاب القراءة، ثم مع الخامس والسادس في تأليف كتاب الحساب فاستحق كل منهم المبلغ الذي يطالب به، وبالرغم من إقرار المدعى عليه بأحقيتهم في صرف هذه المبالغ، فإنه لم يقم بالوفاء بها مما اضطرهم لإقامة هذه الدعوى بطلباتهم سالفة البيان، ودفع المدعى عليه بعدم اختصاص المحاكم المدنية ولائياً بالفصل في الدعوى وبعدم اختصاص المحكمة الجزئية قيمياً بنظرها، وفي 30/ 4/ 1956 حكمت المحكمة (أولاً) برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وباختصاصها (ثانياً) بسقوط حق المدعى عليه في الدفع بعدم اختصاص المحكمة قيمياً بنظر الدعوى وباختصاصها. (ثالثاً) بإلزام المدعى عليه بصفته بأن يدفع لكل من المدعيين الأول والثاني مائتي جنيه ولكل من باقي المدعين مائة جنيه وألزمته المصروفات ومبلغ 50 قرشاً مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ماعدا ذلك من الطلبات. واستأنف المدعى عليه هذا الحكم لدى محكمة الإسكندرية الابتدائية بهيئة استئنافية طالباً قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والحكم أصلياً بقبول الدفع واحتياطياً برفض الدعوى، وقيد هذا الاستئناف برقم 1366 لسنة 1966 مستأنف الإسكندرية وفي 13 ديسمبر سنة 1966 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف المصاريف و300 قرش مقابل أتعاب المحاماة، وطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للسبب الوارد بالتقرير، وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعن على طلب نقض الحكم، وصممت النيابة على الرأي الوارد بمذكرتها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل سبب الطعن أن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدفع بعدم الاختصاص الولائي وهو خطأ ومخالفة للقانون من وجهين (أولهما) أنه اعتبر علاقة الطاعن بالمطعون عليهم علاقة عقدية، في حين أنها طبقاً للتكييف الصحيح علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، ذلك أن إسناد مهمة تأليف بعض الكتب اللازمة لمرفق التعليم الذي يتولى الطاعن بصفته الإشراف عليه لا يعدو أن يكون تكليفاً للمطعون عليهم - وكلهم من موظفي وزارة التربية والتعليم - بأداء عمل يتعلق بوظيفتهم، ومن ثم فإنهم يخضعون في هذا العمل الذي كلفوا به للقواعد التنظيمية المقررة في هذا الشأن، وإذ كانت دعوى المطعون عليهم ليست إلا مطالبة بمكافأة استحقت لهم قبل الحكومة نتيجة قيامهم بالعمل الذي كلفهم به الطاعن بصفته، فإن الاختصاص بنظرها يكون لمجلس الدولة وحده عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 55 لسنة 1959. (وثانيهما) أنه مع التسليم جدلاً بأن العلاقة التي تربط الطاعن بالمطعون عليهم علاقة تعاقدية، فإن العقد الناشئ عنها يكون عقداً إدارياً وليس عقداً مدنياً، ذلك أنه وإن كان العقد الإداري بحسب الرأي السائد هو العقد الذي يبرمه شخص من أشخاص القانون العام بقصد إدارة مرفق عام أو بمناسبة تسييره ويظهر فيه نيته في الأخذ بوسائل القانون العام بتضمينه شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص، وكانت القاعدة أن تخلف أحد هذه الشروط يجعل العقد مدنياً، إلا أنه توجد ثمة حالات يعتبر فيها العقد إدارياً رغم خلوه من أي شرط استثنائي، وهي الحالات التي يساهم فيها المتعاقد في نشاط المرفق أو يحقق العقد غرضاً من أغراضه، ولما كان قيام المطعون عليهم بتأليف الكتب اللازمة لمحو الأمية يعتبر مساهمة منهم في تسيير مرفق التعليم الذي يشرف عليه الطاعن بصفته وكان الاتفاق معهم على التأليف يحقق غرضاً من أغراضه، فإن العلاقة القائمة بين الطرفين تعتبر عقداً إدارياً بطبيعته ولو لم يتضمن أية شروط استثنائية، وتكون المنازعة بشأنه من اختصاص مجلس الدولة دون غيره عملاً بنص المادة العاشرة من القانون رقم 55 لسنة 1959.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه (الأول) منه، ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه بعد أن أشار إلى التفويض الصادر من الطاعن إلى المطعون عليه الأول أقام قضاءه على قوله "إنه استناداً إلى هذا التفويض قام مدير منطقة مطروح التعليمية المستأنف عليه الأول بإرسال خطاب إلى كل من المستأنف عليهم مؤرخ 20/ 8/ 1962 يفيد أن محافظة مطروح قد فوضته في الاتفاق معه على الاشتراك في تأليف كتاب معين نظير المبلغ المحدد بكل خطاب على أن يتنازل عن حق الطبع والتأليف للمحافظة، ووقع كل منهم على الخطاب المرسل إليه بالقبول، وعلى أساس هذا القبول أشر مدير المنطقة على كل خطاب بعرضه على السيد المحافظ، ويستفاد من ذلك أن العلاقة بين المستأنف عليهم من الثاني إلى الأخير والمحافظة كانت وليدة اتفاق فهي علاقة تعاقدية بدأت بعرض من جانب المحافظة عن طريق المستأنف عليه الأول كمفوض عنها وبقبول من جانب باقي المستأنف عليهم، وليست علاقة تنظيمية على النحو الذي تدعيه المستأنفة، ولما كان مركز المستأنف عليه الأول باعتباره مشتركاً في التأليف هو بذاته مركز باقي المستأنف عليهم فيتعين لتماثل الظروف اعتبار علاقته هو الآخر بالمحافظة في شأن تأليف الكتابين علاقة تعاقدية" وما خلص إليه الحكم من تكييف العلاقة القائمة بين الطرفين بأنها تعاقدية وليست تنظيمية لا مخالفة فيه للقانون، ذلك أنه يبين من الأوراق أن المطعون عليهم فيما عدا الأول لا يتبعون الجهة الإدارية التي يرأسها الطاعن، ومن ثم فلا يمكن القول بقيام الرابطة التنظيمية المدعاة وذلك لانقطاع صلتهم الوظيفية به، أما بالنسبة للمطعون عليه الأول فإن الطاعن لم يقدم لمحكمة الموضوع ما يدل على أن العمل الذي كلفه به هو مما يستلزمه السير العادي للمرفق وفقاً للائحته الداخلية أو طبقاً لعرف جرى العمل به والنعي مردود في الوجه (الثاني) بأن الحكم قد انتهى إلى اعتبار العلاقة بين الطرفين علاقة عقدية يحكمها القانون الخاص تأسيساً على قوله "وحيث إن المحكمة لا تجد في العقد المبرم بين الطرفين أي شرط شاذ وهو أحد الخصائص اللازم توافرها في العقد كي يعتبر عقداً إدارياً، ولا تعتبر الإحالة في تحديد المكافأة المستحقة عن تأليف الكتاب إلى الفئات التي حددتها الوزارة شرطاً شاذاً، إذ ليس ثمة ما يمنع المتعاقدين قي العقود المدنية من الاتفاق على طريقة معينة لتحديد التزاماتهم المالية دون أن يعد ذلك شرطاً استثنائياً لا يتفق مع قواعد القانون الخاص" وهذا الذي قرره الحكم صحيح في القانون، ذلك أن العقد الإداري - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو العقد الذي يبرمه شخص معنوي من أشخاص القانون العام بقصد إدارة مرفق عام أو بمناسبة تسييره، ويظهر فيه نيته في الأخذ بأحكام القانون العام، وذلك بتضمينه شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص، أو يحيل فيه إلى اللوائح القائمة. لما كان ذلك وكان الطاعن لم يقدم لمحكمة الموضوع الدليل على أن اللائحة الخاصة بتحديد فئات المكافآت التي أحال إليها التفويض الصادر منه للمطعون عليه الأول تتضمن أي شرط استثنائي يخالف المألوف في القانون الخاص، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى وصف العلاقة القائمة بين الطرفين بأنها علاقة تعاقدية يحكمها القانون الخاص ويختص بنظرها القضاء المدني لا يكون قد خالف قواعد الاختصاص الولائي أو أخطأ في تطبيقها ويكون النعي على الحكم بالوجهين السابقين على غير أساس، ولما كان الحكم المطعون فيه صادراً من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية، فإن الطعن فيه بطريق النقض يكون غير جائز.


[(1)] نقض 7/ 7/ 1964 مجموعة المكتب الفني. س 15. ص 959.