مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) - صـ 219

جلسة 27 مايو سنة 1940

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك المستشارين.

(114)
القضية رقم 1291 سنة 10 القضائية

إثبات. مانع أدبي من الحصول على كتابة عند وجوبها في الإثبات. تقديره. موضوعي. وديعة لا سند بها. مانع أدبي لعلاقة القرابة. إجازة الإثبات بالبينة. مناقشة محكمة الموضوع في ذلك. لا تجوز.
إن قيام المانع الأدبي الذي من شأنه أن يحول دون الحصول على كتابة عند وجوبها في الإثبات يجيز الإثبات بالبينة، وقيام هذا المانع يدخل في نطاق الوقائع، فتقديره متروك لقاضي الموضوع بلا رقابة عليه من محكمة النقض، وإذن فإذا رأت المحكمة من ظروف الدعوى أن علاقة القرابة بين الخصمين هي التي منعت أحدهما من أخذ سند من الآخر بالوديعة التي ائتمنه عليها فأجازت له الإثبات بالبينة فلا تصح مناقشتها في ذلك.


المحكمة

وحيث إن مبنى الوجه الأوّل من أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون إذ بنى على شهادة الشهود في إثبات دعوى مدنية لا يجوز إثباتها بالبينة لأن عقد الوديعة لا يمكن إثباته إلا بالطريق الذي رسمه القانون. ولقد أرادت المدعية بالحق المدني التحايل على نصوص القانون فصوّرت ذلك الاتهام الجنائي لتحقيق غرضها.
وحيث إن قيام مانع أدبي يحول دون الحصول على كتابة عند لزومها يجيز الإثبات بالبينة، وتقدير هذا المانع مسألة متعلقة بالوقائع يبت فيها قاضي الموضوع بلا رقابة عليه من محكمة النقض.
وحيث إن واقعة الدعوى تتحصل بلى أن المدعية بالحق المدني رفعت هذه الدعوى مباشرة على الطاعنين تتهمهما بأنهما بدّدا مبلغ 365 جنيهاً سلمته إليهما على سبيل الوديعة، فدفع محامي الطاعن الثاني الذي حضر المحاكمة أمام محكمة أوّل درجة بعدم جواز الإثبات بالبينة لتجاوز المبلغ المدعي به النصاب الجائز فيه ذلك. فرد عليه المدعي المدني بوجود مانع أدبي حال دون الحصول على سند كتابي من الطاعنين، وهذا المانع هو القرابة إذ الأولى خالة المدعية والثاني زوج هذه الخالة. فقضت محكمة أوّل درجة بقبول هذا الدفع وببراءة الطاعنين. فاستأنفت المدعية هذا الحكم وقضت المحكمة الاستئنافية حضورياً للطاعن الثاني وغيابياً للأولى بإلغاء الحكم وبجواز الإثبات بالبينة وبإعادة القضية لمحكمة أوّل درجة لسماع الشهود بناءً على ما يأتي: "حيث إن الحكم المستأنف بني على عدم وجود المانع الذي يمنع المدعية بالحق المدني من أخذ سند بالكتابة بينها وبين المدعى عليهما ولكن الثابت أن المدعى عليها الأولى عزيزة سريال هي بنت أختها والمدعى عليه الثاني حافظ موسى غبريال زوج الأولى، ولا شك أن صلة القرابة وتوافر الثقة بين الطرفين يمنعان المدّعية بالحق المدني من أخذ سند مكتوب، وهذا المانع متوفر بالنسبة للمدعى عليهما معاً، فضلاً عن أنه لم يقم الدليل على سبق معاملة بين المدعية والمدعى عليهما بالكتابة كما ذكرت محكمة أوّل درجة في حكمها تبريراً لقبول الدفع بعدم جواز البينة". ثم عارضت الطاعنة الأولى في هذا الحكم فقضت المحكمة بقبول المعارضة شكلاً وبرفضها موضوعاً وبتأييد الحكم المعارض فيه. ولما أعيدت القضية لمحكمة أوّل درجة سمعت فيها البينة ثم قضت بإلزام الطاعنين متضامنين بأن يدفعا للمدعية مبلغ خمسة وعشرين جنيهاً مع المصاريف وبمائة قرش للمحاماة. فاستأنف الطاعنان هذا الحكم وقضت محكمة الاستئناف في 2 يناير سنة 1940 بتعديل الحكم المستأنف وبإلزام الطاعنين متضامنين بأن يدفعا للمدية مبلغ خمسمائة قرش مع المصاريف المناسبة وبمائة قرش للمحاماة.
وحيث إنه يظهر مما ذكر أن محكمة الموضوع رأت لما ذكرته من اعتبارات مقبولة قيام المانع الأدبي وهو القرابة دون حصول المدعية على سند بالوديعة التي ائتمنت الطاعنين عليها، وإذا كان تقدير المحكمة في هذا موضوعياً فلا سبيل للجدل فيه لدى محكمة النقض.
وحيث إن الوجه الثاني يتحصل في أنه بفرض أن البينة جائزة فإن ما ورد على لسان المدعية وشهودها لا يثبت الوديعة لأن ما قرّرته المدعية يؤدي إلى أنها لم تعطِ الطاعن الثاني شيئاً، وأن المبلغ كان لها قبل أختها ستوت، وهذا ينفي كل مسئولية عن الطاعنين. أما أقوال الشهود الباقين فهي من قبيل إقرار الطاعنين لهم بأن المبلغ بعضه طرف الطاعنة الأولى وبعضه طرف الطاعن الثاني دون ذكر الأساس الذي بني عليه ذلك، والإقرار من غير المقرّ وفي غير مجلس القضاء لا قيمة له.
وحيث إن هذا الوجه متعلق بتقدير ما استخلصته محكمة الموضوع من أقوال شهود الإثبات مما لا يجوز عرضه على محكمة النقض، ولا جناح على المحكمة بعد أن أجازت إثبات الوديعة بالبينة لقيام المانع الأدبي من أن تعوّل على إقرار صادر من الطاعنين أمام شهود بحصول الوديعة فعلاً إذ المرجع في ذلك اطمئنانها إلى شهادة هؤلاء الشهود.