مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) - صـ 240

جلسة 17 يونيه سنة 1940

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك المستشارين.

(125)
القضية رقم 1142 سنة 10 القضائية

دعوى مباشرة. طلب النيابة معاقبة المتهم. دفع المتهم بعد ذلك بعدم قبول الدعوى. الحكم بقبول الدفع. بقاء الدعوى العمومية مرفوعة من النيابة. استئناف المدعي المدني حكم عدم قبول الدعوى. عدم استئناف النيابة. الحكم استئنافياً بإعادة القضية لمحكمة الجنح للفصل في الدعوى. نظر الدعوى المقامة من النيابة. وجوبه. الحكم السابق صدوره. لا يمنع من نظرها. سلطة النيابة العمومية في تحريك الدعوى. مطلقة. حق المدعي المدني في تحريكها. استثناء.

(المادة 176 تحقيق)

الأصل أن الدعوى العمومية موكول أمرها إلى النيابة تحركها كما تشاء، أما حق المدعي المدني في ذلك فقد ورد على سبيل الاستثناء. وإذن فلا يؤثر في حق النيابة ما يؤثر في حقه هو أو ما يعترضه. فإذا رفعت الدعوى مباشرة من المدعي بالحق المدني، ثم أقامت النيابة الدعوى العمومية بالجلسة أمام محكمة الدرجة الأولى، وكان ذلك قبل أن يبدي المتهم الدفع الذي تمسك به بعدم قبول الدعوى المباشرة، واقتصرت المحكمة الابتدائية في حكمها في الدعوى على قبول هذا الدفع، فإن الدعوى العمومية تكون باقية على حالها مرفوعة من النيابة. فإذا استأنف المدعي المدني الحكم الصادر بعدم قبول الدعوى فقضت المحكمة الاستئنافية بقبول استئنافه وإعادة القضية لمحكمة الجنح للفصل في الدعوى فإن المحكمة يكون عليها أن تنظر أيضاً الدعوى المقامة من النيابة، ولا يمنع من ذلك الحكم السابق صدوره لعدم تعرّضه لهذه الدعوى.


المحكمة

وحيث إن الطعن يتحصل في أن استئناف المدعي المدني للحكم الصادر بعدم قبول دعوى الجنحة المباشرة المرفوعة منه يشمل الدعوى بشطريها المدني والجنائي، وما دامت المحكمة الاستئنافية قد ألغت هذا الحكم وقضت بقبول الدعوى وإعادة القضية إلى محكمة الجنح الجزئية للحكم في الموضوع فمعنى هذا أنها أعادتها بشطريها أيضاً. فالحكم المطعون فيه القاضي بعدم قبول الدعوى العمومية على أساس أن النيابة لم تستأنف الحكم الأول إنما هو خطأ في تطبيق القانون. وتضيف النيابة الطاعنة إلى ذلك أن الحكم القاضي بعدم قبول الجنحة المباشرة لا يؤثر في حقوق النيابة لأنه منصب على شكل الدعوى من حيث قبولها أو عدم قبولها فيما يختص بالمدّعي المدني وحده. أما الدعوى العمومية التي أقامتها النيابة في الجلسة فما زالت قائمة لم يفصل فيها بالبراءة أو الإدانة. ولقد كان واجباً على محكمة أوّل درجة، وقد حكمت بعدم قبول الجنحة المباشرة، أن تحكم في موضوع الدعوى العمومية القائمة، فإذا لم تستأنف النيابة هذا الحكم فلا يعتبر ذلك قبولاً له إذ لا شأن لها به حيث لم يمس الدعوى العمومية المرفوعة منها بشيء.
وحيث إن الواقع هو أن المدّعي المدني رفع دعواه مباشرة ضدّ المتهمين وطلب الحكم له بمبلغ 25 جنيهاً مع محاكمتهم بالمواد 183 و40 و41 من قانون العقوبات القديم، فطلبت النيابة بجلسة 4 يناير سنة 1937 معاقبة المتهمين بالمواد 183 و40 و41 عقوبات. ثم دفع المتهمون بعدم جواز رفع دعوى الجنحة المباشرة لأن المدّعي المدني اختار الطريق المدني برفع دعواه أمام المحكمة المدنية. وقضت المحكمة بتاريخ 13 ديسمبر سنة 1937 بقبول هذا الدفع وبعدم قبول دعوى الجنحة المباشرة. فاستأنف المدّعي المدني هذا الحكم في 22 ديسمبر سنة 1937، وقضت المحكمة الاستئنافية في 20 مارس سنة 1938 بإلغاء الحكم المستأنف وبقبول دعوى الجنحة المباشرة وإعادة القضية لمحكمة جنح المحلة للفصل فيها. وأمام هذه المحكمة دفع المتهمون بعدم جواز نظر الدعوى العمومية لسبق الفصل فيها، فحكم بقبول هذا الدفع، وأصدرت المحكمة في 17 إبريل سنة 1939 حكمها قاضياً بقبول الدفع وعدم جواز نظر الدعوى العمومية لسبق الفصل فيها، وأجلت القضية للتكلم في موضوعها المدني. فاستأنف المدّعي المدني والنيابة هذا الحكم، وقضت المحكمة الاستئنافية في 13 فبراير سنة 1940 بعدم جواز استئناف المدّعي المدني وبقبول استئناف النيابة شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف. وهذا الحكم هو موضوع طعن النيابة.
وحيث إن محكمة الموضوع استندت في قضائها إلى القول "... ... بأنه يتضح أن النيابة لم تستأنف الحكم الصادر بعدم قبول دعوى الجنحة المباشرة من محكمة جنح المحلة بتاريخ 13 ديسمبر سنة 1937، وأن المدّعي المدني هو الذي استأنفه وحده. ونص المادة 176 تحقيق جنايات صريح في أن استئنافه قاصر على دعواه المدنية فقط ولا يؤثر استئنافه بأي حال على الدعوى العمومية. ويكون قضاء محكمة جنح المحلة بحكمها المذكور بعدم قبولها حكماً نهائياً بالنسبة للمتهمين جميعاً، ولا يصح لها بعد ذلك النظر فيها كما قررت بحق في الحكم المستأنف الصادر بتاريخ 17 إبريل سنة 1939. وإن الأمر كان جارياً على خلاف ذلك في فرنسا، إذ أن المحاكم والشراح هناك متفقون على أن استئناف المدّعي المدني في مثل هذه الحالة يبيح للمحكمة الاستئنافية أن تنتزع موضوع الدعوى العمومية والمدنية من محكمة أوّل درجة والحكم فيهما معاً طبقاً للمادة 215 من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي. وقد جارت محكمة النقض والإبرام المصرية هذه المحاكم والشراح في حكمها الصادر بتاريخ 24 يناير سنة 1920 (المنشور بالمجموعة الرسمية السنة الحادية والعشرين العدد 64) إلا أنها عادت وغيرت رأيها في ذلك، وقضت بأن استئناف المدّعي المدني وحده دون النيابة لا يخوّل المحكمة الاستئنافية الحق في نظر موضوع الدعوى العمومية، إذ ليس بالقانون المصري نص يماثل المادة 215 من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي، وأن الفقه والقضاء في فرنسا جاريان على اعتبار أثر تحريك الدعوى العمومية منتهياً بمجرّد رفع الدعوى المدنية مباشرة أمام محكمة الجنح لكفاية هذا القدر. أما ما يجري بعد ذلك في الدعوى العمومية من طلب العقاب واستئناف الأحكام الصادرة فيها فهو من أعمال النيابة العمومية دون غيرها. وإنه يتضح من ذلك أنه كان الواجب على النيابة لكي تحافظ على الدعوى العمومية أن تستأنف الحكم الصادر بتاريخ 13 ديسمبر سنة 1937 والقاضي بعدم قبول دعوى الجنحة المباشرة إذ أن هذا الحكم قد فصل في الدعوى العمومية أيضاً بعدم القبول، وعدم استئنافها لهذا الحكم أكسبه حجة لا يصح بعدها النظر من جديد في الدعوى العمومية، ويكون الحكم المستأنف في محله. وإنه فيما يختص بالحكم الصادر بتاريخ 20 مارس سنة 1938 القاضي بإلغاء الحكم الصادر بتاريخ 13 ديسمبر سنة 1937 فلا يمكن اعتباره أساساً للدعوى العمومية بعدم استئناف النيابة العمومية كما سلف الذكر. وكونه قضى بقبوله دعوى الجنحة المباشرة فلا يفهم منه الفصل في الدعوى العمومية. وعلى فرض أنه قصد به ذلك فإنه يكون حكماً غير حائز لقوّة الشيء المحكوم فيه لأنه صادر من محكمة غير مختصة بنظر الدعوى العمومية إذ المستأنف هو المدّعي المدني وحده ولا يعوّل على استئنافه بالنسبة للدعوى العمومية. وإن محكمة أوّل درجة لم تفصل في الدعوى المدنية بل أرجأت الفصل فيها فيكون استئناف المدّعي المدني غير جائز عن الدعوى العمومية كما تقدّم بيانه إذ ليس من حقه هذا الاستئناف. ويتعين إذن الحكم بعدم جواز استئنافه".
وحيث إن الدعوى العمومية بحسب الأصل موكول أمرها للنيابة العمومية تحرّكها متى شاءت، أما حق المدّعي المدني في تحريك هذه الدعوى فقد ورد على سبيل الاستثناء، ولا تأثير لمصير دعواه على حق النيابة في إقامة الدعوى العمومية ما دامت رفعتها على الوجه الصحيح.
وحيث إنه ظاهر من البيان السابق أن النيابة أقامت الدعوى العمومية على المتهمين بالجلسة أمام محكمة أوّل درجة قبل أن يبدي المتهمون دفعهم بعدم قبول الدعوى المرفوعة من المدّعي المدني، وكان دفاعهم بعد ذلك منصباً على عدم قبول دعوى المدّعي المدني دون إبداء أيّ اعتراض على ما كان من رفع النيابة الدعوى العمومية عليهم بالكيفية المتقدّمة، وجاء الحكم الابتدائي قاضياً بقبول دفع المتهمين دون أن يفصل في الدعوى العمومية التي أقامتها النيابة.
وحيث إنه ما دامت الدعوى العمومية رفعت من النيابة ضد المتهمين على الوجه الصحيح، وكان من المتعين على المحكمة أن تفصل في موضوعها على كل حال، فإذا هي لم تعرض لها فقد بقيت الدعوى العمومية على حالها. وكان لزاماً إذن على المحكمة الجزئية بعد أن أعيدت إليها القضية من المحكمة الاستئنافية أن تفصل في هذه الدعوى رغم عدم استئناف النيابة حكم عدم قبول دعوى الجنحة المباشرة. أما ما قالته هذه المحكمة وأيدته فيها المحكمة الاستئنافية من أن الدعوى العمومية سبق الحكم فيها بالحكم الأوّل فغير صحيح، إذ هذا الحكم كان منصباً على الدعوى المرفوعة من المدّعي المدني وحده دون الدعوى العمومية المرفوعة من النيابة كما سبق القول.