أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 23 - صـ 401

جلسة 14 من مارس سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ بطرس زغلول نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام، وعدلي مصطفى بغدادي، ومحمود السيد عمر المصري.

(63)
الطعنان رقما 106 لسنة 37 ق، 11 لسنة 40 ق

( أ ) التزام. بنوك. "خطابات الضمان". وكالة.
علاقة البنك بالمستفيد الذي صدر خطاب الضمان لصالحه منفصلة عن علاقته بالعميل. التزام البنك بالوفاء للمستفيد التزام أصيل، لا بالوكالة عن العميل.
(ب) نقض. "أثر نقض الحكم".
بنقض الحكم يعود الخصوم إلى مراكزهم الأولى، صرح الحكم بذلك أو لم يصرح.
1 - من المقرر في قضاء محكمة النقض أن خطاب الضمان، وإن صدر تنفيذاً للعقد المبرم بين البنك والمدين المتعامل معه، إلا أن علاقة البنك بالمستفيد الذي صدر خطاب الضمان لصالحه هي علاقة منفصلة عن علاقته بالعميل، إذ يلتزم البنك وبمجرد إصداره خطاب الضمان ووصوله إلى المستفيد بوفاء المبلغ الذي يطالب به هذا الأخير باعتباره حقاً له، يحكمه خطاب الضمان، ما دام هو في حدود التزام البنك المبين به، كما أن البنك مصدر خطاب الضمان، لا يعتبر وكيلاً عن العميل في الوفاء للمستفيد بقيمة خطاب الضمان، بل إن التزام البنك في هذا لحسابه التزام أصيل، ويترتب على ذلك أن يقوم العميل بدفعه للبنك لتغطية خطاب الضمان إنما هو تنفيذ وتأمين للعلاقة القائمة بين العميل والبنك وحدهما، ولا صلة للمستفيد بها، وللبنك أن يصدر خطاب الضمان بغطاء مالي أو دون غطاء، أو بضمان رهن في حدود المعاملات القائمة بين العميل والبنك، وهو الذي يقدر وحده مصلحته في كيفية تغطية خطاب الضمان.
2 - يترتب على نقض الحكم المطعون فيه عودة الخصومة إلى ما كانت عليه قبل صدور الحكم المنقوض، ويعود الخصوم إلى مراكزهم الأولى قبل ذلك، وتلك نتيجة ضرورية تترتب على صدور الحكم بالنقض، صرح بها هذا الحكم أو لم يصرح.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكمين المطعون فيهما ومن سائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن (بنك القاهرة) أقام الدعوى رقم 87 لسنة 1962 تجاري كلي الإسكندرية ضد المطعون عليهما الأولين وآخرين، وطلب الحكم بإلزامهما بأن يدفعا له بالتضامن مبلغ 10000 ج وبصحة إجراءات الحجز الموقع تحت يد باقي المدعى عليهم، وقال بياناً لدعواه إن المطعون عليه الثاني باع المطعون عليه الأول مضرب الأرز المبين بصحيفة الدعوى بالعقد المؤرخ في 12/ 6/ 1961 مقابل ثمن قدره 20000 ج، وإذ كان البائع مديناً للطاعن فقد اتفق في عقد البيع على حوالة الثمن إلى الطاعن ودفعه له على ثلاثة أقساط الأول وقدره 5000 ج دفع له في 15/ 6/ 1961، والثاني وقدره 5000 ج دفع له في 15/ 7/ 1961، واتفق في عقد البيع على التزام المطعون عليه الأول بالتضامن مع المطعون عليه الثاني بدفع باقي الثمن وقدره 10000 ج عند توقيع العقد النهائي الذي حدد له ميعاد أقصاه 15/ 11/ 1961، واستطرد الطاعن قائلاً إن المطعون عليه الأول قدم خطاب ضمان من بنك مصر (المطعون عليه الثالث) بهذا المبلغ لصالح الطاعن وأن المطعون عليهما الأولين عهدا إلى الطاعن بإتمام الإجراءات لتحرير العقد النهائي، فقام بذلك وأنذرهما بالحضور للتوقيع على ذلك العقد في الميعاد المتفق عليه غير أن المطعون عليه الأول (المشتري) لم يحضر لدفع رسوم التسجيل المستحقة ومن ثم فقد أقام الطاعن دعواه بطلباته سالفة البيان، وأدخل الطاعن المطعون عليه الثالث (بنك مصر) خصماً في الدعوى، وطلب الحكم بإلزامه بقيمة خطاب الضمان وقدره 10000 ج، وبتاريخ 17 مارس 1963 قضت المحكمة بإلزام المطعون عليهما الأول والثاني متضامنين بأن يدفعا للطاعن مبلغ 10000 ج وبصحة إجراءات الحجز وبرفض الدعوى قبل بنك مصر (المطعون عليه الثالث). استأنف المطعون عليه الأول هذا الحكم أمام محكمة استئناف إسكندرية وقيد استئنافه برقم 301 لسنة 19 ق كما استأنفه المطعون عليه الثاني وقيد استئنافه برقم 304 لسنة 19 ق الإسكندرية وبعد أن قررت المحكمة ضم الاستئنافين قضت بتاريخ 27/ 12/ 1966 بندب مكتب الخبراء لبيان ما إذا كان المطعون عليه الأول قد قام بالوفاء إلى المطعون عليه الثالث (بنك مصر) بمبلغ 2500 ج لتغطية كامل قيمة خطاب الضمان وقدرها 10000 ج الصادر لصالح الطاعن سواء من حسابه الجاري بالبنك أو بأي طريق مصرفي آخر أم أن هذا الوفاء لم يحصل واقتصر على مبلغ سبعة آلاف وخمسمائة جنيه المنوه عنها في أسباب الحكم، وورد بأسباب هذا الحكم أن المحكمة تقضي بإلغاء الحكم المستأنف عن مبلغ 7500 ج وبرفض دعوى الطاعن ضد المطعون عليهما الأول والثاني بشأن هذا المبلغ وألزمت في الأسباب بنك مصر (المطعون عليه الثالث) بهذا المبلغ، وطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقيد الطعن برقم 106 لسنة 37 ق وبتاريخ 23/ 12/ 1969 قضت محكمة الاستئناف بإلزام المطعون عليهما الأولين متضامنين بأن يدفعا للطاعن مبلغ 2500 ج. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض أيضاً وقيد هذا الطعن برقم 111 لسنة 40 ق، وقدمت النيابة العامة مذكرة في الطعن الأول أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، ودفع المطعون عيه الأول في الطعن الثاني بعدم قبوله لانتفاء مصلحة الطاعن في رفعه، وأبدت النيابة العامة رأيها في هذا الطعن الأخير بعدم قبوله، وبالجلسة المحددة لنظر الطعنين قررت المحكمة ضمهما، وتمسكت النيابة العامة برأيها السابق عن الطعن رقم 106 لسنة 37 ق.
وحيث إن هذا الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقوم إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأنه أقام دعواه على المطعون عليهما الأولين وطلب الحكم عليهما متضامنين بالمبلغ المطالب به استناداً إلى التزامهما الوارد في عقد البيع الابتدائي المؤرخ 13/ 6/ 1961 الصادر من المطعون عليه الثاني إلى المطعون عليه الأول والمتضمن بيع مضرب الأرز المبين بالعقد، والذي كان الطاعن طرفاً فيه باعتباره محالاً له بالثمن وتضمنت الحوالة مسئولية البائع المحيل والمشتري المدين متضامنين قبل الطاعن عن هذا المبلغ، واستطرد الطاعن إلى القول إن المطعون عليه الأول قدم أيضاً خطاب ضمان صادراً من بنك مصر (المطعون عليه الثالث) بمبلغ 10000 ج لصالح الطاعن يستحق عند التوقيع على عقد البيع النهائي وينتهي أجله في 30/ 11/ 1961، وأن التزام المطعون عليه الثالث بمقتضى خطاب الضمان هذا يقوم إلى جانبه التزام المطعون عليهما الأولين وحدهما بأداء باقي الثمن، ومصدر هذا الالتزام عقد البيع الابتدائي سالف البيان وحوالة الحق الواردة فيه بباقي الثمن، غير أن الحكم المطعون فيه اعتبر أن قيام المطعون عليه الأول بدفع مبلغ 7500 ج لتغطية خطاب الضمان مبرئاً لذمة المطعون عليهما الأولين من هذا المبلغ، مع أن المطعون عليه الأول إنما قام بدفعه للمطعون عليه الثاني تنفيذاً للعلاقة التعاقدية بينهما في خصوص خطاب الضمان وتأميناً للمبلغ الصادر به، ولا يعتبر المطعون عليه الثالث (بنك مصر) وكيلاً في قبض هذا المبلغ، بل إنه قبضه لحساب نفسه مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أورد في خصوص المستندات المقدمة من المطعون عليه الأول قوله "وثابت من مطالعة حافظة مستندات المشتري (المطعون عليه الأول) والمستأنف في الاستئناف رقم 301/ 19 ق تجاري أنه سدد إلى بنك مصر (المطعون عليه الثالث) مبلغ سبعة آلاف جنيه، من ذلك مبلغ ألفين وخمسمائة جنيه بتاريخ 12/ 7/ 1961 ومبلغ خمسة آلاف جنيه بتاريخ 16/ 12/ 1961 وقد ذكر صراحة في كل من الإيصالين بأن المبلغ المسدد في كل منهما هو من خطاب الضمان، ورتب الحكم على ذلك قوله إن سداد (المطعون عليه الأول) هذا المبلغ إلى بنك مصر (المطعون عليه الثالث) من أصل قيمة خطاب الضمان مفروض فيه بداهة أنه لكي يقوم بنك مصر بالوفاء به لبنك القاهرة (الطاعن) وترتيباً على ذلك جميعه يكون بنك مصر دون غيره هو الملتزم فعلاً وقانوناً نفاذاً لخطاب الضمان ولعدم جواز إثرائه على حساب الغير بأن يؤدي إلى بنك القاهرة مبلغ سبعة آلاف وخمسمائة جنيه، ويكون الحكم المستأنف إذ قضى على خلاف ذلك قد خانه التوفيق وبذلك تصبح الدعوى قبل (المطعون عليه الأول) على غير أساس وبغير سند" ومفاد هذا الذي أورده الحكم أنه يترتب على قيام المطعون عليه بدفع المبلغ سالف البيان إلى بنك مصر (المطعون عليه الثالث) من قيمة خطاب الضمان يترتب عليه انقضاء التزامه والتزام المطعون عليه الثاني بهذا المبلغ قبل الطاعن والمؤسس على عقد البيع وحوالة الحق المشار إليهما. لما كان ذلك وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن خطاب الضمان وإن صدر تنفيذاً للعقد المبرم بين البنك والمدين المتعامل معه إلا أن علاقة البنك بالمستفيد الذي صدر خطاب الضمان لصالحه هي علاقة منفصلة عن علاقته بالعميل إذ يلتزم البنك وبمجرد إصداره خطاب الضمان ووصوله إلى المستفيد بوفاء المبلغ الذي يطالب به هذا الأخير باعتباره حقاً له يحكمه خطاب الضمان، ما دام هو في حدود التزام البنك المبين به، كما أن البنك مصدر خطاب الضمان، لا يعتبر وكيلاً عن العميل في الوفاء للمستفيد بقيمة خطاب الضمان، بل إن التزام البنك في هذا لحسابه التزام أصيل، ويترتب على ذلك أن ما يقوم العميل بدفعه للبنك لتغطية خطاب الضمان إنما هو تنفيذ وتأمين للعلاقة القائمة بين العميل والبنك وحدهما ولا صلة للمستفيد بها، وللبنك أن يصدر خطاب الضمان بغطاء مالي أو دون غطاء أو بضمان رهن في حدود المعاملات القائمة بين العميل والبنك، وهو الذي يقدر وحده مصلحته في كيفية تغطية خطاب الضمان، وإذ كان الطاعن يؤسس مطالبته المطعون عليهما الأولين متضامنين بباقي ثمن مضرب الأرز المبيع من المطعون عليه الثاني إلى المطعون عليه الأول على عقد البيع المؤرخ 13/ 6/ 1961 والطاعن طرف فيه باعتبار أنه محال إليه بالثمن من البائع، كما أنه وارد في هذا العقد أن كلاً من المطعون عليه الأول والثاني - وعلى ما أورده الحكم المطعون فيه - متضامن بوفاء هذا الثمن قبل الطاعن، وإذ كانت هذه العلاقة التعاقدية أصيلة وقائمة بذاتها تجيز للطاعن الرجوع بمقتضاها على المطعون عليهما الأولين وحدهما بالحقوق الواردة في العقد سالف البيان وهو مصدر للالتزامات الواردة فيه، وكان الحكم المطعون فيه وعلى ما سلف البيان قد أثبت أن ما دفع من المطعون عليه الأول إلى بنك مصر (المطعون عليه الثالث) إنما كان لتغطية خطاب الضمان، وإذ رتب الحكم على ذلك أنه لا حق للطاعن في الرجوع على المطعون عليهما على النحو السالف فإن الحكم يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يقتضي نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
عن الطعن رقم 111 لسنة 40 ق:
حيث إن المطعون عليه الأول والنيابة العامة دفعا بعدم قبول الطعن لانتفاء مصلحة الطاعن في رفعه تأسيساً على أن الحكم الصادر بتاريخ 27/ 12/ 1966 وقد قضى برفض دعوى الطاعن قبل المطعون عليهما الأول والثاني عن مبلغ 7500 ج فقد أصبح الجزء الذي لم يفصل فيه من محكمة الاستئناف وكأنه دعوى منفصلة عن الذي تم الفصل فيه، وأنه إذ قضى للطاعن بالحكم محل الطعن الحالي بالمبلغ الباقي، فلا مصلحة له في الطعن على الحكم في هذا الخصوص.
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أنه لما كان يترتب على نقض الحكم المطعون فيه عودة الخصومة إلى ما كانت عليه قبل صدور الحكم المنقوض، ويعود الخصوم إلى مراكزهم الأولى قبل ذلك، وتلك نتيجة ضرورية تترتب على صدور الحكم بالنقض صرح بها هذا الحكم أو لم يصرح، ولما كان الحكم المطعون فيه في الطعن الحالي وعلى ما هو وارد في أسبابه مترتباً على الحكم المنقوض في الطعن رقم 106 لسنة 37 ق فإن الدفع بعدم قبول الطعن يكون في غير محله، ولما تقدم يتعين نقض الحكم الصادر بتاريخ 23 ديسمبر سنة 1969.