أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الثاني - السنة 34 - صـ 979

جلسة 23 من نوفمبر سنة 1983

برئاسة السيد المستشار/ محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم حسين رضوان، محمد ممدوح سالم، محمد رفيق البسطويسي وفتحي خليفة.

(197)
الطعن رقم 1517 لسنة 53 القضائية

(1) إجراءات "إجراءات المحاكمة". تحقيق "تحقيق بمعرفة المحكمة". محكمة الجنايات "الإجراءات أمامها". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". إثبات "شهود". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
المحاكمات الجنائية قيامها على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة في مواجهة المتهم وتسمع فيه الشهود. سواء لإثبات التهمة أو لنفيها. تحديد القانون إجراءات إعلان المتهم من يرى سماعهم من الشهود. لم يقصد به الإخلال بهذه الأسس.
شهود الواقعة. على المحكمة إجابة طلب سماعهم ولو لم يذكروا في قائمة شهود الإثبات وسواء أعلنهم المتهم أو لم يعلنهم. أساس ذلك؟
عدم إجابة طلب الدفاع سماع أحد الشهود أو الرد عليه على الرغم من اتصال الواقعة المطلوب سماعه عنها بواقعة الدعوى. ولزوم سماعه للفصل فيها. يعيب الحكم.
(2) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". إجراءات "إجراءات المحاكمة". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها". اختلاس. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". تحقيق "التحقيق بمعرفة المحكمة".
طلب المتهم بالاختلاس إجراء المضاهاة بين توقيعه وما هو منسوب إليه من توقيعات دفاع جوهري. رفض المحكمة له إخلال بحق الدفاع.
1 - لما كان القانون حين رسم الطريق الذي يتبعه المتهم في إعلان الشهود الذين يرى مصلحته في سماعهم أمام محكمة الجنايات لم يقصد بذلك إلى الإخلال بالأسس الجوهرية للمحاكمات الجنائية والتي تقوم على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بجلسة المحاكمة في مواجهة المتهم وتسمع فيه الشهود سواء لإثبات التهمة أو لنفيها ما دام سماعهم ممكناً ثم تجمع بين ما تستخلصه من شهادتهم وبين عناصر الاستدلال الأخرى في الدعوى المطروحة على بساط البحث لتكون من هذا المجموع عقيدتها في الدعوى، فقد كان يتعين إجابة الدفاع إلى طلبه سماع شهود الواقعة ولو لم يرد لهم ذكر في قائمة شهود الإثبات أو يقم المتهم بإعلانهم لأنهم لا يعتبرون شهود نفي بمعنى الكلمة حتى يلتزم بإعلانهم، ولأن المحكمة هي الملاذ الأخير الذي يتعين أن ينفسخ لتحقيق الواقعة وتقصيها على الوجه الصحيح غير مقيدة في ذلك بتصرف النيابة العامة فيما تبينه في قائمة شهود الإثبات أو تسقطه من أسماء الشهود الذين عاينوا الواقعة أو يمكن أن يكونوا عاينوها وإلا انتفت الجدية في المحاكمة وانغلق باب الدفاع في وجه طارقه بغير حق، وهو ما تأباه العدالة أشد الإباء، لما كان ذلك وكانت الواقعة التي طلب الطاعن سماع الشهود عنها متصلة بواقعة الدعوى ظاهرة التعلق بموضوعها، وكان سماعهم لازماً للفصل فيها، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإدانة الطاعن دون الاستجابة إلى طلب سماع المزارعين الذين نسب إليه تزوير توقيعاتهم يكون قد أخل بحق الطاعن في الدفاع.
2 - لما كان طلب الطاعن إجراء المضاهاة يعد - في صورة الدعوى المطروحة - دفاعاً جوهرياً لتعلقه بتحقيق الدليل المقدم في الدعوى ويترتب عليه - لو صح - تغيير وجه الرأي فيها، وإذ لم تقسطه المحكمة حقه وتعن بتحقيقه بلوغاً إلى غاية الأمر فيه، واقتصرت في هذا الشأن على ما أوردته في حكمها لإطراح ذلك الدفاع من أسباب لا تؤدي إلى النتيجة التي ترتبت عليها، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالإخلال بحق الدفاع من هذه الناحية أيضاً بما يستوجب نقضه والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أولاً: بصفته موظفاً عمومياً ومن الأمناء على الودائع "كاتب وأمين مخزن وأمين خزينتي الجمعيتين التعاونيتين الزراعيتين بناحيتي بهرمس والسبيل" اختلس النقود والأسمدة والتقاوي والمبيدات والمهمات المبينة بالتحقيقات والبالغ مجموع قيمتها 24878.576 ج والتي كانت قد سلمت إليه بسبب وظيفته وأؤتمن عليها لصرفها للزراع أو لاستخدامها في أغراض الجمعيتين فاختلسها لنفسه. ثانياً: بصفته سالفة الذكر ارتكب أثناء تأدية وظيفته تزويراً في الأوراق والسجلات الرسمية المبينة بالتحقيقات والخاصة بالجمعيتين التعاونيتين الزراعيتين المشار إليهما وكان ذلك بوضع إمضاءات وأختام مزورة وبتغيير المحررات في بعضها وحال تحرير بعضها الآخر المختص بوظيفته بجعله وقائع مزورة في صورة وقائع صحيحة مع علمه بتزويرها بأن قام بإجراء تغيير بالزيادة في بيان كميات مستلزمات الإنتاج المثبت أصلاً صرفها للزراع بالاستمارات رقم 12 زراعة ثم أثبت تلك البيانات المزورة بالاستمارات رقم 9 مكرر جمعيات المرسلة لفرع بنك التسليف الزراعي والتعاوني بإمبابة وأيضاً في خانة المنصرف. بدفتر المخازن وكذلك قام بوضع أختام وتوقيعات نسبتها زوراً إلى بعض الزراع على الاستمارات رقم 6 أ ورقم 6 تسويق الخاصة بإثبات صرف أثمان القطن لهؤلاء الزراع ليثبت على خلاف الحقيقة أنهم تسلموا ما يخصهم من مبالغ وذلك لتغطية الاختلاس موضوع التهمة الأولى. ثالثاً: استعمل الاستمارات المزورة سالفة الذكر رقم 9 مكرر جمعيات ورقم 6 أ ورقم 6 تسويق مع علمه بتزويرها بأن بعث بها إلى فرع بنك التسليف الزراعي والتعاوني بإمبابة لخصم مستلزمات الإنتاج المثبت بالاستمارات الأولى صرفها على خلاف الحقيقة للزراع التي من رصيد عهدته ولإثبات صرفه للزراع على خلاف الواقع أثمان القطن متى صدرت بموجبها الاستمارات الثانية والثالثة. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة فقرر ذلك. ومحكمة جنايات أمن الدولة العليا بالجيزة قضت حضورياً عملاً بالمواد 112 -، 1، 2، 118، 213، 214 من قانون العقوبات والمادة 29 من القانون رقم 51 لسنة 1969 بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وعزله من وظيفته وبتغريمه مبلغ 24878.576 ج وإلزامه برد مثل هذا المبلغ.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم اختلاس وتزوير في محررات رسمية واستعمالها قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأن المدافع عنه طلب سماع أقوال المزارعين الذين قيل إن توقيعاتهم مزورة وتنفيذ الحكم الصادر من المحكمة بهيئة أخرى بجلسة 7 - 1 - 1978 بإجراء المضاهاة على التوقيع المنسوب إليه بالتحقيق الإداري الذي عزى إليه الاعتراف فيه وعلى الأوراق الأخرى التي نسب إليه تزويرها، إلا أن المحكمة التفتت عن هذا الطلب وردت عليه برد غير سائغ، مما يعيب حكمها ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مجمله أنه نتيجة لفحص ومراجعة عهدة الطاعن في الجمعيتين الزراعيتين اللتين يعمل بهما كاتباً وأمين مخازن وأمين خزينة في المدة من 15 - 9 - 1967 وحتى نهاية أكتوبر سنة 1969 تبين للجنة المشكلة لهذا الغرض اختلاسه مبلغ 24878.576 ج عبارة عن نقود وأسمدة وتقاوي ومبيدات ومهمات مسلمة إليه بسبب وظيفته، وفي سبيل التوصل إلى الاختلاس ارتكب تزويراً في أوراق رسمية بأن قام بإجراء تغيير بالزيادة في بيان كميات مستلزمات الإنتاج التي قام بصرفها للزراع ووضع أختام وتوقيعات نسبها زوراً إلى بعض الزراع بإثبات صرفه أثمان القطن لهم على خلاف الحقيقة واستعمل الاستمارات المزورة - مع علمه بتزويرها بأن بعث بها إلى فرع بنك التسليف الزراعي والتعاوني لخصم مستلزمات الإنتاج من رصيد عهدته ولإثبات صرف الزراع أثمان القطن على خلاف الحقيقة، وبعد أن أورد الحكم الأدلة على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعن مستمدة من أقوال رئيسه وأعضاء لجنة الجرد ومن تقرير مكتب خبراء وزارة العدل، أشار إلى اعتراف الطاعن بالتحقيقات وإنكاره بالجلسة وأن الدفاع عنه قدم مذكرة بدفاعه، وقد عرض الحكم لدفاع الطاعن وأطرحه بقوله "وحيث إن المحكمة تطمئن إلى تقرير الخبير وتأخذ به لصراحته ووضوحه ولبنائه على أسس قانونية وحسابية سليمة وأن الدليل قبل المتهم ثابت من اعترافه بالتحقيقات ومما جاء بتقرير الخبير الأمر الذي ترى معه المحكمة الأخذ بما جاء بنتيجته النهائية والالتفات عن طلبات المتهم بإعادة الأوراق لمكتب الخبراء وطلب مستندات أو سماع أقوال المزارعين أو إجراء مضاهاة لأنها من قبيل الدفاع الموضوعي لأن المتهم قد وقع إقراراً يعترف فيه بالعجز المنسوب إليه لما كان ذلك، وكان الحكم قد صادر الطاعن في دفاعه المشار إليه بدعوى أنه اعترف بالتحقيقات وأنه وقع إقراراً يعترف فيه بالعجز مع أن الثابت من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أن الطاعن لم يعترف بمحضر تحقيق النيابة وأنكر أنه سئل في التحقيق الإداري، وطلب في المذكرة التي تقدم بها في جلسة المحاكمة مضاهاة التوقيع المنسوب إليه على محضر التحقيق الإداري المذكور مما كان يقتضي من المحكمة قبل أن تعول على الاعتراف الوارد في التحقيق الإداري أن تتحقق من صدوره من الطاعن وأنه يطابق الحقيقة، كما أن الإقرار بالعجز لا يعد اعترافاً بالاختلاس. ولما كان القانون حين رسم الطريق الذي يتبعه المتهم في إعلان الشهود الذين يرى مصلحته في سماعهم أمام محكمة الجنايات لم يقصد بذلك إلى الإخلال بالأسس الجوهرية للمحاكمات الجنائية والتي تقوم على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بجلسة المحاكمة في مواجهة المتهم وتسمع فيه الشهود سواء لإثبات التهمة أو لنفيها ما دام سماعهم ممكناً ثم تجمع بين ما تستخلصه من شهادتهم وبين عناصر الاستدلال الأخرى في الدعوى المطروحة على بساط البحث لتكون من هذا المجموع عقيدتها في الدعوى، فقد كان يتعين إجابة الدفاع إلى طلبه سماع شهود الواقعة ولو لم يرد لهم ذكر في قائمة شهود الإثبات أو يقم المتهم بإعلانهم لأنهم لا يعتبرون شهود نفي بمعنى الكلمة حتى يلتزم بإعلانهم، ولأن المحكمة هي الملاذ الأخير الذي يتعين أن ينفسخ لتحقيق الواقعة وتقصيها على الوجه الصحيح غير مقيدة في ذلك بتصرف النيابة العامة فيما تبينه في قائمة شهود الإثبات أو تسقطه من أسماء الشهود الذين عاينوا الواقعة أو يمكن أن يكونوا عاينوها وإلا انتفت الجدية في المحاكمة وانغلق باب الدفاع في وجه طارقه بغير حق، وهو ما تأباه العدالة أشد الإباء لما كان ذلك وكانت الواقعة التي طلب الطاعن سماع الشهود عنها متصلة بواقعة الدعوى ظاهرة التعلق بموضوعها، وكان سماعهم لازماً للفصل فيها، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإدانة الطاعن دون الاستجابة إلى طلب سماع المزارعين الذين نسب إليه تزوير توقيعاتهم يكون قد أخل بحق الطاعن في الدفاع هذا فضلاً عن أنه لما كان طلب الطاعن إجراء المضاهاة يعد - في صورة الدعوى المطروحة - دفاعاً جوهرياً لتعلقه بتحقيق الدليل المقدم في الدعوى ويترتب عليه - لو صح - تغيير وجه الرأي فيها، وإذ لم تقسطه المحكمة حقه وتعن بتحقيقه بلوغاً إلى غاية الأمر فيه، واقتصرت في هذا الشأن على ما أوردته في حكمها لإطراح ذلك الدفاع من أسباب لا تؤدي إلى النتيجة التي ترتبت عليها، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالإخلال بحق الدفاع من هذه الناحية أيضاً بما يستوجب نقضه والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.