أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 23 - صـ 407

جلسة 14 من مارس سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ بطرس زغلول نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام، وعدلي مصطفى بغدادي، ومحمود السيد عمر المصري.

(64)
الطعن رقم 202 لسنة 37 القضائية

( أ ) محضر. معاون مالية. جمع استدلالات. إثبات. طرق الإثبات القرائن: القرائن القضائية. محكمة الموضوع. سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل.
محضر معاون المالية باعتباره محضر جمع استدلالات يخضع تمحيصه والتيقن منه لتقدير قاضي الموضوع.
(ب) إثبات: طرق الإثبات: الكتابة. الأوراق الرسمية. محضر. محضر جمع استدلالات. معاون مالية.
ليس لمحضر معاون المالية، باعتباره محضر جمع استدلالات الحجية المطلقة لبيانات الورقة الرسمية. خضوعه للمناقشة والتمحيص وقابليته لإثبات العكس بكافة الطرق دون الطعن بالتزوير.
(ج) محكمة الموضوع. سلطة محكمة الموضوع. في تقدير الدليل. محضر. محضر معاون المالية. محضر جمع استدلالات.
مناقشة الحكم لما تضمنته محاضر معاون المالية باعتباره محضر جمع استدلالات في حدود سلطته الموضوعية في تقدير الدليل صحيح.
(د) أموال. أموال عامة. سلطة الدولة في استعمالها.
سلطة الدولة في استعمال واستثمار الأموال العامة تجرى وفقاً للقانون العام.
(هـ) أموال. أموال عامة. سلطة الدولة في استعمالها، ترخيص. الترخيص بالانتفاع بالأموال العامة. رسم ترخيص. إجازة.
الترخيص للأفراد باستعمال الأموال العامة مقابل رسم لا يجعله عقد إيجار.
(و) اختصاص. اختصاص ولائي. اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري. عقد. عقد إداري.
اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره بالفصل في المنازعات الخاصة بعقود الالتزام والأشغال العامة والتوريد أو أي عقد إداري آخر. مثال.
1 - لا يعدو المحضر الذي يحرره معاون المالية أن يكون من قبيل محاضر جمع الاستدلال، يخضع تمحيصه والتيقن منه لتقدير القاضي الذي يطرح عليه النزاع.
2 - ما تتضمنه محاضر جمع الاستدلالات، ومنها المحاضر التي يحررها معاون المالية من بيانات وإقرارات، لا يكون لها الحجية المطلقة التي أسبغها القانون على البيانات التي أعدت لها الورقة الرسمية، وإنما تكون خاضعة للمناقشة والتمحيص، وقابلة لإثبات عكسها بكافة الطرق دون حاجة لسلوك طريق الطعن بالتزوير.
3 - متى كان الحكم المطعون فيه، وفي حدود تقديره للدليل قد ناقش أقوال أحد الخصوم في محضر من محاضر جمع الاستدلالات - محضر معاون مالية - وانتهى الحكم في حدود سلطته الموضوعية إلى أن هذا المحضر، لا يكفي في إثبات ما ادعاه خصومه، وكان هذا الذي استخلصه الحكم سائغاً، ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، من إطراح تلك الأقوال، فإن مجادلة هؤلاء الخصوم في هذا الشأن، لا تعدو أن تكون طعناً على سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل، ويكون النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون لهذا السبب على غير أساس.
4 - للدولة على الأموال العامة حق استعمالها واستثمارها، ويجرى ذلك وفقاً لأوضاع وإجراءات القانون العام.
5 - من المقرر في قضاء محكمة النقض، أن تصرف السلطة الإدارية في الأموال العامة لانتفاع الأفراد بها لا يكون إلا على سبيل الترخيص، وهذا يعتبر بذاته، وبطبيعته مؤقتاً، وغير ملزم للسلطة العامة التي لها دائماً لداعي المصلحة العامة الحق في إلغائه، والرجوع فيه قبل حلول أجله، ثم هو - عدا ذلك - خاضع لحكم الشروط والقيود الواردة فيه، وإعطاء الترخيص ورفضه والرجوع فيه، كل أولئك أعمال إدارية، يحكمها القانون العام، وكون الترخيص يصرف مقابل رسم يدفع لا يخرجه من طبيعته تلك، ولا يجعله عقد إيجار.
6 - إذا كانت المادة العاشرة من القانون رقم 165 سنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة تقضي بأن يفصل مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره في المنازعات الخاصة بعقود الالتزام، والأشغال العامة والتوريد، أو أي عقد إداري آخر، فإن الاختصاص بنظر دعوى تعويض مقامة على جهة الإدارة من متعاقد معها، لمنعها إياه من استخراج ونقل رمال مصرح له بها، مقابل مبلغ من المال - والمرفوعة في ظل هذا القانون - يكون معقوداً لجهة القضاء الإداري، دون جهة القضاء العادي.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن الأول وزير الخزانة بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الأموال المقررة أقام الدعوى رقم 48 سنة 1956 مدني مركز المنصورة والتي أحيلت إلى محكمة المنصورة الكلية للارتباط، وقيدت برقم 43 سنة 1958 مدني كلي المنصورة، طلب فيها الحكم ضد المطعون ضدهما الأول والثاني بأن يدفعا له متضامنين مبلغ 1153 ج و514 م، وقال شرحاً لدعواه إن المطعون ضده الأول استأجر من مصلحة الأموال المقررة بمقتضى العقد المؤرخ 7/ 9/ 1954 قطعة أرض مساحتها 36 ف و2 ط و6 س لمدة ثلاث سنوات، ونص في البند الثاني عشر منه على أنه لا يجوز للمستأجر إحداث أي عمل من شأنه أن يبخس قيمة الأطيان أو ينقص من إنتاجها، كما نص في البندين السادس عشر والسابع عشر على التزام المستأجر بمنع أي تعد على تلك الأطيان، وإذ أخل المطعون ضده الأول بالتزامه بأن سمح للمطعون ضده الثاني بأخذ رمال من الأرض المؤجرة قيمتها 1153 ج و514 م بواقع ثمن المتر المكعب 100 قرش، فقد أقام الطاعن الأول بصفته دعواه بالمطالبة بهذا المبلغ، كما أقام المطعون ضده الأول الدعوى رقم 293 سنة 1956 مدني كلي المنصورة ضد الطاعنين والمطعون ضدهم عدا الثاني وطلب إلزامهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 3000 ج، ثم قصر دعواه على الطاعنين، وقال شرحاً لها إن مصلحة الأموال المقررة فسخت بإرادتها المنفردة عقد الإيجار سالف البيان المحرر بينها وبينه قبل انتهاء مدته بمقولة إنه أخل بشروط العقد وسمح للمطعون ضده الثاني بأخذ رمال منها، وهو أمر كذبه ما أسفر عنه تحقيق الشكاوى الكيدية التي تقدم بها باقي المطعون ضدهم كما كذبهم تقرير الخبير المقدم في دعوى إثبات الحالة المقامة منه رقم 161 سنة 1955 مستعجل بندر المنصورة، وإذ طرد من العين المؤجرة قبل انتهاء مدة الإيجار، فقد أقام دعواه بطلباته سالفة البيان باعتبار المبلغ المطلوب تعويضاً عن فسخ العقد، وكذلك أقام المطعون ضده الثاني الدعوى رقم 187 سنة 1956 مدني كلي المنصورة ضد الطاعنين والمطعون ضدهم عدا الأول يطلب الحكم بإلزامهم متضامنين بمبلغ 6000 ج، وقال شرحاً لدعواه إنه تعاقد مع مصلحة الثروة المعدنية على استخراج ونقل رمال من المنطقة المبينة بصحيفة الدعوى لمدة تبدأ من 23/ 1/ 1955 وتنتهي في 15/ 8/ 1955 مقابل مبلغ 900 ج، وقال المطعون ضده الثاني إن مديرية الدقهلية قد منعته من استخراج الرمال اعتباراً من 31/ 3/ 1955، وجاء هذا الإجراء نتيجة لشكاوى من المطعون ضدهم من الثالث للأخير بدعوى أنه يأخذ رمالاً من الأرض المؤجرة للمطعون ضده الأول من مصلحة الأموال المقررة، وقد ثبت كيدية هذه الشكاوى وعدم صحتها من تقرير خبير قضية إثبات الحالة رقم 161 سنة 1955 مستعجل بندر المنصورة، وقدر المطعون ضده الثاني المبلغ المطالب به كتعويض عما أصابه من ضرر نتيجة عدم تنفيذ العقد. دفع الطاعنون بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر هذه الدعوى لأن النزاع يدور حول عقد إداري يختص به القضاء الإداري، وبعد أن قررت المحكمة ضم هذه الدعاوى الثلاث، قضت بتاريخ 5/ 1/ 1960 برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى رقم 187 سنة 1956 مدني كلي المنصورة وباختصاصها بنظرها، وقبل الفصل في الموضوع بندب مكتب خبراء وزارة العدل بالمنصورة لتحقيق دفاع الطرفين، وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت بجلسة 25/ 2/ 1964 برفض الدعوى رقم 43 سنة 1958 مدني كلي المنصورة وفي الدعويين 187، 293 سنة 1956 مدني كلي المنصورة بندب الخبير الزراعي بمكتب خبراء وزارة العدل بالدقهلية لبيان مدى ما كان ممكناً أن يعود على كل من المطعون ضدهما الأول والثاني من أرباح فيما لو استمرا في تنفيذ عقدي الإيجار المبرمين معهما خلال المدة المحددة لكل عقد وفي الظروف العادية. استأنف الطاعنون هذا الحكم وقيد الاستئناف برقم 148 سنة 16 ق استئناف المنصورة، وبتاريخ 8/ 2/ 1967 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن بني على سببين حاصل أولهما مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون ويقول الطاعنون في بيان ذلك إن الحكم أهدر حجية الإقرار الصادر من المطعون عليه الأول بمحضر التحقيق الذي أجراه معاون مالية مركز المنصورة في الشكوى المقدمة ضد المطعون عليه الأول، إذ قرر أنه لا ينقل رمالاً من الأرض الصالحة للزراعة وإنما ينقلها من الأرض البور فقط، ويقول الطاعنون إن محضر تحقيق معاون المالية هذا هو ورقة رسمية، وكان على الحكم المطعون فيه أن يتقيد بما جاء فيها باعتبار أن حجيتها لا تدفع إلا بإثبات تزويرها، أو بإثبات عكسها بالنسبة للبيانات التي تلحقها صفة الرسمية، فضلاً عن أن الخبير لم يثبت في محضره ما يخالف ما جاء بهذا الإقرار ولا يجدي المطعون ضده الأول إنكار ذلك مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المحضر الذي يحرره معاون المالية لا يعدو أن يكون من قبيل محاضر جمع الاستدلالات يخضع تمحيصها والتيقين منها لتقدير القاضي الذي يطرح عليه النزاع، لما كان ذلك وكانت ما تتضمنه تلك المحاضر من بيانات وإقرارات لا يكون لها الحجية المطلقة التي أسبغها القانون على البيانات التي أعدت لها الورقة الرسمية، وإنما تكون خاضعة للمناقشة والتمحيص وقابلة لإثبات عكسها بكافة الطرق دون حاجة لسلوك طريق الطعن بالتزوير، وكان الحكم المطعون فيه وفي حدود تقديره للدليل قد ناقش أقوال المطعون عليه الأول في المحضر سالف البيان، وانتهى الحكم في حدود سلطته الموضوعية إلى أن هذا المحضر لا يكفي في إثبات ما ادعاه الطاعنون وذلك في قوله "إن أقوال المستأنف عليه الأول (المطعون عليه الأول) في التحقيقات المشار إليها في مجموعها أبعد من أن توصف بأنها إقرار بوقوع المخالفة منه ولا أدل على عدم الاطمئنان إلى هذه الأقوال وإلى كل ما ثبت من تلك التحقيقات أن المحقق رغم أنه يشير في محضره إلى مشاهدة عملية نقل الرمال، لم يحرك ساكناً ولم يتخذ أي إجراء للحيلولة دون استمرار تلك العملية والتي يصفها بأنها عملية غير مسموح بها لإحداثها أضراراً بالأرض، وهو الأمر الذي ترجح معه كفة تقرير الخبير فيما انتهى إليه"، ولما كان هذا الذي استخلصه الحكم سائغاً ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها من إطراح تلك الأقوال، فإن مجادلة الطاعنين في هذا الشأن لا تعدو أن تكون طعناً على سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل، ويكون النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني من الطعن مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون برفضه الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى رقم 187 سنة 1956 مدني كلي المنصورة، وفي هذا يقول الطاعنون إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد رفض الدفع تأسيساً على أن العقد المؤرخ 23/ 1/ 1955 هو من العقود المدنية وليس من العقود الإدارية، في حين أن هذا العقد عقد إداري، ذلك أن انتفاع الأفراد بالأموال العامة لا يكون إلا على سبيل الترخيص، ورفض هذا الترخيص والرجوع فيه يعتبر من الأعمال الإدارية التي تختص محكمة القضاء الإداري بكافة المنازعات الناشئة عنها طبقاً للقانون رقم 165 سنة 1955 مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إنه يبين من الحكم الابتدائي الصادر بتاريخ 5/ 1/ 1960 الذي قضى برفض الدفع بعدم اختصاص جهة القضاء العادي بنظر الدعوى والذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه أنه ورد في بيان التعاقد الذي تم بين الطاعن الثاني وبين المطعون عليه الثالث قوله "إن هذا العقد لا يعدو أن يكون عقد إيجار لقطعة أرض من أملاك الدولة العامة لمدة معينة لرفع بعض الرمال منها". لما كان ذلك وكان للدولة على الأموال العامة حق استعمالها واستثمارها ويجرى ذلك وفقاً لأوضاع وإجراءات القانون العام، وإذ كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تصرف السلطة الإدارية في الأموال العامة لانتفاع الأفراد بها لا يكون إلا على سبيل الترخيص، وهذا يعتبر بذاته وبطبيعته مؤقتاً وغير ملزم للسلطة العامة التي لها دائماً لداعي المصلحة العامة الحق في إلغائه والرجوع فيه قبل حلول أجله ثم هو - عدا ذلك - خاضع لحكم الشروط والقيود الواردة فيه، وإعطاء الترخيص ورفضه والرجوع فيه كل أولئك أعمال إدارية يحكمها القانون العام وكون الترخيص يصرف مقابل رسم يدفع لا يخرجه من طبيعته تلك ولا يجعله عقد إيجار. لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه وعلى ما سلف البيان أن المطعون عليه الثاني إنما ينتفع بالمال العام، فإن هذا الانتفاع وعلى ما أورده الحكم المطعون فيه يعتبر من الأعمال الإدارية بحكم القانون العام، وإذ تقضي المادة العاشرة من القانون رقم 165 سنة 1955 - في شأن تنظيم مجلس الدولة - بأن يفصل مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره في المنازعات الخاصة بعقود الالتزام والأشغال العامة والتوريد أو أي عقد إداري آخر، فإن الاختصاص بنظر الدعوى رقم 187 سنة 56 مدني كلي المنصورة المرفوعة في ظل هذا القانون يكون معقوداً لجهة القضاء الإداري دون جهة القضاء العادي، مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه الصادر في الدعوى رقم 187 سنة 56 مدني كلي المنصورة والقضاء بعدم اختصاص جهة القضاء العادي بنظر هذه الدعوى.