أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الثاني - السنة 34 - صـ 1006

جلسة 29 من نوفمبر سنة 1983

برئاسة السيد المستشار/ محمد عبد العزيز الجندي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: قيس الرأي عطية، محمد أحمد حمدي، أحمد محمود هيكل نواب رئيس المحكمة ومحمد عبد المنعم البنا.

(203)
الطعن رقم 1770 لسنة 53 القضائية

رشوة "الوساطة فيها". جريمة "أركانها". قصد جنائي. قانون "تفسيره". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
جريمة المادة 109 مكرراً ثانياً عقوبات. الغرض منها. تجرم الأفعال التي لا تجاوز عرض أو قبول الوساطة في رشوة. ولا تبلغ حد الاشتراك أو الشروع فيها. ولا يؤثمها نص آخر.
ما يلزم لقيام تلك الجريمة. إتيان الجاني فعله في المهد الأول للرشوة وهو عليم بوجود حقيقي لموظف عام أو من في حكمه وبوجود عمل حقيقي أو مزعوم: أو مبني على اعتقاد خاطئ لهذا الموظف يراد منه أداؤه أو الامتناع عنه. وبوجود حقيقي لصاحب حاجة لهذا العمل. وأن تتجه إرادة الجاني في الحقيقة وليس بمجرد الزعم إلى إتيان فعل عرض الرشوة أو قبول الوساطة فيها.
عدم جواز القياس أو التوسع في تفسير القانون العقابي.
دفاع الطاعنين في جريمة الوساطة في رشوة بعد انصراف قصدهما إلى الاتصال بالطرف الآخر المزمع إرشائه. جوهري. الالتفات عنه. قصور.
لما كان المشرع قد تغيا من الجريمة المنصوص عليها في المادة 109 مكرراً ثانياً - المطبقة في الدعوى - تجريم الأفعال التي لا تجاوز عرض أو قبول الوساطة في رشوة والتي لا تبلغ حد الاشتراك في رشوة أو في شروع فيها والتي لا يؤثمها نص آخر، وذلك للقضاء على سماسرة الرشوة ودعاتها، إلا أنه وقد قرن الشارع الأفعال المادية المكونة لها بجريمة الرشوة بقوله "كل من عرض أو قبل الوساطة في رشوة، فإنه لا قيام لهذه الجريمة المستحدثة إلا إذا كان عرض الوساطة أو قبولها إنما كان في جريمة من جرائم الرشوة التي انتظمها وحدد عناصرها ومقوماتها الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون العقوبات الخاص بالرشوة، ما دام أن مدلول النص هو الإحالة بالضرورة - في بيان المقصود بالرشوة وفي تحديد الأركان التي يلزم تحققها لقيام أي جريمة منها - إلى أحكام المادة 103 وما بعدها من هذا القانون. لما كان ذلك، فقد لزم لقيام تلك الجريمة المستحدثة أن يأتي الجاني فعله في المهد الأول للرشوة وهو عليم بوجود حقيقي لموظف عام أو من في حكمه، وبوجود عمل حقيقي أو مزعوم أو مبني على اعتقاد خاطئ لهذا الموظف يراد منه أداؤه أو الامتناع عنه، وبوجود حقيقي لصاحب حاجة لهذا العمل ويلزم فوق ذلك أن تكون إرادة الجاني - على هذا الأساس - قد اتجهت في الحقيقة وليس بمجرد الزعم إلى إتيان فعل عرض الرشوة أو قبول الوساطة فيها، ذلك بأنه لو أراد الشارع من التأثيم في هذه الجريمة إلى مجرد الزعم، لعمد إلى الإفصاح عن ذلك في صراحة، على غرار سنته في المادة 104 مكرراً من تأثيمه زعم الموظف أن العمل من أعمال وظيفته، وليس يجوز القياس أو التوسع في التفسير، لأنه في مجال التأثيم محظور، لما كان ذلك، وكان الدفاع المبدى من الطاعنين والمؤسس على أن قصدهما لم ينصرف البتة إلى الاتصال بالطرف الآخر المزمع إرشائه في شأنه لو صح أن يؤدي إلى انتفاء القصد الجنائي للجريمة. وكان الحكم المطعون فيه لم يقسط هذا الدفاع الجوهري حقه في البحث فإنه يكون مشوباً بالقصور الذي يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على واقعة الدعوى كما صار إثباتها في الحكم، مما يعيبه ويوجب نقضه والإحالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين في قضية الجناية رقم 975 لسنة 1982 كرموز بأنهما عرضا الوساطة في رشوة موظفين عموميين للإخلال بواجبات وظائفهم ولم يتعد عملهما عرض الوساطة في الرشوة وذلك بأن طلبا من.... مبلغ أربعين جنيهاً لتقديمه على سبيل الرشوة للمختصين.. مقابل تغيير نتيجة التحليل حالة كونهما موظفين عموميين وأحيل المتهمان إلى محكمة أمن الدولة العليا لمحاكمتهما بالمواد 103، 104، 105 مكرراً، 109 مكرراً ثانياً من قانون العقوبات المعدل بالقانون 69 لسنة 1953 و120 لسنة 1962. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمهما ألفي جنيه ومصادرة مبلغ الرشوة.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بتهمة عرض الوساطة في رشوة قد شابه قصور في التسبيب، ذلك أن الطاعنين دفعا بانتفاء القصد الجنائي لديهما لورود خطاب من قسم المعامل بالمديرية الصحية في 11 - 3 - 1982 بأن عينة اللبن التي أخذت من المجني عليه وجدت سليمة ومطابقة، وإذا كانت واقعة الوساطة في رشوة المسندة إليهما قد وقعت يوم 22 - 3 - 1982، فيستحيل أن تكون إرادتهما قد انصرفت إلى التوسط في رشوة موظفي قسم المعامل لتغيير نتيجة تحليل العينة لصالح المجني عليه، ورد الحكم على الدفع بما لا يصلح رداً مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن ألمح إلى واقعة الاتهام وأدلتها عرض لدفاع الطاعنين بانتفاء القصد الجنائي لديهما ورد عليه بقوله "وأما عن توافر الجريمة المسندة إلى المتهمين فثابتة في حقهما ولا يقدح في ذلك أن نتيجة العينة وجدت مطابقة وسليمة". لما كان ذلك، وكان المشرع قد تغيا من الجريمة المنصوص عليها في المادة 109 مكرراً ثانياً - المطبقة في الدعوى - تجريم الأفعال التي لا تجاوز عرض أو قبول الوساطة في رشوة والتي لا تبلغ حد الاشتراك في رشوة أو في شروع فيها والتي لا يؤثمها نص آخر، وذلك للقضاء على سماسرة الرشوة ودعاتها، إلا أنه وقد قرن الشارع الأفعال المادية المكونة لها بجريمة الرشوة بقوله "كل من عرض أو قبل الوساطة في رشوة، فإنه لا قيام لهذه الجريمة المستحدثة إلا إذا كان عرض الوساطة أو قبولها إنما كان في جريمة من جرائم الرشوة التي انتظمها وحدد عناصرها ومقوماتها الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون العقوبات الخاص بالرشوة، ما دام أن مدلول النص هو الإحالة بالضرورة في بيان المقصود بالرشوة وفي تحديد الأركان التي يلزم تحققها لقيام أي جريمة منها - إلى أحكام المادة 103 وما بعدها من هذا القانون. لما كان ذلك، فقد لزم لقيام تلك الجريمة المستحدثة أن يأتي الجاني فعله في المهد الأول للرشوة وهو عليم بوجود حقيقي لموظف عام أو من في حكمه، وبوجود عمل حقيقي أو مزعوم أو مبني على اعتقاد خاطئ لهذا الموظف يراد منه أداؤه أو الامتناع عنه، وبوجود حقيقي لصاحب حاجة لهذا العمل ويلزم فوق ذلك أن تكون إرادة الجاني - على هذا الأساس - قد اتجهت في الحقيقة وليس بمجرد الزعم إلى إتيان فعل عرض الرشوة أو قبول الوساطة فيها، ذلك بأنه لو أراد الشارع من التأثيم في هذه الجريمة إلى مجرد الزعم، لعمد إلى الإفصاح عن ذلك في صراحة، على غرار سنته في المادة 104 مكرراً من تأثيمه زعم الموظف أن العمل من أعمال وظيفته، وليس يجوز القياس أو التوسع في التفسير، لأنه في مجال التأثيم محظور، لما كان ذلك، وكان الدفاع المبدى من الطاعنين والمؤسس على أن قصدهما لم ينصرف البتة إلى الاتصال بالطرف الآخر المزمع إرشائه من شأنه لو صح أن يؤدي إلى انتفاء القصد الجنائي للجريمة. وكان الحكم المطعون فيه لم يقسط هذا الدفاع الجوهري حقه في البحث فإنه يكون مشوباً بالقصور الذي يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على واقعة الدعوى كما صار إثباتها في الحكم، مما يعيبه ويوجب نقضه والإحالة بغير حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.