أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 23 - صـ 433

جلسة 18 من مارس سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ محمد صادق الرشيدي، وعضوية السادة المستشارين: محمد شبل عبد المقصود، وأحمد سميح طلعت، ومحمد فاضل المرجوشي، وحافظ الوكيل.

(69)
الطعن رقم 125 لسنة 36 القضائية

( أ ) عمل. "انتهاء عقد العمل".
عدم مراعاة قواعد التأديب. لا يمنع من فسخ عقد العمل لأي مسوغ مشروع.
(ب) عمل. "انتهاء عقد العمل". محكمة الموضوع. "سلطتها في مسائل الواقع".
تقدير المبرر للفصل مسألة موضوعية يستقل بتقديرها قاضي الموضوع.
(ج، د) حكم. "تسبيب الحكم". "ما لا يعد تناقضاً". عمل.
(ج) رفض طلب التعويض عن الفصل. القضاء بحق العامل في المكافأة ومقابل مهلة الإخطار. لا تناقض.
(د) المحكمة غير ملزمة بالرد على جميع حجج الخصوم متى أقامت قضاءها على أسباب تسوغه.
1 - عدم مراعاة قواعد التأديب - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - لا يمنع من فسخ عقد العمل وفصل العامل لأي مسوغ مشروع. وإذ كان الثابت أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على أن فصل الطاعن إنما كان بسبب ما أثارته تصرفاته من ريبة في أمره مما دعا إلى عدم الثقة والاطمئنان إليه، فإن النعي بهذا السبب يكون غير صحيح.
2 - تقدير المبرر للفصل، ونفي تعسف رب العمل في استعمال حق الفصل هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(2)] - مسألة موضوعية يستقل بتقديرها قاضي الموضوع. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أوضح المبررات السائغة التي أدت إلى فصل الطاعن، فإنه لا يكون قد خالف القانون.
3 - لا تعارض في الحكم إذ نفى تعسف الشركة المطعون ضدها في فصل الطاعن، ثم ألزمها بأن تدفع له قيمة المكافأة ومقابل مهلة الإخطار، وذلك لاختلاف الأساس بين قضاء المحكمة برفض طلب التعويض وبين قضائها بحق الطاعن في المكافأة ومقابل مهلة الإخطار.
4 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب تسوغه، فإنها لا تكون من بعد ملزمة بأن تورد كل الحجج التي يدلي بها الخصوم، وتفصيلات دفاعهم وترد عليها استقلالاً، لأن في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها التعليل الضمني المسقط لكل حجة تخالفها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضدهما الدعوى رقم 420 سنة 1955 مدني كلي بور سعيد، طلب فيها إلزام المطعون ضدها الأولى بأن تدفع له مبلغ 5614 ج و5 م والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية حتى الأداء وقال بياناً لها إنه التحق بخدمة شركة (لامبرت برازرس) في أول يوليه سنة 1942 واستمر قائماً بعمله إلى أن فوجئ في 17/ 12/ 1954 بإخطار من الشركة بفصله من عمله اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1954، وإنه لما كان هذا الفصل تعسفياً فقد تقدم بشكوى إلى مكتب العمل طالباً وقف قرار الفصل، وأقام هذه الدعوى للحكم له بالمبلغ المطالب به، وهو يتمثل في مبلغ 47 ج و480 م مرتب شهر نوفمبر و470 ج مكافأة نهاية الخدمة و47 ج و480 م مقابل مهلة الإخطار بالفصل و33 ج و245 م مقابل الإجازة السنوية و15 ج قيمة المكافأة السنوية عن سنة 1953، 5500 ج تعويض عن الأضرار التي لحقت به بسبب الفصل. دفعت الشركة الدعوى بأن الطاعن فصل لاتهامه باختلاس مبالغ منها وتحرر عن هذه الواقعة الجنحة رقم 514 لسنة 1955 قسم أول بورسعيد. وبجلسة 9/ 10/ 1956 قضت محكمة أول درجة بوقف الدعوى حتى يفصل في قضية الجنحة سالفة الذكر، وبعد أن حكمت محكمة جنح بور سعيد بهيئة استئنافية ببراءة الطاعن مما نسب إليه ورفض الدعوى المدنية قبله، عجل الطاعن دعواه للحكم له بطلباته الأصلية، وبجلسة 25 مايو سنة 1960 قضت محكمة أول درجة حضورياً 1 - بإلزام المدعى عليه بصفته (الشركة المطعون ضدها الأولى) بأن يدفع للطاعن مبلغ 518 ج و323 م قيمة مكافأة نهاية الخدمة ومقابل مهلة الإخطار ومصروفات هذا المبلغ وفوائده القانونية 2 - برفض طلب التعويض عن فسخ العقد وأعفت المدعي من مصروفاته 3 - بإحالة الدعوى إلى التحقيق بالنسبة لباقي الطلبات. استأنف الطاعن هذا الحكم بالنسبة لما قضى به من رفض طلب التعويض لدى محكمة استئناف المنصورة (مأمورية استئناف بورسعيد) بالاستئناف رقم 1020 لسنة 1 ق، كما استأنفته الشركة بالاستئناف رقم 100 لسنة 1 ق، وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين قضت حضورياً بجلسة 4 يناير سنة 1966 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأن الفصل أياً كان سنده هو في حقيقته عقوبة تأديبية يجب أن يكون مسبوقاً بتحقيق إداري وإلا كان باطلاً، ذلك لأن المشرع لم يطلق السلطة التأديبية لرب العمل بل أحاطها بقيود تكفل للعامل الضمانات اللازمة لدرء إساءة استعمالها ومن أجل ذلك فقد أورد المشرع تنظيماً خاصاً لاستعمال هذه السلطة بالقرار الوزاري الصادر في 4/ 4/ 1953 اشتمل على قواعد وإجراءات التأديب وأوجب على رب العمل اتباعها وإلا كان الفصل باطلاً ولا أثر له، ورغم ما أثاره الطاعن في هذا الخصوص من أن فصله لم يكن مسبوقاً بتحقيق، فإن الحكم المطعون فيه لم يعن بدفاعه والرد عليه، فجاء معيباً بالقصور فضلاً عن مخالفته للقانون.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن عدم مراعاة قواعد التأديب - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يمنع من فسخ عقد العمل وفصل العامل لأي مسوغ مشروع. وإذ كان الثابت أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على أن فصل الطاعن إنما كان بسبب ما أثارته تصرفاته من ريبة في أمره مما دعا إلى عدم الثقة والاطمئنان إليه، فإن النعي بهذا السبب يكون غير صحيح.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفته مبدأ حجية الحكم الجنائي وتناقض أسبابه، ويقول في بيان ذلك إن الحكم الجنائي الذي قضى ببراءته أقام قضاءه على أن تهمة الاختلاس غير صحيحة، وأنه لم يتسلم المبلغ من الصراف السابق، وأن محاسبي شركة رسل جزموا بأن حساب تشغيل السفن المقول باختلاسه هو حساب نظامي وليس له وجود فعلي، وانتهى الحكم إلى أن التهم المسندة إلى الطاعن مثقلة بالشكوك التي تسلب كل طمأنينة حول صحة التهمة، ولما كان للحكم الجنائي حجية كاملة أمام المحاكم المدنية سواء في منطوقه أو في أسبابه التي ارتبطت به، فإن الحكم المطعون فيه وقد بنى قضاءه على الشك في ثبوت التهمة يكون قد خالف حجية الحكم الجنائي الذي قطع بعدم صحتها وبالتالي خالف القانون، وقد أدى ذلك إلى تناقض أسبابه، إذ بينما قرر الحكم حق الطاعن في المكافأة ومقابل مهلة الإخطار حرمه من حقه في التعويض.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان يبين من تقريرات الحكم المطعون فيه أنه بنى قضاءه على ما قرره الحكم الجنائي من أن براءة الطاعن تقوم على أن التهمة المسندة إليه مثقلة بالشكوك التي تسلب كل طمأنينة حول صحة التهمة، وأن هذا القضاء بالبراءة الذي يقوم على الشك وحده في صحة ثبوت التهمة قبل الطاعن، لا يحول دون استعمال الشركة حقها في فسخ عقده ما دام أن تصرفاته أثارت الريبة في أمره وأدت إلى عدم الثقة والاطمئنان إليه وهو الذي يعهد إليه، بأموال الشركة، وكان الحكم المطعون فيه على هذا النحو قد التزم حجية الحكم الجنائي من أن التهمة محل شك، فإن النعي عليه في هذا الخصوص لا يكون صحيحاً. لما كان ذلك، وكان تقدير المبرر للفصل ونفي تعسف رب العمل في استعمال حق الفصل هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مسألة موضوعية يستقل بتقديرها قاضي الموضوع، وكان الحكم المطعون فيه قد أوضح على النحو السالف بيانه المبررات السالفة التي أدت إلى فصل الطاعن، فإنه لا يكون قد خالف القانون، ولا تعارض في الحكم إذ بعد أن نفي تعسف الشركة المطعون ضدها في فصل الطاعن ألزمها بأن تدفع له قيمة المكافأة ومقابل مهلة الإخطار لاختلاف الأساس بين قضاء المحكمة برفض طلب التعويض وبين قضاءها بحق الطاعن في المكافأة ومقابل مهلة الإخطار.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وإغفاله الرد على أوجه دفاعه، وفي تفصيل ذلك يقول الطاعن إنه ساق في مذكرته أمام محكمة الاستئناف أنه لم يكن من حق الشركة أن تفصله في ديسمبر سنة 1954 عن عجز مزعوم اكتشف في مارس استناداً إلى المادة 40/ 3 من المرسوم بقانون 317 سنة 1952، إذ أن مناط ذلك أن يتم التبليغ للجهات المختصة في خلال 24 ساعة من وقت علم صاحب العمل بالخسارة المادية، ولم يحصل تبليغ خلال هذه الفترة، كما أن الاستناد إلى المادة 40/ 6 من المرسوم بقانون سالف البيان لا محل له، إذ فضلاً عن أن الإجراءات التي نص عليها القرار الوزاري لم تتبع، فإنه من الناحية الموضوعية كان يتعين على الشركة كما قال مكتب العمل أن تتريث وتنتظر حكم القضاء قبل أن تفصل الطاعن، وكذلك فإن استناد الشركة إلى المادة 30 من قانون عقد العمل الفردي غير صحيح لأن هذه المادة تنص على أنه إذا نسب إلى العامل ارتكاب جناية أو جنحة داخل دائرة العمل جاز لصاحب العمل أن يقفه من تاريخ إبلاغ الحادث إلى السلطة المختصة لحين صدور قرار منها بشأنه، فإذا رأت السلطة المختصة عدم تقديم العامل للمحاكمة أو قضى ببراءته وجب إعادته إلى عمله وإلا اعتبر عدم إعادته فصلاً تعسفياً، ومؤدى ذلك أن مجرد الاتهام لا يبرر الفصل وكل ما يجيزه لرب العمل هو إيقاف العامل عن عمله، وقد اختارت الشركة إيقاف المستأنف عن عمله في مارس سنة 1954 إلا أنها تعجلت فصله في ديسمبر سنة 1954 قبل أن يقول القضاء كلمته، وعلى الرغم من القضاء ببراءة الطاعن بعد ذلك إلا أنها أصرت على موقفها، وانتهى الطاعن إلى أن الحكم المطعون فيه لم يبين أوجه دفاعه هذه وبالتالي لم يرد عليها، فجاء مشوباً بالقصور في التسبيب ومخالفاً للقانون.
وحيث إن هذا النعي مردود بما سبق الرد به على السبب، الثاني وبما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب تسوغه، فإنها لا تكون بعد ملزمة بأن تورد كل الحجج التي يدلي بها الخصوم وتفصيلات دفاعهم وترد عليها استقلالاً، لأن في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها التعليل الضمني المسقط لكل حجة تخالفها. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد قام على دعامة سائغة على ما سلف قوله وكافية لحمل قضائه، فإن النعي على الحكم بالقصور ومخالفة القانون يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.


[(1)] نقض 6/ 12/ 1967 مجموعة المكتب الفني السنة 18 ص 1820.
[(2)] نقض 15/ 2/ 1967 مجموعة المكتب الفني السنة 18 ص 157.