أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
الجزء الثاني - السنة 34 - صـ 1056

جلسة 15 من ديسمبر سنة 1983

برئاسة السيد المستشار/ حسن جمعه نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: راغب عبد الظاهر، أحمد أبو زيد، حسن عميرة ومحمد زايد.

(211)
الطعن رقم 2602 لسنة 53 القضائية

(1) اختلاس. أموال أميرية. جريمة "أركان الجريمة". موظفون عموميون.
مجرد وجود عجز في حساب الموظف العمومي. لا يكفي بذاته أن يكون دليلاً على حصول الاختلاس.
(2) حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". بطلان. نقض.
وجوب اشتمال الحكم على الأسباب التي بني عليها وإلا كان باطلاً. المراد بالتسبيب المعتبر؟
(3) حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". إثبات "إثبات بوجه عام". اختلاس أموال أميرية.
وجوب إيراد الأدلة التي استندت إليها المحكمة وبيان مؤداها في الحكم بياناً كافياً مجرد الإشارة إليها. غير كاف. لزوم سرد مضمون الدليل وذكر مؤداه بطريقة وافية يبين منها مدى تأييده للواقعة كما اقتنعت بها المحكمة ومبلغ اتفاقه مع باقي الأدلة التي أقرها الحكم حتى يتضح وجه استدلاله بها. مثال لتسبيب معيب في جريمة اختلاس أموال أميرية.
(4) حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". بطلان. نقض.
استعمال المتهم حقه المشروع في الدفاع عن نفسه في مجلس القضاء لا يصح البتة أن ينعت بعدم الجدية ولا أن يوصف بأنه جاء متأخراً.
القضاء المسبق على دليل لم يطرح. خطأ.
1 - من المقرر أن مجرد وجود عجز في حساب الموظف العمومي أو من في حكمه لا يمكن أن يكون بذاته دليلاً على حصول الاختلاس لجواز أن يكون ذلك ناشئاً عن خطأ في العمليات الحسابية أو لسبب آخر.
2 - متى كانت الأحكام في المواد الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال، وكان الشارع يوجب في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل الحكم على الأسباب التي بني عليها وإلا كان باطلاً، والمراد بالتسبيب المعتبر تحديد الأسانيد والحجج المبني هو عليها والمنتجة هي له سواء من حيث الواقع أو من حيث القانون، ولكي يحقق الغرض منه يجب أن يكون في بيان جلي مفصل بحيث يستطاع الوقوف على مسوغات ما قضى به، أما إفراغ الحكم في عبارات عامة معماة أو وضعه في صورة مجهلة فلا يحقق الغرض الذي قصده الشارع من استيجاب تسبيب الأحكام ولا يمكن محكمة النقض من مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها بالحكم.
3 - استناد الحكم إلى كل من تقرير لجنة الفحص وتقرير الخبير دون أن يعني بذكر حاصل الوقائع التي تضمنها من اختلاس ودون أن يعرض إلى الأسانيد التي أقيم عليها هذان التقريران لا يكفي في بيان أسباب الحكم الصادر بالإدانة لخلوه مما يكشف عن وجه اعتماده على هذين التقريرين اللذين استنبطت منهما المحكمة معتقدها في الدعوى على أساسه مما يصم الحكم المطعون فيه بالقصور، ولا يغني في ذلك ما ذكرته المحكمة من أدلة أخرى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة.
4 - استعمال المتهم حقه المشروع في الدفاع عن نفسه في مجلس القضاء لا يصح البتة أن ينعت بعدم الجدية ما دام منتجاً من شأنه أن تندفع به التهمة أو يتغير وجه الرأي في الدعوى، ولأن المحاكمة هي وقته المناسب الذي كفل فيه القانون لكل متهم حقه في أن يدلي بما يعن له من طلبات التحقيق وأوجه الدفاع وإلزام المحكمة النظر فيه وتحقيقه ما دام فيه تجلية للحقيقة وهداية إلى الصواب، وكان لا يصح القضاء المسبق على دليل لم يطرح، فإن الحكم المطعون فيه فضلاً عن قصوره قد أخل بحق الطاعن في الدفاع.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: بصفته مستخدماً عمومياً - كاتب الجمعية التعاونية الزراعية بمنشأة عبد القادر - التي تساهم الدولة في مالها اختلس المبالغ المبينة بالتحقيقات والبالغ مقدارها 3572 جنيه والمملوكة للجمعية سالفة الذكر والمسلمة إليه بسبب وظيفته حالة كونه من الأمناء على الودائع. وأحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. ومحكمة جنايات أمن الدولة العليا بالمنصورة قضت حضورياً عملاًً بالمواد 111/ 6، 112/ 2 ( أ )، 118، 119 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من هذا القانون بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ 3572.657 جنيه وإلزامه برد مثل هذا المبلغ وعزله من وظيفته.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجناية الاختلاس قد شابه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع ذلك بأنه عول في الإدانة على تقرير الخبير المقدم في الدعوى دون أن يناقش اعتراضات الطاعن على هذا التقرير من أنه لا يطابق الواقع وأن إشارته إلى وجود عجز في الحساب لا يدل على حصول الاختلاس خاصة وأن مراجع أول بنك التسليف قدم تقريراً نفى فيه حصول اختلاس في عهدة الطاعن، كما طلب تحقيقاً لدفاعه ضم دفتر خزينة الجمعية التعاونية الزراعية التي يعمل بها وفيشات الممولين للوقوف على حقيقة المبلغ المنسوب إليه اختلاسه بتقرير الخبير إلا أن المحكمة صادرته في دفاعه وردت على هذا الطلب بما لا يسوغ رفضه مما يعيب حكمها ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت بياناً لواقعة الدعوى أن الطاعن خلال الفترة من.... إلى.... بصفته كاتباً بالجمعية التعاونية الزراعية بمنشأة عبد القادر اختلس مبلغ 3572.657 جنيه من المبالغ التي تسلمها بسبب وظيفته وقد توصل إلى ذلك بعدة وسائل منها قيامه بتحصيل مبالغ من عملاء الجمعية حرر عنها إيصالات غير رسمية واختلسها لنفسه وقيامه بإلغاء بعض الإيصالات بعد تحريرها واختلاس قيمتها وقيد بعض المبالغ على حساب العملاء كسلف نقدية واختلاس هذه المبالغ، واستند الحكم في إدانة الطاعن إلى أقوال أعضاء اللجنة التي شكلت لفحص عهدة الطاعن والتقرير المقدم منهم وإلى تقرير الخبير الذي ندبته المحكمة وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير، وحصل مؤدى تقرير لجنة الفحص في قوله "وقد ثبت بتقرير لجنة الفحص أن جملة المبالغ التي قام المتهم باختلاسها 3572.657 جنيه في الفترة من 10 - 11 - 1961 حتى 9 - 6 - 1968"، كما حصل مؤدى تقرير الخبير في قوله "وأورد تقرير الخبير أن المتهم مسئول عن اختلاس قيمة إيصالات 7 جمعيات التي تقدم أصحابها بالشكاوى وقيمة الإيصالات غير المرقمة والإيصالات المختومة بخاتم الرابطة العامة لموظفي الجمعيات التعاونية وكذلك المبالغ التي قيدها على بعض العملاء كسلف نقدية". ويبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة التي اختتمت بصدور الحكم المطعون فيه أن المدافع عن الطاعن اعترض على تقرير الخبير في شأن المبلغ المنسوب إلى الطاعن اختلاسه وطلب ضم دفتر خزينة الجمعية وفيشات العملاء لمراجعتها على ما جاء بتقرير الخبير، وانتهت المحكمة إلى رفض هذا الطلب استناداً إلى أنه قد قصد به إطالة أمد التقاضي دون الحاجة إليه بعد أن اطمأنت إلى تقرير لجنة الفحص وما شهد به أعضاؤها ولتضارب أقوال الطاعن في شأن بعض الإيصالات الخاصة بالممولين. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن مجرد وجود عجز في حساب الموظف العمومي أو من في حكمه لا يمكن أن يكون بذاته دليلاً على حصول الاختلاس لجواز أن يكون ذلك ناشئاً عن خطأ في العمليات الحسابية أو لسبب آخر، وكانت الأحكام في المواد الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال، وكان الشارع يوجب في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل الحكم على الأسباب التي بني عليها وإلا كان باطلاً، والمراد بالتسبيب المعتبر تحديد الأسانيد والحجج المبني هو عليها والمنتجة هي له سواء من حيث الواقع أو من حيث القانون، ولكي يحقق الغرض منه يجب أن يكون في بيان جلي مفصل بحيث يستطاع الوقوف على مسوغات ما قضى به، أما إفراغ الحكم في عبارات عامة معماة أو وضعه في صورة مجهلة فلا يحقق الغرض الذي قصده الشارع من استيجاب تسبيب الأحكام ولا يمكن محكمة النقض من مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها بالحكم. ولما كان الحكم المطعون فيه لم يبين بوضوح وتفصيل مفردات المبالغ المقول باختلاسها والمنتجة لمجموع المبلغ المختلس وكذلك الإيصالات 7 جمعيات والإيصالات غير المرقومة وتلك المختومة بخاتم الرابطة العامة لموظفي الجمعيات التعاونية وقيود السلف النقدية التي جرى اختلاس قيمتها ووجه هذا الاختلاس في كل نوع منها، وكان استناد الحكم إلى كل من تقرير لجنة الفحص وتقرير الخبير دون أن يعني بذكر حاصل الوقائع التي تضمنها من اختلاس ودون أن يعرض إلى الأسانيد التي أقيم عليها هذان التقريران لا يكفي في بيان أسباب الحكم الصادر بالإدانة لخلوه مما يكشف عن وجه اعتماده على هذين التقريرين اللذين استنبطت منهما المحكمة معتقدها في الدعوى على أساسه مما يصم الحكم المطعون فيه بالقصور، ولا يغني في ذلك ما ذكرته المحكمة من أدلة أخرى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة، لما كان ذلك، وكان الحكم قد صادر المتهم في دفاعه المشار إليه في الطعن بدعوى أنه قصد به إطالة أمد التقاضي دون الحاجة إليه وأن المحكمة كونت عقيدتها مما طرح عليها في الأوراق مع أن استعمال المتهم حقه المشروع في الدفاع عن نفسه في مجلس القضاء لا يصح البتة أن ينعت بعدم الجدية ما دام منتجاً من شأنه أن تندفع به التهمة أو يتغير وجه الرأي في الدعوى، ولأن المحاكمة هي وقته المناسب الذي كفل فيه القانون لكل متهم حقه في أن يدلي بما يعن له من طلبات التحقيق وأوجه الدفاع وإلزام المحكمة النظر فيه وتحقيقه ما دام فيه تجلية للحقيقة وهداية إلى الصواب، وكان لا يصح القضاء المسبق على دليل لم يطرح، فإن الحكم المطعون فيه يكون فضلاً عن قصوره, قد أخل بحق الطاعن في الدفاع بما يبطله ويوجب نقضه والإحالة دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.