مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) - صـ 304

جلسة 16 ديسمبر سنة 1940

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك المستشارين.

(166)
القضية رقم 85 سنة 11 القضائية

تفتيش:
( أ ) إذن النيابة بتفتيش محل متهم. تعيين مأمور الضبطية القضائية الذي يجري التفتيش في الإذن لا ضرورة. قيام أي واحد من مأموري الضبطية القضائية بالتفتيش عند عدم التعيين جوازه ولو كان الذي قام به غير الذي طلب الإذن.
(ب) تنفيذ الإذن فور صدوره. لا وجوب. مدى التنفيذ. مدة معاصرة لوقت صدور الإذن. تحديد النيابة مدّة أسبوع لإجراء التفتيش. لا تثريب عليها فيه.
(جـ) إثبات. شهادة. ضابط بوليس. امتناعه وقت الشهادة عن الإفضاء باسم المرشد الذي عاونه في كشف الجريمة. تعويل المحكمة على شهادة الضابط بشأن ما قام به المرشد في سبيل كشفها. لا جناح عليها في ذلك.

(المادتان 203 و204 مرافعات)

1 - الإذن الذي يصدر من النيابة للبوليس بإجراء تفتيش محل المتهم لا يشترط فيه أن يكون معيناً به من يقوم بإجراء التفتيش من رجال الضبطية القضائية. فيصح لأن يتولى التفتيش أي واحد من هؤلاء ولو كان غير الذي طلب الإذن به ما لم يكن الإذن قد اختص أحداً معيناً بذلك.
2 - إن القانون لا يوجب أن يكون تنفيذ الإذن بالتفتيش فور صدوره بل يكتفي أن يكون ذلك في مدّة تعتبر معاصرة لوقت صدور الإذن. وإذن فلرجل الضبطية القضائية المنتدب لإجراء التفتيش أن يتحين الظرف المناسب لكي يكون التفتيش مثمراً. فإذا ما رأت النيابة تحديد المدّة التي يجب فيها إجراء التفتيش أسبوع فلا تثريب عليها في ذلك، ولا تصح الشكوى من هذا التحديد ما دام ليس من ورائه ترك المتهم مهدّداً بالتفتيش مدّة طويلة.
3 - إن المادة 204 من قانون المرافعات قد أجازت لمأموري الضبطية القضائية أن يمتنعوا وقت الشهادة عن أن يعرّفوا عن المصدر الذي علموا منه توضيحات عن جريمة من الجرائم. فإذا امتنع ضابط البوليس عن الإفضاء باسم المرشد الذي كلفه شراء المخدّر من المتهم تمهيداً لتفتيش محله فلا جناح على المحكمة إذا هي صدّقت الضابط وعوّلت على شهادته بما قام به المرشد في اكتشاف الجريمة.


المحكمة

وحيث إن الوجه الأوّل من أوجه الطعن بني على بطلان التفتيش والضبط وما ترتب عليهما. ذلك لأن مأمور المركز طلب إلى النيابة الإذن بتفتيش منزل الطاعن وقهوته وضبط ما يوجد بهما من المخدّرات فأذنت به وحدّدت لإجرائه أسبوعاً ولم تعين المأمور المندوب للقيام به، ثم قام بإجراء التفتيش ضابط لم يكن هو الذي رفع الطلب إلى النيابة. ويعقب الطاعن على ذلك بأن حق النيابة في إنابة أحد مأموري الضبطية القضائية للقيام بالتفتيش هو بمثابة توكيل من السلطة القضائية فيجب أن يتوافر فيه ما يكفل إثباته وتحديده، وأن يبين فيه اسم مأمور الضبطية المنتدب أو على الأقل وظيفته.
وحيث إن الطاعن تقدّم إلى محكمة الموضوع بهذا الدفع فلم تأخذ به استناداً إلى أنه لا ضرورة في الإذن الصادر من النيابة للبوليس بإجراء تفتيش محل متهم أن يكون معيناً لرجل الضبطية القضائية الذي يجري التفتيش بل يكفي لصحته أن يقوم به أحد رجال الضبطية القضائية. ومحكمة النقض تقرّ محكمة الموضوع على ما رأت إذ يكفي أن يقوم بالتفتيش عند إذن النيابة به أحد رجال الضبطية القضائية سواء في ذلك مأمور الضبطية القضائية الذي طلب الإذن أو غيره من رجال الضبطية القضائية، وهذا في حالة عدم تعيين النيابة في الإذن منها شخص من يقوم بالتفتيش.
وحيث إن وجه الطعن الثاني يتحصل في أن التفتيش من إجراءات التحقيق فلا تأذن به النيابة إلا إذا كانت هناك جريمة ظهرت، ولا يصح الإذن به كطريق من طرق التحرّي عن جريمة مجهولة، ويجب أن يظهر من الظروف أن هناك حاجة كطريق من طرق التحرّي عن جريمة مجهولة، ويجب أن يظهر من الظروف أن هناك حاجة ماسة وفائدة يحتمل ظهورها من التفتيش عاجلاً، ولقاضي التحقيق والنيابة دون سواهما حق تقدير هذه الظروف، ولا تملك السلطة القضائية أن تنزع عن الأفراد وأماكنهم الحماية التي كفلها الدستور والقانون مدّة من الزمن تترك للبوليس خلالها سلطة تقدير الظروف والمسوغات لإجراء التفتيش حينما يريد. ويقول الطاعن إن صدور الإذن بالتفتيش في هذه القضية في مدى أسبوع معناه أن وكيل النيابة لم يقتنع بأن هناك جريمة أو حاجة ماسة لتفتيش أو فائدة يحتمل أن تظهر منه، وإنه إنما أذن بالتفتيش خلال أسبوع ليكون للبوليس في هذه الفترة فرصة تقدير المسوغات في المستقبل. ويقول الطاعن إنه أبدى هذا الدفاع لدى محكمة الموضوع فاكتفت بسرد الوقائع دون أن تردّ عليه، وفي هذا كله ما يبطل الحكم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه ذكر في صدد البحث في مشروعية الإذن بالتفتيش أنه حق مطلق للنيابة خوّلها القانون إياه كلما رأت مسوغاً لإجرائه، وأن هذا هو ما كان منها في هذه القضية بعد أن استبانت من العرائض المقدّمة للبوليس ومن تحرّياته، ومن بلاغ الكونستابل إلى مأمور المركز وطلبه استئذان النيابة بالتفتيش اتهام الطاعن بجريمة معينة هي اتجاره في المخدّرات. وفي هذا الذي ذكره الحكم ما يبرّر إصدار النيابة إذنها بالتفتيش. أما من جهة إجرائه في مدّة معينة فإنه ما دام القانون لا يوجب تنفيذ الانتداب فوراً فلرجل الضبطية القضائية المنتدب للتفتيش تخير الظرف المناسب لإجرائه بطريقة مثمرة بشرط أن يقع التفتيش في مدّة معاصرة أن قريبة لوقت صدوره الإذن، فإذا ما رأت النيابة تحديد المدّة التي يجب إجراء التفتيش فيها بأسبوع فإن ذلك منها يكون في مصلحة المتهم لعدم تركه مهدّداً بالتفتيش إلى وقت قد يزيد على ذلك. وليس في هذا التحديد ما يفيد أنها عند إصدارها الإذن بالتفتيش لم تكن هناك قرائن تبرر الإذن بالتفتيش كما يزعم الطاعن في وجه الطعن.
وحيث إن الوجه الرابع مبناه أن الحكم جاء مشوباً بالبطلان. وبياناً لذلك يقول الطاعن إن الحكم ذكر أن الضابط محمود محمد الشافعي أفندي كلف شخصاً أن يشتري من الطاعن قطعة حشيش مقابل قطعة بخمسة قروش بعد أن أحدث بها علامة مميزة، وإن هذا الشخص انصرف وعاد ومعه قطعة حشيش قال بشرائها من الطاعن، ولما قام الضابط بتفتيشه عثر معه على القطعة ذات الخمسة قروش. ويقول الطاعن إنه طلب من الضابط أن يذكر اسم ذلك الشخص لأنه شاهد على واقعة مهمة ولأن الدفاع يهمه مناقشته فرفض الضابط الإفضاء باسمه، فطلب من المحكمة اعتباره ناكلاً عن الشهادة لأن كتمان اسم ذلك الشخص لا يدخل فيما أجازته المادة 203 من قانون المرافعات. ويضيف الطاعن إلى ما تقدّم أن محكمة الموضوع لم ترد على هذا الدفاع واستندت إلى تلك الواقعة فخالفت بذلك القانون وأخلت بحق الدفاع.
وحيث إن المادة 204 من قانون المرافعات تجيز لمأموري الضبطية القضائية عدم الإفشاء بمصدر علمهم بتوضيحات متعلقة بجريمة. ولذا فلا جناح على الضابط الذي أجرى التفتيش إن هو امتنع عن الإفضاء باسم المرشد الذي كلفه شراء الحشيش من الطاعن تمهيداً لإجراء التفتيش. وفي هذه الحالة تكون شهادة رجل الضبطية القضائية عما قام به الشخص الآخر محل تقدير واعتبار من المحكمة. فمحكمة الموضوع إذ هي عوّلت على شهادة الضابط وأخذت بها فيما قام به المرشد لأنه هو الذي ناط به هذا الشراء بقطعة نقود معينة فقام بتنفيذ ذلك ثم عثر الضابط على قطعة النقود مع الطاعن عند تفتيشه لم تخطئ في شيء ما.