مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) – صـ 336

جلسة 30 ديسمبر سنة 1940

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: علي حيدر حجازي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك ومنصور إسماعيل بك المستشارين.

(179)
القضية رقم 261 سنة 11 القضائية

دمغة. القانون رقم 44 لسنة 1939. التعويضات المنصوص عليها فيه. ماهيتها. مزيج من الغرامة والتضمينات. عقوبة. توقيعها حتمي ولو من تلقاء نفس المحكمة. تقديرها متروك للقاضي. دخول الخزانة في الدعوى. لا محل له.

(القانون رقم 44 لسنة 1939)

إن المادة 23 من القانون رقم 44 لسنة 1939 الخاص بتقرير رسم الدمغة إذ نصت على أنه "علاوة على الجزاءات المتقدّم ذكرها يحكم القاضي بدفع قيمة الرسوم المستحقة والتعويضات للخزانة... إلخ" قد أوجبت على القاضي كلما أوقع عقوبة الغرامة على المتهم بمقتضى المادة 20 من هذا القانون على الجريمة التي وقعت منه أن يحكم - ولو من تلقاء نفسه - بالتعويضات المذكورة بلا قيد ولا شرط سوى مراعاة حدودها الواردة في النص. فإن التعويضات في معنى هذا القانون ليست مجرّد تضمينات مدنية صرفاً بل هي أيضاً جزاء له خصائص العقوبات من جهة أنها تلحق الجاني مع عقوبة الغرامة ابتغاء تحقيق الغرض المقصود من العقوبة من ناحية كفايتها في الردع والزجر، فهي مزيج من الغرامة والتضمينات ملحوظ فيه غرضان: تأديب الجاني على ما وقع منه مخالفاً للقانون، وتعويض الضرر الذي تسبب في حصوله برصد ما يتحصل منها لحساب مصلحة الضرائب على وجه التخصيص. ولذلك فهي في صدد علاقة النيابة العمومية بها تعهدّ من قبيل العقوبات، فلا يشترط لإيقاعها أن يتدخل من يدعي الضرر ويقيم نفسه مدعياً مدنياً في الدعوى، وهي، كعقوبة، متروك للقاضي تقديرها في الحدود التي رسمها له القانون على مقتضى ما يتراءى له من ظروف كل دعوى.


المحكمة

وحيث إن النيابة العمومية تنعى بأوجه الطعن المقدّمة منها على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ إذ قال إن التعويض المدني الوارد ذكره في القانون رقم 44 لسنة 1939 الخاص برسم الدمغة لا يجوز للمحكمة القضاء به من تلقاء نفسها بغير طلب من مصلحة الضرائب. ووجه الخطأ في ذلك هو أن المادة 23 من القانون المذكور تنص على أن القاضي يحكم، علاوة على الغرامة، بتعويض للخزانة. وظاهر من هذا النص أن الحكم بالتعويض إلزامي وواجب على القاضي في جميع الأحوال ولو لم تتدخل مصلحة الضرائب في الدعوى. أما استشهاد المحكمة بالمادة 24 فغير سليم لأن هذه المادة لا علاقة لها بالأمر المذكور، وحكمها لا يصح أن يتعدّى ما نصت عليه من تحديد مدّة سقوط حق الخزانة في المطالبة بدفع الرسوم المستحقة والتعويض المدني بمضي خمس سنوات من اليوم الذي استعملت فيه الورقة الخاضعة للرسم.
وحيث إن واقعة الحال هي أن الدعوى العمومية رفعت على المتهم بالمادتين 20 و23 من القانون رقم 44 لسنة 1939 والمادة 12 من الجدول المرافق لهذا القانون لأنه استعمل دراجة ولم يضع عليها اللوحة الدالة على دفع رسم الدمغة. ومحكمة أوّل درجة بعد أن حققت الدعوى انتهت إلى القول بأن المتهم لم يدفع رسم الدمغة المفروض على الدرّاجة إلا بعد ضبطه سائراً بها بغير أن يضع عليها لوحة دالة على دفع الرسم، وقضت عليه بالغرامة مع إلزامه بأن يدفع للخزانة مبلغ 30 قرشاً بصفة تعويض. وبناءً على استئناف المتهم حكمت المحكمة الاستئنافية بتأييد الحكم المستأنف فيما يختص بالغرامة وبإلغائه بالنسبة للتعويض المدني، وذكرت تدعيماً لقضائها هذا "أن التعويض الذي حكمت به محكمة أوّل درجة لم يتقدّم لطلبه مندوب من قبل مصلحة الضرائب، ولا يجوز للمحكمة أن تحكم من تلقاء نفسها به لأنه ليس له صفة العقوبة بل هو عبارة عن تعويض مدني يجب أن تطلبه المصلحة وتدّعى به كما هو ظاهر بمنطوق المادة 24 من قانون الدمغة رقم 44 لسنة 1939".
وحيث إن المادة 23 من القانون رقم 44 لسنة 1939 الخاص بتقرير رسم الدمغة إذ نصت على أنه "علاوة على الجزاءات المتقدّم ذكرها يحكم القاضي بدفع قيمة الرسوم المستحقة والتعويضات للخزانة... إلخ" إنما أوجبت على القاضي أن يحكم بالتعويضات المذكورة ولو من تلقاء نفسه وبدون تدخل مصلحة الضرائب بلا قيد ولا شرط سوى مراعاة حدودها الواردة في النص، وذلك في جميع الأحوال كلما أوقع عقوبة الغرامة على المتهم بمقتضى المادة 20 من هذا القانون على الجريمة التي وقعت منه. والعلة في ذلك هي أن التعويضات في هذا المقام ليست – كما هو مفهوم اللفظ في لغة القانون – مقابل الضرر الذي لحق الخزانة فقط وإنما لأنها ينطوي فيها أيضاً جزاء جنائي رأى الشارع من الضروري أن يكمل به عقوبة الغرامة حتى يكفل بها في الجرائم الخاصة بهذا القانون والجرائم الأخرى التي على شاكلتها تحقيق كل الأغراض التي فرضت هذه العقوبة لها. ولذلك فإنه لم يشترط للحكم بهذه التعويضات إثبات أي ضرر معين، ولم يوازن بين قدر ما يقضي به ومقدار الضرر الذي وقع، بل ترك أمرها لرأي القاضي يقدّرها، كما يقدّر العقوبات، على مقتضى ما يتراءى له من ظروف كل دعوى في الحدود المضاعفة التي رسمها. وهذا النظر تؤكده الأعمال التحضيرية والمناقشات التي جرت في البرلمان عند وضع ذلك القانون فهي صريحة في الدلالة على أن هذه "التعويضات" ليست مجرّد تضمينات مدنية فحسب بل هي أيضاً جزاءات لها خصائص العقوبات من جهة كونها تلحق الجاني مع عقوبة الغرامة ابتغاء تحقيق الغرض المقصود من العقوبة من ناحية كفايتها في الردع والزجر. ولما كانت هذه التعويضات - كما تقدّم - في كنهها وطبيعتها مزيجاً من الغرامة والتضمينات ملحوظاً فيها غرضان: تأديب الجاني على ما وقع منه مخالفاً للقانون، وتعويض الضرر الذي تسبب في حصوله برصد ما يتحصل منها لحساب مصلحة الضرائب على وجه التخصيص، وجب عدّها من قبيل العقوبات في صدد علاقة النيابة العمومية بها، فلا يشترط لإيقاعها على المتهم أن يتدخل من يدّعي الضرر ويقيم نفسه مدّعياً مدنياً في الدعوى لأن ذلك يجرّدها من صفة العقوبة التي من حق النيابة وحدها أن تطلب باسم الجماعة من القضاء أن يوقعها. هذا ولئن كان قانون الدمغة في المادة 24 قد جعل للتعويضات حكماً خاصاً بها من جهة مدّة سقوط حق الخزانة في المطالبة بها فإنه لم ينظر إليها إلا من ناحيتها المدنية في صدد علاقتها بالخزانة وحدها لا من ناحية الحكم بها تبعاً للغرامة الجنائية.
وحيث إنه يتضح مما تقدّم أن المحكمة الاستئنافية إذ ألغت الحكم المستأنف بالنسبة للتعويضات متعللة بأن الخزانة صاحبة الحق فيها لم تتقدّم بطلبها قد أخطأت في تطبيق القانون، ويتعين إذن نقض حكمها فيما قضى به من هذا وردّ الأمور إلى نصابها بتأييد الحكم المستأنف القاضي بهذه التعويضات.