مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) - صـ 353

جلسة 20 يناير سنة 1941

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: محمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك ومنصور إسماعيل بك المستشارين.

(187)
القضية رقم 1879 سنة 10 القضائية

إثبات. أساس المحاكمة الجنائية. تحقيق المحكمة للوقائع في وجه الخصوم بالجلسة. شاهد. تعذر سماعه أمام المحكمة. أقواله في التحقيق. وجوب تلاوتها بالجلسة. الاعتماد عليها دون تلاوتها وتنبيه المتهم إليها. اعتماد على دليل لم يعرض بالجلسة. إخلال بحق الدفاع. نقض.
يجب في المحاكمات الجنائية ألا تعتمد المحكمة في قضائها إلا على التحقيقات التي تجريها بنفسها في الجلسة حتى تتسنى مناقشة كل دليل من الأدلة المقدّمة فيها وتمحيصه في مواجهة الخصوم. فإذا لم يكن مستطاعاً لسبب من الأسباب سماع شاهد أمامها فعندئذٍ يكون من المتعين عليها تنبيه الخصوم إلى أقواله في التحقيق وتلاوتها بالجلسة ليبدوا دفاعهم على أساسها. فإن لم تفعل وأحالت حكمها على الدليل الذي لم يعرض بالجلسة فإنها تكون قد أخذت الخصوم على غرة منهم وأخلت بحقهم في الدفاع، وذلك يستوجب نقض حكمها.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى بوجه الطعن المقدّم منه على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ إذ أدانه بناء على شهادة على محمد البطل في التحقيقات مع أن هذا الشاهد لم يكن معلناً مع شهود الإثبات لسماع أقواله بالجلسة، والمحكمة - وقد رأت أن تعتمد شهادته - لم تأمر بإحضاره لتسمعه بمعرفتها في حضرة الخصوم فتتيح لهؤلاء فرصة مناقشته فيما يقوله عليهم أثناء المحاكمة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أدان الطاعن في جناية الضرب المفضي إلى الموت التي رفعت من أجلها الدعوى عليه وعلى آخرين حكم لهم بالبراءة، وبعد أن بيّن واقعة الدعوى عرض إلى أقوال الشهود الذين سمعتهم المحكمة فذكر فيما ذكره "... أن المحكمة لا يمكنها مع هذه الاختلافات أن تطمئن إلى أقوال هؤلاء الشهود والأخذ بها في إثبات التهمة قبل من اتهموا في الجناية. يضاف إلى ذلك أن حالة المجني عليه وقت استجوابه على إثر الإصابات التي شوهدت به توجد الشك في أنه كان في حالة يمكن معها أن يدرك ما يقول، كما أنه لو كانت زوجته حاضرة معه وقت الاعتداء عليه لتقدّمت لرجل البوليس الذي كان يباشر التحقيق في حضورها وأخبرته بما شاهدته. وأن المتهم محمود محمد الإمام (الطاعن الأوّل) قرّر في التحقيق أنه كان في غيطه ولم يحضر المشاجرة واستشهد بكل من علي البطل ومصطفى سعيد ومحمود الدسوقي. وأنه بسؤال علي محمد البطل وهو الذي اتفق الطرفان على وجوده وقت الحادث والذي اتضح أنه لا تربطه أي صلة لا بالمتهمين ولا بالمصابين قال إنه حضر المشاجرة من بدئها وكان على مسافة 150 متراً من مكان الحادث ومعه محمود محمد إمام والإمام إبراهيم بصبوصة، وفي الساعة 7 ونصف حضر محمد إمام وبلّغ والده الإمام أن عائلة زناتي مروا على الطريق وسبوه، فالإمام أمر ابنه محمود بجمع الأنفار الذين يروون بأرض العمدة فذهب محمود محمد الإمام وحضر أمين محمد الإمام ومحمد السيد البسطويسي وعبد الشكور النادي وعادوا لجمع أنفار آخرين وجمعوا الأنفار فعلاً، ومشى محمود محمد الإمام مع من جمعوهم جهة غيظ الزناتية. وبعدها بقليل سمع الشاهد الصياح والضرب فذهب فوجد عبد الشكور النادي وأمين محمد إمام ومحمد حسن سالم ومحمد السيد البسطويسي يضربون عبد الرازق زناتي، وقرّر أنه رأى محمد حسن سالم يضرب المجني عليه، وهو واقف، بالكوريك على رأسه فوقع، والباقين ضربوه على جسمه، ولم يرَ بمحل الحادثة المتهمين الثاني والرابع وقت الاعتداء على عبد الرازق زناتي، وأنهما لم يحضرا إلا بعد ضربه. وأن محصل شهادة هذا الشاهد أنه رأى محمد حسن سالم ضرب المجني عليه بالكوريك ولم يرَ أي اعتداء حصل عليه من المتهمين الثاني والرابع لحضورهما بعد ضربه، كما أن كل ما نسبه للمتهم الأوّل أنه رافق من جمعهم من الأهالي وذهب بهم لغيط الزناتية محل وقوع الحادثة. أما الشاهدان مصطفى سعيد ومحمود الدسوقي فقرّر أوّلهما أنه رأى محمود الإمام بمحل الحادثة بعد انتهاء المشاجرة، وقرّر ثانيهما أنه رآه بغيظ العمدة بعد المشاجرة بساعة. وأنه بسؤال المتهم محمد حسن سالم قرّر أوّلاً أنه كان في غيطه وقت المشاجرة وأنه لو تدخل فيها لوجدت به إصابات. ولما فحصت ملابسه وشوهد بها أثر دماء ونوقش في سببه قرّر أنه حضر المشاجرة بعد انفضاضها، وأن الآثار التي شوهدت به نتيجة حمله لمحمد محمد زهري ونقله لجسر الترعة، وكذبه شلبي إبراهيم شتيوى في أنه حمل محمد زهري. أما المتهمان الثاني والرابع فأنكرا ما نسب إليهما".
وحيث إنه يبين مما تقدّم أن الحكم المطعون فيه قد اعتمد بصفة أساسية في إدانة الطاعن على أقوال علي محمد البطل. ولما كان الثابت بمحضر المحاكمة أن هذا الشاهد لم تسمع أقواله بالجلسة ولم يؤمر بتلاوتها فيها، كما أن النيابة لم تتمسك أمام المحكمة بهذه الأقوال في التحقيقات الابتدائية، وكذلك الدفاع من جانبه لم يشر إلى شيء منها - لما كان كل ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ خطأ يعيبه بما يستوجب نقضه. وذلك أنه يجب في المحاكمات الجنائية أن لا تعتمد المحكمة في قضائها إلا على التحقيقات التي تجريها بنفسها علناً بمواجهة الخصوم في الدعوى حتى تتسنى مناقشة كل دليل من الأدلة المقدّمة فيها وتمحيصه في الجلسة. وإن لم يكن مستطاعاً لسبب من الأسباب سماع شاهد أمامها فإنه يكون من المتعين تنبيه الخصوم إلى أقواله في التحقيق وتلاوتها عليهم ليبدوا دفاعهم على أساسها. أما والمحكمة لم تفعل شيئاً من ذلك، واعتمدت بصفة أصلية على دليل من واقع الأوراق، فإنها تكون قد أخذت الخصوم على غرة منهم وتكون بالتالي قد أخلت بحق دفاعهم. وهذا يستوجب نقض حكمها.