أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 23 - صـ 564

جلسة 29 من مارس سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد أسعد محمود، وجوده أحمد غيث، ومحمد عادل مرزوق، وإبراهيم السعيد ذكري.

(88)
الطعن رقم 5 لسنة 38 ق "أحوال شخصية"

( أ ) نقض. "نطاق الطعن". اختصاص. "الاختصاص الولائي". نظام عام.
إثارة السبب المتعلق بالنظام العام من المطعون عليه أمام محكمة النقض. شرطه. أن يكون وارداً على الجزء المطعون عليه من الحكم. مثال في الدفع بعدم الاختصاص الولائي.
(ب، ج، د) وقف. "وقف غير المسلم". "شرط الواقف".
(ب) إسلام الواقف ليس شرطاً في صحة الوقف على المسلم. صحة وقف المسيحي ما لم يكن على جهة محرمة في شريعة الواقف وفي الشريعة الإسلامية. م 7 قانون الوقف 48 لسنة 1946.
(ج) شرط الواقف المسيحي جعل المكان الموقوف مقراً لمن يرد عليه من الفقراء والمساكين ورجال العلم والأدب والدين دون تخصيص. ثبوت الاستحقاق للمترددين من المسيحيين والمسلمين وغيرهما. ديانة الواقف أو الناظر ليست سبباً لتخصيص هذا الشرط بالمسيحيين دون غيرهم.
(د) شرط الواقف بأن يتولى الناظر صرف ربع الحصة حسبما يتراءى له على الأغراض المخصصة في حجة الوقف. لا يفيد تمليك الناظر حق التصرف في أصل الاستحقاق إدخالاً وإخراجاً.
(هـ) وقف "النظر على الوقف".
النظر على الوقف الخيري. لوزارة الأوقاف ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه. الاستثناء. وقف غير المسلم على مصرف لغير جهة إسلامية. النظر لمن تعينه المحكمة ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه أو لوزارة الأوقاف.
(و) قانون. "الإلغاء الضمني".
الإلغاء الضمني للنص. شرطه. أن يرد النص في القانون الجديد وفي القانون القديم على محل واحد مما يستحيل معه أعمالهما فيه.
1 - إنه وإن كان يجوز للمطعون عليه، كما هو الشأن بالنسبة للنيابة العامة ولمحكمة النقض، أن يثير في الطعن ما يتعلق بالنظام العام إلا أن ذلك مشروط بأن يكون وارداً على الجزء المطعون عليه من الحكم، وإذ كان الثابت أن تقرير الطعن يقتصر على ما قضى به الحكم في الموضوع، ولم يحو نعياً على ما قضى به في شأن الاختصاص، فلا يجوز للمطعون عليها أن تتمسك في دفاعها أمام هذه المحكمة بعدم ولاية المحاكم بنظر الدعوى. بناءً على تعلقه بالنظام العام.
2 - إسلام الواقف ليس شرطاً في صحة الوقف على المسلم، والأصل في وقف المسيحي من حيث الجهة الموقوف عليها طبقاً للمذهب الحنفي المعمول به وقت صدور الوقف موضوع النزاع، هو أن يكون الوقف قربة إلى الله تعالى عند المسلم والمسيحي معاً، وهو صحيح وفقاً لنص المادة السابعة من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946، ما لم يكن على جهة محرمة في شريعة الواقف وفي الشريعة الإسلامية، فيكون الوقف على فقراء المسلمين أو على فقراء المسيحيين أو عليهما معاً جائزاً فقهاً وقانوناً، لأنه في جميع الأحوال جهة بر يتقرب بها إلى الله في الشريعة الإسلامية والمسيحية، حتى جاز للمسلم أن يدفع لفقراء غير المسلمين صدقة الفطر والكفارات.
3 - إذا كان الواقف قد نص في كتاب وقفه على أن "السراي - الموقوفة - تكون مقراً لسكن ناظر الوقف ومن يرد على هذه السراي من الفقراء والمساكين وأبناء السبيل والمحتاجين ورجال العلم والأدب والدين للمبيت في السلاملك المخصص لذلك بهذه السراي ولطعامهم الطعام المناسب من الريع الذي سيخصص لها بعد...." فإن هذا القول من الواقف يدل على التعميم لا التخصيص والإطلاق لا التقييد، فيثبت الاستحقاق للمترددين من المسيحيين والمسلمين وغيرهما في الضيافة المذكورة، ودلالته على هذا المعنى دلالة نصية صريحة تفيد الحكم بطريق القطع، فلا يكون صحيحاً ما ذكرته الطاعنة - ناظرة الوقف - من أن الواقف لم يقصد مطلقاً جهة بر عامة، يدخل فيها مصرف إسلامي، ولم يذكرها صراحة، يؤكد ذلك أن الواقف خصص مصرف الأقسام الأخرى في الوقف لأبناء دينه وطائفته على النحو الذي أوضحه الحكم، ولا يغير من هذا النظر ما أثارته الطاعنة من دلالات بسبب النعي، ذلك أنه لما كان وقف المسيحي على المسلم صحيحاً شرعاً، وهو قربة إلى الله تعالى في دينه، فمجرد كون الواقف مسيحي الديانة، واشتراطه النظارة من بعده لغبطة البطريرك بعد انقراض الذرية، لا يحمل دلالة على أن الواقف أراد بالفقراء وغيرهم من المترددين على المضيفة خصوص المسيحيين، إذ لا منافاة بين المسيحية والقربة إلى الله تعالى بالصدقة والبر العام، فلا تكون ديانة الواقف سبباً للتخصيص، لأن اعتناق الدين أمر باطني ولا تستمد منه إرادة بالحرمان لم يقم عليها دليل ظاهر، بل لقد قام الدليل على خلافها، إذ نص الواقف على عموم الاستحقاق بين المسيحيين وغيرهم في هذا الخصوص، وكذلك الحال بالنسبة للناظر فلا يلزم من كون الناظر مسيحياً أن يكون الموقوف عليه مسيحياً، وإذ كان اشتراط الواقف جعل ريع الحصة التي تعذر صرفها في باقي الحصص، هو نص لازم لمنع الانقطاع فيها، واشتراط أيلولة جميع الحصص انتهاء عند تعذر صرفها في الجهات التي حددها إلى جهة بر لا تنقطع - سواء كانت الجهة هي الفقراء المسيحيين أو غيرهم - هو شرط لصحة الوقف قانوناً، فلا يحمل أي الشرطين قرينة على إرادة الواقف انسحاب ما تقيدت به جهة مآلية على جهة أصلية، بل إن ترتيب الاستحقاق في هذه الجهة الانتهائية على تعذر الصرف في الجهة الأصلية معناه تحقق المغايرة بينهما، وعدم إرادة الواقف تقييد الأولى بما تقيدت به الثانية.
4 - قول الواقف - المسيحي - في الحصة المرصودة على المضيفة، بأن يتولى الناظر صرف ريعها حسبما يتراءى له على الأغراض المخصصة للسراي - الملحق بها المضيفة - لا يفيد تمليك الناظر حق التصرف في أصل الاستحقاق إدخالاً وإخراجاً، وإعطاء أو حرماناً، فلا يكون له سلطان في إسقاط حق المترددين على المضيفة من غير المسيحيين، إذ لم يشترط الواقف الشروط العشرة في وقفه، وإنما يفيد هذا القول تمليك الناظر حق صرف الريع في الوجوه اللازمة لقيام المضيفة وتقرير ما يتطلبه كل وجه.
5 - مؤدى نص المادتين 2/ 1 و3 من القانون رقم 247 لسنة 1953 المعدل بالقانونين رقمي 547 لسنة 1953 و296 لسنة 1954، ونص المادتين 1 و17 من القانون رقم 272 لسنة 1959، أن المشرع أقام وزارة الأوقاف في النظر على الوقف الخيري ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه، وجعلها أحق بالنظر ممن شرط له الواقف، ولو كان من ذريته أو أقاربه باعتبارها صاحبة الولاية العامة وأولى من غيرها برعاية جهات الخير وحمايتها وتوجيه الريع إلى المصارف ذات النفع العام، وتحقيق غرض الواقف من التقرب إلى الله بالصدقة الجارية، فأعطاها الحق في النظر بحكم القانون في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 247 لسنة 1953، وأورد بالمادة الثالثة منه استثناءً على هذا الحق خاصاً بوقف غير المسلم على مصرف لغير جهة إسلامية، ليقيم القاضي ناظره إن لم يشترط الواقف النظر لنفسه. والحكمة من ذلك دفع الحرج عن الطوائف غير الإسلامية وعن وزارة الأوقاف في ولايتها على أوقاف جعلت لمصارف الطائفة خاصة، ولم يشأ المشرع عند وضع القانون رقم 272 لسنة 1959 أن يلغي الفقرة الأولى من المادة الثانية سالفة الذكر حتى يستمر العمل بحكمها دون مساس أو تعديل، وفي حدود الاستثناء الوارد عليه في المادة الثالثة بشأن وقف غير المسلم على مصرف لغير جهة إسلامية، ولا وجه للتحدي بما تنص عليه الفقرة الثالثة من المادة الأولى من القانون رقم 272 لسنة 1959 من أن وزارة الأوقاف تتولى الأوقاف الخيرية التي يشترط النظر فيها لوزير الأوقاف إذا كان واقفوها غير مسلمين، والقول بأنها ألغت الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون القديم 247 لسنة 1953، وأنها لا تعطي وزارة الأوقاف الحق في النظر على الوقف الخيري من غير المسلم إذا لم يشترط فيه النظر لها، ذلك أن الفقرة الثالثة من المادة الأولى من القانون الجديد - 272 لسنة 1959 - على ما هو واضح من عبارتها وضعت لتجعل لوزارة الأوقاف حق إدارة الأوقاف الخيرية إذا كان الواقف غير مسلم وشرط لها النظر، وتعتبر هذه الفقرة قيداً يضاف إلى نص المادة الثالثة من القانون القديم، بحيث إذا كان الواقف غير مسلم والمصرف غير جهة إسلامية، كان النظر لمن تعينه المحكمة ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه أو لوزارة الأوقاف، ولا علاقة لهذه الفقرة بالحالة التي تنظمها الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون القديم، وهي حالة الوقف الذي اشترط فيه الواقف النظر لغيره، إذ يكون النظر لوزارة الأوقاف بحكم هذا القانون بدلاً ممن شرطه الواقف، وبالتالي فلا تعارض بين نص الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون القديم وبين نص الفقرة الثالثة من المادة الأولى من القانون الجديد.
6 - لا محل للاحتجاج بأن النص الأول - الوارد في القانون القديم - قد ألغي ضمناً بالنص الثاني - الوارد في القانون الجديد - لأن هذا الإلغاء لا يكون إلا إذا توارد النصان في القانون الجديد وفي القانون القديم على محل واحد يستحيل معه إعمالهما فيه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنة بصفتها ناظرة على وقف الدكتور سوريال جرجس سوريال أقامت الدعوى رقم 5 سنة 1966 تصرفات أمام محكمة القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية ضد وزارة الأوقاف - المطعون عليها - طالبة الحكم بعدم أحقية الوزارة في النظر على أي قدر من الأعيان المبينة بكتاب الوقف المذكور وبانفرادها بالنظر على جميع أعيانه ومنع تعرض الوزارة لها، وقالت شرحاً لدعواها إنه بموجب إشهاد شرعي مؤرخ 11/ 9/ 1944 وقف الدكتور سوريال جرجس سوريال وهو قبطي أرثوذكسي أطياناً مساحتها 208 ف و13 ط و12 س مبينة به وجعل الريع على جهات بر عينها بكتاب الوقف وهي كنيسة الأمير تادرس بناحية الجديدة مركز منيا القمح ومدرسة أولية لتعليم الدين المسيحي سماها مدرسة جرجس سوريال وألحقها بالكنيسة وملجأ لإيواء العجزة من الأقباط الأرثوذكس، وكنيسة أخرى بناحية ميت بشار مركز منيا القمح سماها كنيسة ماري جرجس ألحقها بمدفن العائلة، وجعل منزله الكائن بالجديدة الملحق بالكنيسة والمدرسة والملجأ مقراً لإدارة المرافق الخيرية القبطية الأرثوذكسية المذكورة وخصص السلاملك الملحق بالمنزل لضيافة المترددين على تلك المرافق، واشترط أن يصرف من الريع 4 ط من 24 ط على كنيسة الأمير تاردس والمدرسة الأولية ومدفن العائلة والكنيسة الملحقة به و4 ط على الملجأ و4 ط على الفقراء والمساكين من أبناء طائفة الأقباط الأرثوذكس و12 ط من 24 ط على المنزل والسلاملك، وشرط النظر لنفسه مدة حياته، ثم من بعده لزوجته السيدة سينا رزق سوريال - الطاعنة - ثم من بعدها لمن يحدثه الله له من الأولاد ذكوراً وإناثاً للأرشد فالأرشد، فإذا انقرضوا كان النظر للسيد/ بطرس رزق سوريال، ثم من بعده للأرشد فالأرشد من أولاده، فإذا انقرضوا كان النظر لغبطة بطريرك الأقباط الأرثوذكس، وشرط في حالة تعذر الصرف على واحد مما شرط له أن يصرف على الباقي، وإذا تعذر الصرف على الجميع يصرف الريع على الفقراء والمساكين من أبناء الطائفة المصريين ويقدم عليهم أقاربه، فإن لم يوجد فعلى الفقراء المسيحيين عموماً، وبذلك صار الوقف خيرياً لأن نهايته للفقراء المسيحيين عموماً غير أن وزارة الأوقاف اعتبرت الجزء الموقوف على المنزل والسلاملك الملحق به جهة بر عامة ومن حقها النظر عليه وفقاً للقانون رقم 247 لسنة 1953، وإذ طلبت من الطاعنة المعينة ناظرة بكتاب الوقف أن تسلمها هذا الجزء من الوقف فقد أقامت دعواها للحكم لها بطلباتها. ودفعت وزارة الأوقاف بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، وبتاريخ 15/ 1/ 1967 حكمت المحكمة برفض الدفع بعدم الاختصاص وبرفض الدعوى. استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبة إلغاءه والحكم لها بطلباتها وقيد هذا الاستئناف برقم 3 سنة 84 ق "أحوال شخصية تصرفات". وبتاريخ 13/ 1/ 1968 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض. ودفعت المطعون عليها بعدم اختصاص المحاكم ولائياً بنظر الدعوى وطلبت في الموضوع رفض الطعن، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفع وفي الموضوع برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع بعدم الاختصاص الذي أبدته المطعون عليها أن لجنة شئون الأوقاف أصدرت بتاريخ 14/ 5/ 1966 قراراً بإقامة وزارة الأوقاف في النظر على الجزء الموقوف على الخير العام، وأن الطاعنة تستهدف بطلباتها في الدعوى إلغاء هذا القرار، وهو ما يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظره، لأن هذا القرار صادر من جهة إدارية ذات اختصاص قضائي، غير أن الحكم المطعون فيه أعرض عن بحث هذا الدفع رغم تمسكها به استناداً إلى أنها لم ترفع استئنافاً عن الحكم الابتدائي الذي قضى برفض الدفع، وهو من الحكم خطأ ومخالفة للقانون ذلك أنه طبقاً للمادة 410 من قانون المرافعات السابق يكون للخصم المحكوم له أن يتمسك في الاستئناف المرفوع من خصمه بما لم تكن محكمة أول درجة قد قبلته من أوجه دفاعه ودفوعه دون حاجة إلى رفع استئناف فرعي أو مقابل كما يجوز له أن يتمسك بهذا الدفع أمام محكمة النقض لتعلقه بالنظام العام.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأنه وإن كان يجوز للمطعون عليه - كما هو الشأن بالنسبة للنيابة العامة ولمحكمة النقض - أن يثير في الطعن ما يتعلق بالنظام العام إلا أن ذلك مشروط بأن يكون وارداً على الجزء المطعون عليه من الحكم، وإذ كان الثابت أن تقرير الطعن يقتصر على ما قضى به الحكم في الموضوع ولم يحو نعياً على ما قضى به في شأن الاختصاص، فلا يجوز للمطعون عليها أن تتمسك في دفاعها أمام هذه المحكمة بعدم ولاية المحاكم بنظر الدعوى بناءً على تعلقه بالنظام العام.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين حاصل أولهما أن الحكم المطعون فيه خالف القانون بمخالفة شرط الواقف، ذلك أن الحكم اعتبر المرصود على منزل الواقف والسلاملك الملحق به وقفاً على جهة بر عامة يدخل في المصارف الإسلامية، مع أن وقف المسلم على الفقراء لا يحمل أن يكون مقصده غير المسلمين دون نص، وكذلك المسيحي لا يحمل وقفه على الفقراء بأنه جعله لغير المسيحيين دون نص، وأنه بالرجوع إلى كتاب الوقف يبين أن الواقف لم يقصد أن يجعل الجزء المرصود للمنزل والسلاملك وقفاً على جهة بر تدخل في المصارف الإسلامية، إذ جعل خاتمة النظر على الوقف إلى بطريرك الأقباط الأرثوذكس وخاتمة المصرف على الفقراء المسيحيين، وشرط في حالة تعذر الصرف على أحد المصارف الخيرية أن يصرف الريع على الباقي، وترك للناظر تقدير صرف الريع على ما يلزم للمنزل من "صيانة ومن ضيافة ومن مأكل ومبيت وخدم وإنارة..." وألحق المنزل والسلاملك بالأماكن التي أعدت لإقامة الشعائر الدينية المسيحية الأرثوذكسية ولتعليم تلك الديانة. وظاهرة من ديانة الواقف ومن شروط الوقف والجهات الموقوف عليها أن الجزء الموقوف على المنزل والسلاملك مصرفه إلى جهة بر غير إسلامية، ولو أن الواقف أراد أن يجعله إلى جهة بر عامة تدخل في المصارف الإسلامية لنص على ذلك صراحة أو جعل النظر لوزارة الأوقاف، وإذ لم يلتزم الحكم المطعون فيه التفسير الصحيح لشرط الواقف فإنه يكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أنه لما كان الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه قد أورد في تفسير الشرط المختلف عليه ما يلي "إن الواقف أنشأ وقفه على جهات عينها في كتاب وقفه بعد أن أبان في صدره أنه وقف خيري محض وخال في الشروط العشرة ومن كل شرط يجعله غير خيري، وبعد أن أوضح مساحات قطع الأرض الموقوفة بحدودها حدد مصرف ريعها ومقدار الحصة الموقوفة على هذا المصرف، فخص نصف ريع تلك الأطيان الموقوفة على السراي والسلاملك الملحق بها، وحدده بمقدار 12 ط من 24 ط ينقسم إليها ريع الأطيان الموقوفة على المترددين على هذه السراي من الفقراء والمساكين وأبناء السبيل والمحتاجين ورجال العلم والأدب والدين، والنصف الآخر من ريع تلك الأطيان الموقوفة وهو 12 ط من 24 ط قسمها أثلاثاً........ وأنه أراد بالقسم الأول من وقفه وهو الوقف على السراي والسلاملك أن يطلقه إطلاقاً عاماً بدون قيد بالنسبة لزبائنه المترددين عليها من الأصناف التي حددها، وقيد ذلك بالنسبة للكنيسة الكائنة بناحية الجديدة وما ألحق بها من المدرسة التي تقوم على تعليم الدين المسيحي للملحقين بها من أبناء الطائفة، وجعل الإشراف عليها لوكيل الشريعة الطائفية، كما خصص المدفن وما ألحق به من الكنيسة بناحية ميت بشار على أسرته وإقامة الشعائر الدينية في الكنيسة في المواسم والأعياد القبطية.... كما قيد بالنسبة للملجأ أن يكون الملحق به من العجزة والمقعدين من ذوي العاهات والأيتام والأرامل والشيوخ من الأقباط الأرثوذكس الفقراء وقيد في المصرف الأخير بالفقراء والمحتاجين من الأقباط الأرثوذكس المصريين، وعلى هذا الأساس يبين أن الواقف على ما هو مفهوم من دلالة إطلاقه للمترددين على السراي والسلاملك بدون وصف لديانتهم أنه أراد عموم المترددين سواء في ذلك ما إذا كان المتردد مسلماً أم غير مسلم، من طائفة الواقف أو مختلفاً معه ولو كان يريد التخصيص بأهل الطائفة لنص عليه ولا تخصيص إلا بمخصص، وإذا كان ذلك هو مراد الواقف ومقصده الذي يفهم من سياق إنشائه في كتاب الوقف يضحى الجزء الموقوف على السراي والسلاملك جهة بر عامة تأخذ حكم جهة بر إسلامية، ولا يوهن من هذا القول ما أثارته المدعية - الطاعنة - بصحيفة دعواها وشرح وكيلها بمذكرته المقدمة بتاريخ 15/ 12/ 1966 من أن الأصل في إنشاء هذه المرافق الخيرية والوقف عليها هو رعاية الديانة الأرثوذكسية لأن الواقف وإن كان مسيحياً ألا أنه أراد خيراً عاماً لكل الطوائف والملل على اختلاف أديانها". ولما كان إسلام الواقف ليس شرطاً في صحة الوقف على المسلم، والأصل في صحة وقف المسيحي من حيث الجهة الموقوف عليها طبقاً للمذهب الحنفي المعمول به وقت صدور الوقف موضوع النزاع هو أن يكون الوقف قربة إلى الله تعالى عند المسلم والمسيحي معاً، وهو صحيح وفقاً لنص المادة السابعة من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 ما لم يكن على جهة محرمة في شريعة الواقف وفي الشريعة الإسلامية، فيكون الوقف على فقراء المسلمين أو على فقراء المسيحيين أو عليهما معاً جائزاً فقهاً وقانوناً، لأنه في جميع الأحوال جهة بر يتقرب بها إلى الله في الشريعة الإسلامية والمسيحية، حتى جاز للمسلم أن يدفع لفقراء غير المسلمين صدقة الفطر والكفارات. لما كان ذلك وكان الواقف قد نص في كتاب وقفه بشأن السراي والسلاملك على ما يأتي "إنشاء حضرة الواقف الدكتور سوريال جرجس سوريال المذكور وقفه هذا من الآن خيرياً محضاً على الجهات الآتية: (أولاً) السراي السالف ذكرها تكون مقراً لسكن ناظر هذا الوقف ومن يرد على هذه السراي من الفقراء والمساكين وأبناء السبيل والمحتاجين ورجال العلم والأدب والدين للمبيت في السلاملك المخصص لذلك بهذه السراي ولطعامهم الطعام المناسب من الريع الذي سيخصص لها بعد..." وكان هذا القول من الواقف يدل على التعميم لا التخصيص والإطلاق لا التقييد، فيثبت الاستحقاق للمترددين من المسيحيين والمسلمين وغيرهما في الضيافة المذكورة، ودلالته على هذا المعنى دلالة نصية صريحة تفيد الحكم بطريق القطع، فلا يكون صحيحاً ما ذكرته الطاعنة من أن الواقف لم يقصد مطلقاً جهة بر عامة يدخل فيها مصرف إسلامي، ولم يذكرها صراحة، يؤكد ذلك أن الواقف خصص مصرف الأقسام الأخرى في الوقف لأبناء دينه وطائفته على النحو الذي أوضحه الحكم، وكان لا يغير من هذا النظر ما أثارته الطاعنة من دلالات بسبب النعي، ذلك أنه لما كان وقف المسيحي على المسلم صحيحاً شرعاً، وهو قربة إلى الله تعالى في دينه، فمجرد كون الواقف مسيحي الديانة واشتراطه النظارة من بعده لغبطة البطريرك بعد انقراض الذرية لا يحمل دلالة على أن الواقف أراد بالفقراء وغيرهم من المترددين على المضيفة خصوص المسيحيين، إذ لا منافاة بين المسيحية والقربة إلى الله تعالى بالصدقة والبر العام فلا تكون ديانة الواقف سبباً للتخصيص، لأن اعتناق الدين أمر باطن ولا تستمد منه إرادة بالحرمان لم يقم عليها دليل ظاهر، بل لقد قام الدليل على خلافها إذ نص الواقف على عموم الاستحقاق بين المسيحيين وغيرهم في هذا الخصوص وكذلك الحال بالنسبة للناظر فلا يلزم من كون الناظر مسيحياً أن يكون الموقوف عليه مسيحياً، وكان اشتراط الواقف جعل ريع الحصة التي تعذر صرفها في باقي الحصص هو نص لازم لمنع الانقطاع فيها، واشتراط أيلولة جميع الحصص انتهاءً عند تعذر صرفها في الجهات التي حددها إلى جهة بر لا تنقطع - سواء كانت الجهة هي الفقراء المسيحيين أو غيرهم - هو شرط لصحة الوقف قانوناً، فلا يحمل أي الشرطين قرينة على إرادة الواقف انسحاب ما تقيدت به جهة مآلية على جهة أصلية، بل إن ترتيب الاستحقاق في هذه الجهة الانتهائية على تعذر الصرف في الجهة الأصلية معناه تحقق المغايرة بينهما وعدم إرادة الواقف تقييد الأولى بما تقيدت به الثانية، وقول الواقف في الحصة المرصودة على المضيفة "يتولى الناظر صرف ريعها حسبما يتراءى له على الأغراض المخصصة للسراي السالف ذكرها" لا يفيد تمليك الناظر حق التصرف في أصل الاستحقاق إدخالاً أو إخراجاً، وإعطاء أو حرماناً، فلا يكون له سلطان في إسقاط حق المترددين على المضيفة من غير المسيحيين، إذ لم يشترط الواقف الشروط العشرة في وقفه، وإنما يفيد هذا القول تمليك الناظر حق صرف الريع في الوجوه اللازمة لقيام المضيفة وتقرير ما يتطلبه كل وجه، وقد أفصح الواقف عن ذلك بقوله "من صيانة ومن ضيافة ومن مأكل ومبيت وخدم وإنارة وموظفين ومفروشات" ثم أكد هذا المعنى وأكد معه عموم استحقاق الضيافة للواردين بقوله "وجميع ما يلزم لعمل مضيفة مناسبة مستعدة لاستقبال الضيوف الواردين" وإذ لم يرد في كتاب الوقف ما يدل على إلحاق المنزل والسلاملك بالأماكن المعدة لإقامة الشعائر الدينية المسيحية على نحو ما تقول به الطاعنة. لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى في تفسيره لشرط الواقف بأن المرصود على السراي والسلاملك جهة بر عامة، وكان تفسيره سائغاً يؤدي إليه كتاب الوقف في مجموع عباراته ولا مخالفة فيه لغرض الواقف، فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه جعل النظر لوزارة الأوقاف في الجزء الموقوف على منزل الواقف والسلاملك الملحق به، مستنداً في ذلك إلى أن الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 247 لسنة 1953 معدلة بالقانونين رقمي 547 لسنة 1953 و596 لسنة 1954 تجعل لوزارة الأوقاف النظر في الوقف على جهة البر ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه، وأن القانون رقم 272 لسنة 1959 ينص في المادة 17 منه على إلغاء الفقرات 2، 3، 4 من المادة المشار إليها دون الفقرة الأولى سالفة الذكر، فتظل باقية ويعمل بها، وهو من الحكم خطأ ومخالفة للقانون، ذلك أن القانون رقم 272 لسنة 1959 يبين على سبيل الحصر في مادته الأولى الأوقاف التي تتولى وزارة الأوقاف إدارتها، وخولها بنص الفقرة الأولى من هذه المادة حق إدارة جميع الأوقاف الخيرية ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه، ثم نص في فقرتها الثالثة على استثناء لهذه القاعدة مقتضاه ألا تتولى وزارة الأوقاف إدارة الأوقاف الخيرية من غير المسلمين ما لم يشترط فيها النظر للوزارة، ولم يجعل هذا الاستثناء مقيداً بقيد ما، فيسري سواء كان وفق غير المسلم على جهة بر إسلامية أو غير إسلامية، وهو ما يستتبع إلغاء الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 247 لسنة 1953 دون حاجة إلى النص صراحة على إلغائها إذ هو إلغاء ضمني وفقاً لما تقضي به المادة الثانية من القانون المدني، هذا إلى أن القانون رقم 272 لسنة 1959 ينص في المادة 17 منه على إلغاء كل نص يخالف حكمه، وهو لا يعطي وزارة الأوقاف الحق في النظر على الوقف الخيري من غير المسلم إذا لم يشترط فيه النظر لها، وإذ عين الواقف الطاعنة في النظر بالاسم على الوقف موضوع النزاع، فلا يكون النظر عليه لوزارة الأوقاف.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن النص في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 247 لسنة 1953 معدلة بالقانونين رقمي 547 لسنة 1953 و296 لسنة 1954 على أنه "إذا كان الوقف على جهة بر كان النظر عليه بحكم هذا القانون لوزارة الأوقاف ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه" والنص في مادته الثالثة معدلة بالقانون رقم 547 لسنة 1953 على "أنه ومع ذلك إذا كان الواقف غير مسلم والمصرف غير جهة إسلامية كان النظر لمن تعينه المحكمة الشرعية ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه" والنص في المادة الأولى من القانون رقم 272 لسنة 1959 على أن "تتولى وزارة الأوقاف إدارة الأوقاف الآتية: (أولاً) الأوقاف الخيرية ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه.... (ثالثاً) الأوقاف الخيرية التي يشترط فيها النظر لوزير الأوقاف إذا كان واقفوها غير مسلمين" والنص في المادة 17 منه على "إلغاء الفقرات 2، 3، 4 من المادة الثانية من القانون رقم 247 لسنة 1953.... وكل نص يخالف حكم هذا القانون" يدل على أن المشرع أقام وزارة الأوقاف في النظر على الوقف الخيري ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه، وجعلها أحق بالنظر ممن شرط له الواقف ولو كان من ذريته أو أقاربه باعتبارها صاحبة الولاية العامة، وأولى من غيرها برعاية جهات الخير وحمايتها وتوجيه الريع إلى المصارف ذات النفع العام، وتحقيق غرض الواقف من التقرب إلى الله بالصدقة الجارية، فأعطاها الحق في النظر بحكم القانون في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 247 لسنة 1953 وأورد بالمادة الثالثة منه استثناءً على هذا الحق خاصاً بوقف غير المسلم على مصرف لغير جهة إسلامية ليقيم القاضي ناظره إن لم يشترط الواقف النظر لنفسه، والحكمة من ذلك دفع الحرج عن الطوائف غير الإسلامية وعن وزارة الأوقاف في ولايتها على أوقاف جعلت لمصارف الطائفة خاصة، ولم يشأ المشرع عند وضع القانون رقم 272 لسنة 1959 أن يلغي الفقرة الأولى من المادة الثانية سالفة الذكر، إذ نص في المادة 17 منه على إلغاء الفقرات 2 و3 و4 من المادة الثانية المشار إليها دون الفقرة الأولى التي قررت النظر لوزارة الأوقاف على الوقف الخيري ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه، حتى يستمر العمل بحكمها دون مساس أو تعديل في حدود الاستثناء الوارد عليه في المادة الثالثة بشأن وقف غير المسلم على مصرف لغير جهة إسلامية. ولا وجه للتحدي بما تنص عليه الفقرة الثالثة من المادة الأولى من القانون رقم 272 لسنة 1959 من أن وزارة الأوقاف تتولى الأوقاف الخيرية التي يشترط النظر فيها لوزير الأوقاف إذا كان واقفوها غير مسلمين، والقول بأنها ألغت الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون القديم وأنها لا تعطي وزارة الأوقاف الحق في النظر على الوقف الخيري من غير المسلم إذا لم يشترط فيه النظر لها، ذلك أن الفقرة الثالثة من القانون الجديد على ما هو واضح من عبارتها وضعت لتجعل لوزارة الأوقاف حق إدارة الأوقاف الخيرية إذا كان الواقف غير مسلم وشرط لها النظر، وتعتبر هذه الفقرة قيداً يضاف إلى نص المادة الثالثة من القانون القديم، بحيث إذا كان الواقف مسلماً والمصرف غير جهة إسلامية كان النظر لمن تعينه المحكمة ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه أو لوزارة الأوقاف، ولا علاقة لهذه الفقرة بالحالة التي تنظمها الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون القديم وهي حالة الوقف الذي اشترط فيه الواقف النظر لغيره، إذ يكون النظر لوزارة الأوقاف بحكم هذا القانون بدلاً ممن شرطه الواقف، وبالتالي فلا تعارض بين نص الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون القديم وبين نص الفقرة الثالثة من المادة الأولى من القانون الجديد، ولا وجه من بعد للاحتجاج بأن النص الأول قد ألغي ضمناً بالنص الثاني، لأن هذا الإلغاء لا يكون إلا إذا توارد النصان في القانون الجديد وفي القانون القديم على محل واحد يستحيل معه إعمالهما فيه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد جرى في قضائه على أن وزارة الأوقاف هي صاحبة الحق في النظر على الجزء الموقوف على السراي والسلاملك وهي جهة بر عامة تدخل في المصاريف الإسلامية، وذلك على ما سلف بيانه في الرد على السبب الأول ولم يعتد الحكم بما شرطه الواقف بما شرطه الواقف من تعيين زوجته - الطاعنة - في النظر على هذا الجزء من بعده، فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.