أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني- السنة 23 - صـ 657

جلسة 6 من إبريل سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وعثمان زكريا، وعلي عبد الرحمن.

(103)
الطعن رقم 226 لسنة 37 القضائية

( أ ) حكم. "الطعن في الحكم. الأحكام الجائز الطعن فيها". استئناف. اختصاص.
صدور الحكم بعدم الاختصاص والإحالة. قابليته للطعن المباشر في الميعاد باعتباره منهياً للخصومة أمام المحكمة التي أصدرته. انصراف حكم المادة 404 مرافعات سابق إلى الأحكام القطعية التي لا تمنع المحكمة من المضي في نظر الدعوى. هذه المادة تكمل - في خصوص الاستئناف - قاعدة المادة 378 من نفس القانون.
(ب) نقض. "أسباب الطعن. ما لا يصلح سبباً للطعن".
قضاء الحكم المطعون فيه بتأييد الحكم الابتدائي بناءً على أسباب خاصة. النعي الموجه إلى ما ورد بأسباب الحكم الابتدائي. غير مقبول.
(ج) إيجار. "بعض أنواع الإيجار. إيجار الأماكن".
ثبوت أن الغرض الأساسي من الإجارة ليس هو المبنى ذاته، وإنما ما اشتمل عليه من أدوات وآلات، وأن المبنى ليس إلا عنصراً ثانوياً. عدم انطباق القانون 121 لسنة 1947.
(د) حكم. "تسبيب الحكم. التسبيب الكافي".
عدم التزام محكمة الموضوع بالرد على جميع ما يقدم من الأدلة والقرائن. حسبها إقامة حكمها على ما يصلح لحمله.
1 - إنه وإن كان الحكم الصادر بعدم الاختصاص محكمة السويس محلياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القاهرة الابتدائية لم يفصل في موضوع الدعوى، إلا أنه قد أنهى الخصومة أمام المحكمة التي أصدرته، ومن ثم يكون قابلاً للطعن المباشر في الميعاد. والقول بأن الخصومة التي ينظر إلى إنهائها وفقاً لنص المادة 378 من قانون المرافعات السابق هي الخصومة الأصلية المنعقدة بين طرفيها ليس صحيحاً على إطلاقه، ذلك أن المادة 404 من ذلك القانون وإن كانت قد نصت على أن: "استئناف الحكم الصادر في الدعوى يستتبع حتماً استئناف جميع الأحكام السابق صدورها في القضية ما لم تكن قبلت صراحة" إلا أن هذه العبارة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - إنما تنصرف إلى الأحكام القطعية التي لا تمنع المحكمة من المضي في نظرها، وهي الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع ولا تنتهي بها الخصومة كلها أو بعضها، وهي بذلك إنما تكمل القاعدة الواردة في المادة 378 المشار إليها دون الأحكام المنهية للخصومة.
2 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد قضى بتأييد الحكم الابتدائي بناءً على أسباب خاصة دون أن يحيل عليه في أسبابه، وكان النعي الموجه من الطاعن منصرفاً إلى الحكم الابتدائي، فإنه أياً كان وجه الرأي فيه يكون غير مقبول.
3 - متى كان الغرض الأساسي من الإجارة ليس المبنى ذاته، وإنما ما اشتمل عليه من أدوات وآلات أعدت للاستغلال الصناعي أو التجاري بحيث يعتبر المبنى عنصراً ثانوياً بالنسبة لها، فإن هذه الإجارة لا تخضع لأحكام القانون رقم 121 لسنة 1947 والقوانين المكملة له.
4 - محكمة الموضوع غير ملزمة بالرد على جميع ما يقدمه الخصوم من الأدلة والقرائن، بل حسبها أن تقيم حكمها على ما يصلح لحمله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن بلال إبراهيم السيد أقام الدعوى رقم 100 سنة 1965 كلي السويس ضد فهيم لبيب أبو الجدايل بصفته حارساً قضائياً على سينما مصر الشتوي يطلب الحكم بتخفيض أجرة العين الموضحة بصحيفتها إلى 23 ج و417 م، وقال شرحاً للدعوى إنه استأجر العين المذكور لاستغلالها داراً لعرض الأفلام وزودها بالأدوات والآلات اللازمة لذلك، ولما كانت تلك العين مما تخضع لأحكام القانون رقم 121 لسنة 1947 من حيث تحديد الأجرة، وكان بناؤها قد تم إنشاؤه في سنة 1953، وتحددت قيمته الإيجارية بمبلغ 38 ج و500 م شهرياً، فإنه يتعين تخفيض هذه القيمة بنسبة 20%، ثم بنسبة 15% بحيث يصبح الإيجار الشهري مبلغ 24 ج و417 م يخصم منه مقابل العوائد والملحقات وقدره 608 م فتكون الأجرة الواجبة الأداء هي 23 ج و417 م وليست 110 ج كما ورد بالعقد. دفع المدعى عليه بعدم اختصاص محكمة السويس الابتدائية محلياً بنظر الدعوى، وفي 20/ 12/ 1965 حكمت المحكمة بقبول الدفع بعدم اختصاصها وبإحالة الدعوى إلى محكمة القاهرة الابتدائية حيث قيدت برقم 971 سنة 1966 كلي القاهرة، وطلب المدعى عليه رفض الدعوى، استناداً إلى أن المكان المؤجر لا يخضع لأحكام القانون رقم 121 لسنة 1947 والقوانين المكملة له لأن الغرض من الإيجار لم يكن مجرد الانتفاع بالمبنى، بل استغلال الاسم التجاري للسينما وروادها وما يحققه المدعي من أرباح نتيجة الاستفادة من موقع المنشأة وشهرتها وسمعتها. وفي 31/ 10/ 1966 حكمت المحكمة برفض الدعوى، واستأنف المدعي هذا الحكم والحكم الصادر في 20/ 12/ 1965 بعدم الاختصاص والإحالة في الدعوى رقم 100 لسنة 1965 كلي السويس طالباً قبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكمين المذكورين والقضاء أصلياً بإحالة القضية إلى محكمة السويس الابتدائية للحكم بتخفيض أجرة المكان المؤجر إلى 25 ج و889 م واحتياطياً الحكم بتخفيض الأجرة إلى 25 ج و889 م، وقيد الاستئناف برقم 1317 سنة 83 قضائية استئناف القاهرة، وفي 16 فبراير سنة 1967 حكمت المحكمة (أولاً) بسقوط الحق في استئناف الحكم رقم 100 لسنة 1965 مدني كلي السويس. (ثانياً) برفض الدفع بعدم جواز استئناف الحكم رقم 971 لسنة 1963 كلي القاهرة وبجوازه وقبوله شكلاً، وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. وطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للسببين الواردين في التقرير، وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعن على طلب نقض الحكم، وطلب الحاضر عن المطعون عليه رفض الطعن، وصممت النيابة على الرأي الوارد بمذكرتها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون من وجهين (أولهما) أن الحكم أقام قضاءه بسقوط الحق في استئناف الحكم رقم 100 لسنة 1965 كلي السويس على أن الطاعن لم يستأنفه استقلالاً في الميعاد، في حين أن الأمر بالإحالة هو إجراء غير بات في الخصومة، فلا يجوز الطعن فيه إلا مع الحكم الصادر في موضوع الدعوى، وأن الخصومة التي ينظر إلى انتهائها وفقاً لنص المادة 378 من قانون المرافعات السابق هي الخصومة الأصلية المنعقدة بين طرفيها، وليست تلك التي تثار عرضاً بشأن دفع شكلي في الدعوى أو في مسألة فرعية متعلقة بالإثبات فيها، هذا إلى أن الحكم رقم 100 لسنة 1965 كلي السويس قد استند في قضائه بقبول الدفع بعدم الاختصاص المحلي إلى ما ورد بعقد الإيجار، وعلى المادة 61 من قانون المرافعات السابق التي تنص على الاتفاق على الموطن المختار لتنفيذ العقد مع أن حالة الاتفاق على موطن لتنفيذ العقد تختلف عن حالة الاتفاق على اختصاص محكمة معينة بنظرها، وإذ كان الواقع في الدعوى أن الطرفين يقيمان في السويس وأن العقار يقع فيها ومحكمة السويس أقدر على تفهم ظروف الدعوى فقد دفع الطاعن بانعدام مصلحة المطعون عليه في التمسك باختصاص محكمة القاهرة، إلا أن محكمة الاستئناف قد حجبت نفسها عن تحقيق هذا الدفاع بحكمها الصادر بسقوط الحق في الاستئناف. (وثانيهما) أن محكمة أول درجة قضت برفض الدعوى رقم 971 لسنة 1966 كلي القاهرة استناداً إلى نية الطرفين عند التعاقد في حين أن هذه النية لا يعتد بها، لأن أحكام القانون رقم 121 لسنة 1947 والقوانين الملحقة به من النظام العام فلا يجوز الاتفاق على مخالفتها، ومن ثم فلا يبحث القاضي عند تطبيق هذه القوانين عن نية المتعاقدين، وإنما يبحث عن إرادة المشرع وإذ أيد الحكم المطعون فيه الحكم الابتدائي في هذا الخصوص، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه (الأول) منه بأن الحكم الصادر بعدم اختصاص محكمة السويس محلياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القاهرة الابتدائية وإن كان لم يفصل في موضوع الدعوى، إلا أنه قد أنهى الخصومة أمام المحكمة التي أصدرته، ويكون قابلاً للطعن المباشر في الميعاد، وما يقوله الطاعن من أن الخصومة التي ينظر إلى إنهائها وفقاً لنص المادة 378 من قانون المرافعات السابق هي الخصومة الأصلية المنعقدة بين طرفيها ليس صحيحاً على إطلاقه، ذلك أن المادة 404 من ذلك القانون وإن كانت قد نصت على أن "استئناف الحكم الصادر في الدعوى يستتبع حتماً استئناف جميع الأحكام السابق صدورها في القضية ما لم تكن قبلت صراحة" إلا أن هذه العبارة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إنما تنصرف إلى الأحكام القطعية التي لا تمنع المحكمة من المضي في نظرها وهي الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع ولا تنتهي بها الخصومة كلها أو بعضها، وهي بذلك إنما تكمل القاعدة الواردة في المادة 378 المشار إليها دون الأحكام المنهية للخصومة، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بسقوط الحق في استئناف الحكم الصادر بقبول الدفع بعدم الاختصاص، فإن النعي عليه بعدم الرد على ما أثاره الطاعن من انعدام مصلحة المطعون عليه في التمسك بالدفع المذكور يكون على غير أساس. والنعي مردود في الوجه (الثاني) ذلك أن الحكم المطعون فيه قضى بتأييد الحكم الابتدائي بناءً على أسباب خاصة به دون أن يحيل عليه في أسبابه، وإذ كانت أسباب الحكم المطعون فيه ليست محل نعي من الطاعن وكان النعي بهذا الوجه منصرفاً إلى الحكم الابتدائي، فإنه أياً كان وجه الرأي فيه يكون غير مقبول.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه قد مسخ نصوص العقد وخالف الثابت في الأوراق، ذلك أنه قد غفل عما أورده الطاعن في صحيفة الاستئناف من أن المبنى مملوك لأشخاص، وأن المنشأة مملوكة لغيرهم للتدليل على أن إجارة المبنى مستقلة عن إجارة المنشأة، وعلى أن التشريعات الاستثنائية تسري في هذه الحالة على إيجار المبنى على أساس أنه عملية قائمة بذاتها وغير مشتملة على أي عملية مالية أخرى.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أنه قد ثبت من عقد الإيجار المؤرخ 23/ 10/ 1963 أن المستأنف (الطاعن) قد استأجر من الحارس دار سينما مصر بالسويس المعروفة بسينما حنفي الشتوي بقصد استعمالها دار لعرض الأفلام السينمائية والعروض المسرحية، وليس له استعمالها لغير ذلك، وإلا انفسخ العقد بدون تنبيه أو إنذار ولقد كانت مؤجرة من قبل للشركة الشرقية للسينما بالقاهرة وبذات الاسم وبأجرة مماثلة للأجرة المتفق عليها ولمدة خمس سنوات تبدأ من 22/ 9/ 1956، ومن ثم فإن في حرص الطرفين على النص في العقد على اسم السينما وعلى حرمان المستأجر من استعمال المباني في غير الغرض المتفق عليه ما يقطع بأن الغرض الأول من الإجارة لم يكن المبنى في حد ذاته، بل استغلال اسم السينما التجاري الذي حرص الطرفان على إبرازه في العقد، وما يحققه المستأجر من ربح من وراء الاستغلال، وإذ كان ذلك فإن أجرة السينما لا تخضع للتخفيض المنصوص عليه في القانون رقم 121 لسنة 1947 والقوانين الملحقة، ويبين من هذا الذي قرره الحكم أن محكمة الموضوع قد استخلصت من نصوص العقد وظروف الدعوى وملابساتها أن الغرض الأصلي من الإجارة لم يكن المبنى في حد ذاته، وإنما المنشأة بما لها من سمعة تجارية، ورتبت على ذلك قضاءها برفض طلب تخفيض أجرة المبنى وهو استخلاص موضوعي سائغ يكفي لحمل الحكم، ذلك أنه متى كان الغرض الأساسي من الإجارة ليس المبنى ذاته، وإنما ما اشتمل عليه من أدوات وآلات أعدت للاستغلال الصناعي أو التجاري بحيث يعتبر المبنى عنصراً ثانوياً بالنسبة لها فإن هذه الإجارة لا تخضع لأحكام القانون رقم 121 لسنة 1947 والقوانين المكملة له. إذ كان ذلك وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بالرد على جميع ما يقدمه الخصوم من الأدلة والقرائن بل حسبها أن تقيم حكمها على ما يصلح منها لحمله فإن النعي على الحكم المطعون فيه بكل ما تضمنه هذا السبب يكون على غير أساس، ولما تقدم يتعين رفض الطعن.


[(1)] نقض 29/ 1، 12/ 3/ 1970 مجموعة المكتب الفني. س 21 ص 213، ص 245 ونقض 26/ 2/ 1966 مجموعة المكتب الفني. س 17. ص 18.