أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 23 - صـ 670

جلسة 8 من إبريل سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ محمد صادق الرشيدي، وعضوية السادة المستشارين: محمد شبل عبد المقصود، وأحمد سميح طلعت، وأديب قصبجي، وحافظ الوكيل.

(105)
الطعن رقم 334 لسنة 36 القضائية

( أ ) استئناف. "نطاق الاستئناف". حكم. "حجية الحكم". قوة الأمر المقضي. قضاة. "رد القاضي". تعويض.
استئناف الحكم بالتعويض الرمزي من المحكوم له لطلب زيادة التعويض. عدم استئنافه من المحكوم عليه. أثره. طرح طلب زيادة التعويض دون غيره على المحكمة الاستئنافية. ما عدا ذلك. صيرورته نهائياً حائزاً لحجية الشيء المقضى فيه. مثال في طلب رد قاضي.
(ب) نقض. "نطاق الطعن".
نطاق الطعن بالنقض لا يتسع لغير الخصومة التي كانت مطروحة على محكمة الموضوع.
(ج) تعويض. "تقدير التعويض". مسئولية. "المسئولية التقصيرية". التعويض.
تقدير التعويض بمقدار الضرر المباشر سواء كان مادياً أو أدبياً. عدم تخصيص معايير معينة لتقدير التعويض عن الضرر الأدبي.
(د) تعويض. "تقدير التعويض". محكمة الموضوع.
تقدير التعويض مسألة موضوعية. استقلال القاضي بها عند عدم وجود نص يلزمه باتباع معايير معينة.
1 - إذ كانت الطاعنة لم تستأنف الحكم القاضي بإلزامها بأن تدفع للمطعون ضده قرشاً واحداً كتعويض رمزي وإنما استأنفه المطعون ضده وحده طالباً زيادة مبلغ التعويض، وهذا هو الذي كان مطروحاً دون غيره على محكمة الاستئناف، فإن ذلك الحكم يكون قد حاز حجية الشيء المقضى فيه في ثبوت أركان المسئولية عن العمل غير المشروع، مما يمتنع معه على الطاعنة أن تتمسك بأنها لم تقصد الأضرار بالمطعون ضده شخصياً، وأنه لو صح أن ضرراً أصاب القاضي - في طلب رده - فإنما يكون ذلك بوصفه سلطة لا بصفته الشخصية لأن ذلك يمس ثبوت ركني الخطأ والضرر اللذين قطع فيهما الحكم الابتدائي وأصبح حجة على الطاعنة في هذا الخصوص لعدم استئنافه من جانبها.
2 - نطاق الطعن لا يتسع لغير الخصومة التي كانت مطروحة على محكمة الموضوع.
3 - يبين من نصوص المواد 170 و221 و222 من القانون المدني أن الأصل في المساءلة المدنية أن التعويض عموماً يقدر بمقدار الضرر المباشر الذي أحدثه الخطأ ويستوي في ذلك الضرر المادي والضرر الأدبي على أن يراعى القاضي في تقدير التعويض الظروف الملابسة للمضرور دون تخصيص معايير معينة لتقدير التعويض عن الضرر الأدبي.
4 - تقدير الضرر ومراعاة الظروف الملابسة في تقدير التعويض مسألة موضوعية يستقل بها قاضي الموضوع ما دام لا يوجد نص في القانون يلزمه باتباع معايير معينة في خصوصه. وإذ كان يبين مما أورده الحكم المطعون فيه أنه ما دامت المحكمة لم تستطع أن تصل بالتعويض إلى ما يجعله مساوياً للضرر الحقيقي الذي أصاب المطعون ضده فإنها تكتفي في تقديره بمبلغ رمزي مناسب، وكان قصد المحكمة من ذلك واضحاً فإن الحكم لا يكون مشوباً بالتناقض ولا مخالفة فيه للقانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 2992 سنة 1965 مدني كلي القاهرة على الشركة الطاعنة طالباً الحكم بإلزامها بأن تدفع له مبلغ خمسة آلاف جنيه، وقال شرحاً لدعواه إن الشركة الطاعنة قررت في أول يونيو سنة 1964 برده بصفته رئيس المحكمة التي كانت تنظر الدعوى رقم 200 سنة 1963 عمال كلي القاهرة المرفوعة من الأستاذ محمد رشاد الحاذق ضد الشركة الطاعنة، وإنه بتاريخ 21/ 6/ 1964 حكم برفض طلب الرد وإلزام الشركة الطاعنة بالمصروفات وتغريمها مائة جنيه، وانتهى المطعون ضده إلى أن الشركة لم تستأنف هذا الحكم فأصبح نهائياً لذلك أقام دعواه بطلب المبلغ السالف الإشارة إليه لتعويض ما أصابه من ضرر أدبي، وبتاريخ 29/ 6/ 1965 حكمت المحكمة الابتدائية بإلزام الشركة الطاعنة بأن تدفع إلى المطعون ضده قرشاً واحداً كتعويض رمزي لما أصابه من ضرر. استأنف المطعون ضده هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافه برقم 1487 سنة 82 ق، وبتاريخ 18/ 4/ 1966 حكمت المحكمة بتعديل الحكم المستأنف وإلزام الشركة الطاعنة بأن تدفع إلى المطعون ضده مبلغ ألف جنيه. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظر الطعن صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن حاصل سبب الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه من ثلاثة وجوه: الوجه الأول - (1) أن المادة 170 من القانون المدني نصت على أن يراعى القاضي عند تقدير التعويض "الظروف الملابسة" والمقصود بذلك الظروف الشخصية للمضرور بقدر ما أصابه على أساس ذاتي، وليست الظروف التي تلابس المسئول، لأنها وجسامة الخطأ الذي صدر منه لا تدخل في حساب التقدير، وقد خالف الحكم المطعون فيه هذا النص بقضائه بتعويض حقيقي جسيم هو ألف جنيه. (2) كما خالف الحكم القانون لأن الطاعنة إذ سلكت سبيل الرد وهو سبيل مشروع قانوناً، وأقامت الطلب على أسباب نص عليها القانون وهي المؤاكلة والمشاربة وعدم إمكان الحكم بغير ميل، وقالت إن ذلك كله نما إلى علمها وهي ليست شخصاً طبيعياً يحتمل أن تقوم بينه وبين القاضي أسباب خاصة بل هي شخصية اعتبارية، إذ فعلت الطاعنة ذلك ولم تستطع إقامة الدليل على أسباب الرد - وبفرض التسليم بما ذهب إليه الحكم من أنها استهدفت بذلك تنحية المطعون ضده عن نظر الدعوى - فإنها لا تكون قد قصدت الإضرار بالمطعون ضده شخصياً. (3) كما إنه لو صح أن ضرراً أصاب القاضي فإنما يكون بوصفه سلطة لا بصفته الشخصية ما دام أن الرد لا يقوم على أسباب تتصل بشخصه أو بسلوكه ومن ثم فلو جاز القضاء له بتعويض فيجب ألا يراعى في ذلك شخصه وأن يكون رمزياً. وحاصل الوجهين الثاني والثالث أن الحكم المطعون فيه رأى أن يكون التعويض رمزياً ووصفه بذلك إلا أنه قدره بمبلغ ألف جنيه بالإضافة إلى الاعتذار الذي قدمته الطاعنة في درجتي التقاضي واعتبره الحكم تعويضاً أيضاً، وإذا كان التعويض الرمزي بمفهومه ومعناه لا يكون إلا مبلغاً ضئيلاً ويعبر عنه بلفظ أو رقم تعبيراً معنوياً لا حقيقياً جرى العرف على أن يكون قرشاً واحداً، فإن الحكم إذا رأى أن تعويض المطعون عليه تعويضاً رمزياً ولكنه عوضه تعويضاً حقيقياً قدره بمبلغ ألف جنيه يكون قد خالف الأساس الذي قصده وتناقض مع النتيجة التي انتهى إليها بما يعيب الحكم بمخالفته القانون.
وحيث إن النعي في الشقين الثاني والثالث من الوجه الأول مردود بأن الطاعنة لم تستأنف الحكم القاضي بإلزامها بأن تدفع للمطعون ضده قرشاً واحداً كتعويض رمزي وإنما استأنفه المطعون ضده وحده طالباً زيادة مبلغ التعويض، وهذا هو الذي كان مطروحاً دون غيره على محكمة الاستئناف، ومن ثم يكون هذا الحكم قد حاز حجية الشيء المقضى فيه في ثبوت أركان المسئولية عن العمل غير المشروع مما يمتنع معه على الطاعنة أن تتمسك بأنها لم تقصد الإضرار بالمطعون ضده شخصياً، وأنه لو صح أن ضرراً أصاب القاضي فإنما يكون ذلك بوصفه سلطة لا بصفته الشخصية، لأن ذلك يمس ثبوت ركني الخطأ والضرر اللذين قطع فيهما الحكم الابتدائي وأصبح حجة على الطاعنة في هذا الخصوص لعدم استئنافه من جانبها، وإذ كان ذلك وكان نطاق الطعن لا يتسع لغير الخصومة التي كانت مطروحة على محكمة الموضوع فإن النعي بهذين الشقين يكون غير مقبول.
وحيث إن باقي أوجه النعي مردودة بأن المادة 170 من القانون المدني تنص على أنه "يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المضرور طبقاً لأحكام المادتين 221 و222 مراعياً في ذلك الظروف الملابسة..." وتنص المادة 221 منه على أنه "إذا لم يكن التعويض مقداراً في العقد أو بنص القانون فالقاضي يقدره ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب..." كما تنص المادة 222 منه على أنه "يشمل التعويض الضرر الأدبي أيضاً..." ويبين من هذه النصوص أن الأصل في المساءلة المدنية أن التعويض عموماً يقدر بمقدار الضرر المباشر الذي أحدثه الخطأ، ويستوي في ذلك الضرر المادي والضرر الأدبي على أن يراعى القاضي في تقدير التعويض الظروف الملابسة للمضرور دون تخصيص معايير معينة لتقدير التعويض عن الضرر الأدبي، لما كان ذلك وكان تقدير الضرر ومراعاة الظروف الملابسة في تقدير التعويض مسألة موضوعية يستقل بها قاضي الموضوع ما دام لا يوجد نص في القانون يلزمه باتباع معايير معينة في خصوصه، وكان الحكم المطعون فيه قد قال في صدد تقديره للتعويض الأدبي بمبلغ رمزي إنه "وإن كان ما نال المستأنف في ذاته يجل عن التعويض بالمال، وحسابه وفقاً لما تقضي به المادة 170 من القانون المدني ليس سهل المال، فإن كان لا مناص من تقديره بما يرمز إليه به فلا أقل من أن يكون هذا الرمز من القيمة بحيث يتناسب مع ما يجعله يبرز قيمة ما يرمز إليه به، وترى هذه المحكمة أن يكون التعويض الرمزي الذي يقضى به للمستأنف هو مبلغ ألف جنيه، وهو مبلغ ما زال في حيز الإشعار باستحقاق المستأنف لتعويض يجل عن التقدير" وكان يبين من هذا الذي أورده الحكم أنه ما دامت المحكمة لم تستطع أن تصل بالتعويض إلى ما يجعله مساوياً للضرر الحقيقي الذي أصاب المطعون ضده، فإنها تكتفي في تقديره بمبلغ رمزي مناسب وكان قصد المحكمة من ذلك واضحاً، فإن الحكم لا يكون مشوباً بالتناقض ولا مخالفة فيه للقانون.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.