أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 23 - صـ 698

جلسة 12 من إبريل سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد أسعد محمود، وجودة أحمد غيث، ومحمد عادل مرزوق، وإبراهيم السعيد ذكري.

(110)
الطعن رقم 33 لسنة 37 ق "أحوال شخصية"

( أ ) نقض "إعلان الطعن" أحوال شخصية. "الطعن بالنقض".
ميعاد إعلان الطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية. قبل انعقاد الجلسة بثمانية أيام على الأقل. المادة 882 مرافعات. لا محل لتطبيق المادة 431 مرافعات.
(ب) قانون "القانون الواجب التطبيق". أحوال شخصية. "المسائل الخاصة بالأجانب".
دعوى بطلان زواج يونانيين معقود بمدينة القدس. القانون اليوناني هو الواجب التطبيق.
(ج، د) قانون. "القانون الأجنبي". أحوال شخصية. "المسائل الخاصة بالأجانب". إرث.
(ج) الزواج الباطل والزواج الظني في الفقه والقضاء اليوناني. ماهيته. أثره. حق الزوج حسن النية في أن يرث في تركة الزوج الآخر إذ ما قضي بالبطلان بعد الوفاة.
(د) وجوب تطبيق القانون الأجنبي الذي تشير إليه قواعد الإسناد. سواء أكان تشريعاً أم غيره من المصادر. مثال في دعوى بطلان زواج.
(هـ) أحوال شخصية. "المسائل الخاصة بالأجانب". حكم. "التناقض" بطلان الزواج الظني. طبيعته. ما لا يعد تناقضاً.
(و) دعوى. "الطلبات في الدعوى". أحوال شخصية.
دعوى بطلان زواج. القضاء ببطلان الزواج من تاريخ صدور الحكم قضاء بما طلبه الخصوم.
(ز) قانون. "تنازع القوانين من حيث الزمان". أحوال شخصية.
الزواج الظني في القانون البيزنطي. القانون المدني اليوناني الجديد، وضع له أحكاماً مختلفة.
(ح) قانون "القانون الأجنبي" أحوال شخصية. نظام عام.
تطبيق القانون الأجنبي. شرطه. ألا تتعارض أحكامه مع الأسس الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الخلقية في الدولة.
(ط) أحوال شخصية "المسائل الخاصة بالأجانب". محكمة الموضوع.
بحث توافر حسن النية. من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع دون رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصهاً سائغاً. مثال في دعوى بطلان زواج.
1 - وفقاً للمادة 882 من قانون المرافعات - قبل تعديلها بالقانون رقم 401 لسنة 1955 - يعين رئيس المحكمة الأشخاص الذين يعلنون بالطعن ويحدد أجلاً لتقديم دفاعهم ومستنداتهم، وبعد انتهاء الأجل، يحدد جلسة لنظر الطعن، وله عند الاقتضاء الأمر بضم ملف المادة الصادر فيها الحكم المطعون فيه، ويعلن قلم الكتاب من تقرر إعلانهم بالطعن بتاريخ الجلسة المحددة قبل انعقادها بثمانية أيام على الأقل، وإذ كان الثابت في الأوراق أنه بعد العمل بقانون السلطة القضائية رقم 43 لسنة 1965، عين رئيس المحكمة الأشخاص الذين يعلنون بالطعن، وحدد أجلاً لتقديم دفاعهم ومستنداتهم، وبعد انتهائه أعلن قلم الكتاب المطعون عليها بالطعن قبل انعقاد الجلسة بأكثر من ثمانية أيام، لما كان ذلك، فإنه يتعين رفض الدفع (الدفع ببطلان الطعن لعدم إعلانه للمطعون عليهم في الخمسة عشر يوماً التالية لتقرير الطعن وفقاً للمادة 431 من قانون المرافعات السابق).
2 - مؤدى نص المادة 29/ 2، 3 من لائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة الملغاة، والمادة 17/ 1 من القانون المدني - والزوجان يونانيا الجنسية - أن القانون اليوناني هو الواجب التطبيق على واقعة الدعوى (دعوى بطلان الزواج المعقود في مدينة القدس في سنة 1926).
3 - أخذ الفقه والقضاء اليوناني - تخفيفاً من الآثار المترتبة على الزواج الباطل في ظل القانون البيزنطي - بنظام الزواج الظني، وهو يكون في حالة ما إذا كان الزوجان أو أحدهما حسن النية يعتقد بصحة انعقاد الزواج، وهذا الزواج وإن كان باطلاً إلا أنه ليس للبطلان فيه أثر رجعي، بل يظل العقد صحيحاً منتجاً لكافة آثاره حتى يحكم بالبطلان، ومن هذه الآثار حق الزوج حسن النية في أن يرث في تركة الزوج الآخر إذا ما حكم بالبطلان بعد الوفاة، وذلك حماية لحسن النية، وتلبية للضرورات الاجتماعية التي أملت هذا النظام.
4 - على القاضي أن يطبق القانون الأجنبي الذي تشير بتطبيقه قواعد الإسناد، سواء كان مصدره التشريع أم غيره من المصادر. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد طبق أحكام الزواج الظني على واقعة الدعوى أخذاً بما جرت عليه التقاليد والأحكام القضائية في ظل القانون البيزنطي بهذا الخصوص والتي تقضي المادة الأولى من قرار 23/ 2/ 1835 - الخاص بالقوانين المدنية اليونانية الذي يحكم واقعة الزواج من حيث شروط صحته والآثار المترتبة على إبطاله - باتباعها. لما كان ذلك فإن النعي يكون على غير أساس.
5 - لا تناقض بين ما قدره الحكم من بطلان الزواج - الزواج الظني في القانون اليوناني - وما قدره من اعتباره قائماً منتجاً لآثاره حتى تاريخ الحكم، إذ يتفق هذا التقدير مع طبيعة البطلان في الزواج الظني.
6 - متى كان الثابت في الأوراق أن الطاعنين أقاموا دعواهم ضد المطعون عليها يطلبون الحكم ببطلان زواجها من مورثهم واعتبارهم ورثته الشرعيين، وأقامت المطعون عليها دعوى فرعية تطلب الحكم باستحقاقها لنصف التركة، ولما قضت محكمة أول درجة ببطلان الزواج من تاريخ صدور الحكم، استأنفه الطاعنون طالبين إلغاءه والقضاء باعتبار الزواج باطلاً منذ انعقاده، ولما كان بحث صحة الزواج أو بطلانه هو أمر يقتضيه الفصل في الدعويين الأصلية والفرعية، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببطلان الزواج من تاريخ صدور الحكم، لا يكون قد قضى بما لم يطلبه الخصوم.
7 - متى كان القانون البيزنطي هو الذي يحكم الآثار المترتبة على بطلان الزواج، وهو يعطي الزوجة الحق في أن ترث في تركة زوجها لوفاته قبل الحكم بالبطلان، فلا محل للتحدي بتطبيق المادة 1383 من القانون المدني اليوناني الجديد التي تضع أحكاماً مختلفة للزواج الظني في هذا القانون.
8 - مفاد نص المادة 28 من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو نهي القاضي عن تطبيق القانون الأجنبي متى كانت أحكامه متعارضة مع الأسس الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الخلقية في الدولة مما يتعلق بالمصلحة العليا للمجتمع، ومن ثم فإن زواج مورث الطاعنين من المطعون عليها، وهي ابنة خالته وأحقيتها في أن ترث في تركته ليس فيه مخالفة للنظام العام أو الآداب في مصر، بل تجيزه القوانين السارية في البلاد.
9 - بحث توافر حسن النية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو من مسائل الواقع التي لمحكمة الموضوع الحق في تقديرها، ولا رقابة عليها لمحكمة النقض في ذلك متى كان استخلاصها سائغاً. وإذ كان الحكم قد استند في استخلاص حسن نية المطعون عليها (الزوجة) واعتقادها بصحة انعقاد الزواج إلى أسباب سائغة، ثم قضى لها بحقها في أن ترث زوجها الذي توفي قبل الحكم بالبطلان، وذلك تطبيقاً لما استقر عليه الفقه والقضاء بشأن الزواج الظني في ظل القانون البيزنطي، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 54 سنة 1963 الإسكندرية الابتدائية "أحوال شخصية" أجانب يطلبون الحكم على المطعون عليها ببطلان زواجها من المرحوم جورج جان خليتسيس المنعقد بمدينة القدس بتاريخ 24/ 1/ 1926 واعتبارهم ورثته الشرعيين، على أن يكون نصيب الطاعنة الأولى وهي شقيقته 8/ 24 من التركة ونصيب كل من الطاعنين من الثاني إلى الخامس وهم أولاد شقيقته هيلين 2/ 24 ونصيب كل من الطاعنتين السادسة والسابعة وهما بنتا شقيقه أبوستولو 4/ 24 من التركة، وقالوا بياناً لدعواهم أن مورثهم المرحوم جورج جان خليتسيس وهو يوناني الجنسية توفي بالإسكندرية بتاريخ 3/ 4/ 1963 دون أن يترك وصية وانحصر إرثه فيهم، غير أن المطعون عليها ادعت بأنها كانت زوجته، وإذ انعقد هذا الزواج باطلاً طبقاً لنص المادتين 1356، 1372 من القانون المدني اليوناني رقم 2783 لسنة 1941 لأنها ابنة خالة المورث وتمت له بصلة القرابة من الدرجة الرابعة، فقد أقاموا دعواهم بالطلبات سالفة البيان، وبجلسة 28/ 2/ 1966 أقامت المطعون عليها دعوى فرعية طالبة الحكم لها بنصف تركة المورث على أن يختص الطاعنون بالنصف الآخر، استناداً إلى أنها كانت تعتقد بصحة الزواج، لأنه انعقد في 24/ 1/ 1926 بتصريح من بطريرك كنيسة القدس، واستمر سبعة وثلاثين عاماً، ولأن أحكام القانون المدني اليوناني لا تسري على هذا الزواج، بل يخضع لأحكام القانون البيزنطي الذي انعقد في ظله، وهي تعطي الزوجة حسنة النية في حالة الزواج الظني حقاً في الميراث، وبتاريخ 18/ 4/ 1966 حكمت المحكمة: (أولاً) ببطلان الزواج المنعقد بين المرحوم جورج جان خيلتسيس والمطعون عليها بتاريخ 24/ 1/ 1926 وذلك من تاريخ صدور هذا الحكم واعتبار الزواج قائماً منتجاً لكافة آثاره حتى ذلك التاريخ. (ثانياً) بإثبات وفاة المرحوم جورج جان خيلتسيس اليوناني الجنسية بتاريخ 3/ 4/ 1963 وانحصار إرثه في زوجته المطعون عليها بحق النصف في التركة وفي شقيقته الطاعنة الأولى بحق السدس، وفي الطاعنين من الثاني إلى الخامس وهم أولاد شقيقته هيلين بحق السدس بالتساوي فيما بينهم، وفي الطاعنتين السابعة والثامنة وهما ابنتا شقيقه أبو ستولو بحق السدس بالتساوي فيما بينهما وذلك دون أحد آخر وبلا وصية. استأنف الطاعنون هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 11 سنة 22 ق "أحوال شخصية أجانب" طالبين إلغاءه فيما قضى به من اعتبار عقد زواج المطعون عليها من مورثهم منتجاً لآثاره حتى تاريخ الحكم والقضاء باعتبار هذا الزواج باطلاً منذ انعقاده ورفض دعوى المطعون عليها وانحصار الإرث فيهم وحدهم بالأنصبة المبينة في طلباتهم وبتاريخ 17/ 6/ 1967 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض ودفعت المطعون عليها ببطلان الطعن، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفع وفي الموضوع برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع بالبطلان أن الطاعنين قرروا بالطعن بتاريخ 14/ 8/ 1967 ولم تعلن المطعون عليها بصورة من تقرير الطعن إلا في 30/ 10/ 1967 خلافاً لما تقضي به المادة 431 من قانون المرافعات السابق، وهي توجب على الطاعن أن يعلن الطعن إلى جميع الخصوم الذين وجه الطعن إليهم في الخمسة عشر يوماً التالية لتقرير الطعن وترتب البطلان على عدم قيامه بالإعلان في الميعاد.
وحيث إن هذا الدفع في غير محله، ذلك أنه وفقاً للمادة 882 من قانون المرافعات - قبل تعديلها بالقانون رقم 401 لسنة 1955 - يعين رئيس المحكمة الأشخاص الذين يعلنون بالطعن ويحدد أجلاً لتقديم دفاعهم ومستنداتهم وبعد انتهاء الأجل يحدد جلسة لنظر الطعن، وله عند الاقتضاء الأمر بضم ملف المادة الصادر فيها الحكم المطعون فيه، ويعلن قلم الكتاب من تقرر إعلانهم بالطعن بتاريخ الجلسة المحددة قبل انعقادها بثمانية أيام على الأقل، والثابت في الأوراق أنه بعد العمل بقانون السلطة القضائية رقم 43 لسنة 1965 عين رئيس المحكمة الأشخاص الذين يعلنون بالطعن وحدد أجلاً لتقديم دفاعهم ومستنداتهم، وبعد انتهائه أعلن قلم الكتاب المطعون عليها بالطعن قبل انعقاد الجلسة بأكثر من ثمانية أيام، ولما تقدم يتعين رفض الدفع.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب ينعى الطاعنون بالسبب الأول والوجه الثاني من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والتناقض، ويقولون في بيان ذلك إن الحكم اعتد بالزواج الباطل الذي تستند إليه المطعون عليها وبآثاره بالنسبة للميراث، في حين أن القانون المدني اليوناني الجديد رقم 2783 لسنة 1941 يقضي في المادة 92 منه بأن الميراث تسري عليه قواعد القانون القديم متى كانت الوفاة قد حدثت قبل صدور القانون الجديد، مما مؤداه أنه إذ حصلت الوفاة في ظل القانون الجديد فإن أحكامه هي التي تطبق على الميراث وقد توفي مورث الطاعنين في 3/ 4/ 1963 أثناء سريان القانون المدني الجديد وهو يقضي في المادتين 1356، 1372 بأنه لا يعتد بالزواج الباطل في توزيع تركة المورث على ورثته الشرعيين، وإذ رتب الحكم على زواج المطعون عليها الباطل أثراً بالنسبة للميراث فإنه يكون قد خالف القانون. هذا إلى أن الحكم بعد أن قرر أن زواج المطعون عليها من مورث الطاعنين باطل عاد فاعتبره قائماً منتجاً لآثاره حتى تاريخ الحكم، مع أن هذا البطلان هو بطلان مطلق لمخالفته للنظام العام ولا تصححه الإجازة وهو ما يعيب الحكم بالتناقض.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كانت المادة 29/ 2 من لائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة الملغاة تنص على أنه يرجع في الشروط الموضوعية المتعلقة بصحة الزواج إلى قانون بلد كل من الزوجين، وتقضي المادة 29/ 3 من هذه اللائحة على أن يرجع إلى قانون بلد الزوج وقت عقد الزواج في المسائل الخاصة بعلاقات الزوجين بما فيها التفريق والطلاق والتطليق وكذلك في آثار تلك العلاقات بشأن الأموال، وتنص المادة 17/ 1 من القانون المدني على أنه يسري على الميراث والوصية وسائر التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت قانون المورث أو الموصي أو من صدر منه التصرف وقت موته، وكان مؤدى النصوص السابقة والزوجان يونانيا الجنسية أن القانون اليوناني هو الواجب التطبيق على واقعة الدعوى، ولما كانت المادة 74 من قانون إصدار التقنين المدني اليوناني رقم 2783 لسنة 1941 المقدمة ترجمتها الرسمية تقضي بأن الزواج المنعقد قبل العمل بهذا التقنين يخضع من حيث شروط صحته والآثار المترتبة على إبطاله للقانون النافذ وقت انعقاده، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أن زواج المطعون عليها من مورث الطاعنين قد انعقد في 24/ 1/ 1926 قبل العمل بالقانون المدني اليوناني رقم 2783 لسنة 1941، وأن هذا الزواج باطل لأن المطعون عليها تمت للمورث بصلة القرابة من الدرجة الرابعة، ولما كان القرار المؤرخ 23/ 2/ 1835 الخاص بالقوانين المدنية اليونانية المقدمة ترجمته الرسمية، والذي يحكم زواج المطعون عليها من حيث شروط صحته والآثار المترتبة على إبطاله يقضي في مادته الأولى بأن القوانين المدنية للإمبراطورية البيزنطية الواردة بالكتاب السادس لأرينو بولوتكون سارية المفعول حتى تاريخ نشر القانون المدني الذي أمر بتحويره مع تغليب التقاليد التي أسستها العادات الطويلة المدى والأحكام القضائية وكان الفقه والقضاء اليوناني تخفيفاً من الآثار المترتبة على الزواج الباطل في ظل القانون البيزنطي قد أخذ بنظام الزواج الظني (Mariage Putatif) وهو يكون في حالة ما إذا كان الزوجان أو أحدهما حسن النية يعتقد بصحة انعقاد الزواج، وهذا الزواج وإن كان باطلاً إلا أنه ليس للبطلان فيه أثر رجعي بل يظل العقد صحيحاً منتجاً لكافة آثاره حتى يحكم بالبطلان، ومن هذه الآثار حق الزوج حسن النية في أن يرث في تركة الزوج الآخر إذا ما حكم بالبطلان بعد الوفاة، وذلك حماية لحسن النية وتلبية للضرورات الاجتماعية التي أملت هذا النظام ولما كان على القاضي أن يطبق القانون الأجنبي الذي تشير بتطبيقه قواعد الإسناد سواء كان مصدره التشريع أم غيره من المصادر، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه، قد طبق أحكام الزواج الظني على واقعة الدعوى أخذاً بما جرت عليه التقاليد والأحكام القضائية في ظل القانون البيزنطي بهذا الخصوص والتي تقضي المادة الأولى من قرار 23/ 2/ 1835 سالف الذكر باتباعها، وكان لا تناقض بين ما قرره الحكم من بطلان هذا الزواج وما قرره من اعتباره قائماً منتجاً لآثاره حتى تاريخ الحكم، إذ يتفق هذا التقدير مع طبيعة البطلان في الزواج الظني على ما سلف البيان، لما كان ما تقدم، فإن النعي على الحكم بمخالفة القانون والتناقض يكون على غير أساس.
وحيث إن السبب الثاني في وجهه الأول يتحصل في أن الحكم المطعون فيه خالف الثابت بالأوراق، ذلك أن الطاعنين طلبوا الحكم لهم بجميع التركة ارتكاناً إلى عدم الاعتداد بزواج المطعون عليها من مورثهم، ولم يكن لهم طلب مستقل ببطلان هذا الزواج، غير أن الحكم قرر أن النزاع يدور أساساً حول صحة الزواج المذكور وقضى ببطلانه، فيكون قد خالف الثابت بطلباتهم.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الثابت في الأوراق أن الطاعنين أقاموا دعواهم ضد المطعون عليها يطلبون الحكم ببطلان زواجها من مورثهم بتاريخ 24/ 1/ 1926 واعتبارهم ورثته الشرعيين، وأقامت المطعون عليها دعوى فرعية تطلب الحكم باستحقاقها لنصف التركة ولما قضت محكمة أول درجة ببطلان الزواج من تاريخ صدور الحكم، استأنفه الطاعنون طالبين إلغاءه والقضاء باعتبار الزواج باطلاً منذ انعقاده، ولما كان بحث صحة الزواج أو بطلانه هو أمر يقتضيه الفصل في الدعويين الأصلية والفرعية، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببطلان الزواج من تاريخ صدور الحكم لا يكون قد قضى بما لم يطلبه الخصوم ويكون النعي عليه بمخالفة الثابت بالأوراق غير صحيح.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن الحكم استند في قضائه إلى أن الفقه والقضاء اليوناني أوجد نظام الزواج الظني كي ينتج العقد جميع آثار الزواج الصحيح إلى أن يقضى ببطلانه حماية للأولاد وحفاظاً لحق الميراث بين الزوجين، في حين أن المادة 1383 من القانون المدني اليوناني الصادر في سنة 1941 وهي التي تنظم الزواج الظني مؤداها أنه إذا انقضى الزواج الباطل بالوفاة فليس للزوج حسن النية سوى الحق في النفقة، هذا إلى أن الحكم خالف قواعد النظام العام والآداب في مصر لأن حق الميراث أساسه العقد الشرعي الصحيح، علاوة على أنه يشترط في الزواج الظني أن يجهل أحد طرفي العقد أسباب البطلان، وأن يكون الجهل مرجعه حسن النية، ويشترط للإرث في هذه الحالة أن تكون الزوجة في حالة عوز، وهو أمر لم يتحقق في الدعوى لأن المطعون عليها لها عمارة بالإسكندرية وأرصدة بالبنوك ولم تكن حسنة النية إذ تزوجت من أحد محارمها مع علمها بذلك، ولجأت معه إلى عقد الزواج في كنيسة غير مختصة، وإذ قضى لها الحكم بحقها في الإرث فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان القانون البيزنطي هو الذي يحكم الآثار المترتبة على بطلان زواج المطعون عليها من مورث الطاعنين، وهو يعطيها الحق في أن ترث في تركة زوجها لوفاته قبل الحكم بالبطلان وذلك على ما سلف بيانه في الرد على السبب الأول مما لا محل معه للتحدي بتطبيق المادة 1383 من التقنين المدني اليوناني الجديد التي تضع أحكاماً مختلفة للزواج الظني في هذا القانون، ولما كانت المادة 28 من القانون المدني تنص على أنه "لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبي عينته النصوص السابقة إذا كانت هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو للآداب في مصر" وكان مفاد هذا النص - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو نهي القاضي عن تطبيق القانون الأجنبي متى كانت أحكامه متعارضة مع الأسس الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الخلقية في الدولة مما يتعلق بالمصلحة العليا للمجتمع، وكان زواج مورث الطاعنين من المطعون عليها وهي ابنة خالته وأحقيتها في أن ترث في تركته ليس فيه مخالفة للنظام العام أو الآداب في مصر، بل تجيزه القوانين السارية في البلاد، ولما كان بحث توافر حسن النية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو من مسائل الواقع التي لمحكمة الموضوع الحق في تقديرها ولا رقابة عليها لمحكمة النقض في ذلك متى كان استخلاصها سائغاً وكان الحكم المطعون فيه قد قرر في شأن حسن نية المطعون عليها وحقها في الإرث ما يلي "إن حسن النية ثابت من أن الزوجين قد حصلا على تصريح بالزواج من بطريرك القدس قبل انعقاده، وتمت مراسمه في الكنيسة وفقاً للطقوس الدينية المعتادة، كذلك فقد لازمت الزواج طوال مدته التي بلغت ثماني وثلاثين سنة مظاهر اقتنعت معها الزوجة بصحة زواجها، وهي علاقتها الطبيعية بزوجها ومعاملة المستأنفين الطاعنين لها بصفتها زوجة مورثهم الشرعية، وأنه إزاء توافر حسن نية الزوجة فإن زواجها يعتبر زواجاً ظنياً تسري عليه أحكام القانون البيزنطي الذي كان سارياً وقت انعقاد الزواج، وما استقر عليه الفقه والقضاء في تفسير أحكامه، وأهمها بالنسبة للدعوى الحالية حق الزوجة في أن ترث زوجها رغم بطلان عقد الزواج ما دام قد ثبت أنها كانت حسنة النية" وكان يبين من هذا الذي قرره الحكم أنه استند في استخلاص حسن نية المطعون عليها واعتقادها بصحة انعقاد الزواج إلى أسباب سائغة، ثم قضى لها بحقها في أن ترث زوجها الذي توفي قبل الحكم بالبطلان، وذلك تطبيقاً لما استقر عليه الفقه والقضاء بشأن الزواج الظني في ظل القانون البيزنطي، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح، ويكون النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون في غير محله.
وحيث إن لما تقدم يتعين رفض الطعن.