مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) - صـ 449

جلسة 28 إبريل سنة 1941

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك المستشارين.

(248)
القضية رقم 1276 سنة 11 القضائية

إثبات. شهادة. إدانة. سماع المحكمة الشاهد بنفسها في مواجهة المتهم. محله. أقوال الشهود في التحقيقات. الاعتماد عليها. جوازه.

(المواد 160 و165 و166 تحقيق)

إنه وإن كان يجب بحسب الأصل لصحة الحكم بالإدانة أن تسمع المحكمة بنفسها في الجلسة في مواجهة المتهم شهادة الشهود الذين تعتمد على أقوالهم في القضاء بالإدانة بعد أن تناقشهم هي والدفاع فيها، إلا أن ذلك محله أن يكون هؤلاء الشهود قد حضروا أمامها، أو أن يكونوا قد تخلفوا عن الحضور ويكون في تخلفهم ما يثير مظنة هربهم من تحمل أداء الشهادة والمناقشة في صحتها في حضرة المتهم أمام المحكمة بجلسة المحاكمة، الأمر الذي يستتبع أن تكون أقوالهم في التحقيقات الابتدائية غير جديرة بالثقة. أما في الأحوال التي تكون فيها هذه المظنة منتفية فلا تثريب على المحكمة إذا اعتمدت على أقوال الشهود في التحقيقات بعد تلاوتها بالجلسة، اللهم إلا إذا كانت هذه الأقوال هي الدليل الوحيد في الدعوى، وكان من الممكن انتظار حضور الشاهد وسماعه في جلسة أخرى بغير أن يضارّ سير العدالة بذلك. وإذن فإذا عوّلت المحكمة على أقوال المجني عليها في التحقيق بعد اتفاق النيابة والدفاع على الاكتفاء بتلك الأقوال، فإنها تكون بذلك قد اعتبرت أن عدم حضورها إلى الجلسة مرجعه عذر قهري، ولا تثريب عليها في ذلك.


المحكمة

وحيث إن مبنى وجوه الطعن المقدّم من الطاعن أن الفعل الذي وقع منه ليس بدءاً في تنفيذ الجريمة التي أدين من أجلها لأنه لا يعدو أن يكون من الأعمال التحضيرية التي لا يعاقب القانون عليها. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الأعمال المكوّنة للشروع يجب أن تكون جلية واضحة، وإن غرضه لم يتعدّ تقبيل المجني عليها. أما إمساكه بلباسها ومحاولة إنزاله بالقوّة فلم يكن إلا تنفيذاً لنفس الغرض. ثم إن عدم تجاوزه رفع لباس المجني عليها كان بإرادته لأنه لم يكن هناك ما يخشاه سوى تأنيب ضميره له ورغبته في عدم الإساءة إلى المجني عليها لا خوفاً منها أو من بكائها، ومحاولته خلع اللباس لا يعتبر بدءاً في تنفيذ الجريمة إذ لا مانع أن يكون تحت اللباس غطاءً لستر العورة. ويجب في هتك العرض أن يكون الفعل الذي أتاه المتهم مخلاً بالآداب إلى حدّ الفحش والضم بين الذراعين، ومجرّد التقبيل لا يعدّ من هذا القبيل. فمع التسليم جدلاً بصحة ما نسب للطاعن فإنه يكوّن جريمة الفعل الفاضح فقط. ثم إن النيابة والدفاع قد اكتفيا بأقوال المجني عليها في التحقيق لأنها لم تحضر الجلسة. وهذا يعيب الحكم الذي بني على هذه الأقوال لأن المجني عليها هي الشاهدة الوحيدة في الدعوى. ولا يرد على ذلك بقبول المحامي عن الطاعن إذ سماع شهود الإثبات ليس مقرّراً لمصلحة المتهم فقط بل للمصلحة العامة، وخصوصاً ولم يكن هناك من سبب معلوم يدعو إلى عدم حضورها في الجلسة، وما كان يحق للمحكمة إذن الاكتفاء بأقوالها في محضر التحقيق.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أدان الطاعن في جناية هتك عرض المجني عليها بالقوّة، وذكر واقعة الدعوى كما حصّلتها المحكمة من التحقيقات التي أجريت فيها بقوله: "إن والد المجني عليها ذهب إلى المستشفى لمعالجة عينيه وتأخر عن العودة إلى منزله على غير عادته فذهبت المجني عليها إلى المستشفى للسؤال عنه، ثم دخلت فوجدت المتهم ينظف أرضية الصالة الداخلية وسألته عن والدها فترك المكنسة التي كانت بيده جانباً وأمسك بيدها ولف يده الأخرى حول عنقها وقبل وجنتيها وفمها ورفع جلبابها وأمسك بلباسها وحاول إنزاله عنوة فقاومته بشدّة وبكت كثيراً فتركها، وانصرفت إلى منزلها وقابلت والدها في الطريق فأخبرته بما حصل". ثم أورد الأدلة التي استند إليها في ثبوت هذه الواقعة الجنائية على الطاعن قائلاً: "إن الوقائع المتقدّم ذكرها ثابتة مما قرّرته المجني عليها في التحقيق من أن والدها اعتاد الذهاب إلى المستشفى لمعالجة عينيه من مرض بهما واستبطأت عودته فذهبت إلى المستشفى ووجدت الباب الخارجي مفتوحاً فدخلت وانتهت إلى صالة صغيرة كان المتهم مشتغلاً بتنظيفها بمكنسة في يده وسألته عن والدها فترك المكنسة جانباً وأمسك بيدها ولف يده الأخرى حول عنقها وقبّلها في فمها ووجنتيها، ثم أغلق باب المستشفى قليلاً وقوف خلفه من الداخل ورفع جلبابها وأمسك بلباسها وحاول إنزاله عنوة فقاومته وبكت بكاءً شديداً فتركها تغادر المستشفى وانصرفت إلى منزلها وقابلت والدها في الطريق وكان قد علم بذهابها إلى المستشفى للسؤال عنه فتوجه لإحضارها وبلغته بما حصل لها من المتهم. وقد قرّر ألبير باروخ كوهين والد المجني عليها في التحقيق وشهد بالجلسة بأنه ذهب إلى المستشفى وتأخر في العودة إلى المنزل وعلم عند عودته بذهاب المجني عليها إلى المستشفى للسؤال عنه فذهب لإحضارها فقابلها في الطريق وهي تبكي وأخبرته بما حصل لها من المتهم فأبلغ البوليس بذلك". وبعد ذلك عرض إلى الدفاع المشار إليه بالشق الأوّل من الطعن فذكر "أن الأفعال التي وقعت من المتهم من إمساكه بيد المجني عليها وتطويقه عنقها وتقبيلها في فمها ووجنتيها وإمساكه بلباسها ومحاولته إنزاله بالقوّة هي أفعال منافية للآداب ومن شأنها أن تخدش العرض وتخل بالحياء العرضي لاستطالتها إلى أجزاء من جسم المجني عليها تعتبر من العورات التي تحرص المرأة على عدم المساس بها. وهذه الأفعال تكفي لتكوين الركن المادّي لجريمة هتك العرض المنصوص عنها في المادة 268 عقوبات. وأن ركن القوّة والإكراه متوافر من مباغتة المتهم للمجني عليها وارتكاب الأفعال السالف ذكرها بغير رضاها. وعدم الرضا ثابت من مقاومتها إياه وهو يحاول إنزال لباسها وإجهاشها بالبكاء حال وقوع هذه الأفعال عليها. ولا يشترط قانوناً في جناية هتك العرض بالقوّة استعمال القوّة المادية فعلاً بل يكفي إتيان الفعل الماس أو الخادش للحياء العرضي للمجني عليها بدون رضائها ويعتبر وقوع الفعل مفاجأة ومباغتة من قبيل القوّة والإكراه".
وحيث إن ما يثيره الطاعن مردود: (أوّلاً) بأن الواقعة الثابتة بالحكم تكوّن جناية هتك العرض التي أدين من أجلها. وقد عني الحكم بالدفاع الذي تمسك به الطاعن في هذا الخصوص ورد عليه رداً صحيحاً. (وثانياً) بأنه وإن كان يجب بحسب الأصل لصحة الحكم بالإدانة أن تسمع المحكمة نفسها بالجلسة وفي مواجهة المتهم شهادة الشهود الذين تجعلهم عمادها في القضاء بالعقوبة بعد أن تناقشهم هي والدفاع فيها فإن ذلك محله أن يكون هؤلاء الشهود قد حضروا أمامها، أو أنهم يكونون قد تخلفوا عن الحضور ويكون في تخلفهم ما يثير مظنة الفرار من تحمل أداء الشهادة والمناقشة في صحتها بحضور المتهم أمام المحكمة بجلسة المحاكمة الأمر الذي يستتبعه أن تكون أقوالهم في التحقيقات الابتدائية غير جديرة بأية ثقة. أما إذا كانت هذه المظنة منتفية فلا تثريب على المحكمة إذا اعتمدت على أقوال الشهود في التحقيقات بعد تلاوتها بالجلسة إلا إذا كانت هذه الأقوال هي الدليل الوحيد في الدعوى وكان من الممكن انتظار حضور الشاهد وسماعه في جلسة أخرى بغير أن يضار سير العدالة بذلك. ومتى كان هذا واضحاً فإن المحكمة إذ عوّلت على أقوال المجني عليها في التحقيق فإنها تكون بذلك قد اعتبرت أن عدم حضورها إلى الجلسة مرجعه عذر قهري تأكد لها قيامه باتفاق النيابة والدفاع على الاكتفاء بأقوال هذه الشاهدة في التحقيقات. ولذلك ولما كانت الإدانة لم تبنَ على أقوال المجني عليها وحدها فلا وجه لاعتراض الطاعن على الحكم في هذا الخصوص.