أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 23 - صـ 724

جلسة 19 من إبريل سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد أسعد محمود، وجودة أحمد غيث، وحامد وصفي، وإبراهيم السعيد ذكري.

(114)
الطعن رقم 17 لسنة 34 القضائية

( أ ) حكم. "تصحيح الحكم".
سلطة المحكمة في تصحيح ما يقع في حكمها من خطأ مقصورة على الأخطاء المادية البحتة التي لا تؤثر على كيانه ولا تفقده ذاتيته.
(ب) نقض. "أثر نقض الحكم". استئناف.
نقض الحكم. أثره. اقتصار محكمة الإحالة على نظر موضوع الدعوى في نطاق المسألة التي أشار إليها الحكم الناقض.
(ج) قانون. "الدفع بعدم الدستورية". حكم. "تصحيح الحكم". جنسية. دفوع.
طلب تصحيح حكم صادر من محكمة النقض بشأن الجنسية. الدفع بعدم دستورية قانون الجنسية أو طلب وقف الفصل في الدعوى لوجود تنازع في الاختصاص. غير مقبول.
1 - مؤدى نص المادة 191 من قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 - المقابلة للمادة 364 من قانون المرافعات السابق - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - أن سلطة المحكمة في تصحيح ما يقع في حكمها، مقصورة على الأخطاء المادية البحتة، وهي التي لا تؤثر على كيانه بحيث تفقده ذاتيته وتجعله مقطوع الصلة بالحكم المصحح، ومن ثم فهي لا تملك بحال أن تتخذ من التصحيح وسيلة للرجوع عن الحكم الصادر منها، فتغير في منطوقه بما يناقضه، لما في ذلك من المساس بحجية الشيء المحكوم فيه، وإذ يبين من الطلب المقدم من الطالبين أنهم لم يدعوا بوقوع أخطاء مادية في حكم النقض الصادر بتاريخ 2/ 4/ 1969، ولكنهم عابوا عليه أنه لم يرد على أسباب الطعن تفصيلاً، بل رد عليها جملة وأغفل بحث مسائل قانونية معينة أشاروا إليها، لما كان ذلك فإن ما ورد بالطلب لا يعدو أن يكون مجادلة في المسائل القانونية التي بت فيها الحكم المطلوب تصحيحه، وهو أمر غير جائز.
2 - حكم محكمة النقض يجوز حجية الشيء المحكوم فيه في حدود المسائل التي بت فيها، ويمتنع على محكمة الإحالة عند إعادة نظر الدعوى المساس بهذه الحجية، ويتعين عليها أن تقصر نظرها على موضوع الدعوى في نطاق المسألة التي أشار إليها الحكم الناقض.
3 - متى كانت سلطة المحكمة في طلب التصحيح، تقف عند حد التحقق من وقوع أخطاء مادية بحتة في حكمها، فلا يقبل من الطالبين ما أثاروه بالجلسة من الدفع بعدم دستورية قانون الجنسية أو وقف الفصل في هذا الطلب لوجود تنازع في الاختصاص بين جهة القضاء العادي وجهة القضاء الإداري، رفعوا بشأنه طلباً إلى محكمة تنازع الاختصاص.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع على ما يبين من الأوراق - تتحصل في أن الطالبين أقاموا الدعوى رقم 10 لسنة 1958 أحوال شخصية أجانب القاهرة ضد المدعى عليه والسيد/ هنري مشاقة طلبوا فيها الحكم بضبط إعلام شرعي بثبوت وفاة المرحومة السيدة/ كاترين فيكتورين زلزل المتوفاة بمدينة القاهرة في 6/ 1/ 1958 وهي يونانية الجنسية وانحصار إرثها فيهم كل بحق الثلث طبقاً للوصية الشفوية الصادرة منها، واحتياطياً الحكم بانحصار إرثها في ابنتها الوحيدة السيدة ماري كلير بلاتون فلاسكاكي، وقد دفع المدعى عليه الدعوى بأن المتوفاة كانت مصرية الجنسية وأنه طبقاً لأحكام القانون المصري الواجب التطبيق فإنه وزميله السيد/ هنري مشاقه يعتبران وارثين للمتوفاة لأنهما ولدا ابن عمها ويعتبران من عصبتها، وبتاريخ 9/ 6/ 1959 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف الطالبون هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبين إلغاءه والحكم لهم بطلباتهم، وقيد هذا الاستئناف برقم 842 سنة 76 ق، وبتاريخ 27/ 4/ 1960 حكمت المحكمة باعتبار المتوفاة يونانية الجنسية وبتطبيق أحكام القانون اليوناني على واقعة الدعوى، وأجلت نظرها لجلسة 12/ 10/ 1960. طعن المدعى عليه في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن برقم 30 لسنة 30 ق أحوال شخصية، وبتاريخ 30 يناير سنة 1963 نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة، وبعد تعجيلها حكمت المحكمة بتاريخ 11/ 3/ 1964 برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف، طعن الطالبون في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 17 لسنة 34 ق أحوال شخصية، وبتاريخ 2/ 4/ 1969 رفضت المحكمة الطعن، وفي 25/ 3/ 1970 قدم الطالبون طلبهم الحالي بتقرير طلبوا فيه تصحيح حكم محكمة النقض الأخير الصادر بتاريخ 2/ 4/ 1969، لأنه قضى بأن مورثة الطالبين مصرية وأنها حتى تسترد جنسيتها الأجنبية الأصلية بعد وفاة زوجها يجب أن تستصدر مرسوماً بذلك مع أن الحكومة المصرية ترفض اتخاذ هذا الإجراء باعتبار أن المورثة في حالة فقد جنسية، لأن زوجها لم يكن مصرياً، وقالوا إنهم يطلبون تصحيح الحكم، لأنه لم يرد على أسباب الطعن تفصيلاً بل رد عليها جملة وأغفل بحث المسائل القانونية الآتية. (أولاً) أن قانون الجنسية الواجب التطبيق هو قانون 1956 وليس القانون الصادر في 1929. (ثانياً) أن معاهدة لاهاي هي التي تحكم مسألة استرداد الأرامل لجنسيتهن الأصلية (ثالثاً) أن مسائل الدخول في الجنسية ولو خطأ تخضع للتقادم الخمسي (رابعاً) أن زوج المتوفاة لم يكن عثمانياً بل كان أسبانياً وبالتالي لم تكن أرملته عثمانية أو مصرية حتى تسري عليها قواعد فقد الجنسية المصرية أو إسقاطها. (خامساً) أن العبرة في المواريث هي بالجنسية الظاهرة للمورث لا بالجنسية التي كان يجب أن يكون عليها (سادساً) كانت هناك قوة قاهرة تحول دون استصدر مرسوم ملكي باعتبار المورثة مصرية الجنسية، لأن الحكومة المصرية كانت ترفض اعتبارها مصرية، والقوة القاهرة تطهر الجنسية من العيوب الشكلية إن كانت هناك عيوب (سابعاً) أن عدول المحاكم عن قضاء استقرت عليه في تفسير قوانين الجنسية واستقرت على أساسه المراكز القانونية للأفراد لا يؤثر على هذه المراكز (ثامناً) أنه في سنة 1931 كانت الحكومات هي صاحبة الولاية في مسائل الجنسية دون القضاء (تاسعاً) أن دليل الجنسية في مصر هو دليل معد (عاشراً) أن أحكام الجنسية ليس لها أثر رجعي وبالتالي تنعدم المصلحة في المنازعة في الجنسية بعد الوفاة (حادي عشر) أن القانون المدني أباح البحث في جنسية الأشخاص دون الأموات. (ثاني عشر) أنه لا يجوز التمسك بالجنسية العثمانية بعد مضي سنة من قانون الجنسية.
وحيث إن هذا الطلب في غير محله، ذلك أنه لما كانت المادة 191 من قانون المرافعات رقم 13 سنة 1968 وتقابلها المادة 364 من قانون المرافعات السابق تنص على أن: "تتولى المحكمة تصحيح ما يقع في حكمها من أخطاء مادية بحتة كتابية أو حسابية وذلك بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب أحد الخصوم من غير مرافعة ويجري كاتب المحكمة هذا التصحيح على نسخة الحكم الأصلية ويوقعه هو ورئيس الجلسة" ويبين من ذلك - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن سلطة المحكمة في تصحيح ما يقع في حكمها مقصورة على الأخطاء المادية البحتة، وهي التي لا تؤثر على كيانه بحيث تفقده ذاتيته وتجعله مقطوع الصلة بالحكم المصحح، ومن ثم فهي لا تملك بحال أن تتخذ من التصحيح وسيلة للرجوع عن الحكم الصادر منها، فتغير في منطوقه بما يناقضه. لما في ذلك من المساس بحجية الشيء المحكوم فيه، وكان يبين من الطلب المقدم من الطالبين أنهم لم يدعوا بوقوع أخطاء مادية في حكم النقض الصادر بتاريخ 2/ 4/ 1969 في الطعن رقم 17 لسنة 34 ق أحوال شخصية، ولكنهم عابوا عليه أنه لم يرد على أسباب الطعن تفصيلاً بل رد عليها جملة وأغفل بحث مسائل قانونية معينة أشاروا إليها، ولما كان الثابت في الأوراق أن الطالبين تمسكوا في دفاعهم بأن مورثتهم يونانية الجنسية وبأن أحكام القانون اليوناني هي الواجبة التطبيق على واقعة الدعوى، ولما قضى لهم بطلباتهم بالحكم الاستئنافي الأول الصادر بتاريخ 27/ 4/ 1960 طعن المدعى عليه في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 30 سنة 30 ق أحوال شخصية، وبتاريخ 30/ 1/ 1963 نقضت المحكمة هذا الحكم وأحالت القضية إلى محكمة الاستئناف، ولما قضى ضد الطالبين من محكمة الإحالة بتاريخ 11/ 3/ 1964 أقاموا طعنهم رقم 17 لسنة 34 ق أحوال شخصية وأسسوه على ثلاثة عشر سبباً، وبتاريخ 2/ 4/ 1969 أصدرت المحكمة الحكم المطلوب تصحيحه وهو يقضي برفض الطعن وردت المحكمة على أسباب النعي بقولها "إن النعي بالأسباب المذكورة مردود في جملته، ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم الناقض الصادر في 30/ 1/ 1963 يبين أنه قد بت في المسائل الآتية: (أولاً) أن سليم زلزل زوج المورثة كان من رعايا الدولة العثمانية طبقاً للمادة التاسعة من قانون الجنسية العثمانية الصادر في 19 يناير سنة 1861 (وثانياً) أن المورثة ألحقت بالجنسية العثمانية نتيجة زواجها بسليم زلزل عام 1909 حتى وفاته سنة 1916 وقد ظلت مقيمة في مصر ومحافظة على إقامتها العادية فيها حتى بعد صدور قانون الجنسية المصرية في 10/ 3/ 1929، ومن ثم فإنها تعتبر مصرية بحكم القانون وفقاً للفقرة الثالثة من المادة الأولى من القانون المذكور دون حاجة إلى طلب منها (وثالثاً) أن ثبوت الجنسية على هذا الوضع بقوة القانون للمتوفاة يمتنع معه قانوناً تطبيق أحكام استرداد الجنسية عليها، وإنما تطبق عليها أحكام التجنس بجنسية أجنبية وقد اشترطت المادة 12 من قانون الجنسية الصادر في 1929 سبق استئذان الحكومة المصرية في هذا التجنس، وإلا فإن الجنسية المصرية تظل قائمة من جميع الوجوه وفي جميع الأحوال إلا إذا رأت الحكومة المصرية إسقاط هذه الجنسية، ورتب الحكم على ذلك قضاءه بنقض الحكم الاستئنافي الأول الصادر في 17/ 4/ 1960، ولما كان حكم محكمة النقض يجوز حجية الشيء المحكوم فيه في حدود المسائل التي بت فيها، فإنه يمتنع على محكمة الإحالة عند إعادة نظر الدعوى المساس بهذه الحجية، ويتعين عليها أن تقصر نظرها على موضوع الدعوى في نطاق المسألتين اللتين أشار إليهما الحكم الناقض - وهما التجنس بجنسية أجنبية وإسقاط الجنسية المصرية - وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وأحال في خصوص هاتين المسألتين إلى الحكم الابتدائي الذي أيده، وكان يبين من أسباب هذا الحكم الأخير أنه أثبت أن المورثة لم تستصدر مرسوماً ملكياً مصرياً يأذن لها بالتجنس بجنسية أجنبية، ولم يثبت أن الحكومة المصرية أصدرت مرسوماً بإسقاط الجنسية المصرية عنها، وكان الطاعنون لم يقدموا لمحكمة الإحالة ما يناقض ما أثبته الحكم الابتدائي في هذا الخصوص، وكان الثابت في الأوراق أن كل ما أثاره الطاعنون من دفوع ودفاع على التفصيل السابق بيانه أمام محكمة الموضوع عود إلى المجادلة في المسائل القانونية التي بت فيها الحكم الناقض الصادر في 30/ 1/ 1963، فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه أو شابه قصور أو تناقض، ولما كانت أحكام النقض باتة لا سبيل إلى الطعن فيها، وكان ما أثاره الطاعنون في طلبهم على النحو سالف البيان ليس من قبيل الأخطاء المادية في الحكم ولكنه لا يعدو أن يكون مجادلة في المسائل القانونية التي بت فيها الحكم المطلوب تصحيحه وهو أمر غير جائز. لما كان ذلك، وكانت سلطة المحكمة في هذا الطلب تقف عند حد التحقق من وقوع أخطاء مادية بحتة في حكمها المطلوب تصحيحه على النحو سالف البيان فلا يقبل من الطالبين ما أثاروه بالجلسة من الدفع بعدم دستورية قانون الجنسية، أو وقف الفصل في هذا الطلب لوجود تنازع في الاختصاص بين جهة القضاء العادي وجهة القضاء الإداري رفعوا بشأنه طلباً إلى محكمة تنازع الاختصاص، لما كان ما تقدم فإنه يتعين رفض الطلب.


[(1)] نقض 3/ 3/ 1965 مجموعة المكتب الفني س 16 ص 252.
نقض 27/ 11/ 1952 فهرس 25 سنة بند 279 ص 576.