أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 23 - صـ 739

جلسة 19 من إبريل سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد أسعد محمود، وجودة أحمد غيث، وحامد وصفي، وإبراهيم السعيد ذكري.

(116)
الطعن رقم 14 لسنة 40 ق "أحوال شخصية"

( أ ) حكم. "تفسير الحكم".
متى كان قضاء الحكم واضحاً، فإنه لا يجوز الرجوع إلى المحكمة لتفسير هذا القضاء المادة 192 مرافعات.
(ب) نقض. "نطاق الطعن".
الطعن بالنقض، لا تنقل به الدعوى برمتها إلى محكمة النقض. لا يتناول النقض من الحكم المطعون فيه إلا ما تناولته أسباب الطعن المقبولة. عدم التزام المحكمة ببحث جميع أسباب الطعن متى رأت في أحد الأسباب ما يكفي لنقض الحكم.
(ج) حكم. "تفسير الحكم". نقض. جنسية.
المجادلة في طلب التفسير المقدم إلى محكمة النقض في المسائل القانونية التي بت فيها الحكم المطلوب تفسيره. غير جائز. أحكام النقض لا سبيل إلى الطعن فيها. مثال في جنسية.
(د) قانون. "الدفع بعدم الدستورية". حكم. "تفسير الحكم". جنسية. دفوع.
طلب تفسير حكم صادر من محكمة النقض بشأن الجنسية. الدفع بعدم دستورية قانون الجنسية والدفع بإحالة الطلب إلى محكمة القضاء الإداري لوجود دعوى أمامها بهذا الخصوص. غير مقبول.
1 - تنص المادة 192/ 1 من قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 - المقابلة للمادة 366 من قانون المرافعات السابق - على أنه يجوز للخصوم أن يطلبوا إلى المحكمة التي أصدرت الحكم تفسير ما وقع في منطوقه من غموض أو إبهام، ويقدم الطلب بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى، والمستفاد من صريح هذا النص - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن مناط الأخذ به أن يكون الطلب بتفسير ما وقع في منطوق الحكم من غموض أو إبهام، أما إذا كان قضاء الحكم واضحاً، لا يشوبه غموض ولا إبهام، فإنه لا يجوز الرجوع إلى المحكمة لتفسير هذا القضاء حتى لا يكون التفسير ذريعة للرجوع عنه والمساس بحجيته.
2 - الطعن بالنقض - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا تنتقل به الدعوى برمتها إلى محكمة النقض كما هو الشأن في الاستئناف، بل هو طعن لم يجزه القانون في الأحكام الانتهائية إلا في أحوال بينها بيان حصر، وهي ترجع كلها إما إلى مخالفة القانون أو خطأ في تطبيقه أو في تأويله، أو إلى وقوع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر فيه، ولا تنظر محكمة النقض إلا في الأسباب التي ذكرها الطاعن في تقرير الطعن مما يتعلق بهذه الوجوه من المسائل القانونية البحتة، ومن ثم فالأمر الذي يعرض على محكمة النقض ليس هو الخصومة التي كانت مرددة بين الطرفين أمام محكمة الموضوع، وإنما هو في الواقع مخاصمة الحكم النهائي الذي صدر فيه، ولذلك فإن النقض لا يتناول من الحكم المطعون فيه إلا ما تناولته منه أسباب الطعن التي حكم بقبولها، وبني النقض على أساسها، وليست المحكمة ملزمة ببحث جميع أسباب الطعن إذا ما رأت في أحد الأسباب ما يكفي لنقض الحكم.
3 - متى كان الحكم المطلوب تفسيره - الصادر من محكمة النقض - واضحة دلالته ولا يحتاج إلى تفسيره، وقد بت في أن زوج المتوفاة كان من رعايا الدولة العثمانية وأن المتوفاة تعتبر مصرية بحكم القانون وفقاً للمادة 1/ 3 من قانون الجنسية الصادر في 10/ 3/ 1929، وأن ثبوت الجنسية للمتوفاة على هذا الوضع يمتنع معه قانوناً تطبيق أحكام استرداد الجنسية عليها، وإنما تطبق عليها أحكام التجنس بجنسية أجنبية، وقد اشترطت المادة 12 من قانون الجنسية المذكور سبق استئذان الحكومة المصرية في هذا التجنس، وإلا فإن الجنسية المصرية تظل قائمة إلا إذا رأت الحكومة المصرية إسقاطها، لما كان ذلك فإن ما أثاره الطالبون في طلبهم لا يعدو أن يكون مجادلة في المسائل القانونية التي بت فيها الحكم المطلوب تفسيره، وهو أمر غير جائز، لأن أحكام النقض باتة لا سبيل إلى الطعن فيها.
4 - متى كانت سلطة المحكمة في طلب التفسير تقف عند حد التحقق من وجود غموض أو إبهام في منطوق حكمها المطلوب تفسيره، فلا يقبل من الطالبين ما أثاروه بالجلسة من الدفع بعدم دستورية قانون الجنسية، أو إحالة هذا الطلب إلى محكمة القضاء الإداري لوجود دعوى أمامها بهذا الخصوص.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الأوراق - تتحصل في أن الطالبين أقاموا الدعوى رقم 10 سنة 1958 أحوال شخصية أجانب ضد المدعى عليه والسيد/ هنري مشاقة طلبوا فيها الحكم بضبط إعلام شرعي بثبوت وفاة المرحومة السيدة/ كاترين فيكتورين زلزل المتوفاة بمدينة القاهرة في 6/ 1/ 1958 وهي يونانية الجنسية وانحصار إرثها فيهم كل بحق الثلث طبقاً للوصية الشفوية الصادرة منها واحتياطياً الحكم بانحصار إرثها في وريثتها الوحيدة ابنتها السيدة/ ماري كلير بلاتون فلاسكاكي، وقد دفع المدعى عليه الدعوى بأن المتوفاة كانت مصرية الجنسية وأنه طبقاً لأحكام القانون المصري الواجب التطبيق، فإنه وزميله السيد/ هنري مشاقة يعتبران وارثين للمتوفاة لأنهما ولدا ابن عمها، ويعتبران من عصبتها، وبتاريخ 9/ 6/ 1959 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف الطالبون هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبين إلغاءه والحكم لهم بطلباتهم، وقيد هذا الاستئناف برقم 842 سنة 76 ق، وبتاريخ 27/ 4/ 1960 حكمت المحكمة باعتبار المتوفاة يونانية الجنسية، وبتطبيق أحكام القانون اليوناني على واقعة الدعوى وأجلت نظرها لجلسة 12/ 10/ 1960 لمناقشة الطالبين شخصياً في طلباتهم، طعن المدعى عليه في هذا الحكم بطريق النقض، وقيد طعنه برقم 30 سنة 30 ق أحوال شخصية، وبتاريخ 30/ 1/ 1963 نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة، وفي 16/ 3/ 1970 قدم الطالبون طلبهم الحالي بتقرير طلبوا فيه تفسير الحكم، لأنه صدر في غيبتهم ولم يتعرض لطلباتهم وحججهم وقضى بالنقض دون بحث جميع أسباب الطعن، واكتفى بالقول بأن الحكم المطعون فيه أخطأ في فهم قانون الجنسية الصادر في سنة 1929، واعتبر حالة مورثة الطالبين حالة إسقاط جنسية لا فقد جنسية، وقالوا إنهم يطلبون تفسير الحكم بما يفيد أنه لم يعرض لبحث المسائل القانونية الآتية وهي: (أولاً) أن قانون الجنسية الواجب التطبيق هو قانون 1956 وليس القانون الصادر في سنة 1929. (ثانياً) أن معاهدة لاهاي هي التي تحكم مسألة استرداد الأرامل لجنسيتهن الأصلية. (ثالثاً) أن مسائل الدخول في الجنسية ولو خطأ تخضع للتقادم الخمسي. (رابعاً) أن زوج المتوفاة لم يكن عثمانياً بل كان أسبانياً وبالتالي لم تكن أرملته عثمانية أو مصرية حتى تسري عليها قواعد فقد الجنسية المصرية أو إسقاطها. (خامساً) أن العبرة في المواريث هي بالجنسية الظاهرة للمورث لا بالجنسية التي كان يجب أن يكون عليها. (سادساً) كانت هناك قوة قاهرة تحول دون استصدار مرسوم ملكي باعتبار المورثة مصرية الجنسية لأن الحكومة المصرية، كانت ترفض اعتبارها مصرية والقوة القاهرة تطهر الجنسية من العيوب الشكلية إن كانت هناك عيوب. (سابعاً) أن عدول المحاكم عن قضاء استقرت عليه في تفسير قوانين الجنسية واستقرت على أساسه المراكز القانونية للأفراد لا يؤثر على هذه المراكز. (ثامناً) أنه في سنة 1931 كانت الحكومات هي صاحبة الولاية في مسائل الجنسية دون القضاء. (تاسعاً) أن دليل الجنسية في مصر دليل معد. (عاشراً) أن أحكام الجنسية ليس لها أثر رجعي وبالتالي تنعدم المصلحة في المنازعة في الجنسية بعد الوفاة. (حادي عشر) أن القانون المدني أباح البحث في جنسية الأشخاص دون الأموات. (ثاني عشر) أنه لا يجوز التمسك بالجنسية العثمانية بعد مضي سنة من قانون الجنسية.
وحيث إن هذا الطلب في غير محله ذلك أنه لما كانت المادة 192/ 1 من قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 وتقابلها المادة 366 من قانون المرافعات السابق إذ نصت على أنه "يجوز للخصوم أن يطلبوا إلى المحكمة التي أصدرت الحكم تفسير ما وقع في منطوقه من غموض أو إبهام، ويقدم الطلب بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى"، فإن المستفاد من صريح هذا النص - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن مناط الأخذ به أن يكون الطلب بتفسير ما وقع في منطوق الحكم من غموض أو إبهام، أما إذا كان قضاء الحكم واضحاً لا يشوبه غموض ولا إبهام، فإنه لا يجوز الرجوع إلى المحكمة لتفسير هذا القضاء، حتى لا يكون التفسير ذريعة للرجوع عنه والمساس بحجيته، وكان يبين أن الطلب المقدم من الطالبين لم ينسب إلى الحكم المطلوب تفسيره غموضاً أو إبهاماً، ولكنهم عابوا عليه أنه لم يتعرض لطلباتهم وحججهم وقضي بالنقض دون بحث جميع أسباب الطعن، ولأنه لم يعرض لبحث مسائل قانونية معينة أشاروا إليها، ولما كان الطعن بالنقض - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا تنتقل به الدعوى برمتها إلى محكمة النقض، كما هو الشأن في الاستئناف، بل هو طعن لم يجزه القانون في الأحكام الانتهائية إلا في أحوال بينها بيان حصر، وهي ترجع كلها إما إلى مخالفة القانون أو خطأ في تطبيقه أو في تأويله أو إلى وقوع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر فيه، ولا تنظر محكمة النقض إلا في الأسباب التي ذكرها الطاعن في تقرير الطعن مما يتعلق بهذه الوجوه من المسائل القانونية البحتة، ومن ثم فالأمر الذي يعرض على محكمة النقض ليس هو الخصومة التي كانت مرددة بين الطرفين أمام محكمة الموضوع، وإنما هو في الواقع مخاصمة الحكم النهائي الذي صدر فيها، ولذلك فإن النقض لا يتناول من الحكم المطعون فيه إلا ما تناولته منه أسباب الطعن التي حكم بقبولها وبني النقض على أساسها، وليست المحكمة ملزمة ببحث جميع أسباب الطعن إذا ما رأت في أحد الأسباب ما يكفي لنقض الحكم، وكان الثابت في الأوراق أن المدعى عليه تمسك في دفاعه بأن المتوفاة كانت مصرية الجنسية وأنه طبقاً لأحكام القانون المصري الواجب التطبيق فإنه وزميله السيد/ هنري مشاقة يعتبران وارثين للمتوفاة لأنهما ولدا ابن عملها ويعتبران من عصبتها، ولما قضى ضده استئنافياً وأقام طعنه كان مما نعاه على الحكم الاستئنافي خطؤه في القانون إذ اعتمد في اعتبار المتوفاة يونانية الجنسية على أن الأوراق الرسمية دلت لا على تنازلها فحسب عن طلب التجنس بالجنسية المصرية، بل على أنها قد استردت جنسيتها اليونانية في 9/ 8/ 1933، في حين أن الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون الجنسية الصادر في سنة 1929، تقضي بأن يعتبر مصرياً بقوة القانون الرعايا العثمانيون الذين كانوا يقيمون عادة في مصر منذ 5/ 11/ 1914 وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر القانون في 10/ 3/ 1929، وأن المتوفاة وهي عثمانية الجنسية قد أقامت في مصر منذ سنة 1909، حتى بعد تاريخ نشر القانون، فهي مصرية بحكم القانون، ويبين من الحكم المطلوب تفسيره أن المحكمة أقرت المدعى عليه على صحة هذا النعي، ورأت فيه ما يكفي لنقض الحكم دون حاجة إلى بحث باقي أسباب الطعن إذ قالت: "إن الحكم المطعون فيه قد جاء مخالفاً لأحكام القانون، ذلك أنه ثابت مما ورد في الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي المطعون فيه أن المتوفاة السيدة كاترين فيكتورين زلزل تزوجت سليم زلزل الذي ولد في لبنان، وعمد بها في سنة 1878 وغادرها إلى مصر سنة 1907، وتزوج بالسيدة المذكورة في 24/ 9/ 1909، وتوفي بالقاهرة سنة 1916 ومن ثم فيكون السيد/ سليم زلزل هذا من رعايا الدولة العثمانية طبقاً للمادة التاسعة من قانون الجنسية العثمانية الصادر في 19 يناير سنة 1869 التي تنص على أنه "يعتبر كل شخص مقيم بالديار العثمانية عثمانياً ويعامل كذلك إلى أن تثبت جنسيته الأجنبية بصفة رسمية" والمقصود بالديار العثمانية في مدلول هذه المادة أي إقليم من أقاليم الإمبراطورية العثمانية في ذلك الوقت ومنها مصر، إذ كان ذلك وكان الثابت أن المتوفاة قد تزوجت بالسيد/ سليم زلزل في سنة 1909 وقد توفي زوجها بعد ذلك سنة 1916 فإنها تكون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - قد ألحقت بالجنسية العثمانية، وتبقى على هذه الجنسية حتى بعد وفاته، ولما كانت المتوفاة قد ظلت مقيمة في مصر ومحافظة على إقامتها العادية فيها حتى بعد صدور قانون الجنسية المصرية الصادر في 10/ 3/ 1929، فإنها تعتبر مصرية بحكم القانون طبقاً للفقرة الثالثة من المادة الأولى من القانون المذكور دون حاجة إلى طلب منها، ومتى ثبتت الجنسية على هذا الوضع بقوة القانون للمتوفاة، فلا تنطبق عليها أحكام استرداد الجنسية، وإنما تطبق عليها أحكام التجنس بجنسية أجنبية وقد اشترطت المادة 12 من قانون الجنسية الصادر في سنة 1929 سبق استئذان الحكومة المصرية في هذا التجنس، وإلا فإن الجنسية المصرية تظل قائمة من جميع الوجوه وفي جميع الأحوال، إلا إذا رأت الحكومة المصرية إسقاط هذه الجنسية". ولما كان يبين مما تقدم أن الحكم المطلوب تفسيره واضحة دلالته ولا يحتاج إلى تفسير، وأنه قد بت في أن سليم زلزل زوج المتوفاة كان من رعايا الدولة العثمانية وأن المتوفاة تعتبر مصرية بحكم القانون، وفقاً للفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون الجنسية الصادر في 10/ 3/ 1929 وأن ثبوت الجنسية للمتوفاة على هذا الوضع يمتنع معه قانوناً تطبيق أحكام استرداد الجنسية عليها، وإنما تطبق عليها أحكام التجنس بجنسية أجنبية، وقد اشترطت المادة 12 من قانون الجنسية المذكور سبق استئذان الحكومة المصرية في هذا التجنس، وإلا فإن الجنسية المصرية تظل قائمة إلا إذا رأت الحكومة المصرية إسقاطها، وكان ما أثاره الطالبون في طلبهم لا يعدو أن يكون مجادلة في المسائل القانونية التي بت فيها الحكم المطلوب تفسيره، وهو أمر غير جائز لأن أحكام النقض باتة لا سبيل إلى الطعن فيها. لما كان ذلك، وكانت سلطة المحكمة في هذا الطلب تقف عند حد التحقق من وجود غموض أو إبهام في منطوق حكمها المطلوب تفسيره على النحو سالف البيان، فلا يقبل من الطالبين ما أثاروه بالجلسة من الدفع بعدم دستورية قانون الجنسية، أو إحالة هذا الطلب إلى محكمة القضاء الإداري لوجود دعوى أمامها بهذا الخصوص، لما كان ما تقدم فإنه يتعين رفض الطلب.