مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) - صـ 529

جلسة 2 يونيه سنة 1941

برياسة حضرة عبد الفتاح السيد بك وبحضور حضرات: محمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

(271)
القضية رقم 1261 سنة 11 القضائية

( أ ) كحول. العمليات التي يتطلب القانون فيها توافر قصد التقطير لوجوب إخطار مصلحة الجمارك أو إدارة رسم الإنتاج مقدّماً. نقع الحبوب أو المواد الدقيقية أو النشوية وتخمير المواد السكرية. العمليات الأخرى التي ذكرتها المادة الرابعة من المرسوم الخاص برسم الإنتاج على الكحول. وجوب الإخطار عنها ولو في غير حالات التقطير. مجرّد تخمير البلح أو نقع الحبوب. لا يجب فيه الإخطار إلا إذا كان مقترناً بقصد التقطير. القيام بصنع سوائل كحولية. متى يمكن القول به؟ وجوب الإخطار.

(المرسوم الصادر في 9 سبتمبر سنة 1934 الخاص برسم الإنتاج على الكحول)

(ب) وصف التهمة. تعديله وإقامة التهمة على أساس من الوقائع لم تكن الدعوى مرفوعة بها. ممتنع بتاتاً على المحكمة الاستئنافية.

(المادة 37 تشكيل)

1 - إن الفقرة الأولى من المادة 4 من المرسوم الصادر في 9 سبتمبر سنة 1934 الخاص برسم الإنتاج على الكحول حينما تحدّثت عن العمليات التي أوجبت على كل من يرغب بقصد التقطير في إجراء أي منها أن يخطر مقدّماً مصلحة الجمارك أو إدارة رسم الإنتاج إنما أرادت عمليات نقع الحبوب أو المواد الدقيقية أو النشوية وعمليات تخمير المواد السكرية فقط. أمّا ما عدا ذلك من العمليات المذكورة فيها وهي العمليات الكيماوية الأخرى التي ينتج عنها الكحول مباشرة أو غير مباشرة، والعمليات الخاصة بصنع أو إعادة تقطير العرق أو الأرواح. أو السوائل الكحولية من أي نوع، سواء أكان ذلك على البارد أو بالتقطير أو بتخفيف العرق والأرواح أم بأية طريقة أخرى، فلا يتطلب القانون فيه لوجوب الإخطار أن يتوافر قصد التقطير. وذلك لأن هذه العمليات، بحسب ما عرّفتها المادة نفسها، واجب فيها الإخطار ولو في غير حالات التقطير، مما يقتضي القول بأن قصد التقطير الوارد في صدر المادة لا يمكن أن يكون منسحباً على هذه العمليات وإنما ينصب فقط على ما عداها. وإذن فتخمير البلح أو نقع الحبوب لا يجب فيه الإخطار إلا إذا كان مقترناً بقصد التقطير. ولا تصح المؤاخذة على عدم الإخطار في هذه الحالات بعلة أن من باشر عملية التخمير أو النقع يعتبر أيضاً أنه في ذات الوقت أجرى عملية كيماوية لإنتاج الكحول. وذلك لأن القانون باختصاصه عمليتي التخمير والنقع بحكم خاص إنما قصد بذلك إخراجهما من الحكم العام الذي يسري على سائر العمليات الكيماوية بدليل وصفه هذه العمليات بالعمليات الكيماوية "الأخرى". وإنما تصح المؤاخذة إذا كان من أجرى التخمير أو النقع من غير أن يكون من قصده التقطير قد وقع منه ما يمكن عدّه في الوقت نفسه قياماً منه بصنع سوائل كحولية، لأن الإخطار في هذه الحالة لا يكون واجباً لا عن مجرّد التخمير أو النقع بل عن عمل آخر هو القيام بصنع السوائل الكحولية، الأمر الذي لا يصح القول به بناءً على مجرّد التخمير أو النقع، بل لا بد فيه من ثبوت تهيؤ من يريد القيام به لمباشرة أعمال مادّية معينة يصح معها في حقه أن يوصف بأنه من المشتغلين بصنع السوائل الكحولية من مواد أخرى كالعمل بوسائل مختلفة على ترشيح السائل الناتج من التخمير أو النقع ليفرز السائل عن المواد الأخرى حتى يحصل من ذلك على السائل الكحولي.
2 - المحكمة الاستئنافية ممنوعة منعاً باتاً من أن تعدّل التهمة المسندة إلى المتهم وتقيمها على أساس من الوقائع غير التي رفعت بها الدعوى عليه.


المحكمة

وحيث إن مما ينعاه الطاعن بوجوه الطعن المقدّمة منه على الحكم المطعون فيه أنه لم يتحدّث بشيء عن التهمة الأخيرة، وأنه قد أخطأ إذ استند إلى المادة الرابعة من مرسوم 9 سبتمبر سنة 1934 فاعتبر التخمير في حكم التقطير مع أن هذه المادة لا تحتمل هذا التأويل. وأن تفسيره بشأن تهمة القيام بعملية كيماوية خاطئ من أساسه، إذ لم يثبت إطلاقاً قيام الطاعن بعمليات تقطير، ولم توجد عنده الأدوات الخاصة بتلك العملية، وقد قضت المحكمة بهذا في التهمة التي برأت الطاعن منها. وأنه قد بني على بطلان في إجراءات الضبط والتفتيش لأن المادة السابعة من المرسوم المشار إليه تنص على أن إجراءات الضبط والتفتيش لا تكون إلا في حالة التقطير خفية، وما دام لم يحصل تقطير فتكون الإجراءات باطلة.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت على الطاعن بأنه: (أوّلاً) "أنشأ وشغّل مصنعاً لتقطير سوائل كحولية قبل الحصول على ترخيص من وزارة المالية. (وثانياً) قام بعمليات كيماوية تنتج سوائل كحولية دون إخطار مصلحة الجمارك. (وثالثاً) حاز مشروبات كحولية نتجت من عمليات تقطير خفية". وطلب عقابه بالمواد 4 و6 و19 و13 من المرسوم بقانون الصادر في 9 سبتمبر سنة 1934 والمادة الأولى من القانون رقم 1 سنة 1939. والحكم المطعون فيه تحدّث عن واقعة الدعوى وظروفها بقوله: "حيث إنه عن التهمة الأولى فإنه لم يثبت على أي وجه أن المتهم أنشأ أو شغّل مصنعاً لتقطير سوائل كحولية. والذي ثبت حسب شهادة الشهود هو وجود بلح مخمر مخلوط بالعسل، ومن ثم يتعين تبرئة المتهم من التهمة الأولى. وحيث إنه عن التهمة الثانية فالمتهم معترف في التحقيق وفي دفاعه أمام محكمة أوّل درجة وأمام هذه المحكمة بتخمير البلح وإضافة عسل إليه، وأنه شراب سائغ لا يحتاج إلى إخطار. وحيث إن دفاع المتهم ينحصر في أنه ما دام أن نسبة الكحول في السائل المضبوط عنده تقل عن 13% فإنه لا حاجة لإخطار أو ترخيص لصنع ذلك السائل. واستند في ذلك المواد 1 و2 و4 من المرسوم الصادر في 14 فبراير سنة 1930 وعلى مواد اختارها بالذات من المرسوم الصادر في 9 سبتمبر سنة 1934 الخاص بضريبة الإنتاج على الكحول ومن المرسوم الصادر في 2 يونيه سنة 1938 الخاص بتعديل رسم الإنتاج على الكحول ومن مرسوم 10 أكتوبر سنة 1934 الخاص برسوم الأنبذة. وحيث إن المادة الرابعة من المرسوم الصادر في 9 سبتمبر سنة 1934 تنص على أنه يجب على كل شخص يرغب بقصد التقطير في تحضير نقيع حبوب أو مواد دقيقية أو نشوية أو تخمير مواد سكرية أو في إجراء أي عملية كيماوية أخرى من شأنها أن تنتج كحولاً مباشرة أو غير مباشرة أو في القيام بصنع أو إعادة تقطير عرق أو أرواح أو سوائل كحولية من أي نوع سواء كان ذلك على البارد أو بالتقطير أو بتخفيف العرق والأرواح أو بأي طريقة أخرى أن يخطر مصلحة الجمارك وإدارة رسم الإنتاج التابعة لها عن كل العمليات المتقدّم ذكرها قبل الشروع في ذلك بميعاد شهر... إلخ. ومن هذا النص الصريح يتضح أن الكحول كما ينتج من التخمير ينتج من التقطير، وكما ينتج من عملية على البارد ينتج من عملية التقطير، وأن السوائل الكحولية من أي نوع سواء كان على البارد أو بالتقطير أو بأي طريقة أخرى خاضعة لنصوص القانون. وحيث إن إرجاع كل ما ورد في هذه المادة إلى وسيلة التقطير أو قصد التقطير خطأ يتضح من قول المادة "أو في القيام بصنع أو إعادة تقطير عرق أو أرواح أو سوائل كحولية من أي نوع سواء كان ذلك على البارد أو بالتقطير"، فإن "بقصد التقطير" لا يمكن أن تلحق هذا الجزء من المادة، لأن صنع العرق لا يكون بقصد التقطير بل بقصد إخراج العرق أي صنعه. وورود عبارة على البارد أو بالتقطير أو بأي طريقة أخرى يؤكد أن هناك وسائل أخرى تحت نص المادة لصنع السوائل التي ذكرتها المادة غير التقطير وهي طريقة على البارد أو بالتخفيف. على أن المادة قد كفت المتسائل مشقة التأويل والتخريج فذكرت بصريح اللفظ "أو بأي طريقة أخرى". ومن كل هذا يتضح أن صنع العرق أو الأرواح أو أي سائل كحولي من أي نوع كما جاء صريحاً في نص هذه المادة لا بدّ فيه من إخطار لمصلحة الجمارك وإدارة رسم الإنتاج... وحيث إنه ثبت من التحليل الكيماوي أن السائل المضبوط لدى المتهم والذي لا ينكر أنه هو هو صانعه يجب عنه الإخطار لأنه سائل كحولي يحوي 6 % من الكحول. وحيث إنه عن الرسم الواجب تحصيله وهو يدخل خمير البلح ضمن السوائل التي يحصّل عليها رسم فإن المادة الثانية فقرة أولى من المرسوم الصادر في 14 فبراير سنة 1930 نصت من بين ما نصت عليه مستحقاً للرسوم على أنبذة التين والبلح وجميع المشروبات الكحولية الأخرى غير المدرجة في التعريفة الجمركية وجميع المستحضرات التي أساسها الكحول. وحيث إن الفقرة الأولى من المادة الثانية من قانون 14 فبراير سنة 1930 نصت على نبيذ البلح باعتباره مستوجباً للضريبة أو الرسم، والنبيذ يصنع بالتخمير (مرسوم 10 أكتوبر سنة 1934) وهو نفس العملية التي قام بها المتهم في صنع سائله المضبوط، فهو إذن داخل ضمن السوائل التي يحصل عنها رسم، هذا فضلاً عن أن هذه الفقرة نصت على جميع المشروبات الكحولية الأخرى، والسائل المضبوط يحتوي على 6 % من الكحول. وحيث إن نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من قانون 14 فبراير سنة 1930 لا يمكن أن يشمل نبيذ البلح لأن الفقرة الأولى جعلته من بين ما يحصل رسم عنه. وحيث إن التعويض المطلوب، وهو شامل للرسم، هو حسب الكشف المقدّم مبلغ 3 جنيهات و450 مليماً، ولم يعترض المستأنف على قيمته وإنما اعترض على أساس وجوبه". ثم قضى بناءً على ذلك ببراءة الطاعن من التهمة الأولى وتغريمه 200 قرش عن التهمة الثانية وإلزامه بأن يدفع لمصلحة الجمارك مبلغ 3 جنيهات و450 مليماً والمصاريف المدنية لمصلحة الإنتاج ومصادرة الأشياء المضبوطة.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 4 من المرسوم الصادر في 9 سبتمبر سنة 1934 الخاص برسم الإنتاج على الكحول حينما تحدّثت عن العمليات التي أوجبت على كل من يرغب بقصد التقطير في إجراء شيء منها أن يخطر مقدّماً مصلحة الجمارك أو إدارة رسم الإنتاج إنما أرادت عمليات نقع الحبوب أو المواد الدقيقية أو النشوية وعمليات تخمير المواد السكرية فقط. أما ما عدا ذلك من العمليات التي ذكرتها وهي العمليات الكيماوية الأخرى التي ينتج عنها الكحول مباشرة أو غير مباشرة والعمليات الخاصة بصنع أو إعادة تقطير العرق أو الأرواح أو السوائل الكحولية من أي نوع، سواء أكان ذلك على البارد أو بالتقطير أو بتخفيف العرق والأرواح أم بأية طريقة أخرى، فلا يتطلب القانون فيه لوجوب الإخطار أن يتوافر قصد التقطير. وذلك لأن هذه العمليات بحسب ما عرفتها المادة نفسها واجب فيها الإخطار ولو في غير حالات التقطير، مما يقتضي القول بأن قصد التقطير الوارد في صدر المادة لا يمكن أن يكون منسحباً على هذه العمليات، وأنه إنما ينصب فقط على ما عداها. هذا هو قصد الشارع المستفاد من سياق الكلام ومعناه ومن المذكرة الإيضاحية للمرسوم المذكور.
وحيث إنه بناءً على ذلك يكون مجرّد تخمير البلح أو نقع الحبوب غير واجب فيه إخطار إلا إذا كن مقترناً بقصد التقطير. ولا تصح المؤاخذة على عدم الإخطار في هذه الحالات بعلة أن من باشر عملية التخمير أو النقع يعتبر أيضاً أنه في ذات الوقت أجرى عملية كيماوية لإنتاج الكحول، وذلك لأن القانون بإعطائه عمليتي التخمير والتنقيع حكماً خاصاً إنما قصد بذلك إخراجهما من الحكم العام الذي يسري على سائر العمليات الكيماوية بدليل وصفه هذه العمليات بالعمليات الكيماوية "الأخرى". وإنما تصح المؤاخذة إذا كان من أجرى التخمير أو التنقيع من غير أن يكون من قصده التقطير قد وقع منه ما يمكن عدّه في الوقت نفسه قياماً منه بصنع سوائل كحولية، لأن الإخطار في هذه الحالة يكون واجباً لا عن مجرّد التخمير أو التنقيع بل عن عمل آخر هو القيام بصنع السوائل الكحولية - الأمر الذي لا يصح القول به بناءً على مجرّد التخمير أو التنقيع بل لا بدّ فيه من ثبوت تهيؤ المطالب بالإخطار لمباشرة أعمال مادية معينة يصح معها في حقه أن يوصف بأنه من المشتغلين بصنع السوائل الكحولية من مواد أخرى كالعمل بوسائل مختلفة على ترشيح السائل الناتج من التخمير أو التنقيع ليفرز السائل عن المواد الأخرى حتى يحصل بذلك على السائل الكحولي.
وحيث إنه لما كان كل ما هو ثابت بالحكم المطعون فيه هو أنه ضبط لدى الطاعن بلح مخمر مخلوط بالعسل وغير مقطر وجد به عند التحليل 6 % من الكحول، وأن الطاعن معترف بأنه هو الذي صنع هذا السائل، وأنه لم يكن يقصد تقطيره - لما كان هذا هو الثابت كان الحكم على الطاعن على أساس التهمتين المرفوعة بهما الدعوى عليه غير صحيح. وذلك لأن تخمير البلح وإن عدّ من العمليات الكيماوية لا يستوجب الإخطار ما دام لم يقترن بنية التقطير كما تقدّم القول، ولأن ما ضبط لدى الطاعن لم يكن من المشروبات المقطرة. وإذن يتعين نقض الحكم بالنسبة للدعوى الجنائية وبراءة الطاعن من التهمة المرفوعة بها الدعوى عليه، وذلك من غير حاجة للبحث في باقي وجوه الطعن. هذا. وإذا كان الحكم قد اعتبر أن الطاعن قد قام بصنع سوائل كحولية الأمر الواجب فيه الإخطار على كل حال كما مر القول، فإنه كذلك يكون قد أخطأ من ناحية تعديله التهمة نفسها المرفوعة بها الدعوى وإقامتها على أساس من الوقائع لم تكن الدعوى مرفوعة بها، الأمر الذي يمتنع بتاتاً على المحكمة الاستئنافية إجراؤه، مما يتعين معه نقض الحكم أيضاً. وذلك على اعتبار أن هذا السبب يدخل في مجموع ما ينعاه الطاعن على الحكم في أوجه طعنه.
وحيث إنه عما قضى به من الرسوم والتعويضات فإن الحكم قد اعتبر الطاعن حائزاً لنبيذ البلح وقدّر الرسم والتعويض على هذا الأساس. وإذ كان الطاعن لم يضمّن أسباب طعنه شيئاً خاصاً بذلك، وكان نقض الحكم في الدعوى الجنائية لا يستلزم حتماً نقضه من جهة قضائه بالرسم والتعويضات، فلا يوجد إذن من مقتضً لنقضه من هذه الجهة. ولا يؤثر في ذلك ما تمسك به الطاعن في شأن التفتيش، لأن التفتيش إنما أجري على اعتبار أن الطاعن يقطر الكحول خفية، ثم رفعت الدعوى فعلاً على الطاعن بتهمة تشغيله مصنعاً لتقطير السوائل الكحولية خفية، والحكم له بالبراءة من هذه التهمة لا يلزم عنه بطلان الإجراءات التي سبقته ما دامت قد تمت صحيحة في وقت القيام بها.
وحيث إنه لما تقدّم يتعين نقض الحكم من جهة ما قضى به في الدعوى العمومية فقط وبراءة الطاعن مما نسب إليه ورفض الطعن بالنسبة للدعوى المدنية.