مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) - صـ 536

جلسة 2 يونيه سنة 1941

برياسة حضرة عبد الفتاح السيد بك وبحضور حضرات: محمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

(273)
القضية رقم 1568 سنة 11 القضائية

( أ ) قبض. أمر الضبط. توافر دلائل قوية على الاتهام. تقدير تلك الدلائل. منوط بالنيابة العمومية. تفتيش المتهم بناءً على أمر الضبط. الاستشهاد عليه بنتيجة التفتيش. تقدير المحكمة للدلائل التي أسس عليها أمر الضبط وللدليل المستمد من التفتيش. المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض. لا تقبل.
(ب) تفتيش. تكليف رجل البوليس (أومباشي) بضبط متهم تنفيذاً لأمر النيابة. حقه في تفتيش المتهم عند ضبطه للبحث عما قد يكون معه من سلاح. إجراء التفتيش بهذا القصد. وجود مخدر مع المتهم. الاستشهاد به عليه. يصح. إجراء التفتيش بقصد البحث عن مخدّر. تفتيش باطل.
(جـ) تفتيش. الرضا به. المحكمة من حصوله بأي دليل.

(المادة 15 تحقيق)

1 - إنه وإن كان يجب أن يكون أمر الضبط والإحضار مبنياً على توافر دلائل قوية على اتهام المتهم إلا أن تقدير تلك الدلائل منوط بالنيابة العمومية التي من اختصاصها إصدار هذا الأمر. وإذا تفرّع عن القبض إجراء آخر كتفتيش المقبوض عليه، واتخذ من نتيجة التفتيش دليل إثبات في الدعوى المرفوعة عليه، فيكون لمحكمة الموضوع مراقبة تقدير النيابة لكفاية الدلائل التي أصدرت أمر الضبط بناءً عليها. فإذا تبين لها أن هذه الدلائل لم تكن كافية جاز لها أن تستبعد الدليل المستمد من التفتيش، ورأيها في هذا متعلق بالموضوع ولا يجوز الجدل فيه أمام محكمة النقض.
2 - إنه وإن كان لرجل البوليس (أومباشي) المكلف من قبل ضابط المباحث بضبط المتهم وإحضاره تنفيذاً للأمر الصادر بذلك من النيابة أن يفتشه عند ضبطه للبحث عما قد يكون معه من سلاح خشية اعتدائه به عليه أو إيذاء نفسه به إلا أن هذا الحق يجب للقول بقيامه ألا يكون التفتيش لم يبدأ فيه إلا بهذا القصد. وإذا ما أسفر التفتيش في هذه الحالة عن وجود مخدّر مع المتهم صح الاستشهاد به. أما إذا كان التفتيش قد أجرى من بادئ الأمر بقصد البحث عن مخدّر فإنه يكون باطلاً غير جائز الاعتماد عليه.
3 - إن القول بعدم جواز الأخذ بشهادة رجل البوليس في إثبات رضا المتهم بالتفتيش الذي أجراه معه بغير إذن من النيابة غير صحيح إذ أن ما هو مقرّر من أن من يقوم بإجراء باطل لا تقبل منه الشهادة عليه لا يكون إلا عند قيام البطلان. أما إذا كان البطلان ذاته هو الذي يدور حوله الإثبات فإنه يكون من حق المحكمة أن تستدل عليه بأي دليل.


المحكمة

وحيث إن أوجه الطعن الثلاثة تتلخص في أن الطاعن دفع ببطلان التفتيش الحاصل على شخصه واستند في ذلك: (أوّلاً) إلى أن الأمر الصادر من النيابة بضبطه وإحضاره باطل لأنه يشترط لصحته قانوناً أن يسبقه تحقيق في الجنحة المنسوبة إلى الطاعن وأن تتوافر فيه الأدلة القوية على ارتكاب الطاعن لهذه الجنحة. وبما أن هذين الشرطين لم يتوافرا في الدعوى فيكون الأمر المذكور باطلاً، ويكون القبض على الطاعن بناءً عليه قد وقع باطلاً أيضاً، وكذلك تبطل جميع الآثار القانونية المترتبة عليه ومنها تفتيشه. (وثانياً) إلى أن تفتيش الطاعن قد حصل بمعرفة شخصين لا يملكان حق التفتيش قانوناً، إذ هما أومباشيان، فهما على هذا الاعتبار ليسا من رجال الضبطية القضائية الوارد ذكرهم في المادة الرابعة من قانون تحقيق الجنايات، فليس لهما إجراء التفتيش بغير حضور أحد من رجال الضبطية القضائية وتحت إشرافه مباشرة. أما قول الحكم إن الحق في ضبط الطاعن يستتبع حتماً حق تفتيشه ليأمن من يقوم بذلك من وجود سلاح مع المقبوض عليه يستعمله ضدّ نفسه أو ضدّ من يقبض عليه فإن هذا الحق لا ينشأ إلا إذا ظهر ما يبرر هذا الإجراء - الأمر الذي لم يتوفر في القضية. هذا فضلاً عن أن رئيس هذين الأومباشيين كما أثبت الحكم المطعون فيه لم يكلفهما بتفتيش الطاعن بل قصر مهمتهما على مجرّد مراقبته ليلاً وإحضاره إليه ليفتشه هو بمعرفته فليس لهما الخروج عن حدود المأمورية التي ندبا لها. ويضيف الطاعن إلى ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن انتهى من بحث عدم بطلان التفتيش استناداً إلى حق القبض أراد أن يبرر أيضاً التفتيش الواقع على شخص الطاعن بأمرين: الأوّل أن الطاعن كان في حالة تلبس يبيح لأي شخص تفتيشه مع أن الحالة التي وصفها رجلا البوليس لا تعتبر من حالات التلبس الواردة على سبيل الحصر في المادة الثامنة من قانون تحقيق الجنايات. والثاني أن الطاعن على إثر ضبطه أنكر وجود مواد مخدّرة معه وطلب من رجلي البوليس تفتيشه ففعلا خشية أن يتمكن من إخفاء المادة المخدّرة قبل حضور رئيسهما، مع أنه من المقرّر أن بطلان التفتيش يستتبع حتماً بطلان شهادة من أجروه، وأنه لا يجوز للمحكمة أن تستند إلى هذا التفتيش كدليل لإثبات التهمة، أو الاعتماد على شهادة الذين قاموا بالتفتيش، أو الارتكان على ما يثبتونه في محاضرهم من أقوال واعترافات مقول بصدورها ممن حصل تفتيشه. ولذا يكون الدليل المستمد من شهادة رجلي البوليس سواء أكان عن واقعة التفتيش أم عن رضاء الطاعن به هو دليل غير قانوني. وطلب الطاعن في النهاية نقض الحكم والقضاء ببراءته واحتياطياً القضية لمحاكمته مجدّداً من دائرة أخرى.
وحيث إن ما يثيره الطاعن بشأن بطلان أمر الضبط لعدم إجراء تحقيق سابق عليه ولعدم وجود دلائل كافية تبرره مردود بأنه وإن كان يجب أن يكون أمر الضبط مبنياً على توافر دلائل قوية على الاتهام إلا أن تقدير تلك الدلائل منوط بالنيابة العمومية التي تصدر هذا الأمر. وإذا ترتب على هذا القبض إجراء آخر كتفتيش المتهم، واتخذ من نتيجة هذا التفتيش دليل عليه، فإنه يكون لمحكمة الموضوع مراقبة النيابة في تقديرها لكفاية الدلائل التي أسست عليها أمر الضبط، فإذا تبين لها عدم كفايتها كان لها أن تستبعد الدليل المستمد من التفتيش، وتقديرها في هذا موضوعي لا يجوز الجدل فيه أمام محكمة النقض.
وحيث إن الواقعة الثابتة في الحكم هي أن النيابة أمرت بضبط الطاعن بناءً على ما قام لديها من القرائن على وقوع جريمة الاتجار بالمخدّرات منه، ولم ينازع الطاعن في كفاية هذه القرائن أمام محكمة الموضوع، فليس له أن يناقش في ذلك أمام محكمة النقض لأوّل مرة بعد أن أقرّت محكمة الموضوع النيابة على تصرفها هذا.
وحيث إنه وإن كان رجلا البوليس اللذان كلفهما ضابط المباحث بضبط الطاعن وإحضاره تنفيذاً للأمر الصادر من النيابة يحق لهما عند ضبطه أن يفتشاه للبحث عن سلاح خشية أن يعتدي به عليهما أو على نفسه، إلا أن هذا الحق لا يقوم إلا إذا كان التفتيش قد بدئ فيه على هذا الأساس، فإذا ما أسفر التفتيش في هذه الحالة عن وجود مخدّر مثلاً صح ضبطه والاستشهاد به. أما إذا كان التفتيش لم يقصد به من الأصل إلا البحث عن مخدّر - كما هو الحال في هذه الدعوى - فإنه يكون باطلاً ولا يصح التمسك به، ويكون الحكم المطعون فيه إذ أجاز إطلاقاً تفتيش كل مقبوض عليه، ولو لم يقصد من التفتيش ضبط سلاح معه، يكون قد أخطأ.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أخطأ أيضاً في اعتبار أن الطاعن كان في حالة تلبس بالجريمة مما يبيح لأي شخص أن يفتشه، لأن الوقائع التي أثبتها الحكم على رجلي البوليس لا تتحقق بها أية حالة من حالات التلبس الواردة على سبيل الحصر في المادة الثامنة من قانون تحقيق الجنايات والتي يحق معها لأي فرد أن يقبض على الطاعن ويفتشه تبعاً لذلك.
وحيث إنه مع خطأ الحكم المطعون فيه فيما تقدّم، فإنه لا مصلحة للطاعن في التمسك بهذا الخطأ، لأنه بالرجوع إلى الحكم الاستئنافي المطعون فيه يبين أنه أوضح أيضاً أن تفتيش الطاعن إنما حصل بناءً على طلبه، وما دام الحكم المذكور أثبت أن الطاعن طلب التفتيش برضائه واختياره فلا تصح المناقشة في هذا الرضا أمام محكمة النقض لأنه من المسائل الموضوعية التي لمحكمة الموضوع وحدها الحق في تقديرها. أما ما يثيره الطاعن من عدم جواز الأخذ بشهادة رجلي البوليس اللذين قاما بالتفتيش في إثبات رضا الطاعن به على أساس أن من يقوم بعمل باطل لا تقبل منه الشهادة عليه - ما يثيره من هذا مردود بأنه إن صح رضاء الطاعن بالتفتيش، وهو ما قالت المحكمة به، فإن التفتيش يكون صحيحاً، فيصح إذن للمحكمة أن تسمع الشهود على هذا الرضا.