أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 23 - صـ 781

جلسة 29 من إبريل سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ محمد صادق الرشيدي، وعضوية السادة المستشارين: محمد شبل عبد المقصود، وأحمد سميح طلعت، وأديب قصبجي، ومحمد فاضل المرجوشي.

(122)
الطعن رقم 286 لسنة 37 القضائية

( أ ) قسمة. بيع. تجزئة. "أحوال التجزئة".
موافقة البائعين على خروج القدر المبيع من ملكيتهم قبل قسمتها. مقتضاه. اتجاه إرادة المتعاقدين إلى اعتبار الصفقة وحدة لا تقبل التجزئة. عدم استبعاد الأطيان المبيعة قبل وقوع القسمة. البيع صحيح نافذ قبل البائعين جميعاً حتى إذا وقع القدر المبيع في نصيب واحد منهم. للأخير الرجوع على الباقين طبقاً للقواعد المقررة.
(ب) حكم. "تسبيب الحكم". نقض. "سلطة محكمة النقض".
انطواء أسباب الحكم على خطأ في القانون. عدم تأثير هذا الخطأ على نتيجة الحكم الصحيحة. لا بطلان. لمحكمة النقض تصحيح تلك التقريرات الخاطئة.
(ج) عقد. "تفسير العقد". محكمة الموضوع. "سلطتها في تفسير العقد".
استقلال محكمة الموضوع بتفسير العقود طالما لم تخرج عن المعنى الظاهر لعبارتها.
(د) بيع. شيوع. قسمة.
الشريك على الشيوع أن يبيع جزءاً مفرزاً من المال الشائع قبل إجراء القسمة.
(هـ) بيع. "دعوى صحة التعاقد". دعوى. "نطاق الدعوى". تسجيل.
دعوى صحة التعاقد دعوى موضوعية تستلزم أن يكون من شأن البيع نقل الملكية. اتساع نطاقها لبحث ذاتية الشيء المبيع.
(و) التزام. "الوفاء بالالتزام". بيع. "التزامات المشتري".
قيام المشتري بإيداع باقي الثمن على ذمة البائعين في صفقة غير مجزأة. عدم اعتراضهم على الإيداع. مؤداه. براءة ذمته من الثمن. لكل بائع أن يستأدى حصته من الثمن وفق الإجراءات المقررة قانوناً.
1 - إذ كان البيع قد ورد على حصة مفرزة ومحددة التزام البائعون باستنزالها من الأعيان الموقوفة قبل قسمتها، فإن مفاد ذلك أن الطاعنة (البائعة الأولى) وشركاءها وافقوا على أن يخرج القدر المبيع من ملكيتهم قبل قسمتها بحيث لا يدخل في أية قسمة تجرى بينهم فيما بعد، مما مقتضاه أن الصفقة - في مقصود المتعاقدين - وحدة قائمة بذاتها لا يمكن تفريقها على المشتري، وأن الالتزام في مفهوم إرادتهما ووفق الغرض الذي رميا إليه لا يجوز تنفيذه مقسماً، بل يجب تنفيذه باعتباره كلا غير قابل للتجزئة، ومن ثم فإذا لم يكن قد جرى استبعاد الأطيان المبيعة قبل وقوع القسمة فإن البيع الصادر إلى المشتري - المطعون ضده الأول - يكون صحيحاً ونافذاً قبل البائعين جميعاً أياً كانت النتيجة التي تترتب عليها قسمة الأطيان حتى ولو وقع القدر المبيع في نصيب واحد منهم، وهذا الشريك وشأنه في الرجوع على باقي شركائه طبقاً للقواعد المقررة قانوناً.
2 - إذا كان الحكم قد انتهى صحيحاًَ إلى القضاء بصحة ونفاذ عقد البيع فإنه لا يبطله ما وقع في أسبابه من خطأ في تطبيق القانون بتقريره وجود تضامن بين البائعين في العقد، وما دام هذا الخطأ لم يؤثر على النتيجة الصحيحة التي انتهى إليها، ولمحكمة النقض تصحيح ما وقع في تقريرات الحكم القانونية من خطأ وأن تعطي الوقائع الثابتة تكييفها القانوني الصحيح ما دامت لا تعتمد في هذا التكييف على غير ما حصلته محكمة الموضوع من هذه الوقائع.
3 - تفسير العقود واستظهار نية طرفيها هو أمر تستقل به محكمة الموضوع ما دام قضاؤها في ذلك يقوم على أسباب سائغة، وطالما أنها لم تخرج في تفسيرها للعقد واستظهار نية الطرفين عن المعنى الظاهر لعبارته.
4 - من حق الشريك على الشيوع أن يبيع جزءاً مفرزاً من المال الشائع قبل إجراء القسمة.
5 - دعوى صحة التعاقد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - هي دعوى موضوعية تمتد سلطة المحكمة فيها إلى بحث موضوع العقد ومداه ونفاذه، وهي تستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية حتى إذا ما سجل الحكم قام تسجيله مقام تسجيل العقد في نقلها، وهذا يقتضي أن يفصل القاضي في أمر صحة البيع واستيفائه للشروط اللازمة لانعقاده وصحته، ومن ثم فإن تلك الدعوى تتسع لبحث ذاتية الشيء المبيع الذي هو ركن من أركان البيع ويجب على المحكمة أن تتحقق من موقعه ومساحته وتعيين حدوده وأوصافه تعييناً مانعاً للجهالة قبل الحكم بانعقاد البيع.
6 - إذا كان المطعون ضده الأول (المشتري) قد أودع باقي الثمن على ذمة الطاعنة وسائر البائعين، وطالما أن الإيداع لم يكن في ذاته محل اعتراض، فإن ذمة المطعون ضده تبرأ بإيداع المستحق من الثمن على ذمة البائعين جميعاً، لأن الصفقة بالنسبة له كانت غير مجزأة، وللطاعنة أن تستأدى حصتها من الثمن المودع وفق الإجراءات المقررة قانوناً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 420 سنة 1964 مدني كلي الإسكندرية على الطاعنة وباقي المطعون ضدهم طالباً الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 22/ 4/ 1954، وقال في بيان دعواه إنه كان قد رفع دعوى بثبوت ملكيته لقطعة أرض كائنة بحوض الدير المستجد بالعجمي ضد وقف حميد خلاف ورفع ذلك الوقف ضده دعوى بثبوت ملكيته لذات القدر، ثم تصالح مع خصومة سالفي الذكر باعتبارهم ملاكاً لتسعة عشر قيراطاً من أربعة وعشرين من أعيان الوقف السابق بيانه، بأن حرروا له عقداً تاريخه 22/ 4/ 1954 اشترى بموجبه منهم أربعين فداناً مفرزة بثمن مقداره 1500 ج سدد منه ألف جنيه عند تحرير العقد وتعهد بسداد الباقي عند التوقيع على العقد النهائي، ولما لم يجبه البائعون إلى طلب تقديم المستندات اللازمة لتسجيل عقد البيع، أقام هذه الدعوى بطلباته السالف ذكرها. دفعت الطاعنة الدعوى بأن حدود العين المبيعة وأطوالها المبينة في صحيفة الدعوى تغاير تلك التي وردت في عقد البيع، وأنها لا تمانع في تنفيذ البيع بالنسبة للجزء الذي باعته ومقداره ستة أفدنة، وليس للمشترى أن ينفذ البيع فيما آل إليها بموجب القسمة بالنسبة للمساحات المبيعة من البائعين الآخرين، وبجلسة 25/ 3/ 1963 قضت المحكمة الابتدائية بندب خبير هندسي بمكتب خبراء الإسكندرية لمعاينة العين المبيعة ومطابقة مساحتها وحدودها لبيان عقد البيع، وبعد أن قدم الخبير تقريره الذي انتهى إلى عدم وجود خلاف في بيانات العين المبيعة، قضت المحكمة بتاريخ 30/ 6/ 1965 بصحة ونفاذ العقد. استأنفت الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة استئناف الإسكندرية وقيد استئنافها برقم 405 سنة 21 ق، وفي 3/ 4/ 1967 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب حاصل أولها أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون، ذلك لأن الطاعنة تمسكت أمام محكمة الموضوع بأنها لم تبع إلى المطعون ضده الأول سوى ستة أفدنة حال أن الحدود التي وردت بصحيفة الدعوى تشمل تسعة وعشرين فداناً من المساحة التي اختصت بها بموجب حكم القسمة، وقد رد الحكم المطعون فيه على ذلك بأن البند السادس من العقد ينص على أن كلاً من البائعين التزم التزاماً فردياً باستنزال القدر المبيع قبل القسمة وهو التزام تضامني تعدد مدينوه، ومن حق الدائن مطالبة أي واحد منهم بالوفاء به كاملاً، وتقول الطاعنة إن هذا الذي قرره الحكم يخالف القانون لأن التضامن لا يكون - عملاً بالمادة 279 مدني - إلا بناءً على اتفاق أو نص في القانون. وطالما أن العقد لم ينص على التضامن بين البائعين فإن الالتزام ينقسم بينهم.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك لأن الثابت من البند السادس من عقد البيع المؤرخ 22/ 4/ 1954 - وفق ما جاء بالحكم المطعون فيه - "أن البيع ورد على حصة مفرزة ومحددة التزم البائعون باستنزالها من الأعيان الموقوفة قبل قسمتها، ومفاد ذلك أن الطاعنة وشركاءها وافقوا على أن يخرج القدر المبيع من ملكيتهم قبل قسمتها بحيث لا يدخل في أية قسمة تجرى بينهم فيما بعد، مما مقتضاه أن الصفقة - في مقصود المتعاقدين - وحدة قائمة بذاتها لا يمكن تفريقها على المشترى وأن الالتزام - في مفهوم إرادتهما ووفق الغرض الذي رميا إليه - لا يجوز تنفيذه مقسماً، بل يجب تنفيذه باعتباره كلا غير قابل للتجزئة، ومن ثم فإذا لم يكن قد جرى استبعاد الأطيان المبيعة قبل وقوع القسمة فإن البيع الصادر إلى المشتري - المطعون ضده الأول - يكون صحيحاً ونافذاً قبل البائعين جميعاً (الطاعنة وباقي المطعون ضدهم) أياً كانت النتيجة التي تترتب عليها قسمة الأطيان حتى ولو وقع القدر المبيع في نصيب واحد منهم، وهذا الشريك وشأنه في الرجوع على باقي شركائه طبقاً للقواعد المقررة قانوناً". لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى هذه النتيجة وقضى بصحة ونفاذ عقد البيع فإنه لا يبطله ما وقع في أسبابه من خطأ في تطبيق القانون بتقريره وجود تضامن بين البائعين في العقد، ما دام هذا الخطأ لم يؤثر على النتيجة الصحيحة التي انتهى إليها، ولما كان لمحكمة النقض تصحيح ما وقع في تقريرات الحكم القانونية من خطأ كما أن لهذه المحكمة أن تعطي الوقائع الثابتة كيفها القانوني الصحيح ما دامت لا تعتمد في هذا التكييف على غير ما حصلته محكمة الموضوع من هذه الوقائع فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام محكمة الموضوع بأن العين الموضحة بصحيفة الدعوى ذات حدود وأطوال تخالف ما هو ثابت في عقد البيع، إذ لم يحدد في هذا العقد موقع الأرض ولم تعين فيه حدود ولا أطوال مما مقتضاه أن العين المتعاقد عليها هي في الواقع شائعة في إطار حصص البائعين وفي نطاق أرض الوقف التي تبلغ مساحتها نحو خمسة آلاف فدان، كما تمسكت بأن تقرير الخبير غير صحيح فيما أورده من أن العرف جرى على عدم ذكر حدود العين وأطوالها في عقد البيع، وأن ذوي الشأن يتركون ذلك للشهر العقاري عند طلب التسجيل، وأنه وجد الحدود الواردة بطلب التأشير بالشهر على صحيفة الدعوى مطابقة للبيانات الثابتة بالصحيفة، واتخذ من ذلك دليلاً على أن الأرض المبينة بالصحيفة هي نفسها الأرض التي وردت بعقد البيع، وقالت الطاعنة إنها اعترضت على هذا التقرير أمام محكمة الموضوع لأن الخلاف ينصب أصلاً على وصف العين المبيعة المبين في العقد، وهل هي شائعة أو مفرزة، وأنها لا تحاج بالبيانات المذكورة في كشف التحديد، لأنها من عمل المطعون ضده الأول ومن إملائه، وأن الشهر العقاري لا يتحقق من مطابقة هذه البيانات للعقد وإنما تنحصر مهمته في مراجعتها على الخرائط المساحية، وعلى الرغم من ذلك فإن الحكم المطعون فيه أغفل مناقشة هذه المطاعن والرد عليها، وذهب إلى أن الأرض المبيعة هي ذاتها التي وردت بالصحيفة أخذاً بما تضمنه تقرير الخبير الذي لم يعتمد إلا على بيانات اصطنعها المطعون ضده مما يعيب الحكم بالقصور.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك لأن الحكم المطعون فيه رد على ما أثارته عنه في هذا الخصوص بقوله "إن الثابت في الأوراق وتقرير الخبير في الدعوى رقم 852 لسنة 1946 مدني كلي الإسكندرية أن المستأنف عليه الأول (المطعون ضده الأول) قد قام بزراعة جزء كبير من تلك الأرض محل الدعوى وأقام على بعضها مباني وأنشأ طرقاً، فليس من مصلحته أن يستبدل بالأرض التي يضع اليد عليها أرضاً أخرى، هذا فضلاً عن أن الخبير المنتدب من قبل محكمة أول درجة قد أثبت أن الأرض الواردة بعقد البيع هي ذاتها الأرض الواردة بالعريضة" ويبين من ذلك أن الحكم لم يعتمد فقط على تقرير خبير الدعوى وإنما دعم قضاءه بالقرائن وبالشواهد المادية التي استقاها من تقرير خبير في نزاع سابق كان مردداً بين الخصوم، هذا إلى أن خبير الدعوى - خلافاً لما تقوله الطاعنة - لم يكن سنده في النتيجة التي انتهى إليها مجرد بيانات قدمها المطعون ضده الأول عن الأطيان التي اشتراها وإنما عزز ذلك - كما هو واضح في مدونات تقريره - بما استظهره من محاضر أعمال الخبير في القضية الأخرى والتي استوثق منها أن الأعيان التي وضع المشتري يده عليها تنفيذاً لعقده ذات حدود معلومة ومميزة ومحددة على الطبيعة بعلامات بناءً ثقيلة، وتطابق في معالمها وحدودها الأرض التي وردت بالصحيفة. لما كان ذلك وكانت الأسباب التي أوردها الحكم في هذا الخصوص هي أسباب موضوعية سائغة تكفي لحمل قضائه. ولم يكن على الحكم بعد ذلك أن يرد استقلالاً على ما يخالفها، فإن الحكم لا يكون معيباً بالقصور.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه فساد الاستدلال، ذلك لأنه أسس قضاءه بتقرير أن العين المبيعة مفرزة وليست شائعة على ما جاء بالبند السادس من عقد البيع من أن الأرض المتعاقد عليها هي ذات الأرض التي وضع المشتري يده عليها يوم تحرير العقد، في حين أن عبارة "وقد وضع المشتري يده عليها من تاريخ توقيعه على هذا العقد" لا يمكن أن تؤدي إلى أن الأرض الموضحة بالصحيفة هي ذاتها التي وضع المشتري يده عليها تنفيذاً للعقد، إذ لم يكن ممكناً أن يستأثر المشتري بجزء مفرز قبل القسمة بينما أن حصص البائعين كانت وقتئذٍ شائعة، هذا إلى أن ما وضع اليد عليه وفق ما هو ثابت بالبند السابع من العقد لم يتجاوز عشرين فداناً رفع عنها المطعون ضده الأول دعوى إثبات تعاقد انتهت بترك الخصومة فيها، بينما أن عقد البيع في الدعوى الحالية وقع على أربعين فداناً، ولم يرد فيه أن هذا التقرير هو بذاته موضوع الدعوى سالفة الذكر، ومن ثم يكون ما استخلصته المحكمة من البند السادس ينقضه ما ورد في البند السابع وبالتالي يكون الحكم معيباً بفساد التدليل.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح، ذلك لأن الحكم المطعون فيه بنى قضاءه في هذا الخصوص على أن "نصوص عقد البيع المؤرخ 26/ 4/ 1954 صريحة في أن المبيع هو قطعة أرض معينة ومفرزة ومحددة وليست شائعة، ويؤيد ذلك ما جاء في البند الرابع من عقد البيع بأن البائعين يقررون بأنهم تلقوا ملكية القطعة المبيعة باعتبارها جزءاً من الحصص المملوكة لهم وبوصفهم ملاكاً على الشيوع في أرض الوقف، هذا فضلاً عما جاء في البند السادس من نفس العقد صراحة بأن الأرض موضوع العقد هي ذات الأرض التي وضع المشتري يده عليها يوم تحرير العقد". ولما كان تفسير العقود واستظهار نية طرفيها هو أمر تستقل به محكمة الموضوع ما دام قضاؤها في ذلك يقوم على أسباب سائغة، وطالما أنها لم تخرج في تفسيرها للعقد واستظهار نية الطرفين عن المعنى الظاهر لعبارته، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم المدلول الظاهر لعبارات نصوص عقد البيع ومن بينها البند السادس الذي جاء صريحاً في الدلالة على أن البيع وقع على عين مفرزة ومحددة، وأن المشتري استلم هذه العين استلاماً فعلياً فور انعقاد البيع، وكان لا يوجد في البند السابع ما يقتضي صرف هذه العبارات عن ظاهرها لأن هذا البند الأخير خاص بتسوية نزاع سابق كان مردداً بين الطرفين عن جزء من أطيان النزاع الحالي اتفق الطرفان على اعتبار هذا البيع منهياً له، ولا يستفاد من هذا البند أية دلالة على وصف للعين التي شملها البيع يغاير ذلك الوصف الذي استخلصه الحكم من النص الواضح للبند السادس. لما كان ذلك، وكان من حق الشريك على الشيوع أن يبيع جزءاً مفرزاً من المال الشائع قبل إجراء القسمة، فإن الحكم لا يكون قد فسر العقد بما ينبو عن عبارته الصريحة ولا يكون معيباً بفساد التدليل.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الحكم شابه القصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون ذلك لأن المحكمة - في دعوى ثبوت التعاقد يقتصر دورها على توثيق العقد بحالته وليس لها أن تعدل في بنود العقد أو تزيد من القدر المبيع أو تضع له حدوداً وأطوالاً لم يتضمنها العقد بغير موافقة البائعين، وإذ كان قضاء المحكمة بصحة ونفاذ العقد عن الأرض الموضحة بصحيفة الدعوى ينطوي على إضافة ثلاثة وعشرين فداناً من أرض الطاعنة إلى القدر المبيع منها الذي كان محدداً في العقد بستة أفدنة فإن حكمها يكون باطلاً لقصور أسبابه ومخالفته للقانون.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، لأن دعوى صحة التعاقد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي دعوى موضوعية تمتد سلطة المحكمة فيها إلى بحث موضوع العقد ومداه ونفاذه، وهي تستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية حتى إذا ما سجل الحكم قام تسجيله مقام تسجيل العقد في نقلها وهذا يقتضي أن يفصل القاضي في أمر صحة البيع واستيفائه للشروط اللازمة لانعقاده وصحته، ومن ثم فإن تلك الدعوى تتسع لبحث ذاتية الشيء المبيع الذي هو ركن من أركان البيع، ويجب على المحكمة أن تتحقق من موقعه ومساحته وتعيين حدوده وأوصافه تعييناً مانعاً للجهالة قبل الحكم بانعقاد البيع، ولما كان الثابت أن محكمة الموضوع على ما سلف بيانه لم تعدل من شروط العقد وإنما هي فسرت هذه الشروط للتعرف على حقيقة ما قصده العاقدان منها واستظهرت مدلول العقد المتنازع عليه في خصوص القدر المبيع مما تضمنته عباراته وعلى ضوء الظروف التي أحاطت بتحريره والطريقة التي جرى بها تنفيذه. لما كان ذلك فإن المحكمة لا تكون قد خالفت القانون ويكون النعي على الحكم بهذا السبب في غير محله.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام محكمة الموضوع بأنها باعت للمطعون ضده الأول ستة أفدنة حال أن العين موضوع الدعوى تتضمن تسعة وعشرين فداناً مما اختصت به بموجب حكم القسمة، وأنها أعلنت قبولها ثبوت انعقاد البيع في حقها في حدود القدر المبيع منها وللمطعون ضده أن يرجع على باقي البائعين بالمساحات التي ابتاعها من كل منهم وطلبت إعادة المأمورية للخبير لتحديد مقدار ما باعته وما باع الآخرون إلا أن المحكمة لم تلتفت إلى هذا الدفاع، وقضت بصحة ونفاذ البيع طبقاً لطلبات المطعون ضده، مما ترتب عليه أن حصل منها هذا الأخير على ثلاثة وعشرين فداناً زيادة عما باعته إليه، دون أن يسدد لها ثمن هذا القدر الزائد، إذ أن الثابت من محضر إيداع الثمن أن المطعون ضده أودع مبلغ 317 ج و500 مليم على ذمة البائعين ولم يحدد ما يخص الطاعنة في هذا المبلغ، وذلك من المحكمة خطأ في القانون وقصور يعيب حكمها.
وحيث إن هذا النعي مردود بما سبق الرد به على السبب الأول، هذا إلى أن المطعون ضده الأول أودع باقي الثمن على ذمة الطاعنة وسائر البائعين، وطالما أن الإيداع لم يكن في ذاته محل اعتراض، فإن ذمة المطعون ضده تبرأ بإيداع المستحق من الثمن على ذمة البائعين جميعاً، لأن الصفقة بالنسبة له كانت غير مجزأة، وللطاعنة أن تستأدى حصتها من الثمن المودع وفق الإجراءات المقررة قانوناً، ومن ثم يكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته في غير محله ويتعين رفضه.


[(1)] نقض 26/ 2/ 1970 مجموعة المكتب الفني س 21 ص 368.