أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 23 - صـ 790

جلسة 2 من مايو سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ بطرس زغلول نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام، وعدلي مصطفى بغدادي، وأحمد ضياء الدين حنفي.

(123)
الطعن رقم 332 لسنة 37 القضائية

( أ ) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "الأسباب الزائدة". إثبات. "عبء الإثبات". مرض الموت. نقض.
مرض الموت من مسائل الواقع. النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون أو فهم الواقع إذ نفى قيام هذا المرض بأدلة سائغة. مجادلة في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل. ما تزيد فيه الحكم بعد استبعاده الأدلة التي قدمها الوارث الذي يقول بمرض الموت، وهو المكلف بإثباته - لا يؤثر فيه.
(ب) عقد. تركة. إرث.
صحة التصرفات المنجزة من المورث حال صحته، ولو صدرت لوارث بقصد حرمان بعض الورثة.
(ج) تركة. إرث.
التوريث لا يقوم إلا على ما يخلفه المورث وقت وفاته.
(د) نقض. "أسباب الطعن". إرث. وصية. بيع.
النعي على الحكم بأنه اعتبر العقدين محل النزاع بيعاً بثمن مقبوض غير منتج ما دام أنه قد اعتبرهما تصرفين منجزين، واستبعد أنهما يستران وصية، وقرر أنهما صدرا في حالة صحة المورث، ولم يصدرا بالتحايل على قواعد الإرث.
(هـ) نقض: " أسباب الطعن".
النعي بعدم صحة تاريخ العقد. عدم التمسك بذلك أمام محكمة الموضوع. لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض.
1 - قيام مرض الموت هو من مسائل الواقع، فإذا كان الحكم قد نفى بأدلة سائغة له أصلها في الأوراق، قيام في حالة مرض الموت لدى المتصرفة، حيث استخلص من الشهادة الطبية المقدمة لإثبات ذلك، أنها لا تدل على أن المتصرفة كانت مريضة مرض موت، واعتبر الحكم في حدود سلطته في تقدير الدليل أن انتقال الموثق إلى منزل المتصرفة لتوثيق العقود محل النزاع، لا يعتبر دليلاً أو قرينة على مرضها مرض موت، فإن الطعن على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون أو فهم الواقع في الدعوى يعتبر مجادلة في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل. ولا يؤثر في الحكم ما تزيد فيه من أن إقرار الوارث بصحة العقود الصادرة من مورثته إلى بعض الخصوم في الدعوى يفيد أن المتصرفة لم تكن مريضة مرض الموت، إذ جاء هذا من الحكم بعد استبعاده الأدلة التي قدمها الوارث على قيام حالة مرض الموت، وهو المكلف بإثبات ذلك.
2 - من المقرر أن التصرفات المنجزة الصادرة من المورث حال صحته تكون صحيحة حتى ولو صدرت لوارث بقصد حرمان بعض الورثة.
3 - التوريث لا يقوم إلا على ما يخلفه المورث وقت وفاته، أما ما أخرجه من مال حال حياته فلا حق للورثة فيه.
4 - إذا كان الحكم قد استبعد دفاع الوارث الذي يقوم على أن العقدين الصادرين من مورثته يستران وصية، وانتهى إلى أنهما تصرفان منجزان، وأن للمتصرفة ما دامت في حالة الصحة التصرف ولو لبعض ورثتها تصرفات منجزة، وأن مثل هذه التصرفات لا تعتبر تحايلاً على قواعد الإرث، فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون، إذ اعتبر أن العقدين محل النزاع بيعاً بثمن مقبوض يكون غير منتج.
5 - إذا كان الطاعن لم يقدم ما يدل على تمسكه أمام محكمة الموضوع بأن تاريخ العقدين محل النزاع تاريخ غير صحيح، فإن ما يثيره بشأن عدم صحة هذا التاريخ يكون غير مقبول.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 339 سنة 1956 مدني كلي المنيا ضد المطعون عليه وزوجته وآخرين، وطلب الحكم بتثبيت ملكيته إلى 15 ف و12 ط و3.5 س شيوعاً في الأطيان الموضحة بالصحيفة، وقال بياناً لدعواه إن شقيقته المرحومة إنجيلية واصف مكرم الله توفيت في 16/ 2/ 1954 عن ورثتها وهم ابنتها زوجة المطعون عليه وأخوان لها أحدهما الطاعن، وإن المورثة المذكورة توفيت وهي متقدمة في العمر وأصابها في السنة الأخيرة من حياتها مرض خطير أقعدها عن العمل داخل منزلها، ولازمت الفراش بسببه ثم أدى إلى وفاتها، وإنها لما شعرت بدنو أجلها عمدت إلى التصرف في كل أموالها فتصرفت إلى ابنتها وزوجها المطعون ضده وهو ابن أختها في 22 ف بعقد سجل في 25/ 3/ 1953، 65 ف و5 ط و16 س بعقد مسجل في 17/ 3/ 1953، كما باعت إلى باقي المدعى عليهم في تلك الدعوى 5 ف و19 ط و17 س بعقد مسجل في 30/ 1/ 1953، وجملة الأرض موضوع هذه التصرفات هي 93 ف و1 ط و6 س وإذ كانت هذه التصرفات قد صدرت في مرض موت المتصرفة وقصد بها التبرع، فإنه تسري عليها أحكام الوصية وتكون باطلة فيما زاد عن الثلث، وبذلك تكون حصته في الباقي من التركة السدس وقدره 15 ف و12 ط و3.5 س، ومن ثم فقد أقام هذه الدعوى بطلباته سالفة البيان. وبتاريخ 25/ 1/ 1959 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 111 سنة 76 ق القاهرة طالباً الحكم بإلغاء الحكم المستأنف وثبوت ملكيته إلى مساحة 14 ف و13 ط و15 س شيوعاً في 87 ف و5 ط و16 س موضحة الحدود والمعالم بالعقدين الصادرين إلى المطعون عليه وزوجته، وتنازل عن الطعن في العقود الصادرة لباقي الخصوم، وبتاريخ 24/ 12/ 1960 قضت محكمة استئناف القاهرة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وبتاريخ 9/ 11/ 1965 نقضت المحكمة الحكم، وأحيلت القضية إلى محكمة استئناف بني سويف حيث قيدت برقم 69 سنة 2 ق، وبتاريخ 8/ 4/ 1967 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي فهم الواقع في الدعوى، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك بأن المتصرفة كانت مريضة مرض موت، واستدل على ذلك بأن قدم شهادة من الطبيب المعالج تفيد ملازمتها الفراش من يناير سنة 1953 كما استدل الطاعن على ذلك بعدم قدرتها على التوجه إلى مكتب الشهر العقاري وانتقال الموظف المختص إلى منزلها لتوثيق العقدين، ورغم ذلك نفى الحكم عن المتصرفة أنها كانت مريضة مرض موت، وأضاف الطاعن أن الحكم اعتبر أن إقراره بصحة التصرفات الأخرى الصادرة إلى من تنازل عن مخاصمتهم والمؤرخة في 21/ 12/ 1953، 2/ 1/ 1954 وهي تواريخ معاصرة للعقدين الصادرين إلى المطعون ضده وزوجته دليل على عدم قيام حالة مرض الموت لدى المتصرفة مع أن مرض الموت لا يفقد أهلية التصرف، ولا يؤثر في تصرف بعوض، وإنما يؤثر على التصرفات المقصود بها التبرع وتسري عليها أحكام الوصية، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والخطأ في فهم الواقع في الدعوى.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه نفى حالة مرض الموت لدى المتصرفة استناداً إلى قوله "قامت القرائن كلها على عدم جدية هذا الطعن، ولا أدل على ذلك من وقوف المستأنف (الطاعن) عند حد القول بأن مجرد تقديمه شهادة الطبيب فيه حد الكفاية لإثبات مرض الموت، وأنه من ثم في غير حاجة إلى طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق، ولا مشاحة في أن تلك الشهادة إنما مفادها تردد الطبيب على المرحومة إن إنجليا واصف..... المتصرفة للإشراف عليها وعلاجها دون تحديد نوع المرض، الأمر الذي لا ترقى معه هذه الشهادة بحال إلى مرتبة الدليل على مرضها مرض موت..... وتلتفت المحكمة عما ردده المستأنف بصدد عدم انتقال المورثة إلى الشهر العقاري للتصديق على العقود التي حصلت في سنة الوفاة، إذ أن مجرد انتقال الموثق إلى منزل المورثة لا يدل بذاته على المرض أو الكشف عن كنهه" لما كان ذلك وكان قيام مرض الموت أو عدم قيامه هو من مسائل الواقع، وكان الحكم قد نفى بأدلة سائغة لها أصلها في الأوراق قيام حالة مرض الموت لدى المتصرفة حيث استخلص من الشهادة الطبية المقدمة من الطاعن أنها لا تدل على أن المتصرفة كانت مريضة مرض موت، واعتبر الحكم في حدود سلطته في تقدير الدليل أن انتقال الموثق إلى منزل المتصرفة لتوثيق العقود لا يعتبر دليلاً أو قرينة على مرضها مرض موت فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون أو في فهم الواقع في الدعوى يعتبر مجادلة في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل، ولا يؤثر في الحكم ما تزيد فيه من أن إقرار الطاعن بصحة العقود الصادرة إلى باقي المدعى عليهم في الدعوى يفيد أن المتصرفة لم تكن مريضة مرض موت، إذ جاء هذا من الحكم بعد استبعاده الأدلة التي قدمها الطاعن على قيام حالة مرض الموت، وهو المكلف بإثبات ذلك، ويكون النعي على الحكم بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم اعتبر أن العقدين الصادرين إلى المطعون عليه وزوجته بيع بثمن مقبوض، واستند الحكم في ذلك إلى الحكم الصادر في قضية الضرائب رقم 56 سنة 58 تجاري كلي المنيا الخاصة بالضرائب المستحقة على تركة المتصرفة، وأن هذا الحكم أخرج الأرض المبيعة من تركتها، هذا في حين أن هذا الحكم لا يحتج به على الطاعن إذ لم يكن طرفاً فيه، كما أن العقدين إنما هما في حقيقتهما هبة صدرت في عقدي بيع، إذ لا يعقل أن تدفع ابنة المتصرفة ثمناً مع أنها كانت سترث نصف التركة، ولم يوجد الثمن المقول به في تركة المتصرفة عند وفاتها مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الطاعن وقد ذهب في سبب النعي إلى أن التصرفين الصادرين إلى المطعون عليه وزوجته هما في حقيقتهما هبة وإذ انتهى الحكم المطعون فيه وعلى ما سلف البيان في الرد على السبب الأول إلى أن المتصرفة لم تكن في حالة مرض موت، وكان من المقرر أن التصرفات المنجزة الصادرة من المتصرف حالة صحته تكون صحيحة حتى ولو صدرت لوارث بقصد حرمان بعض الورثة، ذلك أن التوريث لا يقوم إلا على ما يخلفه المورث وقت وفاته، أما ما أخرجه من مال حال حياته فلا حق للورثة فيه، لما كان ذلك وكان الحكم قد استبعد دفاع الطاعن من أن العقدين يستران وصية، وانتهى إلى أنهما تصرفان منجزان، وأن للمتصرفة ما دامت في حالة الصحة التصرف ولو لبعض ورثتها تصرفات منجزة، وأن مثل هذه التصرفات لا تعتبر تحايلاً على قواعد الإرث، فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون لهذا السبب يكون غير منتج في الطعن.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم انتهى إلى أن العقدين الابتدائيين الصادرين من المتصرفة إلى المطعون عليه وزوجته قد صدرا قبل الوفاة بأكثر من سنة، وذلك أخذاً بالتاريخ الوارد بالعقدين، مع أن هذا التاريخ غير ثابت بوجه رسمي ولا يحتج به على الطاعن، كما أن تحديد السنة لمرض الموت ليس حتمياً، بل العبرة بحالة المرض واشتداده، مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، أولاً بأنه غير مقبول، إذ لم يقدم الطاعن ما يدل على تمسكه أمام محكمة الموضوع بأن تاريخ العقدين الابتدائيين تاريخ غير صحيح. ومردود (ثانياً) بأنه غير منتج طالما أن الحكم على ما سلف البيان في الرد على السبب الأول قد انتهى إلى استبعاد حالة مرض الموت لدى المتصرفة ويكون النعي بهذا السبب برمته على غير أساس.