مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) - صـ 546

جلسة 16 يونيه سنة 1941

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك المستشارين.

(279)
القضية رقم 1631 سنة 11 القضائية

أمر الحفظ. ماذا يجب فيه؟ مجرّد التأشير على تحقيق بإرفاقه بأوراق أخرى محفوظة. لا يصح اعتبار أمراً بالحفظ عن الجريمة التي تناولها.

(المادة 42 تحقيق)

إن أمر الحفظ - كسائر الأوامر القضائية والأحكام - لا يؤخذ فيه بالاستنتاج أو الظن، بل يجب - بحسب الأصل - أن يكون مدوّناً بالكتابة وصريحاً بذات ألفاظه في أن من أصدره لم يجد من أوراق الدعوى وجهاً للسير فيها. فالتأشير على تحقيق بإرفاقه بأوراق أخرى محفوظة، ما دام لا يوجد فيه ما يفيد على وجه القطع معنى استقرار الرأي على عدم رفع الدعوى، لا يصح اعتباره أمراً بالحفظ عن الجريمة التي تناولها. ولذلك فلا يمتنع على النيابة أن ترفع الدعوى بهذه الجريمة بغير حاجة إلى إلغائه من النائب العمومي أو ظهور أدلة جديدة.


المحكمة

وحيث إن حصل وجوه الطعن هو: (أوّلاً) أن الطاعن دفع بعدم جواز نظر الدعوى المرفوعة لسبق حفظها من النيابة العمومية ولكن المحكمة لم تأخذ بهذا الدفع وردّت عليه رداً خاطئاً. (وثانياً) أن الطاعن كانت له مبالغ على البنك، والعادة جرت على أنه في حالة وجود عجز في الأكياس المملوكة للبنك يكتفي بأن يحسب ثمنها على صاحب العهدة، وإذن فما كان يجوز اعتباره مختلساً لمجرّد العجز في عهدته لانعدام القصد الجنائي لديه.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت على الطاعن بأنه "سرق أسمدة كيماوية لبنك التسليف حالة كونه متعهداً بنقلها". والحكم الابتدائي الذي تأيد في الاستئناف لأسبابه بالحكم المطعون فيه أدانه وذكر فيما ذكره: "أن المتهم دفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة حفظها من النيابة العمومية، وشرح هذا الدفع بأن قرّر أنه بتاريخ 10 سبتمبر سنة 1939 أبلغ ضدّ شخص يدعى عبد الرحمن حسين خفير موردة السرو اتهمه بتبديد بعض أكياس السماد الكيماوي، وقد عمل تحقيق ضدّ الخفير المذكور وقيد تحت نمرة 2104 جنح أبي قرقاص سنة 1939 وحفظت تهمة التبديد التي نسبت إلى الخفير مؤقتاً لعدم كفاية الأدلة. وقال إن بنك التسليف قدّم ضدّه أي ضدّ المتهم محمد وهبة (الطاعن) بلاغاً بتاريخ 30 سبتمبر سنة 1939 اتهمه فيه باختلاس 100 جوال من الأسمدة. وقد حقق هذا البلاغ الأخير فعلاً، وقرّرت النيابة إرفاقه بأوراق الجنحة 2104 سنة 1939 السّابق حفظها مؤقتاً. ويقول المتهم إن هذا الإرفاق يعتبر قرار حفظ ضمني. وحيث إن هذا الدفع في غير محله لأن قرار الحفظ هو بمثابة حكم ويجب أن يكون صريحاً ودالاً بلفظه على الحفظ، ولا يعقل الادعاء بوجود حفظ ضمني لأن القانون لا يعرف هذا النوع من الحفظ ولا يقرّه، ويتعين رفض هذا الدفع. وحيث إنه فيما يختص بموضوع التهمة فإن المتهم اعترف في محضر تحقيق البوليس المؤرّخ 28 أكتوبر سنة 1939 كما اعترف في محضر تحقيق النيابة المؤرّخ 25 ديسمبر سنة 1939 أنه تصرف بالبيع في عدد 65 كيساً من السماد، وقد برّر هذا التصرف بالقول إن له في ذمة البنك أجور نقل تبلغ في مجموعها 103 جنيهات تقريباً وإن له حق الحبس لاقتضاء الأجور المستحقة له. وفضلاً عن انعدام السند القانوني أو الرضائي الذي يخوّل له حق الحبس فإن المتهم لم يحتفظ بأكياس عيناً حتى يكون دفاعه متوافقاً مع حق الحبس الذي يدعيه بل قام ببيع السماد فعلاً، وأخذ الثمن لنفسه وتصرف في هذا الثمن فعلاً. وقد اعترف بذلك أمام النيابة إذ قرّر في محضر التحقيق المؤرّخ 25 ديسمبر سنة 1939 أنه باع السماد لتغطية المصاريف. ويلاحظ أن الإنذارين اللذين فكر المتهم في إرسالهما للبنك بتاريخي 23 سبتمبر سنة 1939 و28 نوفمبر سنة 1939 وتمسك فيهما بحق الحبس يأتي تاريخهما بعد يوم 3 سبتمبر سنة 1939 وهو التاريخ الذي ثبت قطعاً أن المتهم كان قد تصرف فيه بالبيع في مقدار اثني عشر كيساً، مما يدل على أن نية المتهم اتجهت من أوّل الأمر إلى الاختلاس، وقد لجأ إلى الادعاء بحق الحبس تخلصاً من تهمة الاختلاس. ويلاحظ أنه مع توفر القصد الجنائي فإن الباعث مهما كان نوعه لا يمحو الجريمة".
وحيث إن أمر الحفظ - كسائر الأوامر القضائية والأحكام - لا يؤخذ فيه بالاستنتاج أو الظن، بل يجب - بحسب الأصل - أن يكون مدوّناً بالكتابة وصريحاً بذات ألفاظه في أن من أصدره لم يجد من أوراق الدعوى وجهاً للسير فيها. وما دام إرفاق التحقيقات الخاصة بالطاعن لم يكن إلا بناءً على مجرّد إشارة صادرة بالإرفاق ليس فيها ما يفيد على وجه القطع معنى استقرار الرأي على عدم رفع الدعوى، فلا يصح اعتباره أمراً بالحفظ يمتنع معه على النيابة أن تعود إلى رفع الدعوى إلا إذا ألغاه النائب العمومي في المدّة المقرّرة له أو ظهرت أدلة جديدة تبرر السير في الإجراءات.
وحيث إن باقي ما جاء في الشق الثاني من الطعن مردود بما أثبته الحكم على الطاعن بالأدلة التي أوردها من أنه تعمد اختلاس الأسمدة وقصد الاستيلاء عليها لنفسه وتصرف فيها كأنها له. وبهذا تكون إدانته صحيحة وتكون مجادلته لا معنى لها سوى فتح باب المناقشة في مسألة موضوعية متعلقة بوقائع الدعوى وكفاية أدلة الثبوت فيها مما لا يجوز عرضه على محكمة النقض.