مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 6 نوفمبر سنة 1939 لغاية 26 أكتوبر سنة 1942) - صـ 557

جلسة 27 أكتوبر سنة 1941

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: محمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك وحسن زكي محمد بك ومنصور إسماعيل بك المستشارين.

(286)
القضية رقم 1563 سنة 11 القضائية

أمر حفظ. متى يحوز قوّة الشيء المحكوم فيه؟ متى كان مسبوقاً بتحقيق أجرته النيابة بنفسها أو كان إجراؤه بناءً على انتداب منها. الأسباب التي بني عليها. لا تأثير لها في تحديد أثره القانوني. أمر بالحفظ لعدم أهمية الحادثة. أمر بالحفظ لعدم كفاية الأدلة. لا تفريق بينهما في نظر المادة 42 تحقيق. تنفيذ البوليس القضائي طلب النيابة إليه ضبط المتهمين واستجوابهم وسؤال الشاكي. من أعمال التحقيق.

(المادة 42 تحقيق)

إن نص المادة 42 من قانون تحقيق الجنايات عام لا تفريق فيه بين أمر حفظ وآخر، ولم يجعل فيه للأسباب التي تتخذ أساساً للحفظ أي تقدير في تحديد أثره القانوني. وكل ما يقتضيه هو أن أمر الحفظ لكي يكون مانعاً من العود إلى الدعوى العمومية يجب أن يكون قد سبقه تحقيق. وعندئذٍ سواء أكان التحقيق قد أجرته النيابة بنفسها أو كان إجراؤه بناءً على انتداب منها، وسواء أكان متعلقاً بعمل واحد من أعمال التحقيق المختلفة أو أكثر، فإن الأمر بمجرّد صدوره يكون له قوّة الشيء المحكوم فيه فيقيد النيابة في الحدود المرسومة بالمادة المذكورة ولو كانت علته أنها ارتأت أن التحقيق الذي اعتمدت عليه إنما أسفر عن ثبوت مقارفة المتهم لجريمة لا تستأهل - على حسب الظروف والملابسات التي وقعت فيها - أن تقيم عليه الدعوى العمومية بها. وهذا النظر هو الذي يستفاد من المذكرة الإيضاحية لقانون تحقيق الجنايات أن الشارع قصد إليه من وضع المادة المذكورة في عبارتها العامة التي صيغت بها. وإذن فإذا كان الحكم قد فرّق بين أمر الحفظ الذي تصدره النيابة لعدم أهمية الحادثة والأمر الذي يصدر لعدم كفاية أدلة الثبوت، وقال إن هذا وحده هو الذي تعنيه المادة المذكورة، ثم لم يعتبر من أعمال التحقيق تنفيذ البوليس القضائي طلب النيابة إليه أن يضبط المتهمين باختلاس المحجوزات ويستجوبهم ويسأل الدائن في الحجز الذي وقع الاعتداء عليه فإنه يكون مخطئاً.


المحكمة

وحيث إن الطاعنين ينعون بوجوه الطعن المقدّمة منهم على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ إذ أدانهم رغم عدم جواز إقامة الدعوى العمومية عليهم لصدور أمر بالحفظ في القضية من النيابة العمومية وعدم ظهور أدلة جديدة تبرر قانوناً العودة إلى إجراءات الدعوى. ويقول الطاعنون إن النظر الذي ذهب إليه الحكم في الردّ على دفاعهم في هذا الخصوص غير سديد، لأن أمر الحفظ الذي تمسكوا به إنما صدر بعد تحقيق أجراه البوليس بناءً على انتداب من النيابة، فهو يقيد النيابة دائماً مهما كانت صيغته حتى ولو أخطأت تقدير ظروف الواقعة عند إصداره أو وصفته بأنه مجرّد حفظ إداري.
وحيث إنه لما كانت المادة 42 من قانون تحقيق الجنايات قد جاء نصها عاماً لم يفرّق فيه بين أمر حفظ وآخر، ولم يجعل فيه للأسباب التي تتخذ أساساً للحفظ أي تقدير في تحديد أثره القانوني، وكل ما يقتضيه هذا النص هو أن الحفظ لكي يكون مانعاً النيابة من العود إلى الدعوى العمومية بعده يجب أن يكون مسبوقاً بتحقيق. فإذا صدر من النيابة أمر من هذا القبيل، سواء كان التحقيق الذي كان أساساً له قد أجرى بمعرفتها أو بناءً على انتداب منها، وسواء كان متعلقاً بعمل واحد أو أكثر من أعمال التحقيق المختلفة، فإنه يجوز قوّة الشيء المحكوم به بمجرّد صدوره، ويقيدها في الحدود المرسومة بالمادة، ولو كان سببه أنها ارتأت أن التحقيق الذي اعتمدت عليه إنما أسفر عن ثبوت مقارفة المتهم لجريمة لا تستحق منها - على حسب الظروف والملابسات التي وقعت فيها - أن تقيم الدعوى العمومية عليه بها. وهذا هو النظر ذاته الذي يستفاد من المذكرة الإيضاحية لقانون تحقيق الجنايات أن الشارع قصد إليه من وضع المادة المذكورة في عبارتها العامة التي أفرغت فيها.
وحيث إن واقعة الدعوى - كما هو ثابت في الحكم المطعون فيه - تتحصل في أن الأستاذ فايز أفندي عبد النور المحامي أوقع بتاريخ 29 ديسمبر سنة 1937 حجزاً تحفظياً ضدّ المتهمين الثالث والرابع (الطاعنين الثاني والثالث) على زراعة 20 قيراطاً بصلاً و6 فدادين و11 سهماً برسيماً وفاءً لمبلغ 133 جنيهاً، وأقيم المتهم الأوّل (الطاعن الأوّل) حارساً عليها. وفي تاريخ 7 يونيه سنة 1938 أوقع ضدّ نفس المدينين حجزاً تنفيذياً بموجب الحكم 2696 سنة 1938 مدني طهطا على جرن القمح ونورج وعجلة بقر وفاء لمبلغ 131 جنيهاً و920 مليماً، وأقيم المتهم الثاني حارساً على تلك المحجوزات التي حدّد لبيعها يوم 30 يوليه سنة 1938. وفي ذلك اليوم بحث المحضر عن المحجوزات فلم يجدها فبلغ ضدّ المتهمين بالتبديد. وقد أرسل هذا المحضر لنقطة المدمر التي أرسل ضابطها بتاريخ 9 سبتمبر سنة 1938 للمتهمين الأوّلين لسؤالهما فامتنعا عن الحضور رغم تكرار طلبهما. فأعيد المحضر لمركز طهطا للتصرف، وهذا أرسله للنيابة للتصرف فأشر حضرة وكيل النيابة على الأوراق بتاريخ 20 سبتمبر سنة 1938 بعبارة "للمركز لضبط المتهمين الأربعة وهم المدينان والحارسان وسؤالهم في التهمة وتحرير أوراق فيش وتشبيه لهم والتنبيه عليهم بعاجل السداد وسؤال الدائن الحاجز عن معلوماته في التهمة ويعاد بعد ذلك للتصرف". وبتاريخ 19 أكتوبر سنة 1938 قرّر فوزي بوليس وكيل الدائن أن المدينين لم يسدّدا شيئاً من المبلغ المحجوز من أجله فأرسلت الأوراق لنقطة المدمر لتكليف المدينين بالسداد. ولدى سؤال المتهمين الأوّل والثاني عن ذلك بتاريخ 27 أكتوبر سنة 1938 قرّرا أنهما تخالصا مع الدائن ووكيله فوزي بولس عن الحكم المنفذ به بتاريخ 11 سبتمبر سنة 1938 بموجب مخالصة اطلع المحقق عليها. وقد أعيدت بعدها الأوراق لمواجهة وكيل الدائن بذلك، فقرّر زخارى سمعان وكيل مكتب الأستاذ فايز أفندي عبد النور الدائن بتاريخ 14 ديسمبر سنة 1938 أن المتهمين الثالث والرابع حررا للدائن عقداً برهن أطيان نظير هذا الدين، وبعد أن تمت مراجعة العقد بالمساحة وتورد عليه الرسم وعدا بالتصديق عليه، وقد أعطاهما مخالصة عن هذا الحجز وتنازلا عنه، ولكن لم يتم التصديق على العقد بعد، ولذا أرسلت الأوراق للنيابة إدارياً للتصرف. فأشر عليها حضرة وكيل النيابة بتاريخ 14 ديسمبر سنة 1938 "تقيد الأوراق مادة تبديد وتخالص وتحفظ إدارياً". وبتاريخ 10 ديسمبر سنة 1938 كان حضرة الأستاذ فايز أفندي عبد النور الدائن قدّم شكوى لحضرة وكيل نيابة طهطا أشار فيها إلى محضر التبديد الذي تحرّر بتاريخ 30 يوليه سنة 1938 ضدّ المتهمين وإلى أن المدينين اتفقا معه على رهن فدانين و20 قيراطاً في نظير دينه، وبعد مراجعة عقد الرهن بالمساحة ترك مع وكيله عبد الحليم أفندي خلف إمضاءه على ورقة بيضاء ليملأها بما يفيد تخالصه من الدين بعد تصديق المدينين على عقد الرهن، غير أن المدينين ذكرا لوكيله المذكور - على خلاف الواقع - أن العقد قد تم التصديق عليه فسلمهما المخالصة اعتقاداً منه بصدق روايتهما، في حين أنهما لم يصدّقا على العقد ولم يدفعا الدين. وقد أشر حضرة وكيل النيابة على هذه الشكوى في تاريخ تقديمها إليه بما نصه "للمركز وينتدب حضرة ضابط المدمر لتحقيق هذا الموضوع تحقيقاً وافياً وإرسال الأوراق إلينا على عجل للتصرف مع إرفاق محضر التبديد الأصلي بالأوراق". ولما أرسلت تلك الشكوى للمركز لتنفيذ ذلك أعيدت منه بدون تحقيق لإرفاق محضر التبديد الأصلي، فأشر عليها حضرة وكيل النيابة بتاريخ 14 ديسمبر سنة 1938 بعرضها مع الشكوى 1011 سنة 1939 إداري. غير أن حضرة الأستاذ فايز أفندي عبد النور عاد فقدّم شكوى أخرى لحضرة وكيل النيابة بمعنى شكواه السابقة المؤرّخة 10 ديسمبر سنة 1938 ردّد فيها ما سبق أن ذكره وطلب تحقيق ما جاء فيها. فأحال حضرة وكيل النيابة تلك الشكوى للمركز للتحقيق وإعادة الأوراق إليه للتصرف. ولما تم تحقيقه أرسلت الأوراق للنيابة فأمر حضرة رئيس النيابة بتاريخ 12 مايو سنة 1939 بالعدول عن قرار الحفظ ورفع الدعوى العمومية على المتهمين.
وحيث إن الدفاع عن المتهمين تمسك أمام محكمة الموضوع بعدم قبول الدعوى العمومية لسبق صدور أمر من النيابة بحفظها. وقضت المحكمة برفض هذا الدفع مستندة في ذلك إلى ما قالته من أن القرار الذي صدر بحفظ الأوراق لعدم الأهمية إنما صدر من النيابة وهي تباشر سلطتها الإدارية فهو لهذا لا يقيدها، وإلى أن أمر الضبط الذي أصدرته لم تشمل عبارته إحضار المتهمين ولم يعقبه استجوابهم بمعرفة النيابة فهو على هذا النحو ليس بالأمر المنصوص عنه في المادة 35 من قانون تحقيق الجنايات.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ فرّق بين أمر الحفظ الذي تصدره النيابة لعدم أهمية الحادثة والأمر الذي يصدر منها لعدم كفاية أدلة الثبوت في الدعوى، وإذ لم يعتبر من أعمال التحقيق تنفيذ البوليس القضائي طلب النيابة إليه ضبط المتهمين واستجوابهم وسؤال الدائن في الحجز الذي وقع الاعتداء عليه. ووجه خطئه في ذلك أن القانون - كما مر القول - لم يفرّق بين أمر حفظ وآخر، ويعتبر تحقيقاً أي عمل من أعمال التحقيق تقوم به النيابة بنفسها أو يجريه أحد مأموري الضبطية القضائية بناءً على طلبها.
وحيث إنه لما تقدّم يتعين قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه والقضاء ببراءة الطاعنين لعدم جواز رفع الدعوى العمومية عليهم.