أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 33 - صـ 227

جلسة 18 من فبراير سنة 1982

برياسة السيد المستشار/ صلاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حسن جمعه وأحمد أبو زيد ونجيب صالح ومصطفى طاهر.

(46)
الطعن رقم 4632 لسنة 51 القضائية

امتناع عن الاتجار. توقف عن الإنتاج. تموين. خبز. جريمة "أركانها". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير العذر". إثبات "بوجه عام". عذر. قانون. تجارة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
الامتناع عن التجارة. علة تأثيمه؟
نقل المشرع في القانون 250 لسنة 1952 عبء إثبات قيام العذر الجدي أو المبرر المشروع للتوقف عن التجارة على التاجر.
العذر الجدي دون القوة القاهرة.
توافر العذر الجدي مؤداه؟
الدفع بقيام العذر أمام محكمة الموضوع. وجوب تحقيقه.
دفع الطاعن في جريمة توقف عن إنتاج خبز. بانشغاله في حادث مقتل ابن عمه. جوهري تندفع به التهمة. يتعين على المحكمة تحقيقه. عدم تفطنها لدلالته وردها عليه بما لا ينفيه. عيب. أساس ذلك؟
الواضح من المقارنة بين النصين ومن الأعمال التشريعية والمذكرات التفسيرية المصاحبة لها أن الشارع قصد بمعاقبة الامتناع عن التجارة على الوجه المعتاد تقييد حرية من يمارسها من التجار أيما كانت الطائفة التي ينتمي إليها، وذلك توفيراً للاحتياجات الأساسية للجمهور من المواد التموينية، ومحاربة الغلاء المصطنع ومنع اتخاذ الامتناع وسيلة إلى تحقيق أرباح غير مشروعة مما يعرقل التموين، وأن الشارع لم يقصد إلى القضاء على حرية التجارة، وإنما قصد تحقيق غايات مشروعة من تقييدها، وأنه كان يستلزم في الامتناع كيما يكون صاحبه مستأهلاً للعقاب أن يكون مقصوداً به عرقلة التموين، ثم وجد أن هذا القصد يقع على عاتق سلطة الاتهام مؤنة إثباته، وهو أمر فضلاً عن صعوبته لم تسد به ذرائع من أراد مخالفة القانون من التجار فأوجب في نص القانون رقم 250 لسنة 1952 أن يثبت التاجر قيام العذر أو المبرر المشروع لتوقفه عن الاتجار على الوجه المعتاد، وضرب مثلاً لهذا العذر قيام العجز الشخصي بالتاجر أو لخسارة تصيبه من الاستمرار في عمله، ومن البين أن ما أشار إليه الشارع بخاصة أو ما أوجبه بعامة من الأعذار الجدية لا يرقى إلى مرتبة القوة القاهرة، لأن القانون أوجب ممارسة التجارة على الوجه المعتاد، لا الوجه الشاذ الذي يضحى فيه التاجر بمصلحته الخسارة نصيبه من الاستمرار في عمله، ولأن الشارع عبر عن إفساحه في مجال العذر بما يتسع لغير القوة القاهرة من الأعذار أو المبررات أو المواقف المشروعة. ومتى وجد إحداها بصورة جدية، وكان الامتناع بعيداً عن دائرة التجريم، وإذا قدم العذر الجدي إلى وزارة التموين وانتهت إلى سلامته تعين عليها قبوله وإذا دفع به أمام محكمة الموضوع تعين عليها النظر فيه وتحقيقه حتى إذا وضح لها قيامه وجب عليها تبرئة الممتنع، لأن عمله يكون توافر له المبرر الذي يجعله خارج نطاق التأثيم والعقاب، لما كان ما تقدم وكان الطاعن قد دفع التهمة المسندة إليه بانشغاله في حادث مقتل ابن عمه وما صاحبه وأحاط به من ملابسات وإجراءات ولكن المحكمة لم تفطن إلى دلالة دفاعه ولم تقسطه حقه لم ترد عليه، وكان عليها أن تتولى تحقيقه بلوغاً لغاية الأمر فيه، إذ هو دفاع جوهري تندفع به التهمة المسندة إليه، أما وأنها لم تفعل فإن الحكم يكون معيباً بما يوجب نقضه والإحالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما: وهما صاحبا مخبز لإنتاج الخبز توقفا عن الإنتاج دون إذن خاص من الجهة المختصة وطلبت معاقبتهما بالمواد 3/ 1 مكرر و56/ 1، 2 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين المعدل، والمادة 15 من القرار رقم 79 لسنة 1952 الخاص بتحديد السلع التي يحظر التوقف عن صنعها على الوجه المعتاد. ومحكمة جنح أولاد طوق قضت غيابياً للأول وحضورياً للثاني (الطاعن) عملاً بمواد الاتهام بحبس كل منهما ستة أشهر مع الشغل وكفالة مائة جنيه لإيقاف التنفيذ. فاستأنف (المتهم الثاني) الطاعن ومحكمة سوهاج الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة التوقف عن إنتاج خبز بلدي بدون ترخيص قد انطوى على خطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال، ذلك أن دفاع الطاعن قام على أن توقفه عن إنتاج الخبز كان بسبب حدوث مشاجرة قتل فيها ابن عمه فانشغل بمتابعة التحقيق ودفن الجثة والعزاء، إلا أن المحكمة لم تحقق العذر وأطرحته بغير مبرر سائغ مما يعيب حكمها بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بعد أن حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أن.... "وآخرين توجهوا إلى مخبزي الطاعن والمتهم الآخر لشراء خبز فوجدوهما مغلقين - ووردت مذكرة من الوحدة المحلية بمركز أولاد طوق شرق تضمنت أن الإدارة التموينية أخطرت الوحدة في ذات اليوم بأن المخبزين مغلقين لاتهام الآخر "......" في حادث قتل، وأورد دفاع الطاعن على النحو الثابت بوجه طعنه ثم برر قضاءه بالإدانة بقوله "وحيث إنه لما كان ما تقدم فإن التهمة ثابتة قبل المتهمين وذلك من أقوال ".....، .....، .....، ......، ...... " التي تضمنت توقفهما عن إنتاج الخبز في مخبزيهما ولم يجحد المتهمان الاتهام وإن دفعاه بما حدث بينهما من مشاجرة وهو دفع غير مقبول ومن ثم فإن المحكمة تقضي بمعاقبة المتهمين طبقاً لمواد الاتهام" لما كان ذلك، وكانت المادة 3 مكرر من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين قد أضيفت إلى المرسوم المذكور بمقتضى القانون رقم 139 لسنة 1951 الصادر في 18/ 9/ 1951 وجرى نصها كالآتي "يحظر على تاجر الجملة أو التجزئة أن يترك عمله أو يمتنع عن ممارسة تجارته على الوجه المعتاد في السلع التي يحددها وزير التموين بقرار منه، قاصداً بذلك عرقلة التموين "ثم استبدل هذا النص بالقانون رقم 250 لسنة 1952 الصادر في 21/ 10/ 1952 فأصبح على الوجه الآتي "يحظر على أصحاب المصانع والتجار الذين ينتجون أو يتجرون في السلع التموينية التي يصدر بتعيينها قرار من وزير التموين أن يوقفوا العمل في مصانعهم أو يمتنعوا عن ممارسة تجارتهم على الوجه المعتاد إلا بترخيص من وزير التموين ويعطى هذا الترخيص لكل شخص يثبت أنه لا يستطيع الاستمرار في العمل إما لعجز شخصي أو لخسارة نصيبه من الاستمرار في عمله أو لأي عذر آخر يقبله وزير التموين، ويفصل وزير التموين في طلب الترخيص خلال شهر من تاريخ تقديمه، ويكون قراره في حالة الرفض مسبباً، فإذا لم يصدر الوزير قراراً مسبباً بالرفض خلال المدة المذكورة اعتبر ذلك ترخيصاً "وكان الواضح من المقارنة بين النصين ومن الأعمال التشريعية والمذكرات التفسيرية المصاحبة لها أن الشارع قصد بمعاقبة الامتناع عن التجارة على الوجه المعتاد تقييد حرية من يمارسها من التجار أيما كانت الطائفة التي ينتمي إليها، وذلك توفيراً للاحتياجات الأساسية للجمهور من المواد التموينية، ومحاربة الغلاء المصطنع ومنع اتخاذ الامتناع وسيلة إلى تحقيق أرباح غير مشروعة مما يعرقل التموين، وأن الشارع لم يقصد إلى القضاء على حرية التجارة، وإنما قصد تحقيق غايات مشروعة من تقييدها، وأنه كان يستلزم في الامتناع كيما يكون صاحبه مستأهلاً للعقاب أن يكون مقصوداً به عرقلة التموين، ثم وجد أن هذا القصد يقع على عاتق سلطة الاتهام مؤونة إثباته، وهو أمر فضلاً عن صعوبته لم تنسد به ذرائع من أراد مخالفة القانون من التجار فأوجب في نص القانون رقم 250 لسنة 1952 أن يثبت التاجر قيام العذر أو المبرر المشروع لتوقفه عن الاتجار على الوجه المعتاد، وضرب مثلاً لهذا العذر قيام العجز الشخصي بالتاجر أو لخسارة تصيبه من الاستمرار في عمله، ومن البين أن ما أشار إليه الشارع بخاصة أو ما أوجبه بعامة من الأعذار الجدية لا يرقى إلى مرتبة القوة القاهرة، لأن القانون أوجب ممارسة التجارة على الوجه المعتاد. لا الوجه الشاذ الذي يضحى فيه التاجر بمصلحته لخسارة نصيبه من الاستمرار في عمله، ولأن الشارع عبر عن إفساحه في مجال العذر بما يتسع لغير القوة القاهرة من الأعذار أو المبررات أو المواقف المشروعة. ومتى وجد إحداها بصورة جدية، وكان الامتناع بعيداً عن دائرة التجريم، وإذا قدم العذر الجدي إلى وزارة التموين وانتهت إلى سلامته تعين عليها قبوله وإذا دفع به أمام محكمة الموضوع تعين عليها النظر فيه وتحقيقه حتى إذا وضح لديها قيامه وجب عليها تبرئة الممتنع، لأن عمله يكون قد توافر له المبرر الذي يجعله خارج نطاق التأثيم والعقاب، لما كان ما تقدم وكان الطاعن قد دفع التهمة المسندة إليه بانشغاله في حادث مقتل ابن عمه وما صاحبه وأحاط به من ملابسات وإجراءات ولكن المحكمة لم تفطن إلى دلالة دفاعه ولم تقسطه حقه ولم ترد عليه، وكان عليها أن تتولى تحقيقه بلوغاً لغاية الأمر فيه، إذ هو دفاع جوهري تندفع به التهمة المسندة إليه، أما وأنها لم تفعل فإن الحكم يكون معيباً بما يوجب نقضه والإحالة.